وجبة الجمال المحروقة

وجبة الجمال المحروقة
الثلاثاء 3 دجنبر 2019 - 07:32

أريني كيف تُحَضَرُ وجبة الجمال في الوطن العربي؟

كل طبخة يتم تحضيرها، إما بسرعة أو على نار هادئة، إلا طبخة الجمال فهي تحتاج إلى وقت طويل، وذوق رفيع وعمال من المبدعين والمفكرين والمثقفين الماهرين، والأهم من هذا مطبخ كل نوافذه مفتوحة على أشعة الشمس.

هل الجمال وجبة العمر؟

ليس الجمال بوجبة العمر لأن العمر قصير، إنه وجبة الحياة.

الحياة تحتاج إلى أسلوب للعيش، تحتاج إلى فن اليقظة الدائمة، ومشاركة كل الموجودات النائمة على الأرض، لا تعترف بجرثومة تسكن الروح والأفئدة اسمها اللامبالاة التي حاول المفكر الكبير غرامشي أن يحددها ببراعة عندما قال عنها: “اللامبالاة هي فقدان الإرادة، هي الكسل والتطفّل والجبن. إنها كل هذه العناصر المضادة للحياة الحقيقية”. ومن أجل ذلك أنا أكره اللامبالين.

اللامبالون، لا يعترفون بشيء اسمه الجمال، ليس لأنهم ليس لهم ذوق، بالعكس فهم كبقية الآخرين، لهم ذوق خارج مدينة الجمال، إنهم يختارون الهامش حيث يوجد الظل، توجد البرودة، العزلة القاتلة، إن الجمال لا يشكل لهم أي استثناء، إنه يشبه الخبز والقهوة المحروقين، إنهم فقدوا حاسة الشم بصفة نهائية.

في الوطن العربي ليسوا، وحدهم من فقدوا حاسة الشم، هناك طائفة من المنحرفين الجدد، الذي يختبئون وراء عكاز الفضيلة، وبواسطتها يحاولون تعويض كل شيء، إنهم رجال جدد، بأرجل من خشب يريدون أن يعلموكم مبادئ المشي على شكل زرافات في غابة موحشة، ومزروعة بالألغام، ماذا يمكن أن تتوقعوا في نهاية الرحلة؟

الوطن العربي الآن يشتعل بخطاب التكفير لكل ما هو جميل، إنه يحرق آخر ما تبقى من أوراق السلام مع ذاته، فأين ما تولي وجهك تجد الفتاوى المفزعة والآيات تحاصرك من كل صوب، احذر أن ترسم أيها الفنان امرأة بعينين واسعتين تضع الكحل على عينيها فقد تتهم بارتكاب الكبيرة، واحذر أن تكتب قصيدة تصف فيها امرأة تجري بلباس خفيف على شاطئ البحر، فقد توصف بالساقط والمشجع على الرذيلة، وقد يطلب بعض المفتين غير المتشددين برجمك حتى الموت.

هذا حال الوطن العربي الذي فقد كل ارتباط بالحقيقة، بأفق سام اسمه المستقبل، هذا حال وطن يريد أن يقوده الجهلة، الثائرون على كل شيء يذكرهم بجهلهم، بخوائهم الفكري والجمالي، إنهم شرذمة من المفتونين بلغة المنع، بلغة التحريم لكل شيء يحرر العقل ويسمو به نحو الجمال.

إننا نستنزف كل يوم طاقاتنا، في جدل عقيم، بئيس، اسمه الحلال/ الحرام، مع مجموعات متخصصة في هدم كل قول أو فعل أو إنجاز علمي أو فني لا يشيد بالسلف، والسؤال المر: هل كل السلف كان صالحا للاستعمال؟ هل كل السلف كان على قبلة واحدة؟

إن الخطورة التي يعيشها الوطن العربي في الآونة الأخيرة، هو محاولة طائفة من المختلين عاطفيا والفاقدين لكل إحساس بالجمال، أن يفرضوا على الجميع العيش بوصفة وحيدة، إنهم يقدمون أنفسهم كرجال الإنقاذ، إنهم يلبسون ثوب “التدين الخارق” إنهم الأنبياء الجدد، الذين يعرفون جيدا القصة الحقيقية للإله، وأي تشكيك لهذه القصة والجدال فيها سوف يعرضنا للسخط واللعنة.

الآن وبعد أن احترقت كل الوجبات، ألا يمكن أن تعطونا الفرصة لنقدم وجبتنا الجديدة، فهي الأخرى مهددة بالاحتراق في أي لحظة، قد لا تبدو في نظركم لذيذة وممتعة، دعونا نجرب هذه المرة وجبة الجمال، فهي وحدها قد تستطيع أن تجمعنا في طبق واحد.

*كاتب من المغرب

‫تعليقات الزوار

2
  • فاطمة أوباها
    الثلاثاء 3 دجنبر 2019 - 12:37

    وجبة الجمال الحقيقي، هي الروح النقية، التي تلامس جمال النفس بعنفوانها، وإنسانيتها، ورحمتها اللامتناهية.
    لا أحد يستطيع نكران أن الحياة بلا روح كفقدها، فهي بذلك منعدمة لاوجود لها.
    الروح تتأتى بالوجود الفعلي لجمال الحياة، التفكر عقلانيا في الوجود، والاعتدال في هذا التفكر حتى لا نصنع من روحنا آلة تحريك روتينية بئيسة الحال، بشعة ، لابد من اسجمالها بالطباع المتزنة، لا ضرر ولا ضرار هذا هو الجمال الحقيقي.

  • عين طير
    الثلاثاء 3 دجنبر 2019 - 14:45

    أنت تكره اللا مبالين، وأنا واحد منهم لا أكترث لمشاعرك، بيد أنه وجب تنبيهك على أنه بكرهك هذا يعمى عنك الجمال الحقيقي، فاسأل أهل الرياضيات عن ما هو، إنه القدرة على التعبير عن شيء غاية في التعقيد بأقل كلمات وبأسلوب غاية في البساطة.. أنت ترى القبح جمالا، وتأبى إلا أن تفرض علينا ذاك القبح على أنه جمال، باسم الفن، والعفن .. ماذا تفيدني صورة امرأة فاتنة رسمتها ريشة فنان، لا يرى الجمال إلا في جسد المرأة، فهل هو تكريم للمرأة الجميلة مع ما ينطوي عليه من تحقير لدونها جمالا، أم هو مجرد تجارة مرغوب فيها ومطلوبة، أم تراه مجرد وسيلة لتفريغ المكبوتات، وبيعها في شكل أوهام للذين يبحثون عن تفريغ مكبوتاتهم بأساليب راقية في نظرهم، أم هو كل هذا في آن؟

    نصير لا مبالين لما نرى كل شيء أسود يابسا، فنرى الجمال في كل ما هو مقفر، وموحش، ولا نرى الجمال قط في جسد المرأة، فتلك أمور علمتنا الحياة أنها لحظية، وعابرة … !

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة