علاقة الهولنديين بالشعر العربي

علاقة الهولنديين بالشعر العربي
السبت 13 يوليوز 2019 - 04:54

أولى الأدباء والنقاد الهولنديون مع أواخر القرن الثامن عشر عناية كبيرة واهتماما بالغا بالأدب العربي القديم، سواء تعلق الأمر بالشعر أو بالنثر، لكن السؤال المثير للانتباه يكمن في الدواعي والأسباب الكامنة وراء هذا الاهتمام من طرف الهولنديين بالأدب العربي.

خلصت الباحثة الهولندية المعاصرة “كريستين دوهمان” في بحث لها، نالت به شهادة الدكتوراه في الأدب، تمحور موضوعه حول “السرد الشرقي خلال القرن الثامن عشر”، إلى حقيقة مفادها أن العرب القدماء أبانوا عن قوة تصوير وتخييل عالية، وهذا ما نجد له سندا أيضا عند القدماء من النقاد الهولنديين، ففي سنة 1766 حاول الناقد الأدبي والكاتب الهولندي رايكلوف ميخائيل فن خونس دراسة مدى قوة المتن السردي عند العرب والمسلمين القدامى، وأظهر كيف أن قوة التصوير والتخييل عند العرب كانت وراء هذه المتانة والإحكام في هذه النصوص والمتون الأدبية الأصيلة، وقد ضرب مثالا بحكاية ألف ليلة وليلة التي أدهشت الأوروبيين طيلة قرون طويلة وما تزال مصدر اهتمام كبير عند كثير منهم، هذا الاهتمام ترك صدى حسنا عند المستشرقين أيضا.

خلال أواخر القرن الثامن عشر، قدم كل من ففن در بالم وسخلتونس خلال هذه الفترة صورة مغايرة عما كان سائدا يومئذ، فبحثا موضوعات القيمة الفنية والأدبية للأعمال الأدبية الكبرى، وأشار سخلتونس سنة 1776 إلى فكرة مفادها أنه لا مناص من ضرورة الاطلاع على الأدب الشرقي من لدن المتخصصين الأوروبيين عامة والهولنديين خاصة، لأن في ذلك إثراء وإغناء للأدب المحلي الهولندي، هذا ما تردد أيضا عند زميل له، ألا وهو فته، الذي ذهب سنة 1850 مذهب أن الشعر العربي يمنح الدلالات والمعاني العميقة عن الأوساط الاجتماعية والثقافية للعرب البدو، بل الأشكال التعبيرية الجديدة التي لم يسبق للهولنديين أن اطلعوا عليها، والتي لم تعرفها البيئة المجتمعية الأوروبية، ولم يتردد هذا الأخير في الدعوة إلى ضرورة الاستفادة من هذه الأشكال التعبيرية الجديدة، يقول: “إن تحمل شعرائنا وأدبائنا عناء الاشتغال على الشعر العربي والتعمق فيه سيزودهم بلا شك بكنز كبير من الأشكال التعبيرية والصور التخييلية التي لم يسبق للأدب الغربي أن عرفها”.

تجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن معظم النقاد والشعراء والأدباء الهولنديين، الذين اهتموا بالأدب الشرقي، كانت أفكارهم عن الأدب العربي وتمثلاتهم له مجرد أفكار عامة وملاحظات شخصية، لم تصل مرتبة الرؤى النقدية ولم تؤسس لنظريات أدبية، ويرجع السبب في ذلك إلى كون جل هؤلاء لم يتمكنوا من سبر أغوار هذه النصوص، لعدم تمكنهم من ناصية اللغة العربية، إلا نزرا يسيرا منهم، هذا ما حال دون القيام بهذه المهمة الصعبة، وهذا ما جعل كثيرا من النقاد والشعراء الهولنديين يكتفون بالاطلاع عبر الواسطات، ومن أهم هذه الواسطات أعمال الأديب الفرنسي المعروف “فيكتور هيغو”.

تذهب بعض الدراسات إلى القول إن الشاعر الهولندي الوحيد الذي تمكن بالفعل من الإطلاع المباشر على النصوص العربية الكلاسيكية، ولم يكتف فقط بالاطلاع على هذه النصوص بل قام بترجمة كثير من الشعر العربي والفارسي إلى الهولندية، هو فيلم بيلدر دايك 1756–1831، ومع ذلك ما تزال تحوم كثير من الشكوك حول مدى تمكن هذا الشاعر من العربية، إذ إن كثيرا من الرسائل التي كتبها تثبت عكس هذا الإدعاء، هذا فضلا على أنه قد عرضت عليه وظيفة تعليم اللغة العربية بجامعة أكسفورد، مقابل مجموعة من البحوث التي ينبغي أن يقدمها للجامعة المذكورة.

ففي تعليقات له عن إحدى نصوص “ابن دريد”، تحدث عن صدق اللغة الشعرية في القصيدة العربية ونقائها التعبيري في الكشف عن المعاني البليغة، ومقارنتها باللغة الشعرية في القصيدة المكتوبة باللغة الهولندية التي تفتقر إلى هذه الأشكال والأغراض التعبيرية.

هذا الاهتمام نجد له صدا أيضا عند برنارد ترهار 1806–1880، الذي أبدى عناية بالغة بالشعر العربي وبقضاياه الوطنية وهو ما يزال طالبا، وقد نشر سنة 1880 قصيدة بعنوان “عبد القادر”، والعنوان يحيل على شخصية بطولية في التاريخ العربي المعاصر، الذي أبدى استماتة وبسالة منعدمة النظير تجاه المستعمر الفرنسي الذي سلب الإنسان العربي حريته وكرامته.

أما “أدريان فن درهوب” في قصيدته التي نظمها سنة 1830 وقدمها لبعض من أصدقائه المقربين بعنوان “نشيد العربي في الصحراء”، وهي كالتالي:

O vriendentrist, wien ’t bloed, gelijk mij bloed

Door de aarden bruischt, en wie het oost doet smachten:

Schoon middagzon, noch morgenlandsche gloed,

Uw eersten groet aan de aarde, tegen lachten,

فتكشف عن ارتباط عميق بالشعراء العرب القدماء؛ إذ يشبه نفسه وأصدقاءه بهم في الرقي بالصور الشعرية إلى مستوى عال ومرتبة سامقة، بل يحاول أيضا أن يحاكي الشعراء العرب حتى في لباسهم وأثاث بيوتهم وطرائق تزيينهم لها، فكثير من الشعراء الهولنديين، من قبيل “فيلم بيلدردايك” و”لويس روير”، كانوا يحرصون على ارتداء اللباس الشرقي، “فروير” كان دائم ارتداء الطاقية الفاسية أو سلهام أو عمامة كما هو الشأن بالنسبة لبلدردايك.

في بدايات القرن التاسع نلمس تغيرا ملحوظا في طرائق اهتمام النقاد والمستشرقين الهولنديين، فلم يعد هؤلاء يكتفون بالأحكام العامة؛ فبتطور مناهج علوم اللغة الفيلولوجيا وقراءة النصوص الأدبية، قدم النقاد والمستشرقون الهولنديون قراءات نقدية معتبرة وترجمات جدية للنصوص العربية القديمة.

‫تعليقات الزوار

8
  • KANT KHWANJI
    السبت 13 يوليوز 2019 - 06:01

    رجاء لا تسبوا ذكائنا!
    كيف يمكن لحكاية ألف ليلة وليلة أن تكون من إبداع عربي، وشخصياتها المحورية فارسية، كالملك شهريار وزوجته شهرزاد وسندباد…؟
    لكن ليس بغريب عمن يحاول إرجاع كل شيء إلى أصل عربي ليعرب البشر و الحجر و الشجر، للتنفيس عن إحباط حضاري، وتعويض نهضة مجهضة و حضارة متفحمة و تذيل لقائمة الأمم، حتى لما ذهب القذافي إلى إعتبار شكسبير من أصل عربي و أن إسمه الأصلي هو الشيخ الزبير وأن اوباما، هو في الأصل عربي و إسمه الأصلي هو أبو عمامة…

  • aigle marocain
    السبت 13 يوليوز 2019 - 08:08

    إذا افترضنا ان الهولانديين تأثروا بشعر البدو-العرب فإن هذا سيتأثر على سلوكهم في بعض الامور.
    لو كان ما يقوله كاتب المقال صحيح لوجدنا الهولاندي المتحضر يفكر كما يفكر البدوي-العروبي المتحضر!!!!!!
    العقل الاوروبي والعقل العروبي ليس لهما نقط مشتركة لا في الماضي ولا في الحاضر ولا المستقبل.
    العقلية الهولاندية متحضرة ومتفتحة اما العقلية العروبية فهي جاهلية همجية منغلقة.
    إقرؤوا لشعراء هولانديون و لشعراء عروبيون وستسنتجون ان هذا الفرق يتشابه مع الاحاديث النبوية الشريفة والاحاديث الاموية الخبيثة.

  • ازناسني من فاس
    السبت 13 يوليوز 2019 - 10:34

    حكايات ألف ليلة و ليلة هي مرتكزة على ثلاث ثقافات، الهندية و الفارسية و العربية. لا يخفى على أحد التلاقح و التواصل الذي كان بين هذه الحضارات الثلاث خصوصا قبل الإسلام، و كمثال على ذلك الدولة الساسانية الفارسية التي حكمت جزءا من الهند و بلاد فارس و الشرق الأوسط و جزءا من مصر، و الدولة السكثية الهندية التي كانت على اتصال بالجزيرة العربية، و الدولة اللخمية العربية و التي حكمت جزءا من بلاد فارس و كانت على اتصال بالحضارة الهندية. فقد كان الكثير من العرب قبل الإسلام يتقنون الهندية و الفارسية و كان الكثير من الفارسيين و الهنود يتقنون العربية. لم يَدَّعِ أحد أن الف ليلة و ليلة عربية خالصة، لكن يرجع الفضل للعرب (وهم جزء من مبدعيها) في جمع و ترجمة و تثمين و نشر حكايات ألف و ليلة. وهذا ليس بغريب عن العرب لكون المعرفة و الثقافة و الفن كان جزءا من هويتهم و اهتماماتهم، ودليل ذلك أسواق الشعر التي كانت تعادل ما يطلق عليه حاليا بمهرجانات ثقاقية. الحضارات العربية قبل الإسلام كثيرة وضاربة في القدم، مملكة سبأ ومعين والنبطيين و الغساسنة و غيرهم ولازالت مآثرهم ونقوشهم صامدة لتدل على وجودهم.
    المجد للعروبة .

  • CITOYEN DE CENTRE
    السبت 13 يوليوز 2019 - 10:38

    غادي اجي واحد النهار تقولو ان تسمية امستردام من اصل عروبي اي انها تتكون من "امس "و "تردم" وحولها الاوروبيين الى امستردام hé hé hé.
    كان القومجي القذافي ان Démocratie اصلها عربي وتتكون من كلمتين :
    "ديما "و" كرسي"وحولها الاوروبيين الى اسمها الحالي.
    براك اوباما = مبارك بوعمامة hé hé hé
    جيكسبير = الزبير hé hé hé
    فرنسا = افرنج hé hé hé

  • المغرب اكبر من كل قزم
    السبت 13 يوليوز 2019 - 12:23

    1/2/4

    يا عجباه
    ما اعظمك بعد الله يا لغة القرآن
    ما ان يكتب موضوع يتكلم عن بلاغة وفصاحة وسلاسة اللغة العربية
    حتى تنفظ الاقلام الباربارستانية العرقية القبلية حقدا وحسدا وكرها في لغة القرآن واهلها
    لو تكلم الكاتب واظن والله اعلم انه من بني جلدتهم في موضوع عن البربرية لقاموا باهازيج واحواش وقالوا ان اصل الانسان بربري كما هو مشاع
    ليكن في علم الباربارستان العنصريون العرقيون الدين هم و الصهيونية وجهان لعملة واحدة
    كره الاسلام كره العرب
    حب الصهيونية والظهير البربري
    ان الدول المتقدمة اصبحت تكتب ارشيفاتها باللغة العربية خوفا من الضياع
    لان اللغة العربية باقية باقية باقية
    وان كوريا ام التكنلوجيا لها كلية تدرس بالعربية

    فكيف باللهجة الباربارية
    وهنا نتكلم على اللهجة العنصرية

    وليس لسان ولهجة البربرية لانها تقافة من التقافات المغربية
    ثم ليكن في علم العنصرية
    بالمغرب القوي الكبير
    من طنجة إلى الكويرة
    لا يوجد
    الا
    وطن واحد
    شعب واحد
    علم واحد
    دون اي نزعة عرقية عنصرية قبلية
    كانت

  • إلى aigle marocain
    الأحد 14 يوليوز 2019 - 00:54

    ليس صحيحاً ماتقوله فهناك جزء محترم من الشعر العربي ليس بدويا المتنبي على سبيل المثال و هو شعر عربي لأنه ألف وكتب باللغة العربية و في العربية ولا يهم أصل مؤلفه إن كان فارسيا أو أمازيغيا أو سوداني؟!

  • chengaf
    الأحد 14 يوليوز 2019 - 01:44

    على المرء ان لا يحيد عن الموضوعية العلمية لمجرد انه يطعن في العروبة او ما شابه.
    كل الكلمات و المؤلفات و الشخصيات الواردة في التعاليق من باب التهكم صنفها النقاد من باب التلاقح الثقافي.
    حتى شكبسير تكهن بعض النقاد باصوله العربية و هنا لا يهمنا اصله و فصله فهو اصلا شخصية وهمية قيل حول هويته الشي الكثير : قيل هو فرانسيس بيكون او كريستوفر مارلو او ايرل اكسفورد او ملكة انجلترا نفسها او بن جونسون..
    على صاحبنا ان لا يفز و يقفز من باب المتشابهات فبن جونسون هو كاتب معاصر لشكسبير اللغز و ليس هو الرياضي المعروف.
    اذا كنت ترتكز على مواقفك من باب المتشابهات قد يصل بك الامر الى اعتبار الباشا الكلاوي هو ال..لاوي .لان هناك قاعدة تقول : كل ما يكمكم و يجمجم يقمقم الا الباشا الكلاوي……

  • ZOOM
    الإثنين 15 يوليوز 2019 - 03:39

    6 – إلى aigle marocain

    أن يكتب غير العرب بالعربية خيرا من اهلها فهذا عذر أقبح من ذنب..
    فهذا يعني انهم -أي العرب- من الغباوة إلى درجة عدم قدرتهم على مجاراة الأجانب في تعبير بها..
    هذا هذا شيء يستحق الفخر به؟؟؟

صوت وصورة
إفطار يحتضن العابرين بطنجة
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 13:53

إفطار يحتضن العابرين بطنجة

صوت وصورة
مع قصبات الصيد في رمضان
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 12:31

مع قصبات الصيد في رمضان

صوت وصورة
ملفات هسبريس | حظر تيك توك
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 11:22 2

ملفات هسبريس | حظر تيك توك

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 8

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي