موقع القضاة في مخططات إصلاح منظومة العدالة

موقع القضاة في مخططات إصلاح منظومة  العدالة
الأحد 1 يناير 2012 - 01:23

تعد السلطة القضائية قديما وحديثا إحدى أهم الركائز التي تقوم عليها الدول، ولذلك قال ابن خلدون مقولته الشهيرة ” العدل أساس الملك”، كما تعتبر أيضا مرآة عاكسة لتطور المجتمعات وقوتها حيث لن نبالغ إذا قلنا بأن صلاح القضاء هو من صلاح المجتمع بالكامل لكونه يمثل محورا تتقاطع فيه مصالح الأفراد والمؤسسات وبالتالي لا غنى عن دوره في إقامة التوازنات الكبرى المرتبطة بالعدالة بمعناها الشامل .

وإذا كان خطاب إصلاح القضاء في المغرب أضحى مألوفا عند العام والخاص فإن مقاربات هذا الإصلاح هي التي ظلت غامضة وشكلت مجالا لتجارب متعددة لم تؤد إلى نتائج مرضية الى الآن . إذ بمراجعتنا لهذه التجارب وكلها من صنع وزراء العدل المتعاقبين على هذه المؤسسة المسؤولة عن قطاع العدل برمته، نلاحظ أولا أنها تجارب منزلة تنزيلا فوقيا أي أن القرار يتخذ في الإدارة المركزية ثم يرسل إلى الجهات والأقاليم لكي يطبق دون إشراك المعنيين بهذا التطبيق في صنع هذه التجارب سواء عبر الاستشارة أو الأيام الدراسية التي يؤخذ بتوصياتها وليس بعض الندوات ذات الهدف الاعلامي التي تقام هنا وهناك ، وعملية الاستشارة هاته يجب أن تهم مختلف الفاعلين في قطاع العدل وهم بالدرجة الأولى القضاة وكتاب الضبط والمحامون والعدول والمفوضون والنساخ والمترجمين والضابطة القضائية وأيضا المجتمع المدني المشتغل بالميدان، لأن هؤلاء هم أدرى الناس بحقيقة المشاكل اليومية التي تعاني منها العدالة.

أما الملاحظة الثانية فتتعلق بكون كل هذه التجارب لم تكن تمس في العمق جوهر الإصلاح ولبه ألآ وهو استقلال القضاء، فمعلوم أن هذا الأخير كان دائما إدارة من إدارات الجهاز التنفيذي يترأسها وزير العدل الذي هو عضو في السلطة التنفيذية وفي نفس الوقت رئيس النيابة العامة الذي هو جهاز قضائي مهمته البحث والتحري في وقوع الجرائم وإثارة الدعوى العمومية وممارستها ،كما أن وزير العدل يشغل أيضا نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء وهي الهيئة التي تشرف على تدبير وضعية القضاة من تعيين وتأديب وترقية، وهذا يعني باختصار أن مصير القاضي المهني يبقى بيد وزير العدل الذي هو عضو بالحكومة كما أسلفنا وقد يكون منتميا لحزب سياسي. (جدير بالذكر هنا أننا لا نتكلم إطلاقا عن شخوص وزراء العدل وإنما نتحدث عن المؤسسات التي تعلو على الأشخاص).

إذن فجوهر الإصلاح لم يكن يركز على استقلالية القضاء بل كان الإصلاح يختزل في مشاريع القوانين وإحداث تقسيمات وشعب جديدة وإلغاء أخرى ثم الرجوع إليها في بعض الأحيان وهكذا.

الملاحظة الثالثة تتعلق بكون القاضي أصبح هو ذاك الشماعة التي يعلق عليها فشل الحكومات المتعاقبة في إصلاح حقيقي لمنظومة العدالة، إذ نجد في كثير من المناسبات أن مناقشة إصلاح العدالة تتحول في نهاية المطاف إلى اتهام لشخصية القاضي الذي لا يمثل إلا جزءا من المنظومة وليس كلها، إذ يشترك في هذا القطاع العديد من المتدخلين وفي كثير من الحالات لا يظهر عمل القاضي مهما كان صالحا بدون تعاون جميع هؤلاء الفاعلين، ولذلك فضلنا تسمية إصلاح منظومة العدالة بدل إصلاح القضاء فقط.

ولكل هذه الأسباب ونظرا لكون الدستور الجديد أعطى الحق للقضاة في تأسيس جمعيات مهنية بمثابة نقابات لهم كما هو معمول به في الدول الأوروبية وبعض الدول العربية كالجزائر وتونس، فإنه يتعين على القائمين على الشأن القضائي في بلادنا أن يقوموا بشراكة حقيقية بين هاته الجمعيات المهنية ومن بينها نادي قضاة المغرب المؤسس حديثا من طرف قضاة رافضين لهذا الوضع والذين أخدوا على عاتقهم الدفاع عن استقلال القضاء كما هو منصوص عليه في النظام الأساسي للنادي وكما يتضح أيضا من خلال الشعار المرفوع في الجمع العام التأسيسي الآ وهو:” جميعا من اجل التضامن والكرامة واستقلال السلطة القضائية” وكذا من خلال الظروف التي مر فيها انعقاد الجمع العام التأسيسي والتي يعرفها العام والخاص حيث أبان أعضاء النادي عن إصرار كبير في تحدي المنع الغامض الذي تعرضوا له وقاموا بتأسيس جمعيتهم المهنية الدستورية تحت أشعة الشمس في الشارع العام وهو عازم على الدفاع عن مبادئه واعتماد طريق الوضوح والشفافية في عمله ،لذلك يبقى اشراك النادي في أي مشروع للاصلاح بالإضافة إلى كافة المتدخلين في القطاع كما أسلفت آنفا مسألة أساسية ستمكن من وضع اليد على مكامن الخلل الحقيقية التي يعاني منها القطاع وكذا الوقوف على حاجات ومتطلبات الإصلاح وتحديد المسؤوليات بكل دقة وربط ذلك كله بمراقبة ومحاسبة الجميع، وتشجيع المنخرطين في هذه العملية وإبعاد المقاومين لها في أي موقع كان لان أهل الدار أدرى بمن فيها كما يقال، فهذا فيما نرى هو المدخل الأساسي للإصلاح حقيقي للمنظومة القضائية التي طالب بها جلالة الملك في أكثر من خطاب فهل من مجيب؟.

*الكاتب العام لنادي قضاة المغرب

‫تعليقات الزوار

10
  • عبد الله
    الأحد 1 يناير 2012 - 10:54

    نتمنى أن ينقد الله البلاد من الفساد بكم، وبأمثالكم من القضاة الشباب الأشاوس، لاسيما وأن الدستور الجديد، قد أتاح لكم فرصة ذلك وأكثر، فضلا عن ضمان استقلاليتكم من طرف صاحب الجلالة نصره الله وأيده.

  • بو زبيطة علي مدرس تا مزيغت
    الأحد 1 يناير 2012 - 13:27

    نعم العدل اساس الملك و هدا ما عشناه و ا قعيا في السنة الما ضية و شا هدناه بام اعيننا على الفضا ئيات حيث بعض من ظلموا شعوبهم وتبنوا الشطط في حكمهم و ا حكامهم كان مالهم زوال الملك لانهم لم يعدلوا و على ر اسهم الديكتاتور الطا غوت العقيد معمر القدا في ملك ملوك افر يقبا كما كان زعم طيلة ا ستيلا به الحكم فكان مصيره ان انقلب عليه الشعب الليبي و ا علنوها ثورة سلمية ثم مسلحة و ا خيرا ا نقضوا عليه فقتلوه شر قتلة بو حشية يندى لها الجبين و لكنه هو الدي سعى الى دلك بما كسبت يداه من ظلم و جور و تسلط و انفراد بالحكم كما سقط نظام الطاغوت فر عون مصر حسني مبارك الد ي ا كثر بمصر الفساد و صب على شعبه سو ط عداب و لكنه لم يفلت من الا طا حة به و الزج به في السجن الا مر الدي لم يكن له في الحسبان هو وو لديه الدين كانوا يمثلون القوة العظمى بمصر و يستبدزن بالحكم كما يشاءون فالله ا مهلهم حتى جاء امر الله فقال كن كفكان فقدر الله و شاء وو قعت الطامة الكبرى على الفر عون و بنيه ادن العدل ا ساس الملك و من ا حسن من الله عدلا ان المسلمين كلما خر جوا عن طا عة ر بهم جا ء هم من يحكمهم و يسو مهم اسوء عداب ونسال الله خيرا

  • التمسماني
    الأحد 1 يناير 2012 - 15:27

    نزاهة واستقلالية القضاء معياران لقياس ديمقراطية المجتمعات ، ومع الاسف الشديد في بلادنا يتلاعب بعض القضاة بامورالناس بشكيل فضيع وكاننا نعيش في القرون الوسطى وليس في القرن 21 ، ولدي ملفان لدعوتين الاولى اصدر فيها حكم برفض الدعوة دون الاستناد الى اي فصل قانوني او اجراء خبرة والاكثر من ذلك المدعية عليه لا تملك اية وثيقة ثبوتية للملك موضوع النزاع ، اما الدعوة الثانية فلم يصدر فيها اي حكم رغم مرور 4 سنوات على رفع الدعوة ولم يحضر الخبير لاجراء الخبرة بعد مرور سنة تقريبا على اداء واجب الصندوق لاعطاء الفرصة للمدعى عليه لفرض وقائع جديدة على الارض من خلال طمس معالم الملك موضوع النزاع واقامة بناء على ارض المدعية وهي ارملة لا ابناء ولا معيل لها غير الله يحدث هذا في ابتدائية الناظورحيث قانون المال هو السائد، واذا استمرت الامور هكذا سينتهي الامر بهذه الارملة الى التشرد وسيبقى ذلك وشمة عار في جبن قضاة المغرب

  • elkiouas mohammed
    الأحد 1 يناير 2012 - 16:19

    juger c'est aboutir ou c'est rien ce principe est le coeur battant de la justice et pour arriver la il faut instaurer des instituts actifs dans le cadre de reforme judiciaire que connait le maroc et dans ce sens je cite la nessecite d'instaurer un ordre collegiale de juge d'excution de facon independante sans intervention de president de tribunal designe' par le ministre de la la justice pour une mandat de 3 ANS ANSI renforcer le role de l'ordre d'huissier de justice on basant sur une nouvelle lecture de la loi 81__03 afin d'ameliorer la situation social de ces cadres et leur permetant d'user de toutes moyennes logecieles legales pendant leur travail sans oublier d'exploiter toutes itiniraires de comminications avec les autres acteures judiciaires

  • حسن 07
    الأحد 1 يناير 2012 - 17:43

    مقال رائع نتمنى منكم 'كونكم الكاتب العام لنادي قضاة المغرب ان تكونوا بجانب الحكومة الجديدة من اجل اصلاح مايمكن اصلاحه في جسم القضاء الفاسد . نتمنى لمؤسستكم التوفيق والسداد.

  • قاضي متقاعد
    الأحد 1 يناير 2012 - 22:16

    السيد القاضي الكاتب العام لنادي القضاة استسمح اولا لملاحظة انك كنت بصدد كتابة الموضوع وتطرقت الى ملاحظات وكرت الثانية دون ان نتمكن من معرفة الاولى هذا من جهة
    وانت تكتب الموضوع دون ان نعرف موقفكم في نادي القضاة ودوركم من ما اسميته اصلاح المنظومة القضائية وادخلت صنفالا لا علاقة له باي ثاتير على الاصلاح وهم النساخ ….
    النادي لحدالان غير معترف امن طرف الدولة وانما الكلمة العليا للودادية الحسنية لقضاة المخزن ان كنتم في النادي تؤمنون بانفسكم لهذا فالوداددية كرست مبدا فرق تسد عندما شجعت انشاء كيانات اخرى كجمعية المراة القاضية و…….اشياء اخرى حتى تتمكن الودادية من كبح جماح اعضاء النادي ….ولحد الان مازال الغموض يلف مسيرة الجمس الاعلى حنتذ الللقضاء في غياب تام للنصوص الجديدة التي تحدد اختصاصات الرميد المحامي الاسلامي وكيف سيكون مصير سلاح الانتداب المهم ان النادي لم يبد اي نظرة عن مجال نضاله امام التغيير الجديد
    للاسف اعضاء النادي اكثروا من الاطلالة على الصحافة الالكترونية بدا من القاضي الجباري
    تم ال كاتب العام دون ان نفهم اي شيء من مقالاتكما .
    تحياتي

  • عاشق العدالة
    الإثنين 2 يناير 2012 - 01:14

    بالتوفيق ان شاء الله و الله اللا كتفرحني انا شخصيا هاذ المبادرات لتكريس دولة الحق و القانون ، المغرب لا زال بخير بشبابه ، الله معاكم

  • مهتم خقوقي غيور عن بلده
    الثلاثاء 3 يناير 2012 - 19:44

    الى السيد الرئيس الاول للمجلس الاعلى للقضاء
    ان من المؤسف جدا ان نسجل على هده المؤسسة الغراء بعض الخروقات في ما يتعلق بنوجيه الملفات الى الغرف قصد دراستها فمثلا سيق للغرفة السادسة ان درست ملفا فخلصت الى نقض القرار الصادر في الخكم الدي اصدرته محكمة الاستئناف و درت على اثره الملف الى هده المحكمة .
    لكن المتضرر من الحكم الدي صدر في نفس الملف لجا الى محكمة النقض قصد انصافه الا ان المجلس الاعلى او بالاحرى كتابة الضبط به وجهت الملف مرة ثانية الى نفس القاضي الدي سبق و ان نقض قرارا سابقا و بصفة تعسفية، و السؤال المحير هو هل من شان القاضي نفسه ان يعود الى هديه و يحكم هده المرة بالعدل خاصة و ان ا لمطلوب منه هوان يصدر قرارا ضد قرار سبق ان اتخده في السابق و باختصار شديد نقول للسيد الرئيس الاول و بكل احترام انظروا مادا يحدث في القسم السادس من مجلسكم عند الاستاد ع.ب ان الامر اكثر من مجرد خطا في التقدير.و لكم الاحترام

  • السليماني
    الأربعاء 4 يناير 2012 - 01:02

    تحية نادي قضاة المغرب الذي نعرف أنه عانى من أجل أن يخرج الى الوجود ونعرف أن معضم أعضائه شباب يعانون من أجل فر ض نزاهتم وسط ميدان شك مجالا خصبا لتنامي وتلاقي الغساد من جميع الفئات داخل المحاكم وخارجها، نتمنى لك التوفيق..

  • بوجيدة
    الخميس 5 يناير 2012 - 03:52

    يبدو أن المغرب بدأ يسير في الطريق السليم أذ بعد تعيين الحكومة الجديدة التي نامل فيه الخير هناك أيضا قضاة شباب يحاولون فرض استقلالهم بانفسهم والقطع مع رموز الفساد من القضاة والمحاميين ومختلف مساعدي العدالة وسماسرة المحاكم قهذا النادي هو من يجب التحاور معه لقط الطريق على المفسدين

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 8

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس

صوت وصورة
المغرب وبلجيكا والحرب على غزة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:45

المغرب وبلجيكا والحرب على غزة