عندما تحترم الكلاب المشردة القانونَ

عندما تحترم الكلاب المشردة القانونَ
الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 08:51

ترددت كثيراً في أن أكتب إلى جريدة محترمة، هذه الكلمة البسيطة التي لا تعني أي شيء، ولا تتضمن أي مغزى، ولا تقصد أي أحد، ولا تلمز لمزاً أي كائن. ثم قلت لماذا لا؟. فقد كان الأمر بالنسبة إلي حدثاً مدهشاً.

كل ما في القصة، أني وزوجتي، عندما وقفنا امتثالا لأوامر الضوء الأحمر، يوم الأحد الفارط، في مفترق شارع الصنوبر وشارع عبد الرحيم بوعبيد وشارع العرعر، في حي الرياض، كان يقف أمامنا كذلك، احتراماً لأوامر الضوء الأحمر، رجل من أيها الناس، يظهر عليه أنه ممن يكسبون عيشهم من بين فـَرْطٍ وَدَمٍ، ويكدحون كدحاً مما يلاقون، يمتطي صهوة دراجته المتهالكة، وقد حمَّلها ما لا تطيق من “الكارتون” لا شك أن به يتعيش. كان يقف بجانبه كلب من الكلاب المسكينة التي تعودنا رؤيتها وهي أيضاً تحمل أثقال الفقر والبؤس. وكان الكلب ينظر حيناً إلى صاحبه وأحياناً جهةَ فانوس الضوء.

قالت لي زوجتي: “أي حديث هذا الذي يدور بين الرجل وكلبه”،لم تكد تنتهي من جملتها حتى اشتعل الضوء الأخضر، وتابع الرجل الممتطي صهوة الدراجة طريقهَ إلى الأمام، وانحرف الكلب مبتعداً عنه يميناً. قلتُ لزوجتي أخطأنا الظن، فلا علاقة لهذا الكلب بذاك الرجل، فقد سار كل في طريقه. وكم كانت دهشتنا عظيمة لما تتبعنا مسار الكلب. انحرف الكلبُ يمينا في مفترق الطرق، ومشى ما يقرب من خمسين متراً ، وهي المسافة التي تفصل بين موقفهما الأول والخطوط البيضاء التي يقطعها الراجلون. سار الكلب فوق الرصيف وراء الحاجز الأخضر، حتى وصل الخطوط البيضاء، والتفت يمينا وشمالا ثم قطع الطريق بين الخطوط.

في آخر مفترق الطريق من الجهة الأخرى وقف صاحب الدراجة ينتظر كلبه المهذب المتحضر “الْقَارِي”، وهو من الكلاب العامة التي لا تعرف عيد ميلاد أو “ﭬـِتِرِنيراً” حاذقاً، أو كسوة صيف أو شتاء، أو حلاقاً بارعاً. فحاله وهيأته، “وكسوته” المتسخة، وعيناه المتعبتان، كلها أمور تدل على أنه من عامة الكلاب المسحوقة في دنيا الكلاب، يجمعه ورفيقَه من بني البشر، حالُ الحاجة والاحتياج، وقسوةُ الدهر وقلة ذات اليد. تابع الرفيقان: ممتطي صهوة الدراجة وكلبه “المتعلم” طريقهما بعد لقاء. قالت لي زوجتي: “لو كان كثير من الناس متأدبين بآداب هذا الكلب وصاحبه، كيف كنا سنكون”. لم أسمع كلام زوجتي جيداً، إذ شغلني عن ذلك قنينة فارغة ألقى بها رجل، يظهر أنه من ذوي اليسار الباذخ، من نافذة آخر طراز من سيارة المرسيديس التي يتربع فيها تربع من أثقلته كرشه أكثر مما يجب. وكادت القنينة تقع على زجاج سيارتي. “نعم سيدتي ماذا قلتِ: لو كُنا…..”.

قلتُ لزوجتي: “سأكتب هذا الذي رأيته لأعممه بين الناس”. قالت لي: “سيظنونك مهووساً بالكتابة لا أقل ولا أكثر”. قلت لها: “سأحلف بشرف الكلمة أن أمر هذا الكلب وصاحبه وقع كما حكيت…”. من يدري قد نتأدب بآداب ضعاف الخلق؟ ولله في خلقه شؤون.

‫تعليقات الزوار

9
  • متابع
    الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 09:42

    نعم، قد نتعلم سلوكا سليما من مخلوقات الله، ألم يرد في القرآن عرض طريقة دفن موتانا من طرف الغراب.
    كثيرة هي طرق التعلم والتحضر…ليتنا نستوعب ذلك.

  • زينون الرواقي
    الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 09:45

    انها أخلاق وتربية ذلك الكادح الفقير صاحب الدراجة .. اخلاق وسلوك يطبعه الامتثال لكل شيء وقد زاده الرعب من جور الدهر وقساوة البشر رسوخاً .. جعلوه يؤمن في قرارة أعماقه انه خلق للتنحي جانباً وخدمة الآخرين طلباً للسلامة .. نوع من البشر يمشي في هذا الزمن كما نقول " حويطة حويطة " لو أمر بالتوقف في الضوء الأخضر أيضاً لبقي واقفاً الى ما لا نهاية فحياته عبارة عن موانع وليس إشارات بالتفضل الى الأمام .. نوع يبادر الى السلام والتحية فلا يردّ عليه ومع ذلك يعود لصنيعه .. يقفز من مكانه عند أول إيماءة من أصبع ثري قذر متغطرس لقضاء مأرب ما .. ينتظر الساعات الطوال ورپما الأيام على أبواب الإدارات والمستشفيات فلا يتبرّم ولا يشتكي .. يجد في السلبية والتراجع للوراء طوق أمان في مجتمع يلبس الفقير جريرة كل آثامه .. نقل الى كلبه البائس بعضاً من خصاله فكلاهما في مرمى الحجر لكن اعتقد ان كلاهما سعيد بصحبة الآخر وأن يكون لك في هذا الزمن كلب صديق خير من ان يكون لك صديق كلب ..
    تحياتي للكاتب المحترم ..

  • hobal
    الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 10:29

    كما تعلم ابن ادم من الغراب كيف يواري سوئة اخيه عندما قتله
    ربما ستتعلم الحكومة والحكومات المقبلة والانسان المغربي احترام القانون
    لاكن يجب ان يمتلئ المغرب بهذا النوع من الكلاب لان المغربي لا يتعلم بسرعة راسو قاسح يفعل عكس ما يصدر من فمو

  • محمد بلحسن
    الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 10:48

    تحية خالصة صادقة لصاحب الكلب الذي أحسن تربيته وللزوجة المحترمة ولكاتب مقال عذب ولد بمفترق 3 شوارع "شجرة/بوعبيد/شجرة" بالرباط !

  • KITAB
    الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 12:44

    هناك حيوانات متمدنة، كثيرًا ما تلقى إعجابنا وهي تهم باجتياز الطريق السيار داخل المدن، عاينت هذا باستمرار بالنسبة لبعض أجناس الكلاب والقطط، تحدق وتلتفت يمنة ويسرة قبل عبورها إلى الضفة الأخرى، لكن بالنسبة لانتظار الضوء الأخضر فهذا يعد قمة في الرقي الحضاري الحيواني، وليت بعضنا وما أكثرهم يتحلوا بما كان يتحلى به الكلب بطل قصة الأستاذ، وقد سمعت بوجود كلاب بأروبا يمتهنون نقل السخرة والتسوق نيابة عن أصحابها، صحيح إنها التربية في أبهى صورها حتى لو كان صاحبها من فصيلة "الحيوان" وتحياتي

  • Bernoussi
    الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 13:05

    Un article à faire lire au président de la commune de Marrakech qui a refusé d'obtempérer. Les diplômes, les statuts, l'autorité et le pouvoir n'ont jamais garanti la finesse d'esprit, le savoir vivre, la justice et encore moins l'intelligence !!

  • ع الجوهري
    الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 15:59

    لوكان ذلك الكلب منخرطا في ريضال واتصالات المغرب وله أطفال في المدارس الخصوصية ويدفع إجار الكراء
    وليس له تغطية طبية لتصرف بشكل مختلف وكذلك بحكم سكني بنفس المنطقة أعتقد ليس الكلاب لوحدها بل ألاحظ جل المغاربة يحترمون أنفسهم بحي الرياض ممكن لأنه حي محترم ويفرض الإحترام على زواره من كل الأجناس ولو كانت كل الأحياء مثل حي الرياض لتغير سلوك المغاربة الدليل على ذلك بعد كيلومتر من حي الرياض تجد تمارة كل شيئ يتغير عليك السياقة وسلوك البشر والطرقات فالمشكلة ليست في الرعية بل في الراعي

  • مواطن عايش حتى يموت .
    الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 17:06

    تابعنا قبل أشهر كيف استطاع مواطن يحمل كامرا داخلية أن ينجوا من بطش شرطية حررت له مخالفة من وحي خيالها . وكيف اضطر المديرية الجهوية للأمن للإعتذار والإعتراف بشطط المكلفة بالمرور . أما أنا الذي لا أملك كامرا داخلية فمضطر لاحترام جميع الإشارات عسى أنجوا من تسلط لن أجد منه مهربا ، ولن يسمع لقولي ولو أقسمت بألف يمين غليض .

  • amahrouch
    الأربعاء 19 يونيو 2019 - 11:14

    Les chiens et les chats sont pleins de talents à nous montrer mais hélas nous les maltraitons et réprimons en eux les dons qu ils ont.Ces animaux domestiques nous aiment et sont prêts à collaborer avec nous et cherchent à nous plaire.Je les plains et si j étais un législateur j aurais légiférer en leur faveur.Diminuer la charge que l ont fait porter aux ânes et aux mulets par exemple.J aime le anmaux

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب