صناعة الرداءة

صناعة الرداءة
الجمعة 22 نونبر 2019 - 02:35

وأنا أسمع لإحدى “الأغاني “في برنامج على أمواج إحدى الإذاعات الوطنية وجدتني أقول بصوت عال “هذا غير ممكن!” وأكرر العبارة نفسها مرات عديدة، والسبب في ذلك مستوى الكلمات السمج والذي لا يحتاج من كتبه إلى أي مجهود يذكر من قبيل وقفت، جلست، رأيت، غمزت، مشيت.. من لغة دارجة تمتح من الشارع الضارب في الرعونة وسوء الذوق والفوضى وقلة الحياء. أما اللحن ففيه كثير من الجهل بأبسط الجمل الموسيقية مع موسيقى رعناء تسبب توترا في الأعصاب وضجيجا في الرأس.

ووجدتني أتساءل كيف تسللت هذه الأغنية ومثيلاتها للإذاعة؟ وكيف بدأ التطبيع مع هذا النوع من الضجيج؟ في إذاعة وطنية تحتاج الدولة في كل مرة إلى ضخ جزء من مالنا العام لإنقاذها من الإفلاس؟ هل يتصور المشرفون عليها أنه بفتح الباب على مصراعيه أمام الرديء الرائج سيجلبون مستمعين أكثر وسلة من الإشهار أكبر؟ هل هذا هو كل ما يهم؟

ألا نستحيي الآن من ترديد أطفالنا كلمات أغنيات تسللت إلى قاموسهم اللغوي في غفلة منا وفي تواطؤ فاضح مع مؤسسات إعلامية. كان من المفروض أن تكون مؤسسات لتهذيب الذوق العام ووسيطا للتنشئة الاجتماعية والتربية الجمالية؟

قد يقول قائل إن الواقعية تفترض الانسياق مع ما هو مطلوب ورائج. وسوف نتساءل بدورنا هل هناك حدود لما هو مطلوب؟ وكيف سيكون الحال لو انسقنا لكل ما طلب منا؟ تم ماذا لو انجررنا أمام مطالب معتوهين ومرضى نفسيين بدعوى الانفتاح على ما يطلبه الجمهور؟

إن دروس التاريخ يا سادة تعلمنا أن الغوغاء لا تصنع فكرا ولا فنا ولا أفقا ولو استقوت بديماغوجيين يزينون لها صنيعها، إنها القوة الضاربة نحو الخراب وتدمير ما بني على أسس. ومن يعتقد أن تخريب الذوق العام سيجني منه منفعة فهو واهم فتلك محرقة سوف تلتهم الجميع.

لقد أصبح للرداءة مناصرون وأتباع ومريدون. وكم كانت مفاجئتي كبيرة وانا منزو في أركان أحد المقاهي وأنا أتابع شجارا نشب بين زبونين حول شرعية هدف سجله فريق لكرة القدم على فريق آخر. وقد تطور الأمر إلى سب وقذف وتشابك بالأيدي وتخريب لملك الغير والتعرض للأصول بالكلام النابي من أجل فريقين كرويين لا يوجدان في قارتنا ولا يتحدثون لغتنا ولا يعلمون حتى بوجود هذا المقهى على الخريطة أو بزبونيه اللذين نشب بينهما ما نشب، أما المذيع فبصراخه الهستيري فكل واحد من الجمهور المتبلد كان يعتقد أنه نصيره في المعركة الواقعة رحاها على الشاشة.

إن المراهنة على تسطيح الأمور وتنميطها وخلق قضايا جانبية ووهمية ومراوغة الواقع وتخريب الذوق العام من أجل توجيهه والسيطرة عليه ستكون له آثار جانبية يصعب التحكم فيها وما الأحداث التي تصل في أحيان كثيرة للضرب والجرح وحتى القتل بين مشجعي فريقين لكرة القدم الا أحد تجليات ذلك. وخاطئ من يعتقد أن الأمور ستقف عند هذا الحد.

إننا لا نوجه أصابع الاتهام لأحد ولسنا من مناصري نظرية المؤامرة إذ أن كثيرا من الأمور أصبح من الصعب التحكم فيها في ظل عالم معولم ومتسارع الأحداث. إلا أن مصير الشعوب وفي أحلك الفترات يبقى بين أيديهم.. لقد آمن الوطنيون باستقلال المغرب وحرروا وثيقة للمطالبة بذلك ما زالت شاهدة في إباء، في الوقت الذي كان فيه بعض الأئمة يعتلون المنابر ويقولون بقدرية الاستعمار وبأن الله هو من اختار الفرنسيين ليحكموا المغرب وأن من يعترض على ذلك فهو يكفر بقضائه وقدره..

فهل سيقدر لنا ونحن في مغرب اليوم أن نجد فئة من الكافرين بالرداءة والذين إن لم يستطيعوا محاربتها بأن يولوا وجوههم عنها بإسكات صوت المذياع؟ هذا هو ما فعلت مع ذلك الضجيج الذي سماه المذيع في تنطع ورعونة “أغنية”، وذلكم لعمري أضعف الإيمان.

*كاتب

‫تعليقات الزوار

6
  • المهدي
    الجمعة 22 نونبر 2019 - 06:10

    الرداءة يا أستاذ مرآة عاكسة لمستوى الانحطاط العام الذي يبدأ من الأبوين فالأسرة فالحي فالمدرسة ثم المجتمع لتجد نفسها وقد انتصرت وتغوُّلت فلم يبقى سوى ان تنتزع الشرعية بتداولها رسمياً وبمباركة أهل الشأن على القنوات المسموعة والمرئية فتتغلغل أكثر لتصل لأعلى مستوى فتنتج الوزير الردئ والبرلماني الفجّ ليطبّع الجميع مع ما تفرضه هذه الرداءة بقوة التداول فتصبح مصطلحات من قبيل التشرميل والقرقوبي وكأن واضعوا قواعد اللغة أشّروا عليها فغذت تقتعد مكان الصدارة في المنجد والمعاجم .. الفن أيضاً نال نصيبه من غزو الرداءة فلم يعد مكان لكلام مقفّى وموزون انقرض أهله ولم يبقى في السوق سوى غوغاء يلهبها الساقط من الكلام فتنطلق في جذبتها الهستيرية المفجّرة لكل الغرائز والطاقات السلبية ..
    " وقف الخلق ينظرون جميعاً .. كيف ابني قواعد المجد وحدي " هكذا أنشدت أم كلثوم وتغنّت فسحرت وأطربت وهذّبت الذوق وسمت به الى أعلى مراتب الرقيّ والنقاء والأناقة الفكرية فمن يستطيع اليوم النطق بمثل هذا الكلام أو التلفظ به دون اعوجاج ومن يستطيع اليوم بلوغ عارضة " رباعيات الخيام " أو فهم ثنايا سطورها ؟ كان المطرب يحاور الشاعر كاتب الكلمات فتدوم الجلسات طويلاً لنحت القصائد بمهارة العارفين المثقفين وأصبحت كلمات الرداءة اليوم تسوَّى على عجل داخل مراحيض الكباريهات بين سطر وسطر وأعني سطر " الغبرة " وليس البيت الشعري انها الرداءة يا أستاذ التي تطعم اليوم خبزاً .. إنه القبح الذي طرد الجمال فانقلبت المفاهيم وخجلت المعايير فتوارت لتترك الميدان للقبح يعربد فهنيئاً للرداءة ولزمن الرداءة بهذا الفتح العظيم …

  • سوق الرداءة
    الجمعة 22 نونبر 2019 - 09:17

    الرداءة ما هي إلا تنزيل لواقع رديء معاملاتنا رديئة إدارتنا رديئة مستشفياتنا رديئة طرقنا رديئة كل ما حولنا رديء بما فيها أخلاقنا ،فمن أين لنا الجمال وكل ما حولنا قبيح . اعرف حكواتيا في ساحة جامع الفنا يروي نكاتا جنسية بذيئة ويسمى الأشياء بأسماءها دون مواربة يتحلق حوله الأطفال والقصر والفتيات يضحكون ملىء الفيه وعلى بعد خطوات منه مكتبة قاومت الكساد سنوات عجاف قبل أن تغلق أبوابها وتعلن الإفلاس.

  • il s"étonne
    الجمعة 22 نونبر 2019 - 09:52

    il s"étonne du niveau bas ,tres bas que nous vivons,il n"y a rien d"étonnant,la répétition depuis l"enfance ,le paradis ,l"enfer au delà,au ciel,cette répétition est la prison de notre vie,alors que le paradis et l"enfer sont vécus au quotidien au maroc,les villas de 1 à 4 hectares,des voitures de luxe,et des bidonsvilles crasseux ,des enfants abandonnés,des vieux rejetés ,des obscurantistes islamistes qui trompent les gens pour arriver au gouvernement en chantant "mon amour le fassad"occupation des crédules

  • hobal
    الجمعة 22 نونبر 2019 - 11:43

    قوم معجب بالردائة
    اذا القينا نضرة قصيرة فقط على الاوضاع في البرلمان في القضاء في الادارات السياسة والسياسيين في القرى والمدنووجدتني أتساءل كيف تسللت هذه الأغنية ومثيلاتها للإذاعة؟

  • الحسن العبد بن محمد الحياني
    الجمعة 22 نونبر 2019 - 12:22

    "هذا زمن الرداءة بامتياز"؛لا نتكلم عن الاسثتناءات؛صاحب الخلق الحسن وطيب المعشر هو الذي يألفه الناس ويألفونه،بكلامه العذب لا باللفظ الغليظ و الرخو السخيف؛{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖوَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}[الرعد:17]،هي إذن الأخلاق الحسنة،قال رسول الله،طبيب القلوب صلى الله عليه وسلم لصحابي جليل:"قل لا إله إلا الله واستقم"؛وقال لآخر:"عليك بالحياء"؛هي إذن الكلمة الطيبة كوصفة للعلاج التي تترك الأثر الطيب؛في طريقي إلى المقبرة للترحم على الوالدين وموتانا أجمعين توقفت لرجل صحبة طفليه في نفس الإتجاه؛أخبرته بأن والدي رحمه الله حرص على تعليمي الأخلاق؛خذ معك طفليك لصلاة الجمعة ولسماع الخطبة…؛عندما نزلوا رجع أصغر الطفلين،تقريبا ست سنوات وقبلني…؛هي إذن الكلمة تفعل فعلتها:"قل وامض"؛القضية كلها في أحسن القول:دعوة ونصح وإرشاد،روى البزار(9319)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ،وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ).

  • هواجس
    الجمعة 22 نونبر 2019 - 15:04

    "… من لغة دارجة تمتح من الشارع الضارب في الرعونة وسوء الذوق والفوضى وقلة الحياء…" بهذا تكون انت تتحدث مع ابنك واخيك وزوجتك وامك والبقال والحوات والخضار وصديقك و…و…بلغة الرعونة وسوء الذوق وقلة الحياء…؟ ام ان لغة الفن يجب ان تكون غير اللغة المتداولة في الحياة اليومية ؟ وأية قيمة للفن اذا لم يكن جزء من الحياة كما تجري اطوارها في الشارع والبيت و..و؟؟؟ هل تعرف لماذا اندثرت الاغنية"الراقية" كما ترجمتها اغاني ام كلثوم وفريد الاطرش ووردة الجزائرية وميادة الحناوي و…و…؟ لانها اغاني نخبوية لا يتذوق معانيها الا المتضلعون في اللغة العربية الفصحى التي ليست من نصيب الا القلة القليلة من الناس…
    المعتوهين والمرضى النفسيين حالات استثنائية لا يمكن القياس عليها ، كما ان هؤلاء غير قادرين على الانتاج الفني الذي يتطلب مهارات خاصة ليست في متناول هذه الشريحة ، وبالتالي فإن تبريرك لا يرقى الى مستوى الاقناع ، كره ما هو اصيل هو السمة المشتركة بين جميع ايتام الشرق القديم ، الدرجة المغربية لغة سوقية ولغة شارع اما اللغة العربية فهي لغة رقي وذوق رفيع و..و,,, والتقاليد الاصيلة هي بدع وضلال و..و…

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب