الإدارة العمومية وسؤال الولوجية

الإدارة العمومية وسؤال الولوجية
الأربعاء 17 يوليوز 2019 - 07:11

تشكل الإدارة العمومية اليوم قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فالحديث عن الإدارة كمفهوم يجرنا إلى الحديث عن كونها علما وفنا، أي إنها تواكب التطورات المتسارعة التي يعرفها عالم اليوم من تطور تكنولوجي على شتى المستويات والأصعدة، وأيضا فنا، أي آليات وميكانيزمات تتيح لها لعب هذه الأدوار التنموية.

أما الإدارة المغربية فحاولت ملاءمة هذه التطورات والمستجدات العالمية من خلال تطوير ذاتها عبر مجموعة من الوسائل والآليات، وذلك من أجل إعطاء خدمة فعالة، جيدة ترقى إلى تطلعات المرتفق، أي المواطن المغربي على وجه الخصوص. هذه التطورات عجلت كذلك ببروز إدارة مغربية ما بعد دستور 2011 تقطع مع كل أشكال التدبير العشوائي البيروقراطي المبني على الزبونية والمحسوبية والرشوة، نظرا لتنصيصه على مجموعة من المبادئ الحكماتية الجيدة من قبيل التدبير الجيد، والنجاعة في الأداء، وربط المسؤولية بالمحاسبة (الباب الثاني عشر من الدستور).. زيادة على تنصيص الدستور على هيئات ومؤسسات حكماتية تؤطر عمل الإدارات العمومية المغربية من قبيل مجلس المنافسة، مؤسسة الوسيط، والهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها. هذه المبادئ والمؤسسات الحكماتية رأت النور من أجل تكريس أواصر الصلة والثقة بين الإدارة المغربية والمرتفقين. لكن، رغم كل هذه المستجدات، فالإدارة اليوم لازالت تعاني مجموعة من الإكراهات والصعوبات التي تحد شيئا ما من فعاليتها في تقديم خدمة جيدة للمواطن المغربي. فما هو إذن واقع الإدارة المغربية الحالية؟ وما هي الإكراهات التي تعرفها؟ وكيف السبيل إلى تحسين عملية استقبال المواطن المغربي مستقبلا؟.

أولا: واقع وإكراهات الإدارة المغربية

رغم تنصيص دستور 2011 على مجموعة من الآليات والمبادئ الحديثة في التدبير العمومي، والتي تصب في خانة تسهيل وتكريس مشاركة المواطن المغربي في عملية صنع السياسات العمومية، سواء الترابية أو الوطنية، في إطار الديمقراطية التشاركية، وأيضا إعطائه الحق في الحصول على المعلومات الموجودة بحوزة الإدارات العمومية؛ ورغم إلحاحية الخطب الملكية على ضرورة التجسيد والتكريس لإدارة عمومية في خدمة المواطن المغربي، إلا أن واقع الحال لا يجسد هذا الطموح الملكي أو هذه النظرة الدستورية المستقبلية للإدارة العمومية، الأمر الذي لم تعمل على تطبيقه مجموعة من الوزارات الوصية على هذه القطاعات الإدارية التي لها واجهة مباشرة واحتكاك يومي مع المواطن المغربي.

فبلورة المملكة لمجموعة من الأوراش التي أطلقتها من أجل تسهيل الولوجية في وجه المواطنين، أبرزها كل من مخطط المغرب الرقمي والإدارة الإلكترونية الذي انخرط فيه المغرب بكل جدية، إلا أنه لم يستطع إيجاد حلول جذرية لمعضلة جودة الخدمة المقدمة للمواطنين.

لكن، في مقابل ذلك، نجد عددا قليلا من الإدارات العمومية تحاول الخروج من هذه البوثقة بحلول عملية من أجل استقبال المواطن المغربي في ظروف جيدة وأجواء من الثقة، وخير دليل على ذلك هو ما سارت على تكريسه وزارة الاقتصاد والمالية، التي عملت منذ سنوات على بسط نظام معلومياتي حديث يسهل الولوجية بالنسبة للملزم دافع الضريبة (أي المواطن)، وذلك عبر سنها لخدمات إلكترونية من قبيل “Simple Services” التي تعمل بها الإدارة الضريبية المغربية من أجل تسهيل ملء الإقرارات الضريبية، وأداء الضريبة عن طريق الإنترنت دون تكبد عناء التنقل إلى الإدارة، بالإضافة إلى خدمة “بدر” و”عادل” التي تعمل بها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

لهذا فقد كانت وزارة الاقتصاد والمالية أول وزارة وإدارة عمومية تحاول تحقيق السبق في ما يخص تسهيل الولوجية بالنسبة للمرتفقين، ومازالت إلى حد الساعة تعمل على تحديث خدماتها، والرفع من قدراتها في هذا المجال الذي يهم بالدرجة الأولى خلق خدمة فعلية وفعالة في وجه المواطن المغربي؛ وخير مؤشر على ذلك هو تخصيص توصيات المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات التي نظمتها وزارة الاقتصاد والمالية التي أقيمت بالصخيرات أيام 3 و4 ماي 2019 لحيز كبير منها للحديث عن تسهيل الخدمات المقدمة للمرتفقين.

ثانيا: إصلاح الإدارة المغربية في أفق تسهيل الولوجية

إن إصلاح الإدارة العمومية المغربية أصبح اليوم ضرورة ملحة، نظرا لوجود العديد من الإكراهات والإشكالات التي لا تصب في مصلحة خدمة المواطن المغربي، وتكرس لنفوره من الإدارة، وعدم الشفافية والمساواة أمام المرفق العام؛ لهذا فضرورة إصلاح الإدارة العمومية، وتعزيز ولوجية المواطن أو المرتفق إليها، وتدعيم الثقة لديه، تعد من الأولويات، بل من الأهداف الرئيسية في إنجاح النموذج التنموي الجديد للمملكة القائم على العدالة الاجتماعية، والمساواة والشفافية والوضوح.

تحقيق تلك القفزة النوعية التي ننشدها ونبتغيها من خلال إصلاح الإدارة العمومية، لا شك وأنه سيحقق مزايا ونتائج ستعود بالنفع على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، لذلك فإننا ندعو اليوم الجميع إلى وضع مسألة إصلاح الإدارة العمومية ضمن الأولويات. كما أن الحكومة والبرلمان اليوم كمؤسستين دستوريتين مدعوتان إلى الانكباب على صياغة قانون جديد بمثابة ميثاق يحدد العلاقة بين المرتفق والإدارة، ويكرس التوجهات الملكية والدستورية الداعمة لخلق ثقافة إدارية جديدة في وجه المرتفقين. ولنا في وزارة الاقتصاد والمالية خير مثال، نظرا للانفتاح الواضح والآليات الجديدة التي خلقتها من أجل خلق جو شفاف، ديمقراطي، ناجح مبني على الثقة ما بين مختلف مصالحها وما بين مرتفقيها.

إن إيجاد حلول عملية لمختلف المشاكل والمعيقات التي تعرفها الإدارة العمومية المغربية، خصوصا في مجال تقديم الخدمات للمرتفقين، ينصب في ضرورة أنسنتها لكي تصبح خدومة لنفسها أولا ولمرتفقيها ثانيا. لذلك فإن أي إصلاح يجد جذوره اليوم في سطور وخطوط الدستور، إذن يجب وضع آليات ومبادئ ومؤسسات دستور 2011 الناظمة والضابطة للعمل الإداري بشكل واقعي، وألا تظل حبيسة السطور، فالإدارة العمومية اليوم بحاجة إلى كل هذه الميكانيزمات من أجل لعب دورها على النحو المطلوب.

*باحث في العلوم السياسية

‫تعليقات الزوار

2
  • محمد بلحسن
    الأربعاء 17 يوليوز 2019 - 08:42

    أحسنت قولا يا باحث في العلوم السياسية "إن إيجاد حلول عملية لمختلف المشاكل والمعيقات التي تعرفها الإدارة العمومية المغربية، خصوصا في مجال تقديم الخدمات للمرتفقين، ينصب في ضرورة أنسنتها لكي تصبح خدومة لنفسها أولا ولمرتفقيها ثانيا".
    إنطلاقا من تكوين في قطاع البناء والأشغال العمومية وخبرات وتجارب مهنية بالقطاعات كلها (العمومي وشبه العمومي والخاص وشبه الخاص), طيلة 40 سنة, أستغل هذا المنبر الاعلامي المتميز والمحترم لأقول بصوت الكتابة: لا إصلاح داخل الادارات والمقاولات العمومية وبالقطاع الخاص دون أنـــــــــــســــــنــــــــة مناهج التدبير.
    الأمثلة كثيرة متعددة و "الوقاية خير من العلاج" هو الحل.
    شكرا لكاتب المقال ولهسبريس.

  • يجب الموظف المناسب في ...
    الخميس 18 يوليوز 2019 - 00:01

    لا إصلاح داخل الإدارة العمومية المغربية، دون الإهتمام بالعنصر البشري، مع وضع الموظف المناسب في المكان المناسب، و يجب إنتقاء أحسن وأجود الأطر الإدارية والتقنية المكونة والمؤهلة تأهيلا في المستوى، وذلك لأجل تحميلها مسؤولية تسيير وتدبير مختلف مصالح المرافق العمومية، بما فيها قطاع الجماعات الترابية..فكيف يعقل أن تسند مسؤولية مصالح هذه الأخيرة لبعض الأعوان الجماعيين الذين لا تتجاوز رتبهم الإدارية ” مساعد إداري “ ؟!! في حين، نجد أن القانون واضح في هذا الباب، إذ يفرض على المترشح لهذا المنصب أن تكون لديه أقدمية أربع سنوات في رتبة متصرف وكذا تجربة لا بأس بها في مجال إختصاص المصلحة أو القسم المراد شغله، وذلك بعد المرور أمام لجنة الإنتقاء المكونة لهذا الغرض بكل جماعات المملكة…

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب