أمريكا وطالبان.. مفاوضات بدون بوصلة

أمريكا وطالبان.. مفاوضات بدون بوصلة
الإثنين 23 شتنبر 2019 - 10:01

لم يكترث أغلبنا للمفاوضات التي جرت بين الولايات المتحدة وطالبان برعاية قطرية إلى أن فاجأنا ترامب بأنه يلغي جولة حوار سرية وحاسمة كانت ستجري بين هذا التنظيم والحكومة الأفغانية بكامب ديفيد؛ فقد أزمنت المشكلة الأفغانية إلى الدرجة التي أخذت بها صبغة الملف القار “المبتذل إعلاميا” الذي لم يعد يهتم أو يلتفت إليه أحد.

حجة ترامب في إعادة عقارب المفاوضات إلى الوراء كانت هو تبني طالبان لهجوم انتحاري كلف الأفغان 11 جنديا والولايات المتحدة جنديا واحدا. فحسب تغريدته، لا يكون جادا في طلب السلام من لا يمنع نفسه من الإرهاب وهو في خضم المحادثات المؤدية لهذا السلام.

ولذلك، قد أراد أن يخلق انطباعا بأنه دائما في موقع قوة وبإمكانه وقف المفاوضات وقتما يشاء، وأنه لا يتحاور تحت الضغط أو يجلس مع من يضعون سيف الإرهاب على عنقه. فذلك، مما لا يليق لا” بمكانته ” هو ولا بهيبة القوة الأمريكية التي يمثلها. وربما قد يكون قدر من جهة أخرى ومع قرب الانتخابات أن مصلحته تكمن في أن يغضب لمقتل هذا الجندي الواحد بينما هو لم يحرك ساكنا لمقتل اكثر من عشرة في العام الماضي وقد كان بدأ يمخر عباب المفاوضات.

هذا صحيح بالفعل؛ ولكن الحقيقة أصبح لها هذه الأيام عدة أوجه لا وجه واحد؛ فترامب قد يكون انتبه مع حلول ذكرى أحداث 11 شتنبر أن ليس من اللائق استقبال قادة طالبان بالولايات المتحدة الأمريكية فيبدو أمام عيون الأمريكيين كما لو أنه يهدي أعداء حضارتهم غزوة أخرى على طبق من حوار. زد على ذلك أن هذا التردد يستنسخ سابقه الذي هيمن عليه بخصوص خروج القوات الأمريكية عقب القضاء على آخر أوكار داعش بسوريا. وقد لا نشتط كذلك إن زعمنا أن قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان لم يحسم بعد؛ فهذه البلاد دخلتها أمريكا لأجل المصالح التي تمثلها لها وهي تنام على ثروة هائلة من عنصر الليثيوم، وهو معدن نادر يدخل في صناعة الهواتف الذكية تحتكره إلى حدود اليوم الصين، فرس الرهان الأخرى على زعامة العالم التي تخشاها أمريكا. مثل هذه العناصر النفيسة هي من كانت وراء طلب ترامب الغريب بشراء جزيرة جرين لاند الدانماركية، فكيف يفرط فيها بأفغانستان التي وضعت اليد الأمريكية عليها منذ 18 سنة؟

مما لا شك فيه أن كلفة الوجود الأمريكية باهظة جدا. وأنها طالت بما يكفي. وأمريكا تتحرق للخروج من هذا المستنقع فهو قد أودى إلى حدود الآن بحياة أكثر من ثلاثة آلاف جندي من القوات الأمريكية والغربية المتحالفة معها. وكلف خزينة واشنطن أكثر من تريليون دولار دون حساب خسائر الدولة الأفغانية من الأرواح والعتاد والمال. وكل ذلك دون جدوى فطالبان ما زالت شوكة في قدم الولايات المتحدة الأمريكية. لا بل هي أكبر من شوكة. فهي تبسط سلطانها على أكثر من 40 % من مساحة البلاد يعيش بها ثلث السكان. هذه الإمارة الإسلامية طالبان تريد أن تمضي اتفاقا بهذه الصفة مع الإدارة الأمريكية، وهو ما يعني هدم العقيدة الأمريكية في محاربة الإرهاب التي ليست إلا مطاردة الإسلام الجهادي المتشدد وضربه في عقر داره. كل هذه الخسائر وهذه التعقيدات ليثني ترامب مع كل ذلك أن يكابر إلى أن تتبدى له بوضوح ملامح هذا السلام الجنين.

طالبان لا تبدو مستعجلة ولا متأثرة من قلب ترامب للطاولة فقد عركتها الحرب الطويلة، وتأمل في النصر دائما. ولذلك، ترى أن ترامب سيندم على تخليه عن هذا الخيار.

ترامب لا يدري إلى الآن إن كان قادرا على انسحاب بدون اتفاق، ويظهر انه لا يملك رؤيا واضحة لما بعد الانسحاب؛ فانسحاب غير متفاوض بشأنه يعني أنه سيغامر بأمور شتى.. فقد تعود داعش وقد تتوحش أكثر مما فعلت بالعراق والشام، ولربما سيراها تعيد سيرة القاعدة بجبال “طورابورا” وقندهار وإمامها المقتول أسامة بن لادن. وقد يأتي الشر من أبواب أخرى كان تفتح وتدخل أفغانستان القوى المتربصة كالصين أو روسيا أو الهند. ناهيك عن ضياع المصالح الأمريكية إلى الأبد، إذا ما نشأ نظام ملالي جديد يعيد تجربة الولايات المتحدة الأمريكية مع إيران بعد أن فقدتها ذات 1979.

لقد فشلت المفاوضات أو لنقل إنها توقفت؛ لأن لا بوصلة لها، ولا مآلات مرسومة لما يجب أن ينبثق عنها. ولذلك، لا تعدو أن تكون مجرد جس نبض بين الطرفين، وبالخصوص ذرا للغبار في عيون الناخبين الأمريكيين الذين يقول لهم ترامب إنه حاول الخروج؛ لكن ما كل ما نتفاوض بشأنه دائما ندركه.

‫تعليقات الزوار

2
  • Maria
    الإثنين 23 شتنبر 2019 - 11:12

    دخول روسيا على الخط لمحاربة الارهاب في سوريا لم يكن عبثا, انا شخصيا لا اثق بان امريكا تريد محاربة الارهاب بجدية او جادة فيما تقول, لان "المجاهدين الافغان" و طالبان و القاعدة من صنع امريكا نفسها في الحرب الباردة و تعتعملها على حسب مصالحها, و هذا لعب بالنار صراحة, لانها فقدت عدة مرات زمام الامور و انفلت الامر من بين يديها, و اذا استوقدت نارا يمكن ان تحرقك في يوم من الايام. على ماذا اتفق معهم و ماهي المفاوضات التي يجريها مع قطر, الله اعلم, انا لا اثق في قطر.

  • ابن طنجة
    الإثنين 23 شتنبر 2019 - 17:58

    أمريكا هي التي طلبت المفاوضات مع حركة طالبان بعدما أنهكتها الحرب الطويلة والخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها طوال تلك السنين مع قادة طالبان فالحركة لم تنهزم ومصرة على مواصلة الحرب حتى دحر الامريكان كما فعلت مع السوفيات كقوة امبراطورية استعمارية سابقا
    طالبان مازالت تسيطر على 70% من أفغانستان وليس لها ما تخسر فهي في أرضها وغالبية الشعب الافغاني يساندها

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج