إدارة ترامب تفضح أوهام السلام الأمريكي وعجز إسرائيل

إدارة ترامب تفضح أوهام السلام الأمريكي وعجز إسرائيل
الأربعاء 28 غشت 2019 - 19:25

القرارات الأمريكية المتسارعة الداعمة لإسرائيل والمعادية للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وآخرها شطب الخارجية الأمريكية اسم أراضي السلطة الفلسطينية من مواقعها وقبلها رفض الاعتراف بالواقع القانوني الدولي للضفة وغزة كأراض محتلة واعترافها بالقدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني وعشرات القرارات والمواقف الأخرى داخل الأمم المتحدة وخارجها، ناهيك عن الدعم المالي والعسكري والاقتصادي غير المسبوق في تاريخ العلاقة بين الطرفين، ليست عفوية أو أحداثا عابرة.

هذه المواقف والسياسات لا تعبر فقط عن مغالاة الرئيس ترامب في انحيازه إلى إسرائيل، بسبب توجهاته الدينية والأصول اليهودية لصهره كوشنير؛ بل تميط اللثام عن حقيقة العلاقة بين إسرائيل والصهيونية العالمية من جانب وواشنطن والغرب عموما من جانب آخر. كما تُعد هذه المواقف والسياسات مؤشراً على تحولات إستراتيجية كبيرة في السياسة الأمريكية سيكون لها نتائج خطيرة على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعلى كل صراعات المنطقة، وتكشف أيضا عن أزمة عميقة لدولة الكيان.

ما يجري اليوم مع القضية الفلسطينية وفي المنطقة العربية يؤكد صحة الأدبيات الأولى للحركات القومية العربية والوطنية والتقدمية منذ ظهور وعد بلفور 1917، التي شخصت العلاقة بين ظهور الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل والمصالح الاستعمارية في المنطقة، حيث أكدوا على تداخل المصالح الاقتصادية والإستراتيجية والأبعاد الدينية بين الطرفين وأن إسرائيل لن تكون إلا أداة لتنفيذ السياسات الغربية لزرع الفتنة في المنطقة والعمل على تقسيمها وتفتيتها والهيمنة على خيراتها. ولهذا، فلن تترك الحكومات الغربية إسرائيل لوحدها بل سيدعمونها وسيمدونها بكل ما تحتاجه حتى تبقى متفوقة على العرب أجمعين .وهكذا، بعد بريطانيا العظمى المؤسِسة الأولى لدولة الكيان استلمت الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية في دعم وحماية إسرائيل والمشروع اليهودي الصهيوني التوراتي.

استمر الوعي والإدراك الشعبي والرسمي العربي بحقيقة وطبيعة الصراع مع التحالف الغربي الإسرائيلي قائماً وعززته الممارسات العدوانية والمؤامرات، بدءاً من حرب 1948 ثم العدوان الثلاثي على مصر 1956 وبعده عدوان 1967، ومؤامرات لا تنتهي لزرع الفتنة وإجهاض كل محاولات وحدوية عربية، إلا أن تغلغل فكر التسوية السياسية والمراهنة على أنه يمكن تفكيك العلاقة بين إسرائيل والغرب وخصوصاً واشنطن ويمكن المراهنة على هذه الأخيرة بأن تكون وسيطاً نزيهاً لحل الصراع العربي الإسرائيلي، والمراهنة أيضاً أن تكون إسرائيل دولة سلام وتقبل الاعتراف ولو بجزء من حقوق الشعب الفلسطيني وتقبل الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 67، كل ذلك ثبت أنه مجرد وهم تغذى من حالة العجز وليس من تحليل علمي وموضوعي للواقع.

هذا التحول بدأ على إثر حرب أكتوبر 1973، وأتى أكله مع توقيع اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد 1979، وتعززت هذه المراهنات العربية لاحقاً في مبادرة الأمير فهد أو مبادرة فاس 1982 ثم مؤتمر مدريد 1991 وتلتهما المبادرة العربية للسلام 2002. أما فلسطينيًا، فإن التفكير بحل وسط مع الإسرائيليين فتعود جذوره إلى 1971 عندما طرح الفلسطينيون مشروع الدولة الواحدة التي يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود، إلا أن التحول الأبرز كان في دورة المجلس الوطني في الجزائر 1988 عندما تم القبول بدولة فلسطينية على أراضي الضفة وغزة واعتماد قرارات الأمم المتحدة كمرجعية لأية تسوية سياسية.

بغض النظر عن مدى صواب هذه المراهنات في حينها فإن ثلاثة عقود تقريبا من المراهنة على موقف أمريكي محايد وعلى استعداد إسرائيلي للسلام كافية لتُعيد التأكيد على حقيقة الصراع كصراع بين الشعب الفلسطيني والأمة العربية ومعهما أحرار العالم من جانب، وإسرائيل والحركة اليهودية الصهيونية العالمية وحكومات غربية وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية من جانب آخر.. وما جرى ويجري في عديد الدول العربية تحت مسمى الربيع العربي والتدخل العسكري الإسرائيلي من خلال ضرب مواقع في سوريا والعراق ولبنان واليمن يؤكد هذا التحالف، والذي للأسف تشارك فيه بعض الأنظمة والجماعات العربية بوعي أو بدون وعي.

في ظل هكذا تحولات إستراتيجية في الموقف الأمريكي وفي النظامين الدولي والإقليمي وفي ظل ضعف ردود الأفعال الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية فإن مفهوم السلام والمراهنة عليه بالصيغة والآليات السابقة تحتاج إلى وقفة مراجعة، وخصوصاً من الطرف الفلسطيني المُستهدف الرئيسي الأول من المشروع الصهيوني؛ لأن الأنظمة العربية والإسلامية أخرجت نفسها من دائرة الصراع، وخصوصاً أننا سنشهد قريباً خطوات إسرائيلية أكثر خطورة قد تصل إلى ضم الضفة أو أجزاء كبيرة منها، فأي سلام أو تسوية سياسية سيكون بعد ذلك؟ وما سيزيد الأمر صعوبة أن الاستمرار في حالة ألا حرب وألا سلم يخدم إسرائيل وواشنطن ولا تخدم الفلسطينيين المنقسمين على ذاتهم والفاقدين للبوصلة.

إن كانت المواقف الأمريكية الأخيرة الداعمة لإسرائيل تؤكد على قوة التحالف بين الطرفين إلا أنها تكشف في الوقت نفسه بأن إسرائيل، وبالرغم من كل ما تملكه من قوة عسكرية بما فيها نووية، عاجزة عن حسم الصراع لوحدها كما هي عاجزة عن تركيع الشعب الفلسطيني ودفعه للاستسلام كما هي عاجزة عن جر الشعوب العربية لمربع التطبيع معها والاعتراف بها.

لذا، فإنها تلجأ إلى واشنطن لتقوم بما هي عاجزة عن القيام به، حتى في هذه الحالة فإن صمود الشعب الفلسطيني واستمرار إيمان الشعوب العربية والإسلامية بعدالة القضية الفلسطينية ورفضها لإسرائيل كدولة احتلال وكإيديولوجية يهودية صهيونية كفيلان بإفشال، ولو نسبياً، كل السياسات الأمريكية والإسرائيلية.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

1
  • غ،ص،مغربي
    الجمعة 30 غشت 2019 - 04:17

    باسم الله. اسراءيل والحروب التي لا تنتهي…ومند الحرب العالمية الاولى والثانية…
    رغم كل هذه الحروب في الشرق الأوسط وغيرها ،اغلبها بسبب احتلال اءسراءيل لفلسطين ،رغم كل هذا ،لا زالت أمريكا وحلفاءها يساندون ضلم اسرائيل !..وألزمت كل هذه الحروب الشعوب الى الهجرة ،وكل الدول الغربية تشتكي من هذه الهجرة آلتي لم تتوقف منذ عقود منذ احتلال اسرائيل لفلسطين،وانتشار الحروب هنا وهناك خاصة في الشرق الأوسط !..والتاريخ يشهد لكل المجازر المرتكبة من طرف اسرائيل …لكن الدول الغربية خاصة التي تدعي العدل والديموقراطية،ما زالت تغض الطرف عن كل هذه المضالم …لكن الى متى ،وهي التي تشتكي من الاٍرهاب المنتشر في اغلب دول العالم!..وما ذالك الا نتيجة الظلم الذي تشارك فيه هذه الدول،عندما لم تنصف الشعوب المتضررة من كل هذا الضلم…
    اما ءان الاوان لإعطاء لكل دي حق حقه،الكل يعلم ان اسراءيل محتلة لفلسطين ،وتقتل شعبه دون رأفة ولا رحمة!..ولكن للأسف هناك من يساندها على سياستها العنصرية والاستيطانية ،وما قرار أمريكا بالاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لاسراءيل الا اكبر دليل رلمساندة الضلم في فلسطين!..
    فما أنتم فاعلون يا حكام الع

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات