تغيير الحاضر من أجل المستقبل لبلوغ التنمية

تغيير الحاضر من أجل المستقبل لبلوغ التنمية
الجمعة 30 غشت 2019 - 13:05

دخلت مرفقا إداريا لدولة أجنبية لقضاء غرض شخصي، وشد انتباهي شعار من أربع كلمات ” نغير الحاضر، نبني المستقبل”. Cambiamos presentes”, construimos futuros”. وعلى الرغم من أن هذه الدولة تعيش رخاء وازدهارا اقتصاديا، وأن مواطنيها يعيشون في رغد العيش، فإن تغيير الحاضر من أجل ضمان المستقبل أصبح لديها مبدأ قارا وديناميكية مستمرة؛ لأنهم يطمحون إلى الأحسن والأفضل.

ولأن المغرب اعترف بفشل نموذجه التنموي، ويعيش الآن على وقع التفكير والبحث من أجل إرساء آلية لصياغة نموذج جديد لتغيير الحاضر المريض في كل شيء، تبعا للملاحظة والمعاينة والتشخيص الواقعي والرسمي.

فإنني أزعم أن ما وصل إليه المغرب هو حالة فراغ حقيقية غير مقبولة، على الرغم من اختلاف الفلاسفة والفيزيائيين حول الفراغ بين قبول “زينون” له، ورفض “أرسطو” والفيزيائيين له، واتحادهم مع الطبيعة التي لا تقبل بدورها الفراغ. إن الفراغ، حسب اعتقادي الشخصي وبعيدا عن التأملات والاستنتاجات الفلسفية والحقائق العلمية، هو حالة تيه وشك في كل مناحي الحياة، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو تعليمية أو رياضية…

والفراغ، تبعا لذلك، هو حالة ضعف يطبعها كثرة أفعال العنف، وسيطرة الشائعة، ويعم الخوف، فتنعدم المبادرة والإبداع، وتلوذ النخبة والكفاءات إلى الصمت والاختباء فيما يشبه الهروب. إن الفراغ بهكذا معنى وتعريف هو مناخ خصب وفرصة سانحة للشعبويين والتافهين، أي للفراغ نفسه لملء هذه الفراغات، والاستحواذ عليها، فيفرض الجاهل وصاية إكراه وإذعان لاحترام قيم الجهل والتفاهة على العامة لكون فاقد الشيء لا يعطيه أولا، ولغياب من يجادلهم ثانيا؛ ذلك أن الحكمة توصي بعدم مجادلة الجاهل أصلا.

وقد يكون الفراغ نتيجة عسر انتقال فجائي وغير متوقع، ينجم عنه تخبط بين ثقل التطبيع مع الواقع، ورفض وصعوبة الحسم معه من أجل التغيير؛ وهو ما يؤدي إلى نفس التيه الأول وفقدان البوصلة. ومن سماته غلبة وطغيان التدافع الكبير، وغلو في حب الاستعراف، له نفس أوصاف ومؤشرات وتمظهرات حالة الهوان والضعف، والتي هي أحد مظاهر الفراغ الناتج عن الضعف والمرض. والفراغ بشكله الناتج عن الضعف، أو بسبب عدم القدرة في تدبير الانتقال وفي عسره، هو أكبر خطر يهددنا ويداهمنا جميعا، فهو بمثابة أفعى تلف بأجسامنا، وقد تخنقنا أو تنفث سمها في شرايين كينونتنا.

والجميع مدعو إلى رفض الفراغ، مثلما ترفضه الطبيعة، والاتحاد لتحويل الضعف والخوف إلى قوة وشجاعة، والشك إلى يقين، والجهل إلى علم، ولينهض الجميع لاختصار فترة الانتقال، وتحويل الانتقال والتغيير الذي طال أمده إلى تأكيد الذات في الحاضر والإيمان ببناء المستقبل، بجعل القطيعة مع التخلف والضعف والجهل والفساد.

ولننتفض لطرد التفاهة والرداءة، التي أوشكنا أن نتطبع معها، وقد تصبح قاعدة عامة وحالة طبيعية، عن طريق تكريس العمل والجدية والمصداقية.

وطبعا هذا لن يتأتى إلا إذا آمنا بأن الحرية مسؤولية وليست مرادفا للفوضى، وبأن الديمقراطية مبدأ وإيمان وإرادة حرة وتداول حقيقي وليست مظهر شكلي وإعلان مزيف ووسيلة تدوير مموهة وتأكيدات خادعة لضمان المناصب وشرعنة السلطة، وبأن العدالة عدل ونزاهة وإنصاف وضمانة للحقوق والحريات وآلية للمحاسبة وليست سلطة مطلقة ولا شعارات قضائية بالتخليق أو التحديث أو الاستقلالية لكل فترة ومرحلة، وبأن التعليم والصحة والشغل والتنمية حقوق وشروط اندماج المواطنين؛ كلها أركان أساسية وضرورية لبناء صرح المستقبل، وليست مبادئ قانونية وشعارات وعبث وهزل سياسي. والطفل والشباب والنساء والبيئة والموارد الطبيعية وجميع الجماعات الترابية هي ونحن جميعا، دون تمييز ولا تفرقة، وهي وهم المغرب الواحد والموحد في الحاضر ، دون خوف ولا شك في المستقبل.

وآمنا أيضا بأن القوانين ليست غاية في حد ذاتها، بل العبرة في حسن وضوحها وفي تدبيرها للحق والواجب، بما يضمن امتثال المواطنين لاحترامها لحاجتهم إلى هذا التنظيم، وملاحظاتهم لمساواتهم أمامها، وخلق مناخ للاستثمار المحلي والأجنبي والمبادرات الفردية، وليست وسيلة مرادفة لكثرة الشكليات المتخمة والبيروقراطي، والقمع والسكوت والإخضاع.

وفي المغرب الواحد في مساواة مجالية في المنافع؛ التهيئة وفي المرافق والتجهيزات، وفي التنمية دون تفضيل مركز وتهميش جهة، والمغاربة في تناغم وتفاعل مع المجال والانفتاح على الغير من أجل التنمية؛ هم الغاية والهدف؛ هدف الوصول إلى مغرب الغد والمستقبل، من خلال مواطنة تفاعلية تبنى عن طريق المشاركة المسؤولة، وليست دروسا في مادة التربية على المواطنة لزرع الشعور بالانتماء وغرس حب المواطنة، بل باحترام المواطن في كينونته وخصوصياته وآرائه.

وتبعا لكل ذلك، فإن التعليم والشغل والعدالة والصحافة المسؤولة والديمقراطية الحقة هي منافذ للتنمية ولاندماج مواطنين في إطار المساواة وتكافؤ الفرص بينهم، وبين المرأة والرجل والمجال، من أجل بناء مغرب الغد والمستقبل، الذي يشارك الجميع بإيمان في بنائه وفي الدفاع عنه. والبداية في تغيير الحاضر، وهي شروط نجاح أي نموذج تنموي.

*محام بمكناس وخبير في القانون الدولي_ الهجرة ونزاع الصحراء.

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 24

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات