الثقافة في طنجة بين التألق والأفول

الثقافة في طنجة بين التألق والأفول
الثلاثاء 12 نونبر 2019 - 11:55

تاريخ طنجة هو تاريخ التعدد والتنوع الثقافي، تعدد نابع من وضعيتها السياسية المتسمة بالدولية. فقد تعايشت فيها العديد من الجاليات تشهد عليها الآثار والأسوار والمتاحف والأعمال الفنية والأدبية بلغات عدة. فهي التي قيل عنها: تجد فيها شيئا من باريس ومن لندن ومن بغداد والقاهرة… فجو المدينة هو جو ثقافي، غني بقيم التسامح واحترام المعتقدات.

طنجة قبلة ثقافية وسياحية:

وقد شكل الإسبان أكبر الجاليات، فكما وجدوا اقتصاديا بممارستهم للفلاحة والصناعة، فقد بصموا الحياة في طنجة بالثقافة عامة، والمسرح خاصة. فهم من بنى مسرح سيرفانثيس سنة1913، ومنهم تعلم المغاربة الأبجديات الأولى للمسرح، وشكلوا فرقة مسرحية: «صلاح الدين»، وهو اسم ذو حمولة تاريخية تذكر بالحروب الصليبية التي دارت رحاها بفلسطين.>> وشيء من هذا سكن فكر ووجدان رواد المسرح في تلك الفترة، فقد كان واجهة نضالية، وممارسة فنية «لمواجهة الهيمنة الغربية والتعبير عن تطلعات الفئات الشعبية» (خالد أمين). وقد كانت فضاءات المدينة محط اختيار للأخوين: أوغست ولوي لوميير لتصوير أول أعمالهما السينمائية. وشكلت في ما بعد أزقتها الضيقة، ومقاهيها، وفنادقها السياحية، التي أقام فيها العديد من المشاهير، وشوارعها العصرية، فضاء مناسبا لتصوير العديد من الأفلام المغربية والدولية، عملت على التعريف بالمدينة على المستوى العالمي. مما جعلها أول مدينة تلتقط لها صورة فوتوغرافية بالمغرب، كما تشرفت باحتضان أول قاعة سينمائية على المستوى الوطني، وهي قاعة ريفولي الخشبية.

هذا الوضع السياسي والاعتباري لطنجة، رشحها لتكون قبلة للكثير من الأدباء والفنانين: بول بوز، ماتيس، دولا كروا، جان جونيه وتنسي وليامز … اختاروا المدينة بديلا عن أوطانهم، لما توفره من طقوس وأجواء تليق بالكتابة وتوحي بالإبداع والتفنن. وقد صاحبهم في رحلتهم الإبداعية، مغاربة كثر على رأسهم الكاتب: محمد شكري، الذي تحتفظ مدوناته بذكرياته مع بعضهم. وقد ترجمت أعمال كل هؤلاء إلى العديد من اللغات، مما ساهم في ازدياد ذيوع صيتها والتعريف بها، مما كان له عائد اقتصادي بفعل السياحة الترفيهية والثقافية التي كانت وجهة لهما.

طنجة الكبرى تنتصر لقيم السياحة الاستهلاكية:

إن تجاذب الثقافي والاقتصادي، حسم كما يعتقد البعض لصالح الثاني، مع انطلاق مشروع طنجة الكبرى سنة2011، فهي ترتبط اليوم في مخيلة الكثير، بأجوائها الساحرة، بجمالية بيئية عز نظيرها في حواضر غيرها. أو اقتناص جلسة في شرفة متوسطية لعب هواء مخضب رطوبة، على بحر طالما ألهم أرواحا، وابتلع أشباحا. هي التي تشتهر برونق وبديع تأثيث مقاهيها، وإبداع طهاة وجباتها السريعة التحضير، المستلهم من الجوار الشمالي. فقد بذل مجهود كبير في تأهيلها سياحيا، فأصبحت وجهة مفضلة للسياحة الداخلية، تنتشر الفضاءات الخضراء في كل أرجائها، كما تنتشر الشواطئ المتوسطية والأطلسية على محيطها. وللأسواق حضور في قلبها، بنمطيه العصري والتقليدي، التي تغري روادها وتحفز الجميع على التبضع. ينضاف إلى كل هذا تأهيل الشوارع وخصوصا الكورنيش، وما يوفره من دواعي السهر والافتتان بمعروضاته المتنوعة حتى إشراقة الصباح. فقد شاع في المدينة «ثقافة المقاهي على ثقافة حمل الكتاب» (وصال الشيخ)، وهي حالة مغربية وعربية بامتياز، فكثير من الغربيين الذي اختاروا الاستقرار بالمغرب، لم يعدموا فيه شيئا مما ألفوه في بلدانهم، غير المكتبات العامة والمراكز الثقافية والفنية. وأشد ما يكون الافتقار إليها في طنجة، فرغم المواكبة الثقافية لمشروع طنجة الكبرى، إلا أنها مواكبة جد محتشمة على مستوى البنيات التي لازالت في طور التشييد، مثل قصر الثقافة والفنون، الذي أثر غياب مثله على التكوين الموسيقي لأبناء المدينة، في ظل تعثر مؤسسة أحمد بوكماخ في النهوض بالوضع الثقافي انطلاقا من برنامج ومشروع ثقافي، واضح المعالم والتمويل. وتبقى المكتبة الوسائطية نقطة ضوء وقيمة ثقافية مضافة، بالإضافة إلى نقط القراءة التي تشجع الشباب على القراءة، المنبثة هنا وهناك من أحياء المدينة، فقد تسد حاجة في حدودها الدنيا بالنظر إلى عدد السكان وشساعة مساحة المدينة. مع الجهد الواضح في تأهيل مغارة هرقل وفيلا بيرديكاريس بمنتزه الرميلات، لوظيفتهما السياحية والترفيهية. هذا النقص في البنيات الثقافية، وإهمال استثمار الأطر والنخب الثقافية المحلية، جعل «المؤسسات الأجنبية تبدو أكثر حضورا وفاعلية» (خالد امين). حيث نجد معارض تشكيلية دائمة، تحتضنها التمثيليات الدبلوماسية الفرنسية والإسبانية خصوصا، مع إحياء صبيحات وأمسيات ثقافية متنوعة الفقرات لفائدة الصغار والكبار، مجانية أحيانا، مؤدى عنها أحيانا أخرى. مع الإشادة بمعرض محمد الدريسي الدائم بمندوبية وزارة الثقافة، لكنه يشكو قلة زواره، مما يجعل الحاجة ماسة للتفكير في الطرق الكفيلة بطرق أبوابه والاطلاع على ذخائره، وتقريب فنونه من المواطن. كتنظيم زيارات من طرف المؤسسات التعليمية، وتأطير ورشات ببهوه.

المجتمع المدني يقاوم من أجل البقاء ثقافيا:

إن واقع القراءة البئيس، أرخى بظلاله على جل مدن المغرب، فهو البلد الذي «يشكل حالة استثنائية من ناحية المقاهي التي يدفع فيها الشخص يورو ونصف مقابل كأس قهوة، على أن يشتري جريدة بنصف يورو» (طارق سليكي). ويضيف الناشر ابن المدينة، أن القراءة لم تعد هم بالنسبة إلى المثقف، بالأحرى غيره، فالأمر أفضل في فترة المرحلة الدولية لطنجة، حيث الإنتاج الأدبي للمدينة كان يتجاوز جغرافية المدينة، أما اليوم «تعاني المكتبات فقرا شديدا في البيع»، تحاول جمعيات المجتمع المدني تقريب الكتاب ومؤلفيه من الجمهور، بتنظيم معارض وتوقيع مؤلفات، وتنويع فقرات الأيام الثقافية، موسيقيا وتشكيليا، كتلك التي تشهدها فضاءات المركز الثقافي ابن خلدون، ومسرح الحداد. لكن العرض ها هو، والمتلقي أين هو؟ بالطبع قابع أمام الشاشات التلفزية، أو الهواتف الذكية، مستسلما لسلطة غيبية تصنع وجدانه وعقله، حتى تحول إلى أرقام استهلاكية. ويتضاعف الاستهلاك الثقافي، حينما يسيطر الفن الغنائي على فقراته، ويتم التضخيم لندواته. فإفلاس الملتقيات الثقافية للمجتمع المدني، يقابله نجاح باهر لمهرجانات أخرى، كمهرجان التويزة الذي تشهده المدينة في عز الصيف، حيث أصبح ملتقى لنخب الفكر والإبداع على طول الوطن العربي، فقد عمل هذا المهرجان الذي نحث اسمه من التراث المغربي، بقيمه التضامنية الشعبية، على إحياء المجد الثقافي للمدينة عبر دوراته الاثنتي عشر.

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب