في المختصر المنتظر بعد جائزة الكتاب المغربي المعتبر

في المختصر المنتظر بعد جائزة الكتاب المغربي المعتبر
الجمعة 25 أكتوبر 2019 - 10:34

عندما قلت أمام جمع من الأصدقاء ذوي الحضور الثقافي الوازن، وجملة من طلبتي وطالباتي النابهين المواكبين، بأن ما يطلق عليها ” جائزة المغرب للكتاب “، ينبغي أن تحاط بالحفاوة والتكريم الواجبين، أي أن يتبعها ويصاحبها ” حراك ” ثقافي مخصوص، ودينامية تعريفية تقوم على العرض والتفسير والتحليل والتأويل بغية نشرها على أوسع نطاق، وإيصالها إلى أبعد متلقٍّ، فإنما قصدت إلى وجوب إظهارها الظهور الساطع، ولفت انتباه الرأي العام: الثقافي والتربوي ـ في الأقل ـ إلى ولادة أدب نوعي بما لا يقاس، وإلى أهمية الكتاب الفائز المتوج من حيث نوعيته كما قلت، وإضافته الجمالية أو فتحه الثقافي والفكري سواء أكان شعراً أو سردا، أو بحثا ودراسة، أو عملا مترجما. بناء على تقرير / تقارير علمية تدبجها اللجن، والتي يفترض أن تكون دقيقة تفصيلية تقف على خصيصاته المتفردة جماليا وثقافيا وفكريا، بعيدا عن الكلام الفضفاض والكولاج والمعيارية.

عندما قلت ذلك‘ فإنما رمت من ورائه، من دون تلبيس ولا تدليس، ضرورة وضع العمل إياه في دائرة الضوء حتى يتسنى له أن يدافع عن نفسه مرة أخرى بعد إجازة لجنة القراءة، بما توافر له وحواه من جديد وقشيب وعميق على مستوى الصياغة والتركيب، وبناء المعنى الشعري، والتصوير الاستعاري، والتخييل المبتكر الوهاج، والماء الزغرب الشافي الذي يسيل من بين فروجه وثنياته وطياته إن كان شعرا أو سردا بديعا. وعلى صعيد المقاربة الدقيقة والإحاطة العميقة، والغوص العلمي الوافي، ضمن لغة سليمة تركيبا ودلالة، ونحوا وصرفا، إن كان بحثا أو نقدا أو دراسة أدبية، أو ترجمة.

وقد يسقط في الاختبار الموضوعي، والامتحان شبه النزيه مادام أن المقروء معروض ومتاح لجمهرة معتبرة من المستقبلين والمتلقين متفاوتي الثقافة والعلم والمعرفة، ومختلفي الخلفيات والمصادر والمراجع التراثية والحداثية إبداعا وفكرا. غير أن المطلوب المنتظر من هذه الدينامية إذا تمت وأطلقت إعلاميا، وضمن حلقات نقاشية، وموائد وندوات ثقافية وعلمية واكاديمية، أن لا تمر مر الكرام، ومثل سحابة صيف عابرة ناشفة وضامرة.

فجائزة الرواية العربية العالمية المسماة ب ” البوكر “، يتبعها ويواكبها ضجيج وعجيج ولغط واحتفال يؤدي بها إلى التداول اللغوي المنفتح والمتعدد حيث تستقبل اللغة الإنجليزية الروايةَ الفائزة. وإلى ” البروبوغندا ” والإشهار والتسويق، وإلى عقد لقاءات علمية وثقافية ونقدية للتعريف بها، وتسليط واسع الأضواء البراقة عليها. والأمر نفسه يصدق على جائزة ” غونكور ” الفرنسية، التي يحظى الفائز الفرنكوفوني بها، بشهرة واسعة، تبدأ من تهليل واحتفاء غير مسبوقين بالرواية من لدن لجنة التحكيم عبر وسائط الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي، ولا تنتهي بتوجيه الدعوات إلى الروائي (ة) ليحل ضيفا على هذه الإذاعة أو تلك القناة التلفزية، مرورا بالدعاية المجلاتية المصورة، وطبع مئات الآلاف من النسخ.. الخ.. الخ.

وإذاً، لماذا ننتهي مغربيا من أمر الجائزة بمجرد تسليم المظروف / الشيك المالي إلى الفائز، ثم يسقط العمل الإبداعي أو الفكري عميقا في وهدة اللامبالاة والنسيان مضرجا بهز الأكتاف، والسباب، والتشكيك في مصداقية وصدقية اللجنة المانحة، وأكل لحمه وقد ” مات “، أو ” أميت ” بفعل الإشاحة والإعراض؟.

لذلك، لن أعيا من ترديد مطالبتي بوجوب طبع العمل الممنوح من قبل الوزارة الوصية، طبعة ثانية ولتكن ” شعبية ” حتى يصله الجيب، وتطوله القدرة الشرائية المنهارة أصلا. وبرمجة استضافة الشاعر والروائي والباحث والمترجم، كل على حدة، في القناتين مع ثلة من النقاد والمتتبعين للشأن الثقافي، ليقدموا المنتوج الإبداعي والمعرفي، وينشروا جديده، و” فتوحاته” الاستثنائية أمام الرأي العام المعني بالأمر. كما يتوجب تنظيم لقاءات مدروسة ومحسوبة ومنظمة ومؤطرة لفائدة الأعمال الفائزة ضمن محافل بأعيانها كمهرجان الكتاب الدولي بالدار البيضاء، والمهرجانات الجهوية، والجامعات، والمؤسسات التعليمية التربوية وغيرها. هذا، إذا كنا، فعلا، نطمح إلى إحقاق مكون الثقافة وتوطينه، وإكسائه الحلل التي هو جدير بها بما أنه بعد من أبعاد التنمية الشاملة.

وأنا أقول هذا من منطلق الحسرة التالية التي تصبح حسرات:

أ ـ من منا قرأ الروايات الفائزة السابقة؟، وكم قارئا قرأ تلك الرواية المحظوظة؟، ما عناوينها، ما أسماء مؤلفيها؟، وأين نشرت؟.

ب ـ من يعرف الشعراء المتبارين المترشحين للجائزة؟ أقصد اليوم، وما فبل اليوم. ما أسماؤهم؟ ما عناوين مجاميعهم الشعرية؟، وأين نشروا صنيعهم الإبداعي؟، وما عدد النسخ المطبوعة، وهل سوقت بما يسر ويثلج؟.

ج ـ والشيء نفسه ينسحب على الباحثين والدارسين والنقاد؟. ما عناوين كتبهم؟، ما أسماؤهم؟ والمترجمين الذين ترجموا كتبا معتبرة؟: ما الكتب المترجمة؟ ومن مؤلفو تلك الكتب؟، ومن مترجموها؟. هل سمعنا بهؤلاء وأولئك؟.

أين يكمن المشكل؟، وفيمَ لغونا، وعراكنا، وتنطعنا، وخواؤنا، وتطاوسنا المضحك؟.

د ـ ما أسباب ذلك؟. ومن المتسبب في هذه الإشاحة واللامبالاة حتى لا أقول الجهل والخواء المعرفي؟.

ه ـ هل للتعليم الفاشل المنهار يد في هذا؟، وللسياسة الحكومية برمتها، نصيب مما نحن فيه ونعانيه؟.

ه ـ ثم إنني أتساءل ـ في الأول والأخيرـ: هل من الضروري، والحال أن الجائزة مغربية وأن اللغة العربية، وإلى جانبها مكونات لغوية وثقافية مغربية كالأمازيغية، والحسانية، والعامية الموظفة شعريا ( الزجل )، هي اللغات الرسمية والهوياتية للبلاد بموجب الدستور، أن نقبل ـ سياسيا ولسانيا وثقافيا ـ عملا مترشحا مكتوبا بلغة أجنبية كائنة ما كانت تلك اللغة؟. وإلا ترتب على ذلك، أنه من حق محمد الواكيرة، وعبد اللطيف اللعبي، والطاهر بنجلون، وحمودان، وفؤاد العروي، والسليماني، وعبد الحق سرحان، وعبد الله الطايع، أن يتقدموا بأعمالهم إلى الجائزة، بوصفهم مغاربة مولدا وتنشئة، وانتماء، ووجدانا، ونوستالجيا، لكن، لا لغةً؟.

فهل تفعل هذا جائزة الأطلس المغربية الفرنكوفونية، وجائزة غونكور الفرنسية.. الخ إذا ما تقدم إليها أحدنا بعمل إبداعي مكتوب باللغة العربية، او بالإنجليزية، والألمانية مثلا؟.

ومن ثمَّ، ينبغي إعادة النظر في المسألة برمتها لأنها خطيرة، ووجه الخطورة فيها يكمن في أن أي مغربي أو مغربية كاتب أو كاتبة بأي لغة اجنبية حية أو محلية كالهولندية والنرويجية والبلجيكية والتركية، لو تفطن للأمر، لقدم عمله ودافع عنه وعن حقه في الفوز عند الجدارة والاستحقاق، ما دام أحد بنود المرسوم الوزاري في جانبه؟.

إشارة لابد منها:

يسقط البعض في ما يسمى بأحكام قيمة وهم يقارنون بين عمل إبداعي وآخر، متوهمين أنهم نقدةٌ، بينما الحقيقة غير ذلك. فلا يوجد عمل شعري أقوى من عمل آخر. ما يوجد هو فرق الإحساس والتركيب، وبناء المعنى الشعري، والتجربة المصبوبة، والتيمة المعالجة والمطروقة، وحساسية أعضاء اللجنة الواحدة حيال هذا العمل أو ذاك.

قد يصدق حكم القيمة على مبتديء قياسا بشاعر مجرب حتى لا أقول مكرسا. أما والشعراء على قدم مساواة وتماثلية تقريبا في الجنون الشعري، والهوس باللغة، فإن الأمر يبقى متروكا للصدفة والمزاجية، ووقع حافر الديوان المتوج على حافر العين الناقدة لهذا العضو أو ذاك.

فمن من الشعراء نجيز لو تقدموا بمجاميعهم الشعرية، دفعة واحدة، إلى جائزة العرب للشعر ـ مثلاـ ؟. ولنفترض أن المتبارين المشارقة هم: نزار قباني، وأدونيس، ودرويش، وسعدي يوسف، وأحمد عبد المعطي وحجازي، وحسب الشيخ جعفر؟. وأن المغاربة هم: محمد السرغيني، ومحمد بنيس، ومحمد بنطلحة، ومحمد الأشعري، وأحمد بلبداوي، وعبد الكريم الطبال.. الخ.. الخ؟.

هل فوز شاعر، وسقوط باقي الشعراء الكبار الراسخين، مدعاة إلى تافه الكلام، وحكم اللئام بأن الشاعر كيت هو الأقوى، والباقي يراوح المكان، وعمله متواضع مليء بالأخطاء الطباعية وغيرها؟. أبدا. إذ أن قانون اللعبة هو هذا حتى يكتشف الباحثون ومن يديرون ” الروليت ” قانونا آخر أكثر موضوعية، وأوفر نزاهة بما لا يقاس.

‫تعليقات الزوار

3
  • بوشتة ايت فرنان
    الجمعة 25 أكتوبر 2019 - 11:43

    كلام جميل و اعرف مغربيا او مغربيا هاجر الى استراليا و انجب بنتا في اندبرة و هي تحرر مقالات و كتبت كتيبا و قصة و يمكن دعوتها للمشاركة ان هي ارادت (لكني لا اظنها تريد) ان تتبارى على الجائزة المغربية الكبرى للابداع حيث البلد من رواد الديموقراطية و حرية الفكر و التفكير…و اعرف فيتنامي من اصل مغربي يعيش في الفيتنام و يكتب شعرا بالفيتنامية و ينبغي ان يتقدم لنيل الجائزة العظمى المغربية التي يتهافت عليها بني الانسان…بل ثمة واحدة ازدادت في ضاحية مدينة في بلد اوربي من ام جزائرية و اب مغربي توفي بعد ان رأت النور باسبوع و تعيش حياتها هناك و لها اولاد و بما انها في العطالة فهي تكتب على المغرب و على فاظما الخادمة و العياشي البستاني في لانوفيل فيل دو لاتور و يكتب على رحلة الى المغرب الفقير…و تمة اخرى متزوجة بكنغولي و تقطن بهولندا عاطلة تكتب شعرا بالهولندية عن النقاب و سيدنا قدر و عيشة قنديشة. يا سلام على الادب..التخرميز المغربي و العجز و الفشل و الجبن و انعدام الحرية و الديموقراطية و الاستيلاب و النظرة الدونية للذات..سينما ايران متجدرة وطنية بلغة بلدهم يشاهدها العالم لانها صادقة اصيلة و ليس كذب

  • الشباب
    الجمعة 25 أكتوبر 2019 - 19:18

    شكرا لصاحب المقال على مجهوده ومفرداته وشفوياته حول الابداع والشعر والشعراء والتنمية الشعرية وشعر المستقبل. عندما نتأمل في المكتبات والأكشاك في جميع جهات البلاد نجدها تعج بالدواوين الشعرية وباسماء احيانا لا نهاية لها وفي الكثير من الاحيان هي اسماء غير مفهومة. وهذه الدواوين منذ ان يتم وضعها في هذه الاكشاك تبقى كذللك بحيث لا تباع ولا تشترى ولو ضلت هناك لسنوات، والخطير هو انه نجد هذه الدواوين مدعمة من وزارة الثقافة، والسؤال هو لماذا يتم طبع هذا الجيش العرمرم من الدواوين وهدر المال العام، وهل هناك لا يزال من يقرا الشعر في شكله الحالي وكان الشعر اصبح سهلا لهذه الدرجة، واكثر من هذا نجد هؤلاء الشعراء يتحدثون عن الحق في الجائزة، علما ان لا احد يقرا ما يطبع من الشعر. إن العالم تغير وهذا الشباب والجيل الجديد اصبح له شعره الخاص وهو جيل رقمي، ولهذا يجب توفير ثقافة تتناسب مع هذا الجيل وليس الشعر، فالمثقف الشاعر بالمفهوم القديم لم يعد الآن، السباب محتاج الى التنمية والقراءة حول البيئة وتاريخ مدنه وقراه ودواويره ووطنه وشكرا

  • ahmed
    الجمعة 25 أكتوبر 2019 - 22:40

    الأستاذ بودويك وضحت الملح على غير جرح، لجهة من يحق له المشاركة، ولجهة لغة هذه المشاركة.أما مسالة الاسماء التي اخترت فهي غير مقنعةنذلك انك اخترت عيارات متقاربة في السن أساسًا.فهل كان الشابي سيفوز بجائزة شعرية لو تقدم أحد من جيل أساتذته؟ وهل كان مصطفى المعداوي سيفوز بجائزة لو تقدم لها غيره من الرعيل الاول للشعر المغربي؟ ولو كان رامبو مغربيًّا هل كنت ستفضله على السرغيني او الطبال؟ مسألة السن في الجوائز المغربية ،فضلًا عن حسابات اخرى، محددة جدًّا.وأنت عشت التجربة.أمّا الاخطاء اللغوية والمطبعية فهي من نواقض الجائزة، فلا يعقل أن يتقدم إلى الجائزة من لا يحترم القارئ بطرح كتابه مليئًا بالأخطاء،خصوصًا أن الكاتب يصحح النسخة الاخيرة من كتابه قبل الطبع.

صوت وصورة
تفاصيل متابعة كريمة غيث
الخميس 18 أبريل 2024 - 19:44

تفاصيل متابعة كريمة غيث

صوت وصورة
أساتذة باحثون يحتجون بالرباط
الخميس 18 أبريل 2024 - 19:36 1

أساتذة باحثون يحتجون بالرباط

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 104

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 97

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر