ورشة المنامة مجرد جولة من معركة مقبلة

ورشة المنامة مجرد جولة من معركة مقبلة
السبت 29 يونيو 2019 - 21:28

لم تحقق واشنطن كل ما كانت تتمناه من ورشة المنامة؛ ولكنها لم تفشل بالمطلق، حيث شكلت ورشة المنامة خطوة خطيرة باتجاه التطبيع العربي الإسرائيلي وما بعد المنامة فأي علاقات أو تفاهمات بين الدول العربية وإسرائيل ستمر بدون ضجيج. ومن جهة أخرى، فإن الرفض الفلسطيني الرسمي والحزبي والشعبي لورشة المنامة كان مهما ولا شك، ولو حضر الرئيس أبو مازن الورشة لحضرها ملوك ورؤساء الدول أو كان الحضور على المستوى الوزاري على الأقل مما سيُنجح الورشة وصفقة القرن معا، إلا أن الرفض لا يكفي لوحدة لإفشال صفقة القرن ومواجهة المرحلة القادمة التي ستكون أصعب وأخطر.

الوضع الفلسطيني صعب وخطير سواء نجحت الصفقة أو فشلت، حيث فشلها يعني استمرار الأمور على حالها الراهنة وهو وضع لا يقل خطورة عما لو نجحت صفقة القرن، وبالتالي فإن مَن يعتبر رفضه للصفقة انتصارا أو إنجازا أن يُعيد حساباته ويتوقف عن إخفاء عجزه وفشله وربما تواطئه تحت خطاب الرفض. وعليه لا يمكن مواجهة صفقة القرن في ظل الانقسام وإن لم تُنجز المصالحة حالا فهذا معناه أن المُعيق لها ينتظر دورا له في صفقة القرن أو في الأموال الموعودة من ورشة المنامة.

نُدرك جيدا أن الوحدة الفلسطينية لن تستطيع وحدها مواجهة التحالف الأمريكي الإسرائيلي وتواطؤ بعض الدول العربية، إلا أن المصالحة أو الوحدة الفلسطينية يمكنها تقليل الخسائر وتعطيل الصفقة ومنع مزيد من الدول العربية من التوجه نحو التطبيع، بالإضافة إلى تغيير نظرة العالم إلى الفلسطينيين، ونستحضر هنا ترويج كوشنير وغريبنبلات بأن الفلسطينيين لا يستحقون دولة ولا يستطيعوا حكم أنفسهم بأنفسهم، فالانقسام والاحتراب الداخلي الفلسطيني هو من شجعهم على زعم ذلك.

ما يزيد الأمر صعوبة على الفلسطينيين أنه وبالرغم من عدالة القضية الفلسطينية وقوة حضور فلسطين في قرارات الأمم المتحدة، فإن النظام الدولي الحالي لا يقوم على مبادئ العدل والأخلاق ولا على الشرعية الدولية وقراراتها فقط، بل أيضا على المصالح وحسابات موازين القوى، والفلسطينيون يفتقرون الآن حليفا استراتيجيا عربيا أو إسلاميا أو دوليا، ومن تعتبرهم بعض الأطراف الفلسطينية حلفاء استراتيجيين، مثل تركيا وقطر وإيران، ليسوا إلا دولا تبحث عن مصالحها وتريد توظيف عدالة القضية الفلسطينية لتحقيق مصالحها القومية، وهذه الدول لا تُعاب على ذلك، لأن السياسة الواقعية اليوم تُغلب المصالح القومية على أي اعتبارات أو روابط أيديولوجية أو دينية، بل العيب فيمن يراهن على هذه الدول ويُضخم من دورها طمعا في مالها ولأن هذه الأحزاب الفلسطينية تُغَلب مصلحة الحزب على المصلحة الوطنية الفلسطينية.

ظاهريا، لم تخرج فلسفة ورشة المنامة عن السياق العام لطبيعة النظام والعلاقات الدولية اليوم وهي سياسة تقوم على المال والمصالح، إلا أن واشنطن والذين اجتمعوا في المنامة أرادوا تجاهل خصوصية الحالة الفلسطينيين، فالفلسطينيون لا يعيشون في دولة تعاني من أزمة اقتصادية أو دولة فاشلة يمكن حل مشاكلها بالمال، بل إن الشعب الفلسطيني يخضع للاحتلال ويناضل من أجل الحرية والاستقلال وليس تحسين مستواه المعيشي وهو تحت الاحتلال، وقد سبق أن ثار الشعب الفلسطيني على الاحتلال سواء في منتصف الستينيات مع حركة فتح ومنظمة التحرير أو خلال الانتفاضتين 1987 و 200 وبعد ذلك في كل الهبات والانتفاضات، وخلال كل هذه الثورات كانت أوضاعهم الاقتصادية مقبولة، وهذا يؤكد أن الشعب الفلسطيني يثور من أجل الحرية والاستقلال وليس من أجل تحسين مستواه المعيشي وهو تحت الاحتلال .

لقد جرب الفلسطينيون، منذ أوسلو وتحت وَهمَ السلام والوعود التي تم إطلاقها في مؤتمري مدريد وأسلو والتي لخصها الزعيم الإسرائيلي شمعون بيرس في كتابه (الشرق الأوسط الجديد، 1994 )، جربوا تنمية شمولية اعتمادا على ذاتهم ومستلهمين قصص وحالات النجاح الباهرة للفلسطينيين في دول العالم، إلا أن العائق كان الاحتلال ذاته حيث لا حرية ولا تنمية وازدهار في ظل الاحتلال وغياب السيادة الوطنية وخصوصا السيادة على الأرض والتحكم بالحدود والمعابر وحرية التنقل.

لو كان مؤتمر المنامة يسعى إلى ازدهار الفلسطينيين وتحسين الوضع الاقتصادي لكان على الذين هرولوا لورشة المنامة أن يتساءلوا من المسؤول عن تردي الوضع المعيشي للفلسطينيين سواء في الضفة أو غزة؟ أليس هو الاحتلال وممارساته وحصاره لقطاع غزة، نعم قد يتحمل الفلسطينيون جزءا من المسؤولية كالتزام السلطة ببروتوكول باريس الاقتصادي وسوء الإدارة وممارسات حماس وفشلها في إدارة غزة، إلا أن هذه الأمور ثانوية وكان من الممكن أن يكون الفلسطينيون مسؤولين عن تردي أوضاعهم الاقتصادية لو لم يكن احتلال وحصار.

حتى قبل أن ينعقد مؤتمر المنامة فإن مساومات رخيصة وخطيرة كانت وما زالت تجري في الخفاء بين واشنطن وتل أبيب من جهة ودول عربية من جهة أخرى للضغط وابتزاز الفلسطينيين آملين أن يحقق المال العربي ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه بالسلاح والإرهاب.

وأخيرا، فإن المعركة ضد صفقة القرن لم تنته بورشة البحرين بل كانت هذه الأخيرة هي بداية المواجهة، ومن الآن تبدأ المعركة التي وإن اقتصرت فلسطينيا على خطابات الرفض والتنديد فستكون معركة خاسرة. وما يُقلق بالنسبة إلى الوضع الداخلي أنه وبالرغم من أن كل الأحزاب الفلسطينية نددت بصفقة القرن وورشة المنامة واعتبرتهما تصفية للقضية الوطنية، فإنها لم تتداع للاجتماع ولو لمرة واحدة للبحث في إستراتيجية مواجهة الصفقة، وكأن الخطر المصيري الذي تشكله الصفقة أقل شأنا ليستدعي اجتماعا واحدا، بينما اجتمعوا مئات جلسات المصالحة حين كان الأمر يدور حول تقاسم المغانم والمناصب والسلطة بشكل عام !!!!، وهذا يُثير شكوكا حول جدية الرفض وجدواه إن اقتصر على الخطاب.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

3
  • مصطفى
    الأحد 30 يونيو 2019 - 19:09

    الأستاذ الفلسطيني إبراهيم إبراش سبق له التدريس بكلية الحقوق أكدال بجامعة محمد الخامس بالرباط، وكان من خيرة أساتذتها.
    تحية للشعب الفلسطيني الشقيق ودمتم صادمين في وجه الاحتلال وأزلامه. وحدة الصف الداخلي هي الحل.

  • حفار القبور
    الأحد 30 يونيو 2019 - 21:18

    من المؤسف أن وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة يدعم دولة الغطرسة والاحتلال الصهيوني، ويطالب بالصلح والتطبيع معها والاعتراف بها واعتبارها دولة من دول المنطقة؛ فقد أرسل رسالة تعزية بوفاة السفّاح المحتال شمعون بيريز منذ عدة سنوات وتحديدا في سبتمبر 2016 قال فيها " ارقد بسلام أيها الرئيس شمعون بيريز، رجل حرب وسلام لا يزال بعيد المنال في الشرق الأوسط" ونسي جرائمه ضد الفلسطينيين واللبنانيين؛ وامتدح العنصري المتطرّف بنيامين نتنياهو في الثاني من نوفمبر 2018 بالقول " رغم الخلاف القائم إلا ان لدى السيد نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل موقف واضح لأهمية استقرار المنطقة" ونسي جرائمه المستمرّة ضدّ الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، وعمله الدؤوب لزعزعة استقرار المنطقة بتهديده لإيران.

  • غ،ص، مغربي
    الأربعاء 3 يوليوز 2019 - 00:39

    من يريد وءد التغيير وفشل الربيع العربي
    اصبح من الواضح وضوح الشمس ان مصر والسعودية والبحرين بمساعدة بعض الدول الغربية كفرنسا وأمريكا وإسرائيل ،من يخطط لحملات مضاضة ،في كل الدول العربية التي تحاول شعوبها بالانتفاضة لتغيير حكومات الاستبداد باخرى ديموقراطية شعبية ،وما يحدت الان في ليبيا والسودان والجزاءر أقوى ذليل على التدخل الأجنبي لإحباط رغبة شعوب تلك البلدان في طلب إستقلالية اقتصادها وسياستها الاجتماعية …
    ان سياسة الهيمنة والسيطرة التي تحاول بعض الدول الآنفة الذكر ،استعمالها ،لن تزيد الا في إشعال الحروب ،كما كان الشأن في الحرب العالمية الاولى والثانية …وقد اعذر من انضر …
    لكن هل من متعض، سياسة ترامب تسعى لشن حرب شاملة في الخليج ليكون له حض الترشح والفوز بولاية ثانية في الانتخابات العام المقبل بامريكا،كما فعل بوش الابن باشعال الحرب الظالمة في العراق ،وتمكن من الفوز بولاية ثانية …لكن هل الشعب الامريكي سيكون مغفلا مرة اخرى؟ سنرى ذالك في اختيارهم لأي رءيس مقبل…

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17

عريضة من أجل نظافة الجديدة