المادة التاسعة .. مخاطر دستورية وسياسية

المادة التاسعة .. مخاطر دستورية وسياسية
الخميس 21 نونبر 2019 - 11:34

قبل الحديث عن المخاطر الدستورية والسياسية الممكن أن تترتب عن المادة 9 من مشروع قانون مالية 2020 لاسيما في الجانب المتعلق بمنع الحجز على أموال وممتلكات الدولة، نشير إلى أن النقاش المجتمعي حول مضمون هذه المادة صحي وايجابي بكل المقاييس، ويكشف عن درجة اهتمام وتتبع المجتمع للشأن التشريعي، وأن العملية التشريعية لم تعد عملية تروج في مساحة بين البرلمان والحكومة فقط.

ويمكن إجمال هذه المخاطر في ما يلي:

أولا: أن المادة 9 تتعارض بشكل واضح وصريح مع مجموعة من المبادئ الدستورية مثل مبدأ المساواة الوارد في الفصل السادس، ومبدأ حجية الأحكام القضائية (الفصل 126)، وفي حالة عدم التصدي لها ستفتح هذه العملية الباب أمام الحكومات المتعاقبة للتطاول على الدستور مستقبلا.

ثانيا: يبدو أنها ليست المرة الأولى التي تتجاوز فيها الحكومة الدستور، فهناك سوابق، مثل حالة قانون مالية 2009 في الجانب المتعلق بالغرامات الجزافية، وصرح المجلس الدستوري بمخالفة هذه المقتضيات للدستور، وكانت أول مرة في تاريخ النظام السياسي المغربي يصرح فيها القاضي الدستوري بمخالفة مادة من قانون المالية للدستور. أما الحالة الماثلة أمامنا اليوم (المادة9) فقد حاولت الحكومة تمريرها في مشاريع سابقة (مشروع قانون مالية 2017) إلى أن اضطرت – تحت الضغط- للتراجع عنها. ثم أعادت اليوم التنصيص عليها في مشروع مالية 2020 والإصرار على تمريرها مهما كان الثمن. مع الفرق بين الحكومات السابقة والحكومة الحالية، فالسابقة كانت تنتبه لآراء المجتمع ونبض الشارع، ولعل التراجع عن هذه الأحكام في مشروع قانون مالية 2017 أكبر مؤشر على ذلك، أما الحكومة الحالية فهي تواصل عملية إنتاج نصوص وقوانين تخالف الدستور رغم رفض المجتمع بكل مكوناته لذلك.

ثالثا: إن الطريقة التي يساير بها البرلمان طروحات الحكومة بخصوص المادة 9 من مشروع قانون مالية 2020 تلطخ سمعة البرلمان وتضعه في مأزق خطير ومواجهة مباشرة مع المجتمع، ويسوق صورة عن نفسه تؤكد أن البرلمان ملحقة تابعة للحكومة. من جهة أخرى، يعطي معنى باهتا وغريبا لمفهوم الأغلبية البرلمانية في النظام السياسي المغربي. فالأغلبية حسب أدبيات القانون الدستوري وعلم السياسية صحيح أنها قوة مساندة لمبادرات الحكومة من داخل البرلمان. ولكن لا تعني إطلاقا وأبدا المساندة والدعم المطلق ولو كان على حساب الدستور والقانون والبرلمان نفسه. فالأغلبية تؤيد الحكومة في ما يصب في خدمة المجتمع، والوقوف في وجهها في حالة خروجها عن القواعد الديمقراطية. وليس التأييد في كل شيء. كما يجب على البرلمان أن ينتبه ويتذكر التوجيه الملكي الوارد في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية في أكتوبر الماضي والذي حث فيه البرلمان على ممارسة اختصاصاته لاسيما في مجال التشريع، واستحضار هذا الأمر في علاقة المادة 9 بهذا المجال خصوصا الربط بين التنفيذ والمسطرة المدنية والفصل 71 من الدستور.

رابعا: في حالة عدم وصول المادة 9 من مشروع قانون مالية 2020 إلى المحكمة الدستورية، فالتكلفة الدستورية والسياسية وتداعياتها على دولة القانون ستكون على درجة كبيرة من الخطورة. وفي حالة وصولها إليها، وهو الخيار الأفضل في هذه الحالة، لماذا، لأنه يجعل القضايا والخلافات الدستورية بين البرلمان والحكومة تحل في إطار مؤسساتي وعبر القنوات الدستورية، الأمر الذي يخدم بناء دولة المؤسسات، وليس البحث عن حل للخلافات عن طريق التراضي والتوافق وفي ممرات غير شكلانية خارج المساطر والمؤسسات. مع ذلك ففي حالة الإبقاء على عدم مخالفتها للدستور، فالمخاطر ستزداد. أما في حالة الإعلان عدم دستوريتها، فالأمر سيعتبر منعرجا وتحولا عميقا في عمل القضاء الدستوري بالمغرب.

خامسا: النوع الخامس من المخاطر يهم الجانب القضائي، فالمادة 9 من مشروع قانون مالية 2020 تهدم بشكل مرعب التراث القضائي الذي بناه القاضي الإداري على امتداد العقود السابقة في مجال تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة، زيادة على إضعاف القوة الدستورية للفصل 126 من دستور 2011 في الجانب المتعلق “بكون الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع”.

سادسا: إن توجه الحكومة من خلال المادة 9، زيادة على كونه يخالف الدستور، فهو يخالف بشكل صريح أيضا دعوة الملك الفاعلين إلى التأويل الديمقراطي للدستور، من خلال تأويل حكومي غير ديمقراطي للدستور، يربط المادة 9 بمبدأ استمرارية المرفق العمومي، بدل ربطها بمبادئ المساواة وحجية الأحكام القضائية. وحتى على فرض ربطها بمبدأ الاستمرارية، فالأشخاص المستفيدون من الحجز حتى هم مرتفقين واستيفاء حقوقهم من الإدارة هو خدمة وشكل من الأشكال التي تصب في خدمة استمرارية المرفق.

‫تعليقات الزوار

6
  • سفيان اتمالح
    الخميس 21 نونبر 2019 - 14:17

    شكرا استاذ على هذا الشرح الجوهري التي قدمته بخصوص المخاطر التي تبرزها المادة9 من قانون مالية السنة

  • عبد الرحيم
    الخميس 21 نونبر 2019 - 18:23

    المادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020 تعتبر انتهاكا لحقوق الانسان ومسا خطيرا لمبدأ قوة الشيء المقضي به وتحقيرا للسلطة القضائية ومخالفة صريحة لأحكام الدستور الذي يلزم الجميع بتنفيذ الأحكام القضائية النهائية بمن فيهم السلطات العمومية..

  • زكرياء المعتصم
    الخميس 21 نونبر 2019 - 21:46

    أشخاص مثلك يا أستاذي هم من يستحقون كل الدعم و التقدير ، لكشفهم مؤامرات و ما تحت طاولة الحكومة ، و تحويلها إلى قضية رأي عام و نشر الفطنة بين الناس فأجدد شكري لك

  • كمال جعافري
    الجمعة 22 نونبر 2019 - 15:45

    لقد أعلنت الدولة عن إفلاسه السياسي الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي بهذا القرار لأنه يعني ببساطة أن كل ما جاء في دستور 2011 بخصوص فصل السلط ومساواة الجميع أمام القانون واستقلال السلطة القضائية ودولة الحق والقانون والمؤسسات قد تم التراجع عنه بقانون بئيس مرر في جنح الظلام .
    تحية طيبة عالية للدكتور عبد الغني امريدة على هذا التحليل الرائع شكرا جزيلا…..

  • أحمد الدعنوني
    الجمعة 22 نونبر 2019 - 22:19

    هذه المادة حرقت المبادىء الدستورية خصوصا المادة 7التي تنص على ان القانون أسمى تعبير للأمة والجميع متساوون أمام القانون بما في ذلك السلطات العمومية وكذلك خرق المادة 126التي تنص على أن الأحكام القضاءية ملزمة للجميع والفصل 107من الباب السابع من باب السلطة القضاءية الخاص باستقلالية القضاء ومبدأ فصل السلط فهذه المادة اعتبرها تسلطية لا تستند الى مراعاة حقوق الفرد في علاقاتة التعاقدية مع المؤسسة

  • Hmed
    الإثنين 16 دجنبر 2019 - 00:19

    لقد أعلنت الدولة عن إفلاسه السياسي الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي بهذا القرار لأنه يعني ببساطة أن كل ما جاء في دستور 2011 بخصوص فصل السلط ومساواة الجميع أمام القانون واستقلال السلطة القضائية ودولة الحق والقانون والمؤسسات قد تم التراجع عنه بقانون بئيس مرر في جنح الظلام .
    تحية طيبة عالية للدكتور عبد الغني امريدة على هذا التحليل الرائع شكرا جزيلا…..

صوت وصورة
الفهم عن الله | التوكل على الله
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | التوكل على الله

صوت وصورة
مهن وكواليس | الرايس سعيد
الإثنين 18 مارس 2024 - 17:30

مهن وكواليس | الرايس سعيد

صوت وصورة
حملة "بن زايد" لإفطار الصائم
الإثنين 18 مارس 2024 - 16:21 2

حملة "بن زايد" لإفطار الصائم

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الاحتياجات النفسية عند الأطفال
الإثنين 18 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الاحتياجات النفسية عند الأطفال

صوت وصورة
ناجية تروي تفاصيل حادث أزيلال
الإثنين 18 مارس 2024 - 15:25 15

ناجية تروي تفاصيل حادث أزيلال

صوت وصورة
ما لم يحك | تصفية الدليمي
الإثنين 18 مارس 2024 - 15:00 1

ما لم يحك | تصفية الدليمي