الإرهاب وما يجب

الإرهاب وما يجب
الثلاثاء 29 أكتوبر 2019 - 01:48

بكل تأكيد، الأجهزة الأمنية تقوم بدورها مشكورة.. وبكل تأكيد، المغاربة مواطنون يقدرون قيمة الاستقرار، ويتعاونون من أجل تثبيته وإدامته. كل هذا يدعونا، وبقوة، إلى التفكير في الأسباب الثاوية خلف هذا الإرهاب الذي يتهددنا بين الحين والآخر، ويريد أن يفسد علينا ما نحن فيه من استقرار.. نختلف حول مضمونه؛ ولكننا لا نختلف حول وجوده.

ولنكن صرحاء، فالقضاء على الإرهاب يقتضي بالضرورة القضاء على أسبابه واقتلاعها من أساس، وأول الطريق في هذا الباب العمل على رصد تلك الأسباب، بكل عناصرها وتنويعاتها؛ فالمؤكد أن العينات البشرية التي تفكر في العمل الإرهابي أو تمارسه ليست واحدة ولا متجانسة، بل تختلف وتتعدد من حيث أجناسها ومستوياتها التعليمية وطبقاتها الاجتماعية وطرق تفكيرها وأنماط نظرها إلى الذات وإلى الآخر (الداخلي والخارجي).

باستحضار كل هذه العناصر، علينا أن نبحث عن الدواعي الكامنة وراء هذا التفكير التخريبي، الذي يريد هلاك الجميع، في نهاية المعادلة، ليبقى هو منفردا بمسميات يضعها ويسميها، (الدولة الإسلامية، الخلافة الإسلامية، الشريعة الإسلامية، وهلم جرا)، والتي لا تعني في نهاية الأمر شيئا عدا الرغبة المجنونة في السيطرة والامتلاك.

نستطيع أن نفهم ونعترف، ببساطة، بأن من الأسباب المباشرة لبروز الفعل الإرهابي ما يلي:

أولا _الفقر والفقر المدقع: المؤكد أن عينات معتبرة من الإرهابيين يمثل الفقر، والفقر المدقع، سببهم الرئيس في الجنوح إلى التفكير ثم الفعل الإرهابي. وهذا واضح من خلال النظر في صور الكثير من الأشخاص وبيئاتهم ومساكنهم التي يقضون فيها أيامهم؛ فالمؤكد أن شدة الحاجة والعجز عن امتلاك الحد الأدنى من الضروريات إلى درجة الانعدام المطلق أحيانا كثيرة يعني مباشرة بالنسبة إلى الكثير من الناس مراكمة الأحقاد على الأغنياء وعلى كل هؤلاء الذين يملكون كل شيء، بلا حساب ولا محاسبة.. نعم، بالنسبة إلى عينات كثيرة من هؤلاء الإرهابيين، الفقر المدقع دافع أساسي نحو التفكير في التخريب، عبر مراحل تبدأ بالحقد على المجتمع، ثم بعزلة شعورية، قلما يتم الانتباه إليها، وفيها يتم تعميق الكراهية وإعادة برمجة الوعي بالشكل الذي سيظهر عليه لاحقا، وطبعا حين تتوفر العناصر المساعدة على الانفجار، (الجماعة، الشعار (الديني)، المدد والإغراء المادي، الشحن العاطفي)، يتحول الأمر إلى كارثة.

علينا أن نكون صرحاء الفقر عامل رئيس بالنسبة إلى عينات معتبرة من هؤلاء الإرهابيين.. وعليه، يتعين الشروع في تدشين مواجهة حقيقية، لمعضلة الفقر والتفقير في بلادنا؛ فالشرط المادي، في حدوده المعقولة، يعتبر أمرا ضروريا، فلا حياة ولا كرامة تبقى لمن يعجز كلية على توفير ضروريات العيش، في حدودها الدنيا، سيكون بالتأكيد لقمة سائغة وصيدا سهلا لكل دعاة التخريب، بمختلف ألوانهم وأغراضهم وشعاراتهم.. المطلوب الآن، وعاجلا غير آجل، القضاء على كل أحزمة الفقر والتهميش والبؤس التي تنتشر في بلادنا، وكذا أحزمة الغنى والثراء غير المشروع، وتمكين الجميع من حقهم في العيش الكريم، سواء بسواء.

ثانيا _الجهل: بالنسبة إلى عينات أخرى من الإرهابيين، يكون الجهل هو المسبب الرئيس والدافع الأول إلى ارتكاب العمل الإرهابي، وقد يجتمعان معا (الفقر والجهل)، بالنسبة إلى عينات أخرى. والمقصود بالجهل، ها هنا، هو تعطيل ملكة التعقل، والاستسلام إلى ألوان من الانغلاق القاتل للإدراك والفهم والتحليل المنطقي والدخول في متاهات التراشق بالفتاوى والمعلومات والتفاسير، في أفق الانتقال إلى التكفير، ثم إلى الشروع في التنفيذ الوحشي للدمار..

وطبعا، حين يختلط الجهل بالدين نصبح أمام دين جديد، قوامه الذبح والسفك ونشر الخراب، باسم الجهاد وبفتاوى شاذة ومرجوحة يتم التعسف في تأويلها والزج بها في الواقع زجا.. وهنا لا فرق بين الأمي والمتعلم، كلاهما يمكن أن يكون ضحية للجهل بهذا المعنى. ولذلك، يسهل أن نلاحظ أن من بين الإرهابيين يوجد متعلمون، بل وأصحاب شواهد عليا أيضا، ولكنهم في الجهل سواء، وفي المحصلة النهائية جماعة مخربين حاقدين.

نعم، فكرة إعادة هيكلة الحقل الديني كانت جيدة ومشجعة، ولكن فسح المجال للفكر السلفي الوهابي، كانت له تبعات وتداعيات واضحة. كل هذا يعني ضرورة التفكير الجدي، وبلا تسييس كثير، في سؤال المعرفة التي نريد، وفي الأنماط الثقافية الناجعة لإخراج المواطنين من ظلمات الجهل بنوعيه، الأبجدي والتعليمي، وفي السبل الكفيلة بإكسابهم ملكة التعقل، وتربية النقد والسؤال.

ثالثا _ العداوة الخارجية: والإشارة هنا إلى العامل الخارجي، ودوره في نقل الإرهاب إلى بلادنا التي تعاني من وجود أطراف خارجية عديدة، لا تنظر بعين الرضا إلى ما تشهده بلادنا من تطور، على ضآلته، وإلى ما ينعم به وطننا من أمن واستقرار، يتم تدبيرهما بشكل ناجح، برغبة وتعاون من الجميع.. وبالطبع، غاية العدو دائما هي إلحاق الأذى بمن يعتبرهم خصومه، وفي العمق لا قيمة عنده لفكر ولا دين، إنما هي وسائل يستعين بها، ويوظفها لتحقيق أغراضه العدوانية. ولذلك، يحق لنا أن نتساءل، من هي داعش حقا؟، من صنعها؟ ومن يتعهدها بالرعاية والمدد؟، وهل الأمر فعلا يتعلق بحركات دينية منحرفة؟، أم بجماعات إرهابية مرتزقة، يتم تحريكها بين الحين والآخر، ولأغراض عدوانية، وبغاية ترتيب وإعادة ترتيب الخرائط، ومناطق النفوذ عبر العالم ؟، هذا العامل أيضا له قيمته وراهنيته؛ فالكثير من العمليات الإرهابية تحمل نفسا عدوانيا خارجيا يبتغي زعزعة استقرار البلاد، ويعتبر ضروريا توعية المواطنات والمواطنين بأهمية هذا البعد وأهمية المساهمة في مواجهته جميعا.

طبعا، كل هذه الأبعاد تلتقي، بنسب متفاوتة، في الدرجة وفي النوع معا؛ ولكنها جميعا تريد شيئا واحدا: إلحاق الأذى بالبلاد والعباد. الإرهاب يقع، ومواجهته تجب.

‫تعليقات الزوار

2
  • Maria
    الثلاثاء 29 أكتوبر 2019 - 05:48

    هناك عدة اسباب للارهاب اسباب مادية و روحية, استعمال خطاب ديني محرف للتاثير على "المستضعفين في الارض" لدغدغة مشاعرهم باستغلال ما يجري للامة من مصائب و احداث سياسية…من جهة و استعمال المال للتاثير عليهم من جهة اخرى. اي ان "ائمة الارهاب" يستعملون الدين و السياسة و المال لصناعة "ارهابي" و الدين لا يستعملونه باستعمال خطاب معين فقط "خطاب الكراهية" و انما ايضا اشياء روحية-شيطانية. مثلا نبذ لعنة الشيطان و نبذ الصلاة على النبي او تعظيمه او اضافة له لقب "سيدي" و اعتبار تعظيمه شركا, بالاضافة الى التنقيص من عظمة الله و وصفه بنعوتات بشرية, مثلا "الله جالس على العرش و و يضع رجله في النار" "الله موجود فقط فوق السابعة, و اذا اردت رؤيته عليك الذهاب الى هناك" ….

  • Maria
    الثلاثاء 29 أكتوبر 2019 - 06:54

    ولمحاربة هذا الفكر, يجب فعل العكس, اي ايجاد حلول معقولة او عقلانية للمشاكل التي تتخبط فيها الامة و شباب الامة, نبذ خطاب الكراهية و اللعن و السب, لعن الشيطان و الدعوة للتعايش المحبة و السلم و السلام, الاكثار من الصلاة على االنبيو توقيره و توقير الله وتعظيمه و الاكثار من ذكره و عدم تشبيهه بمخلوقاته…

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة