البيجيدي والإجهاز على الحقوق والحريات

البيجيدي والإجهاز على الحقوق والحريات
الخميس 12 دجنبر 2019 - 08:19

يحتفل المغرب باليوم العالمي لحقوق الإنسان في ظل تجاذبات إيديولوجية تأججت مع رئاسة حزب العدالة والتنمية للحكومة منذ 2011: تيار حداثي مرجعيته منظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وتيار أصولي محافظ يقوده حزب العدالة والتنمية مسنودا بالتيار السلفي الوهابي المتشدد يرفض المرجعية العالمية لحقوق الإنسان ويريد فرض مرجعية دينية على مقاسه.

فمعاداة حزب العدالة والتنمية لحقوق الإنسان هي عقيدة ثابتة أسس عليها مواقفه منذ ما قبل التحاق أعضائه بحزب الخطيب. ولعل المعركة التي خاضتها روافده ضد المطالبين بتعديل مدونة الأحوال الشخصية سنة 1992 دليل قاطع على عدائه المقيت والثابت لحقوق الإنسان وفي مقدمتها حقوق المرأة والطفل. كما ستتأجج معركته ضد مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية سنة 2000. فالحزب لم يترك فرصة إلا واستغلها لمناهضة حقوق الإنسان. وحين ترأس الحكومة حمل معه العداء نفسه الذي ترجمه إلى سلسلة من الإجراءات والقوانين مستغلا ضعف الأحزاب المكوّنة للتحالف الحكومي وتهافتها على الريع السياسي؛ الأمر الذي سهّل عليه وضع استراتيجية محكمة ترمي إلى توظيف المؤسسات الدستورية لضرب الحقوق والحريات. تقوم هذه الاستراتيجية على تكتيكات محددة أبرزها:

أ ــ تجنيد الخطباء والهيئات الدينية (المجالس العلمية، رابطة العلماء، هيئات العدول…) في مواجهة الهيئات النسائية والحقوقية المطالبة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية.

ب ــ الضغط على الدولة وتهديد النظام بالنزول إلى الشارع ودعم حركة 20 فبراير حتى لا يتم الإقرار دستوريا بحرية العقيدة خلال تعديل دستور 2011. وبالفعل تم سحب دسترتها.

ج ــ الضغط على لجنة صياغة الدستور قصد التنصيص على إسلامية الدولة حتى يتمكن من ممارسة الرقابة على المؤسسة التشريعية، ومن ثم العمل على إلغاء القوانين التي يراها غير منسجمة مع إيديولوجيته الدينية، وفي الوقت نفسه إقحام قوانين تخدم استراتيجيته الرامية إلى أسلمة الدولة والمجتمع وفق ما تنص عليه أدبيات الحزب وخاصة أطروحة المؤتمر6 (على أن الاشتغال على قضايا المرجعية والهوية والقضايا الأخلاقية وجب أن يتم ضمن آليات الاشتغال وأدوات الخطاب السياسي أي باعتبارها من قضايا السياسات العمومية مما يقتضي التركيز على مقاربتها مقاربة قانونية وتشريعية ورقابية.. وهو ما يعني اقتراح سياسات عمومية في إطار برامج سياسية تطرح ديمقراطيا ضمن المؤسسات المنتخبة ذات الصلاحية).

د ــ استغلال رئاسته للحكومة في الاستئثار بالحقائب الوزارية المسؤولة عن الحقوق والحريات (وزارة العدل والحريات، وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، وزارة حقوق الإنسان).

هـ ــ إلغاء وزارة حقوق الإنسان في التشكيلة الحكومية برئاسة بنكيران.

و ــ تجميد الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان بضغط من مصطفى الرميد الذي كان يقاطع حضور المجالس الحكومية.

وتتمحور أهداف الخطة على الخصوص في تحقيق المزيد من المكتسبات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحماية الحقوق الفئوية، وعلى رأسها حقوق المرأة.

ز ــ الالتفاف على الدستور وإفراغ نصوصه من أي محتوى يدعم حقوق الإنسان وذلك بتشكيل هيئات صورية (هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز) وتأجيل إخراج القوانين التنظيمية لتلك الهيئات.

لقد حرص حزب العدالة والتنمية على تدشين سلسلة من التراجعات الحقوقية وكان أخطرها مشروع القانون الجنائي الذي قدمه وزير العدل والحريات حينها مصطفى الرميد، والذي اقتبسه من قوانين مشرقية متشبعة بالسلفية الوهابية تشرعن “جرائم الشرف” وتحرض على قتل النساء.

ح ــ المصادقة على حقوق الطفل في الإسلام لتعطيل التزامات المغرب الدولية والاتفاقيات التي وقع عليها لحماية وضمان حقوق الطفل.

إلا أن أخطر انتكاسة حقوقية هي أن تُسند وزارات العدل وحقوق الإنسان والمرأة إلى حزب العدالة والتنمية الذي لم يثبت في تاريخه أن ناضل من أجل المرأة والحقوق أو قدّم مذكرات أو مشاريع قوانين تنهض بالحقوق والحريات؛ بل الثابت أن الحزب، ومنذ تأسيسه وهو يناهض الحقوق ومطالب النساء. ولا يختلف مصطفى الرميد عن بسيمة الحقاوي أو جميلة المصلي، فجميعهم يناهضون حقوق النساء ويعادون منظومة حقوق الإنسان. ففي عهد حكومة بنكيران تم بعث الروح في مذكرة أمنية قديمة تمنع النساء من المبيت في الفنادق الموجودة بمدنهن، كما أن المناخ العدائي للمرأة الذي أشاعه خطاب البيجيدي حرض المواطنين على ممارسة “شرع اليد” ضد النساء والفتيات في الفضاء العام (طرد 800 امرأة من عين اللوح، الاعتداء على فتيات إنزكان، مول البيكالة الذي كان يعتدي على الفتيات بمدينة تيفلت..) واستمرت الاعتداءات في ظل حكومة العثماني التي ترفض تجريم الاغتصاب الزوجي وتشديد العقوبات على التحرش الجنسي. وكيف لهذه الحكومة أن تجرّم الاغتصاب الزوجي وعلى رأسها حزب ناهض ولا يزال منع وتجريم تزويج القاصرات، بل ضغط على الدولة، حين تعديل مدونة الأسرة، لشرعنته رغم مخاطره؟

إن حزب العدالة والتنمية لم يستفد بعد من حروبه الخاسرة ضد حقوق النساء التي خاضها منذ نشأته، إذ لازال مصرا على عرقلة تطوير المنظومة القانونية حتى تكون مسايرة لتطور المجتمع. وفي هذا الإطار تأتي مناهضته لمطالب الهيئات النسائية والحقوقية برفع التجريم عن الإجهاض وعن العلاقات الرضائية بين الراشدين في الأماكن المغلقة وإلحاق الولد خارج إطار الزواج لأبيه البيولوجي حتى لا تبقى الأم وحدها تتحمل تبعات الحمل والإنجاب.

إن إجهاز حكومة حزب العدالة والتنمية على الحقوق لم يقتصر فقط على حقوق النساء والأطفال والأقليات، بل اتسع ليشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة وكل الموظفين وكذا الحق في العيش الكريم الشعب المغربي (قانون إصلاح/إفساد التقاعد، التوظيف بالتعاقد، إلغاء الترقي بالشهادات، إلغاء صندوق المقاصة..).

‫تعليقات الزوار

11
  • amaghrabi
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 08:49

    نعم والف نعم استاذي سعيد المحترم اسعدك الله ورعاك.مجموعة العدالة والتنمية هي في نظري مجموعة من المنافقين والوصوليين استغلوا موجة الفكر السلفي الوهابي الذي نشره علماء السعودية باموال النفط السعودي ,وهؤلاء العملاء ركبوا الموجة لتحقيق مصالحهم الخاصة ولو على حساب نشر التخلف في مجتمعهم المغربي الذي هو محتاج الى من ينقذه ويخرجه من الفكر الرجعي التخلفي العنفي .مجتمعنا كان متخلفا فبدل ان نساعده لينقذ نفسه بنفسه ونحارب معه الشعوذة والدجل والسحرة والاعتقاد بافكار تجاوزها العصر وتشجيعه على الاندماج في الحضارة المعاصرة وهي حضارة الكرامة والحرية الفردية والاعتقاد والعمل من اجل إيجاد الصحة للجميع والسكن اللائق للجميع والشغل للشباب الضائع.فهؤلاء اخروا الانطلاقة الصحيحة نحو المعاصرة وحقوق الانسان وحقوق النساء والأطفال.فهم وجهوا الهدف بدل ان يعملوا من اجل المستقبل وجهوا المغاربة ليهتموا بالمستقبل الاخروي على حساب مستقبلهم الدنيوي فاوصلونا الى الكارثة الاجتماعية الخطيرة

  • Ryahi
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 08:57

    Le PJD marche à reculons et bientôt c'est le grand trou noir sans fond
    C'est le retour des nouveaux barbares aux longues barbes teintés
    Comment voulez-vous si Said qu'un ministre polygame défende les droits des femmes alors qu'il les bafoue de manière permanente
    Le PJD est un danger pour tout le monde y compris la royauté

  • الخيانة فعل مرفوض
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 10:48

    شخصيا أنا مع الحريات الفردية ومع فصل الدين عن الدولة أنا مع الدولة العلمانية قلبا وقالبا ولكن ما أرفضه وما لا استطيع استعابه هو دعوة بعض فروع المنظمات المعنية بحقوق الإنسان إلى عدم تجريم الخيانة الزوجية واعتبارها حقا لايجب المساس به وحرية فردية في تملك الجسد رغم أن الخيانة مجرمة حتى في الدولة الرائدة في العلمانية ففي أوروبا مثلا لايحق لشخص مرتبط بعلاقة حرة أو موثقة مع فتاة خيانتها ولا يحق لها خيانته إلا عند وضع نهاية لهذه العلاقة .

  • Fatim-zahra
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 11:04

    التشريع في المجال الديني هو من تخصص جلالة الملك بصفته اميرا للمؤمنين و بما ان حزب العدالة والتنمية حزب كباقي الاحزاب في اطارالتعدديةالحزبية و يبايع الملك كاميرا للمؤمنين, و ليست له هو نفسه كحزب الولاية الدينية, فانه لا يمكنه فرض رايه او توجهه الديني على المدى البعيد على المغاربة بدعوى ان الاسلام دين الدولة. و لكن اذا كان الاسلام دين الدولة فهو يتبنى المذهب المالكي و التصوف الجنيدي و امارة المؤمنين و بيعة الملك كامير المؤمنين من ال البيت, و لذلك لا يمكنهم القفز على هذا المعطى التاريخي. و التصوف يؤمن بالحريات بما يخدم مصلحة الوطن و المواطنين و تطبيق الشرع يكون غايته مقاصد الشرع و ليس التطبيق الحرفي الظاهري, حتى و لو كان لا يتماشى مع المصالح العليا و عقلية العصر. الهدف في الاسلام اصلا ليس هو "رجم الزناة" و انما قول "لا الاه الا الله"

  • أدهم
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 11:53

    كلام لايجدي نفعا وبعيد عن هموم المغاربة التنموية……….

  • Fatim-zahra
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 12:29

    و ليس فقط يعني افكار لا تتماشى مع روح العصر و انما اصلا لا وجود لها في القران الكريم, "كرجم الزانية" و "الولد للفراش" مما يؤدي الى تناقضات فكرية و مجتمعية عويصة.

  • KITAB
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 12:42

    رؤية الأستاذ، من خلال موضوعه، إلى السياسة المغربي وتدبير شأنها العام مقيدة بالنظرة التسطيحية للأحداث، وأن حزب البيجيدي الذي يترأس الحكومة الحالية هو المسؤول عن "إجهازه" على حقوق الإنسان ، وحقوق المرأة خاصة…. هذا كلام لا يمكن أن يصمد أمام حقائق الأحداث وخلفياتها، أيعتقد أحد في المغرب حتى من العوام أن هذا الحزب أو ذاك هو الذي يتحكم في دفة الأمور، أبداً، هناك "تعليمات فوقية " تتجاوز سلطة الحكومة وكل طاقمها هي التي وراء السياسة الحالية في البلاد، برنامج البيجيدي أو برنامجها داخل الحكومة هو محض تمويه ودر الرماد في الأعين… هناك برنامج فوقي لا دخل فيه لأحد لا من قبل الحكومة ولا من قبل الوزراء، هؤلاء مهمتهم في واقع الأمر تنفيذ ما يملى عليهم من فوق، وتحياتي

  • ahmed arawendi
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 12:55

    ستُعد مجنونا لو سعيت إلى شجرة عوسج و طلبت منها فاكهة كمثرى لأن فاقد الشئ لا يعطيه !
    حزب إيديولوجيته السياسية هي الإسلام لا يمكنه أن يعطي أبدا:
    * ديموقراطية
    *حقوق الفرد و المواطن
    إلا إذا كان منخرطا في مناورة ظرفية حتى تسنح له الفرصة لتطبيق أجندته كاملة:
    * قطع عنق من لا يقتنع بالإسلام
    * قطع يد سارق الدجاجة (وليس ناهب ملايير المال العام هذا يعزر على حسب شهية الإمام)
    * ضرب النساء و حبسهن في البيوت
    * إجبارهن على الحجاب و النقاب
    * منعهن من رئاسة مؤسسات الدولة
    * نزع ولايتهن عن أنفسهن و إن كن راشدات

    هذه الأجندة لا تعرف لا ا قتصادا و لا اجتماعا و لا قوانين مؤسسات لأن كل هذا سوف يبني نفسه عن طريق "الإعجاز العلمي" عندما يفرح الله و يرضى عنا لأننا فرشخنا زانية في ساحة المدينة بعد حمدلة و تكبير بينما دماغها يخرج من أذنيها فيعم الخير كل المسلمين

  • هل اقتربت
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 13:57

    هل اقتربت الانتخابات التخربيقية وهذا 4 مقال لك في اسبوع, بالطبع ثلات منها يتحدت عن العدالة والتنمية.
    انا كمحايد ومقاطع دائم للانتخابات في المغرب, هي اقرب الى العصبية القبلية منها الى مشروع فكري نهضوي, والمخزن وليس فرنسا عنه ببعيد هو الذي يحكم, وهو من بدل شرع الله.
    اذن هل يمكن.معاقبة انتخابيا من لا يحكم في هته المسرحية?
    هل الترول المخزني والالحادي الذين يساندون اي مقال ضد الاسلام كعقيدة او تشريع, يمكن له ان يسكت عن حقوق الانسان الحقيقية المغتصبة في المغرب
    هل سيفيق المغاربة يوما ما ليعرفوا عدوهم الحقيقي, وان الديماغوجيا وهم لكي تبقى دار لقمان على حالها

  • م. قماش
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 18:32

    إن شعار الإسلام هو الحل يُجزِّؤه البيجدي كباقي أحزاب المرجعية الإسلامية الإخوانية وهم يركبون نفاقا صهوة الديمقراطية إلى أجزاء عبارة عن تكتيكات دنيئة في أفق مناهضة وسلب الحقوق والحريات الفردية. يظنون خاطئين بأن الإلاه كلفهم بالدفاع وصون تعاليم الدين الإسلامي المُعَسِّرَة لحياة الإنسان في زماننا الحالي ومن تم يحكمون قبضتهم على رقاب الناس ويذيقونهم المرارة والعذاب ليس فقط في إختياراتهم وميولاتهم وإنما أيضا في سبل عيشهم ومعيشتهم. يتشدقون بالإصلاح وهم يفسدون ويحاربون يسارعون إلى إطفاء أي نقطة ضوء سواءً من مواقع مسؤولياتهم في السلطة أو بواسطة أدرعهم الدعوية والجمعيات الدائرة في فلك إيديولوجيتهم وفقههم وشعارهم. سردت أستاذ سعيد مواقفهم المخجلة من عدة قضايا من صميم الحقوق والحريات إمعانا منهم في تأزيم حال المغربيات وإلحاق الأذى النفسي والوجداني بالأطفال وجرِّ أفراد الأسر المغربية إلى الخلافات واللجوء إلى الإنتحار وإيذاء بعضهم البعض وقطع صلات الرحم وإعمال شرع اليد المشين وتفشي الظواهر السلبية خِفْيةً ـ في الخفاء ـ مثل زنا المحارم والإجهاض خارج المستشفيات والمصحات ورمي الرضع في مطارح الأزبال.

  • الحسين
    السبت 14 دجنبر 2019 - 00:05

    معنى الحريات الفردية عند العلمانيين والملحدين العرب تعنى التمرد على الإسلام وتعاليمه وإشاعة الفاحشة في المجتمع ومن تم تفكيك الاسرة وهدمها.

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 7

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب