يفيدنا التاريخ إفادات شتى، لعل أبرزها ان التطور والتقدم والتحديث والتجديد الذي تعرفه البشرية، أي المجتمعات المختلفة أيا كان عرقها ولغتها ودينها، وثقافتها، هو من صنع وإبداع وتوقيع الأقليات، بل من صنع الأفراد لا الجماهير الشعبية بما هي كمٌّ وتكتل وعدد مهول. فالأنبياء الذين غيروا وجه التاريخ هم أفراد لا أقوام وجماعات. وكذا الفلاسفة والمفكرون والعلماء المخترعون والمكتشفون، والمبدعون، والفنانون. إنهم أفراد قادوا وسادوا، وأوصلونا إلى ما نحن فيه، وما سنكون عليه غدا.
ومن طبيعة الأشياء، بل من منطقها أن تكون كذلك في تقديرنا لأن الذكاء الاستثنائي، والنبوغ الساطع، والعبقرية المتفردة لا تعطى ولا تنبثق من الجموع، بل تسطع وتلمع بالضوء كله بمثابة وميض برقٍ أو إشراق وَحْيٍ في أدمغة وعقول محدودة، متعينة وسط الهدير الغوغائي، والدفق الدهمائي كالسيل. ومن ثمَّ، يصبح مصير المجتمع الذي ينتمي إليه ذاك العبقري، في يد العبقري إياه، إذ يخرجه مما هو فيه من قمقم وعتمة وتيه إلى النور والحياة والإزهار. إلى إحداثه إحداثا، إلى إنسانيته وآدميته، واستحقاق إقامته على الأرض، بما يميزه عن باقي الكائنات والموجودات التي تقتسم معه الكون.
ومعنى ذلك، أن الجموع، بالتعريف السوسيولوجي، تكون محافظة بما كان، حريصة عليه، ثابته جاثمة على ما خلفه وأودعه السلف حتى يأتي من يتخطى السلف إلى حاضرها الجديد، إلى ما فيه خيرها وتقدمها وازدهارها.
فالمحافظة ومعاداة الجديد، بل واضطهاد المجددين المحدثين، كان ولا يزال ديدن الشعوب والجموع كتكتل ” قطيعي”. إنها المعاداة، والنفور من الجديد، اللذان عاناهما رسولنا العظيم الأكرم، والأنبياء والرسل قبله، كنوح، وهود وصالح، ويوسف، وموسى، وعيسى، بل أبوهم جميعا: إبراهيم، عليهم السلام. ويصدق هذا على الفلاسفة والعلماء المتنورين، والأدباء والشعراء، وغيرهم ممن هم أفراد حباهم الله والطبيعة بنور المعرفة، والنبوغ، والسمو الروحي، والشموخ العقلي.
فلم تسْتَتِبَّ الكلمة الأخيرة، والقول الفصل لمفكري عصر الأنوار، وللتجديد الديني المسيحي، ولتكريس العلمانية بما هي ـ بالأساس ـ فصل الدين عن الدولة، ولاعتبار الإنسان هو مقياس كل شيء، وسيد الكون المتحكم في حاضره وغده ومصيره، إلا بعد عَنَتٍ وصراع ضارٍ، وضع فيه هؤلاء أو جلهم، دمهم على مذبح التقدم والتطور والفداء، والخلاص من ظلمات الشعوذة، والخرافات، والصكوك، والكرامات، والعبودية التي خدمت أوليغارشيات ممتدة، وكهنوت ديني أعمى، وعوائل أرستقراطية ” زرقاء الدماء “.
وبناءً عليه، فإن ما تعرفه بلادنا من شد وجذب، وصل إلى حد شتم وسب وتكفير بعض الحقوقيات والحقوقيين، والمثقفات والمثقفين، وعَدِّهِمْ فُسّاقاً ومحرضين على الكبيرة، والزنا والانحلال الخلقي، بخصوص مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي وُجِّهَتْ إلى مجلس النواب في أفق مناقشتها وإبداء الرأي فيها لتعديل القانون الجنائي المتصل بحماية الحريات الفردية كإباحة الإجهاض بحسبان اشتراطات، ومبررات نفسية واجتماعية وإنسانية مقنعة ومعقولة. واعتماد مبدأ الرضائية في التعاطي مع العلاقات الجنسية بين البالغين خارج مؤسسة الزواج، وغيرها، إن ما تعرفه ـ بلادنا ـ شيء عادٍ ومنتظر من قبل أطراف متحجرة ماضوية تربط كل شيء بالتدين والاجتهاد الديني لا بالدين. لأن الدين لم يخض في هذه الأمور التي هي إحدى محصلات وعي، ومدنية، وتطور، وحقوق إنسانية فردية في الأول والأخير. كما هو رد فعل منتظر من الدهماء والبهماء على حد تسمية العلامة علال الفاسي. فالمعركة ثقافية وحضارية لا سياسية ولا دينية كما يدعي المدعون.
ثم إنني أستغرب موقف الذين استغربوا رَدّات الفعل تلك، ناسين أو متناسين، أن قدر الشعوب المغلوبة والمغلولة بالإفتاء الديني، واليأس والإحباط، والأمية، والفقر، أن تعادي ما يعتبره ( الناطقون بلسان السماء )، خطراً على المجتمع، والأمن الروحي، والأخلاق، والتقاليد المرعية، بل على الدين و” الإجماع”. وها أنت ترى أن في كلمة” إجماع”، إقصاءً لكل فكر حر وديموقراطي، وتنويري، ومسحاً كلي للعقل الخلاق، والوعي الفردي، ورغائب الذات.
فالجماهير العريضة التي كُبِّلَ وعيها، وإحساسها بالتحولات من حولها، التي تتحصل ـ بالكاد ـ على ما يسد رمقها، ويبل عطشها، ويدفيء عريها، ليس لها من رأي ـ وهي المحجورة ـ، أو دعم لما يجري من نقاش في أمور ” لقنوها” أنها تكتسي خطورة لأنها لا دينية، وهرطقة، وما أنزل الله بها من سلطان. بل، إن من يتكلمون باسمها، يعتبرون الخوض في الإرث، والإجهاض، وحقوق المرأة، والعلاقات الجنسية الرضائية لدى البالغين، وغيرها: قضايا بعيدة عن انتظاراتها التي لا تتعدى المطالبة بالخبز، أي ما يفيد تحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، والمالية، والخدماتية، ليس غير.
وعود على بدء أقول: لا ضير في هذا ـ مؤقتا ـ مادام أن سنة التطور لا مرد لها، وأن منطق التحديث صائر ومستمر حتى تتحقق له الغلبة كما تحققت في أماكن أخرى، وأزمنة مختلفة، إنْ لم يكن في المدى المنظور، ففي المدى البعيد. وأن الأقلية كانت ولا تزال مضطهدة، والفكر الحر التنويري مخيف لرجال الدين، وللجموع المغلولة التي ضربت الأمية والفقر واليأس، ستارا من حديد على ذكائها، وأرجلها، وعقولها. وأن الأفراد لا الشعوب، هم القادة الذين أوصلوا ويوصلون بني الإنسان إلى الضوء والنور والحياة المنشودة والمبتغاة.
إنها تدور رغم الداء والأعداء.
انا مع الأستاذ محمد بودويك في ملاحظاته القيمة والتي تقنع أصحاب العقول المنطقية بدون تمعن او تردد.الفكر يتجدد والعجلة تدور والبشرية تنتقل من طور الى طوروالشعوب هي تابعة لمفكريها ولقيادها في المجال السياسي والفكري وما عليها الا ان تبذل بعض المجهودات العقلية لتفهم الواقع وتتبنى الفكر الذي يدعو الى تحريرها وتحقيق مصالحها ومصالح امتها.اما ان تبقى تعيش في الغوغاء وتتعلم الصراخ والعويل وشد الحبل وستعمال المشاكسة في أشياء لا تعلم الصالح من الطالح فكما قال استاذي الكريم على مر التاريخ عامة الناس هي تستهل انتاج مفكريها سواء كانوا انبياء او علماء مفكرين يقرأون التاريخ والواقع ويتأثرون ويؤثرون في واقع عصرهم ويغيرون ما بلي وفاته الدهر ويقترحون الابداع والتجديد في المسيرة البشرية التي تعتني بالسعادة والرفاهية والازدهار والسير نحو الامام ونحو ما يفيد وتستفيد منه البشرية في جميع المجالات.تحليل جيد أتمنى ان ينظف اذان المعاندين المتشبثين بالماضي السلبي الذي لا يصلح بتاتا لحاضرنا
هل تعتقد أننا بتحقيقنا لهذه المطالب سينتقل حالنا إلى ما هو أحسن؟
في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من ويلات الفقر والفساد الإداري والكساد الاقتصادي ووووو….، وتحتاج إلى أفكار رائدة وبرامج إنمائية ومناهج تطويرية ونظم اقتصادية للخروج من الوضعية الكارثية التي نحن فيها…، يأتي هؤلاء المدافعون عن حقوق الإنسان فلا يظهر لهم من حق يجب ان يتحقق للمغاربة – في الظروف التي ذكرنا – سوى الحقوق الشهوانية التي يشتركون فيها مع جميع الكائنات.
أسيادْنا : المغاربة خصهوم أشياء اخرى ماشي هادشي ليكاتطالبوا بيه انتوما.
ثم إن هذه المطالب تخص فئة قليلة جدا في المجتمع وصلت بالكاد إلى 5000 عضو الذين كونوا عريضة وقدموها للبرلمان ليناقش مضمونها.
هل 5000 شخص (متنور) بين قوسين بدا لهم ما بدا من الخروج عن المألوف في المجتمع وعن دينه وقيمه، وهم مدفوعون بلا شك من جهات خارجية أو هم على هواها…. هل يمكنهم وهل من المنطق أن يتحكموا بمصير 40 مليون مغربي ويشرعون لهم ضدا على إرادتهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم؟
قال تقي الدين الهلالي :
" المعلمون للأرواح أطباء القلوب المرشدون للشعوب المخرجون الأمم من الظلمات إلى النور هم الأنبياء،لا الفلاسفة،
لأن الأنبياء مرسلون من الله لإصلاح العباد وإقامة الحجة عليهم،ومؤيدون بروح منه.
أما الفلاسفة فقد امتازوا بعقول كبيرة تغوص في بحور الأفكار فتستخرج درر المعرفة وتعرضها على طلابها،
ولا يلتزمون إصلاح فاسد،ولا تقويم معوج،وليسوا معانين على ذلك، لأنهم لم يكلفوا به.
ألا ترى إلى أريستوديم الذي كان سقراط يحاوره،كيف يحلف بجوبتير،ومعناه الكوكب السيار الذي يسمى بالعربية (المشتري) فإن اليونانيين كانوا يعبدون الكواكب وينحتون لها تماثيل ويعبدونها،
ولم يستطع فلاسفتهم أن ينقذوهم من عبادة الأحجار حتى جاءتهم المسيحية
فدانوا بها وتركوا أصنامهم.
ولو كانت الفسلفة تُقدم للأرواح غذاءها وتنقذ النفوس من جهالتها وتربي الأمم
بالأخلاق العليا،لكان الرسل المعلمون لدين الله الحق كلهم يونانيين.
ونحن لا نسوق حجج الفلاسفة على وجود الله تعالى وتصرفه في خلقه لإقامة البرهان على صحة ذلك، وإنما نوردها حجة على من يزعم أن الفلسفة والبحث الحر يوجب على الباحث إنكار وجود الله وتكذيب رسله.."