تأنيث التعليم

تأنيث التعليم
الخميس 12 دجنبر 2019 - 12:25

بين الضرورات البيداغوجية والأخطار المجتمعية

التعليم المغربي يغير جلده في السنين الأخيرة، حقيقة تبدت مع موجة التوظيف الجهوي أو نظام التعاقد كما سمي في البداية، حيث تم ضخ أكثر من خمسين ألف أستاذ وأستاذة بمختلف الأسلاك التعليمية، والاستجابة لآلاف طلبات التقاعد النسبي فضلا عن مغادرة نسبة هامة لأطر التدريس الفصول الدراسية بفعل وصولها لسن التقاعد أو التحاقها بمهام إدارية .ما يعني أنه في غضون عشر سنوات المقبلة سيشكل أساتذة التوظيف الجهوي العمود الفقري لهيئة التدريس بالمملكة، لكن الملاحظة الأساسية التي تميز هذه التشكيلة الفتية الجديدة التي ستحمل مشعل تربية الأجيال القادمة هو الهيمنة شبه المطلقة للعنصر النسوي بها بما يزيد عن الثلثين أو أقل قليلا حيث وصل عدد المدرسات بالتعليم العمومي موسم 2017/2018 ما يزيد عن 64704 أستاذة و27502 أنثى بالتعليم الخصوصي، ما يطرح أسئلة جادة حولها: هل كان الأمر مجرد صدفة طيبة فرضتها النقط الجيدة التي حصلت عليها الإناث في مباريات التعليم، أم واقع فرضه الارتفاع الكثيف لنسب تخرج الإناث من الجامعات المغربية مقابل الذكور وتفشي البطالة بينهن، أم أنه العقل الأمني للدولة الذي يجد الإناث أكثر طواعية في تفادي مظاهرات المطالب الاجتماعية والمادية التي لا تنتهي لرجال التعليم، أم أن الأمر يتعدى ذلك باعتباره توجها استراتيجيا للدولة بتأنيث المدرسة المغربية بتكتم شديد خدمة لأهداف بيداغوجية بعيدة المدى؟ فالشكاوى العديدة التي تضج بها وسائط التواصل الاجتماعي فور ظهور نتائج مباريات التعليم كل مرة تؤكد كل هذه الاحتمالات السابقة مجتمعة، وتبين بالملموس أن التمييز الإيجابي للعنصر النسوي أضحى ميزة فعالة في اختيار أطر التدريس الجديدة التي ستتحمل تنزيل الرؤية الاستراتيجة لمدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء الفردي والمجتمعي.

لقد عودتنا تجارب الإصلاح التربوي السابقة على مدى عقود أن المدرسة المغربية بمختلف أسلاكها تبقى حقلا للتجارب العشوائية دون أن يرتكز الأمر على بحوث تربوية رزينة تستشرف الإيجابيات والسلبيات وتوازن بينهما حتى يتخذ صاحب القرار التربوي الإجراء الصحيح، بل تترك الأمور لهوى المسؤول الوزاري الذي يشرف على قطاع التربية وما يوحى إليه من ضرورات أمنية وسياسية ونقابية واجتماعية، فتضيع أجيال بين رغبة هذا المسؤول ورؤية الآخر للأمور، حدث هذا مع تعريب تدريس العلوم ثم التراجع عنها واعتماد بيداغوجية الإدماج وتركها، وكذا تبديل نظم البكالوريا والإجازة والماستر دون مساءلة جادة عن فوائد الإقرار ومزايا الترك، وكأن الأمر يتعلق بمختبر تجارب متوسط المدى ولا يهم أجيالا صاعدة مؤثرة ستشكل العمود الفقري لمغرب الغد القريب. وإذا كانت حدة التقلبات التربوية قد خفت مع اعتماد القانون الإطار للتربية والتكوين باعتباره نصا قانونيا ملزما سيؤطر تدخلات كل الفاعلين المستقبليين مع منظومة التعليم أيا كان موقعهم فإن تسربات جانبية متعددة كمثل تأنيث التعليم ستضغط بقوة على المخرجات الحقيقية المقبلة للعملية التعليمية التعلمية دون أن تكون موضع مناقشة مجتمعية لدراسة حدود إيجابياتها ومساوئها انطلاقا من تجارب لدول أخرى أو بحوث تربوية حول الموضوع.

إن مهنة التعليم ليست وظيفة عادية كباقي الوظائف تحكمها حقوق وواجبات فقط، لكنها شبكة معقدة من العلاقات التواصلية اليومية التي ينسجها المعلم أو المعلمة مع الأطفال والتي تؤثر في تشكيل شخصيتهم وصقلها، فجميعنا نبني مواقف حاليا عن وعي أو دون وعي انطلاقا من تجارب بسيطة عايشناها مع أحد أساتذتنا قولا أو فعلا تركت أثرا عميقا في نفسيتنا وترسخت في وجداننا، لهذا فالتأثير الذي سيتركه الأستاذ أو الأستاذة في مراحل التعليم الأساسي أساسي جدا في صنع مستقبل البلد، لهذا تتحرى دول حريصة على مكانتها الدولية أقصى درجات الحزم في اختيار معلمات ومعلمي الفصول الابتدائية بالخصوص تكوينا وتواصلا وحضورا نفسيا مع متابعة سنوية وتحفيزات دورية حتى لا يهدم العناء اليومي شعلة العطاء التربوي للمدرس الممارس، وتتابع كل صغيرة وكبيرة قد تمس جوهر العملية التعليمية. وحتى الآن لا زال موضوع تذكير وتأنيث هيأة التدريس بالمستويات الابتدائية يثير تجاذبات كبيرة بين الفاعلين التربويين بين منتصر لهذا الرأي أو ذاك في عدد من الدول التي اعتمدت تأنيث التعليم كليا أو جزئيا ثم تراجعت عنه أو العكس. فالمؤيدون لتأنيث التعليم يحججون بأن طبيعة الأنثى الفطرية كأم ومربية لأولادها وعواطف الرحمة والحنان والرأفة والتضحية التي بثها الرحمان فيها، تجعلها أقدر من الذكر في التعامل مع الصغار وأكثر صبرا في معالجة مشاكلهم وشغبهم وحماسهم الطفولي حتى في أوقات الاستراحة والفراغ، بينما الرجل يتبرم وينفر بسرعة ويفقد أعصابه لأتفه الأسباب ما يجعل تواصله صعبا مع المتعلمين، فيقل التواصل الايجابي ويغلب الحزم ما قد يؤثر على ذوي التعثرات التعلمية فيسهل تسربهم وهناك قصص أليمة سمعناها عن مغادرة تلاميذ وتلميذات للفصول نتيجة قسوة مدرسيهم، دون أن نغفل نقطة جوهرية وأساسية أن مهنة التعليم بالنسبة إلى المرأة تحقق لها الرضا الوظيفي وتمنحها طمأنينة كبيرة ومكانة اجتماعية محترمة، ما يجعلها أكثر عطاء وكفاءة في القسم، في حين تبقى هذه المهنة بالنسبة إلى الطالب آخر الحلول الوظيفية بعدما يجرب حظه في ميادين شتى، فيأتي إليها غالبا محملا بهزيمة نفسية تنعكس في ما بعد على مردوديته وجديته ودافعيته للتدريس، وهذا ما يفسر غالبا الإشادات المتواترة للمفتشين التربويين والإداريين بأجواء العمل وروح الحماس والعطاء والجهد التربوي لدى الفصول التي تسهر عليها الإناث بتفان وإتقان، وهو شيء جلي وواضح وملموس بالتجربة ولا يحتاج إلى جدالات زائدة.

لكن الأمر عند علماء السوسيولوجيا والباحثين التربويين الذين يضعون الأمور تحت مبضع التشريح والتحليل طويل المدى ليس بهذه البساطة، فقد توصل قسم كبير منهم بعد ملاحظات طويلة الزمن أن تأنيث التعليم يسبب تشوهات مجتمعية خطيرة واضطرابا وغموضا وتصدعا في شخصية المتعلمين والمتعلمات في مراحل شبابهم، حيث يغلب على طبعهم الليونة والميوعة وعدم القدرة على تحمل المسؤولية وغلبة سلوكات أنثوية، بل قد يصل الأمر إلى ميول جنسية مشوهة لدى الجنسين نتيجة تعودهما على تقليد تصرفات وحركات معلمته، وكذا عدم الانضباط لتعليماتها لرخاوة وسلاسة العلاقة بينهما داخل الفصل خصوصا إذا كان الأب غائبا أو منشغلا عن أولاده في أغلب الأوقات نتيجة ضغوطات العمل المكثفة، دون أن ننسى زيادة حالات التنمر بين الصبيان والمضايقات والتحرشات الناعمة التي تتعرض لها الفتيات في الأقسام الختامية للمدارس الابتدائية والإعدادية من الفتيان في الأقسام التي تشرف عليها الأستاذات، حيث يتجاهلن غالبا مثل هذه الشكاوى التي تترك أثرا نفسيا سيئا لديهن في المستقبل، وهناك الآن في بعض الدول الأوروبية والأمريكية اتجاه جدي نحو حقن مزيد من المعلمين الذكور في المدارس لتعويض الخصاص الكبير فيهم بعدما هجر الرجال مهنة التعليم بل ووصل الأمر لإعداد توصيات ملزمة لإعادة فصل الجنسين في الفصول الدراسية بفرنسا وبريطانيا في المدارس الثانوية حتى تزيد نسبة التحصيل الدراسي.

إن المجلس الأعلى للتعليم وخصوصا هيئة التقويم به ووزارة التربية الوطنية ملزمتان بدراسة متأنية وعميقة لهذه الظاهرة التي تغزو المدارس العمومية والخصوصية المغربية بكثافة وصمت، وأن تخضعها لدراسة بحثية مقارنة بمختلف جهات المملكة عوض ترك الحبل على الغارب حتى نصدم بآثارها الاجتماعية في نهاية تحصيل الرؤية الاستراتيجية لنتباكى حينها على جيل معطوب نفسيا، فهناك مدارس كثيرة في المدن كل طاقمها إناث باستثناء المدير المغلوب على أمره وحارس الأمن بعدما أفسدت الحركات الانتقالية السخية مع الالتحاق بالأزواج البنية التربوية للطاقم التعليمي بالمؤسسات التعليمية، وإذا كان لا بد من ابتكار حلول عوض النقد المرسل، فإنني أدعو بوضوح إلى إجبارية تلقيح المدارس المؤنثة كليا أو بنسب تفوق التسعين في المائة بأساتذة ذكور منعا لأن يتربى جيل كامل على يد أستاذات من الحضانة حتى القسم السادس، لأن في هذا الأمر جريمة وتعد واضح على حق الطفل في الاستفادة من مهارة الجنسين في تعلمه وتكوين شخصيته والذي تكفله المواثيق الوطنية والدولية، وأحبذ أن يقتصر تأنيث التعليم على الفصول الدنيا من التعليم الابتدائي وأقصد بالضبط المستويات الأول والثاني والثالث بتوصيات صريحة من السيد الوزير حتى لا يشعر الطفل باختلاف جو الأسرة عن جو المدرسة في مراحلها الأولى، مع تقليل بارز لرزم التقويمات والاختبارات الغبية التي تثقل كاهل المتعلمين والمتعلمات وأولياء أمورهم في مثل هذه السنوات الأولى، لتسهيل آليات النجاح في هذه السن المبكرة للطفل دون أعطاب نفسية لا مبرر لها، وأن يتم تذكير التعليم في المستويات التالية الرابع والخامس والسادس بنسب مهمة كلما سمحت البنية التعليمية بذلك لصنع جيل متوازن يستطيع أن يستكمل حياته بثقة أكبر ويدافع عن موقع بلده بين الأمم.

‫تعليقات الزوار

7
  • KITAB
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 12:55

    لا الدراسات الميدانية ولا المعاينة الأمبريقية، كلها أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن وجود العنصر النسوي في التعليم أكثر التزامية وعطاء ومواظبة من العنصر الذكوري الذي همه الوحيد وبنسبة جد عالية هو "الماندا والحوالة والزيادة والانتقال والعطل.. " في حين أن المرأة في التعليم له مزايا جد هامة، فهي تلتزم بالجداول الزمنية الدراسية، وبالمواظبة على الحضور مهما كانت الطوارئ المناخية والاجتماعية، وتخصص جزءاً هاما من انشغالاتها خارج حجرة للدرس لتلاميذها، في حين أن الأستاذ نادراً ما يفكر في تلاميذه إذا غادر قاعة الدرس إلا إذا تعلق الأمر بأخلاقيات وعلاقات عابرة، لكن من الوجهة العامة الأستاذ يفكر دوماً في ترقيته والطموح إلى العمل في أسلاك أخرى أو تغيير الإطار أو… هذه حقائق لا غبار عليها، وتحياتي

  • عابر
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 13:05

    في انتظار حرب كونية شاملة تعيد ترتيب الاشياء ستستمر عملية تانيث المجتمعات بدون رجعة…وهل تنتظر من الاناث الثورة

  • خليل الودي
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 13:28

    هيمنة العنصر الأنثوي في التعليم هو ظاهرة عالمية موجودة في جميع الدول التي فيها الإناث يحصلن على فرص تعليمية متساوية مع الذكور

  • واخمو
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 16:55

    كل الاحصائيات تجمع على أن النتائج الدراسية للاناث أفضل وأحسن وتزداد باطراد مقارنة بنتائج الذكور .
    حصيلة تظل حاضرة بقوة في الظفر بالنصيب الاوفر من فرص التشغيل في المهن الناعمة . ولولا اشتراط حاجز التذكير في المهن الشاقة والخشنة لاستحوذت الاناث على اغلب عروض العمل . نتا ئج ، مع الاسف ، لم تستثمر في قطاعات حيوية ظلت حكرا على ذكور من الدرجة الدنيا أو الصفر من المؤهلات ، ارضاء لنظام تراتبي يشكل مبدا الاستحقاق وتكافؤ الفرص امام الجميع خطرا يحيق به .

  • amaghrabi
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 17:39

    نعم استاذي اعزك الله,تأنيث التعليم مسالة ضرورية وملحة فيها فوائد عظيمة للأطفال وراحة البال للدولة وبالتالي ففيها اربحاح مادية ومعنوية,روض الأطفال والمدارس الابتدائية يجب ان تكون خاص بالتساء مائة في المائة كما نلاحظ هنا في المانيا,والتعليم الثانوي لا باس ان يكون بنسب متساوية بين مدرسين ذكور واناث.صراحة حتى الإدارات العمومية النساء افضل من الرجال وهن قانعات بحوالتهن ولا يلتجأن الى الرشاوي الا في قليل من الأحيان وربما يكون وراءهن رجل يشجعهن على قبض الرشوة,واحكي قصة قصيرة للمقارنة.ذهبت مرة الى المقاطعة للحصول على شهادة ما في يوم الجمعة فكانت هناك موظفة قامت بواجبها احسن قيام فلما انتهت وطلبت مني دفع ثمن التنبر فاعطيت لها 50درهم وقالت ليس عندي صرف فقلت لها اشربي بالباقي قهوة,فاجابت لا اله الا الله الرشوة في يوم الجمعة انتظر اخي فذهبت وجاءت بالصرف الباقي,والحكاية الثانية في الصيف الماضي عشرت سيارة خارجية ودخلت على موظف في الديوانة ذكر فوجدته ساخطا على حالته ,فقام بواجبه معي فقال لي سامشي الى الغذاء ولا ازيد أحدا بعدك فقلت له هل تريد ان ادفع لك ثمن الغذاء فقال شكرا جزيلا لقد فعلت في خيرا ووو

  • مغربي أبا عن جد
    الخميس 12 دجنبر 2019 - 18:23

    شخصيا كامرأة كنت أفضل دائما و أتمنى قبل كل دخول مدرسي أو جامعي أن يعلمني و يدرسني عناصر رجالية لأني صراحة غالبا ما كنت أجد التبعكيك بل و أحيانا الغيرة من طرف العناصر النسوية و أحيانا كثيرة في التعليم منذ الإبتدائي للثانوي لاحظت غيرة الكثير من المعلمات من تلميذاتهن خصوصا و كذا مزاجهن العصبي مع التلاميذ عموما، فالرجل كمعلم أو مدرس غالبا ما يكون يتصف بالصبر مع التلاميذ إلا إذا كان مريضا نفسيا أما النساء المعلمات فيا لطيف إلا القليلات منهن.
    من منبر هسبريس أوجه تحياتي و اعترافي بجميل من علموني أسس طلب العلم في الصغر و كان كالنقش على الحجر و كان لهم دور كبير في مستقبلي العلمي و لله الحمد:
    المعلمة أمينة دينيا، الأستاذ الضاسر عبد اللطيف في الرياضيات، الأستاذ السلاوي الحجولي للرياضيات، الأستاذ محمد بن اسماعيل للرياضيات، الأستاذة الطبطاني للفرنسية و الأستاذ محمد الخومسي للعربية.

  • sami
    الجمعة 13 دجنبر 2019 - 08:21

    the feminazation of the educational sector is unvoidable! girls outperform boys no wonder

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17

عريضة من أجل نظافة الجديدة