رسالة رابعة إلى رئيس الحكومة

رسالة رابعة إلى رئيس الحكومة
الجمعة 14 يونيو 2019 - 16:10

الرسالة الرابعة في تمكين الشباب

السيد رئيس الحكومة

السيدات والسادة الوزيرات والوزراء

تحت عنوان “الشباب وآفاق التنمية في واقع متغير” حول التنمية البشرية العربية لعام 2016، حذّر تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أن “الاستمرار في تجاهل أصوات الشباب (في العالم العربي) وإمكاناتهم يدفعهم إلى التحول من قوة بناء في خدمة التنمية إلى قوة هدامة تسهم في إطالة حالة عدم الاستقرار وتهدد أمن الإنسان بمختلف أبعاده بشكل خطير قد يجهض عملية التنمية برمتها”.

يقدم التقرير حجتين للاستثمار في الشبابِ: الأولى تتمثل في أن نحو ثلث سكان المنطقة هم شباب في أعمار 15 -29 سنة، وهناك ثلث آخر يقل عمرهم عن 15 عاماً، ما يضمن استمرار هذا الزخم السكاني إلى العقدَين المقبلين، ويُوفِّر فرصةً يتحتّم اغتنامُها. والحجة الثانية هي أن موجةَ الاحتجاجات التي اجتاحت عدداً من البلدان العربية منذ العام 2011، وكان الشباب في طليعتها، أفضت إلى تحولاتٍ كبيرة عبر المنطقة كلها. وتمكين الشباب وإشراكهم في هذا المنعطف المهم من تاريخ المنطقة أمران حيويان لوضع أسسٍ جديدة وأكثر استدامةً للاستقرار”. فهذه الكتلة السكانية من شبابٍ في أهم سنوات القدرة على العمل والعطاء تكون طاقة قادرة على دفع عجلة التقدم الاقتصادي والاجتماعي إذا أتيحت لها الفرصة؛ فالشباب في المنطقة العربية هم مورد هام لحل مشاكل التنمية”.

يضيف التقرير إن “الخطر لهؤلاء الشباب أنهم يعانون الإحباط والشعور بالعجز والاغتراب والتبعية بدلا من استكشاف الفرص المتاحة واستشراف آفاق المستقبل”؛ وذلك ما يدفعهم إلى أن يتخذوا مسارا يهدد الاستقرار الاجتماعي.

كيف نستطيع تمكين الشباب من أداء دوره المطلوب في المجتمع؟

تؤدي العناية بالشباب إلى الحل الجذري لأنواع كثيرة من المشاكل التي يعانيها المجتمع العربي، وتمكينه يسهم في توفير سبل العيش الكريم للمجتمع كله؛ لأنه يضمن استقراره، الذي يعد شرطا ضروريا للتنمية.

تأهيل الشباب

التمكين وجه من أوجه التنمية، لأنه يزيد من فرص الفرد في الحصول على أفضل نصيب من نتائج عملية التنمية المستدامة. والتمكين يمر عبر قناة التكوين الذي يجعل الشبان متفهمين لوضعهم مسيطرين عليه، وقادرين على تنظيم أنفسهم للتمتع بحقوقهم وأداء واجباتهم وتبوء مكانتهم في المجتمع. ويتطلب الأمر إيلاء الشباب قدرا من التركيز والرعاية، من خلال برامج مترابطة ومشروعات متكاملة من خلال التأهيل والتدريب والرعاية الطبية والتعليم، ووضع سياسة لتقديم المنح والقروض الميسرة، وتشجيع المشاريع الصغيرة من أجل الاعتماد على الذات.

إن نجاح الخطة مرهون بشموليتها وتكامل أبعادها التعليمية والسياسية والاقتصادية؛ فالتعليم يرفع قدرات الشباب، والسياسة تدمجه، والاقتصاد يتيح له إنتاج الثروة. وكل نظرة تجزيئية سوف تؤدي إلى استمرار الآفات الاجتماعية العويصة: الجهل، والإقصاء والفقر.

التكوين وتعزيز قدرات الشباب الأساسية بما يمكنهم من تحقيق أقصى إمكاناتهم، شرط لازم من شروط التمكين:

– تعزيز القدرات العلمية والمعرفية: التكوين الأكاديمي الملائم للحاجات الاقتصادية ولميول الشباب، مع العناية بالجوانب الإنسانية والوجدانية، والتدريب على المهارات المهنية.

– تعزيز القدرات السياسية: ترسيخ قيم المواطنة منذ المدرسة الابتدائية، التكوين القانوني وتعليم حقوق الإنسان في السلك الثانوي، وإقامة المعسكرات الشبابية والطلابية التي تعد حقلا هاما للتربية على المسؤولية والانضباط.

– تقوية المهارات التفاوضية والقيادية: التدريب على المهارات التواصلية، والإبداع والابتكار، الإشراك في المناظرات التي تسهم في تعزيز قدرات الشباب على الحوار وتقبل الاختلاف، والانفتاح على وجهات النظر المخالفة واحترامها.

بعد تكوين الشباب التكوين الملائم، ينبغي أن نفتح أمامه أبواب التمكين السياسي والاقتصادي.

التمكين السياسي

راجت عبارة تمكين الشباب مؤخرا، بعد الحركات الاحتجاجية الشعبية التي عرفتها المنطقة؛ فالشباب هم الذين قادوا الحراك الاجتماعي، لذلك رفعوا الشعار دفاعا عن مصالحهم، وإبرازا لحقهم في المشاركة السياسية، فارتفعت الدعوات الملحة لضرورة تمكينهم السياسي. إلا أن واقع الأمر في البلاد العربية لم يحقق ذلك، فالأحزاب التي تدبر الشأن السياسي، على كثرتها، ضعيفة عليلة، بقيادات فاسدة، تتوجس من الشباب فلا تنفتح عليه ولا تسمح بتمكينه في العمل السياسي.

باب التمكين السياسي للشباب، تفتحه ثلاثة مفاتيح:

الأول: تعزيز الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب، وهذا يتطلب قرارا شجاعا من قيادات الأحزاب؛

الثاني: تعزيز الوعي السياسي للشباب، من خلال برامج تثقيف يمكنهم من فهم القضايا السياسية الكبرى لبلدانهم، وتدريب الشباب على قوانين العمل السياسي وضوابطه القانونية والأخلاقية، لإعداده لممارسة مهامه في حال انتخابه لتدبير الشأن المحلي أو الوطني من خلال مجالس البلديات أو البرلمان أو غيرهما.

الثالث: الرفع من تمثيليتهم، من خلال تخصيص حصيص (كوطا) 10 أو 20% أو أكثر في المجالس المنتخبة، لتمكينهم من في تدبير الشأن المحلي.

التمكين الاقتصادي

التمكين الاقتصادي هو شرط إشراك الشباب في خطط التنمية، من خلاله سيسهمون في زيادة الناتج المحلي، وما يترتب عنه من آثار ايجابية علي جميع مناحي المجتمع اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا‏.‏ ما يؤدي إلى تحقيق العدالة في اقتسام الثروة، والتخفيف من حدة البطالة لنزع مشاعر الإحباط التي تصيبهم‏.

هناك إجراءات متعددة للتمكين الاقتصادي للشباب، منها التشجيع على المبادرة الاقتصادية، وتبسيط الإجراءات الإدارية، ودعم مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة، وتوفير قروض مالية بشروط مشجعة لدعم وتطوير مشروعاتهم. ويمكن الاستفادة من تجارب عدد من الدول التي حققت نتائج باهرة في المجال، مثل الصين واليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية، ففي كوريا الجنوبية مثلا تشكل المشروعات الصغير والمتوسطة عمادا قويا لاقتصاده، وتبلغ نسبتها 99.8% من المجموع الكلي للمشاريع العاملة، وتستقطب أزيد من عشرة ملايين عامل، وكل سنة، تنظم الحكومة الكورية منافسة لاختيار ألف مشروع واعد لينال دعمها وتشجيعها؛ وهو ما أدى إلى الارتقاء بالمشاريع وتحقيق الجودة في أعمالها، وانعكس أثره بوضوح على النمو السريع لكوريا وتحقيق رخائها.

انتهت الرسائل.

وشكرا على سعة صدركم وحسن تفهمكم،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

‫تعليقات الزوار

2
  • رأي1
    السبت 15 يونيو 2019 - 17:11

    كل شيء قديم ومعروف كما يقال.فمن البديهي ان مضمون هذه الرسالة معروف جيدا عند القائمين على التدبير.وحتى افضل الحلول وانجعها هي ايضا معلومة عندهم.فلا احد يجهل بان مجتمعا لا يستغل قوة الشباب بما هو الطاقة التي تمنحه حيويته وتجدده ونهضته وتقدمه هو مجتمع مريض وشبه ميت.وبان تحرير الشباب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا هو اهم دعامة لتقوية المجتمع .لكن يبدو ان هنالك عوائق ذاتية اكثر منها موضوعية تترك هؤلاء المدبرين لا يكترثون بالموضوع.ولا ينتبهون الى انفسهم الا عندما تتحول الطاقة الايجابية التي يزخر بها الشباب الى طاقة سلبية مندفعة لا اح يستطيع ان يتنبأ بمالاتها كما يحدث في محيطنا.

  • رأي1
    الأحد 16 يونيو 2019 - 09:27

    شخصية الشاب معطى وصناعة.معطى لانه يحمل معه عند ولادته استعدادات جسدية وعقلية ونفسية ومزاجية اي مجموعة من القدرات والمواهب.لكن هذه ان لم تجد الشروط التي تمكنها من التعبير عن نفسها تظل في حالة كمون الى ان تتعطل وتضيع.فاذا وجد هذا الانسان بيئة مناسبة للنمو السليم امكنه تحقيق ذاته واثباتها عبر الاستفادة من استعداداته اما اذا كانت محبطة تعطلت قوته تبخرت وانهارت وخارت عزيمته واحس بالفشل.فهنالك فرق بين شاب شب وسط مجتمع يشجعه على اثبات ذاته بتوفير شروط النمو الصحي السليم وبين شاب نما وسط الفقر والحرمان والجهل والفقر والمرض ومظاهر الاحباط المختلفة.ونجاح الشاب في حياته واستفادة المجتمع من قدراته يتطلب وجود تربة وجو مناسبين.ودور السياسي هو العمل قدر المستطاع والاجتهاد المتواصل من اجل مساعدة هذا الانسان على تحرير قدراته وطاقاته واستغلالها احسن استغلال والا كان حاله على ما نشهده من تدهور ويأس واحباط.

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب