فَعَلْتها يا بنشعبون!!

فَعَلْتها يا بنشعبون!!
السبت 14 دجنبر 2019 - 20:02

فوجئ المتقاعدون وعموم المواطنين بقرار استعمال فيتو الفصل 77 من الدستور، لإسقاط مقترح إعفاء معاشات المتقاعدين من الضريبة الذي تقدم به مستشارو الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالغرفة الثانية للبرلمان. المقترح الكونفدرالي كان يرمي إلى تخفيف الأعباء الضريبة عن المتقاعدين خصوصا وأن معاشاتهم لا تعرف الزيادات ــ رغم هزالتها في عهد حكومتي حزب العدالة والتنمية ــ كما هو الأمر بالنسبة إلى الأجور من جهة، ومن أخرى فالمعاشات ليست أجورا ورواتب، بل سبق وخضعت للضريبة على الدخل طيلة سنوات العمل. وقرار بنشعبون ــ وزير الاقتصاد ــ لم تمله الظروف المالية الصعبة لخزينة الدولة، بقدر ما هي ترجمة عملية للاستراتيجية الحكومية التي وضعها بنكيران ويسير على نهجها خلفه العثماني. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى العفو التام عن ناهبي المال العام ومهربي الثروات في مقابل مواصلة الضغط الجبائي على الموظفين الذين يتم اقتطاع الضريبة على الدخل من المنبع.

الأمر الذي جعلها ــ أي الضريبة ــ تمثل ثاني مصدر للإيرادات العامة؛ ومن ثمة فإن 80 في المائة من عائدات الضريبة على الدخل تأتي من الأجراء في القطاع الخاص والموظفين في القطاع العمومي. فوزير الاقتصاد الذي برر رفضه إعفاء معاشات المتقاعدين من الضريبة على الدخل بكونه ــ الإعفاء ــ يؤدي إلى “تخفيض الموارد العمومية”؛ ومن يسمع خطابه يظنه أحرص الوزراء على المال العام، لكن الوقائع تكذّب مزاعمه، إذ هو الذي اقتطع من الميزانية العامة لسنة 2020 مبلغ 4820 مليار سنتيم لاقتناء سيارات فارهة للوزراء وتجديد مكاتبهم، فضلا عن تخصيص مليار و370 مليون سنتيم من خزينة الدولة لإعادة إحياء صندوق تقاعد البرلمانيين المفلس. فكيف للوزير بنشعبون أن يقنع الشعب المغربي بهذا التناقض في القرارات؟ لا شك أن الحرص على المالية العمومية لن يسمح للوزير بتخصيص المبلغ إياه لتجديد السيارات والمكاتب، كما لن يسمح له بتوسيع دائرة الإعفاء من الضريبة التي شملت تعويضات الوزراء والبرلمانيين وتقاعدهم. إن الوزير نفسه أقر، خلال المناظرة الوطنية حول الجبايات التي انعقدت يومي الجمعة والسبت 3و4 ماي 2019 بمدينة الصخيرات، بأن 50% من إيرادات الضريبة على القيمة المضافة تأتي من 150 شركة فقط. إذن أين هو الحسم والحزم في استخلاص حقوق الدولة وأموال خزينتها؟ سيادته لم يكتف فقط بالتغاضي عن حقوق الدولة، بل يحرص على تمتيع الشركات الكبرى بالتحفيزات الضريبية التي تكلف الدولة سنويا ثلاثين مليار درهم (ما يقارب ثلاثة مليارات دولار)، وهو ما يمثل 2.5% من الناتج الداخلي الخام. طبعا لم يكتف بنشعبون بهذه الإعفاءات الضريبية، بل تجاوزها إلى مواصلة الدعم المالي لأرباب النقل العمومي قصد تجديد العربات والشاحنات. والكارثة المالية الكبرى هي أن الحكومة لا تكتفي بإعفاء كبار الفلاحين من الضريبة، وإنما توفر لهم الدعم المالي الكافي لتغطية مصاريف تجهيز الأراضي بتقنيات الري العصري واقتناء الآليات والمعدات الفلاحية فضلا عن تخصيص منح مالية (4 آلاف درهم) لكل عجل مولود لكبار الفلاحين فقط.

إن بنشعبون والعثماني وكبيرهما بنكيران الذي علمهما السحر وأسس لهما قانون “عفا الله عما سلف”، لم يكن لهم الشجاعة ولا العزيمة على مواجهة أخطبوط الفساد وناهبي الثروة ومهربيها والشركات والمقاولات المتهربة من أداء الضرائب. فالتقرير الأخير الذي قدمه مكتب “أوكسفام” بالمغرب يفيد بأن 82 % من العائدات الضريبية على الشركات تستخلص فقط من 2% من الشركات متعددة الجنسيات، بينما 98% من هذه الشركات لا تدفع مستحقات الدولة من الضرائب. الأمر الذي يرفع تكلفة الخسائر الضريبية التي يتكبدها المغرب كل سنة إلى مليارين و450 مليون دولار. هذه الملايير الضائعة لا تخسرها خزينة الدولة وحدها بل يتحمل نتائج ضياعها وتضييعها الشعب المغربي في عمومه وخاصة فئاته الفقيرة (يعيش 4 ملايين و200 ألف شخص في الفقر، وحوالي نصف السكان النشطين(46 %) لا يتمتعون بالتغطية الصحية، وفي المناطق القروية فقط 64% من الساكنة تستفيد من شبكة الربط بالمياه الصالحة للشرب، كما لا يتوفر المغرب إلا على 6,2 أطباء لكل 000 10 شخص مقابل 12 طبيبا في الجزائر وتونس). أما ضحايا التهرب والإعفاءات الضريبية من الشباب فتعكسها نسبة البطالة التي بلغت في صفوف هذه الفئة (ما بين 15 و24 سنة) بالوسط الحضري 42،8% حسب تقرير أوكسفام.

إن السياسة الضريبية التي تنهجها حكومة البيجيدي منذ 2011 مع قانون “عفا الله عما سلف” وكذا والإعفاءات والتحفيزات الضريبية السخية، تجعل المغرب من أكثر الدول اتساعا من ناحية الفوارق الاجتماعية ومن بين الدول المفتقرة للعدالة الاجتماعية على المستوى الدولي.

الأكيد أن حكومة البيجيدي تستثمر في الفقر والتهميش، لهذا تتخذ القرارات التي تضرب القدرة الشرائية للمواطنين وتحرمهم من شروط العيش الكريم وفرص الترقي الاجتماعي (إلغاء صندوق المقاصة الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار، إلغاء التوظيف والترقيات بالشواهد والدبلومات، التوظيف بالتعاقد الذي يفقد الموظفين كل حقوقهم..). ولجوء حكومة البيجيدي إلى استعمال الفصل 77 ضد مقترح إعفاء معاشات المتقاعدين من الضريبة ليس إلا تكريسا وتطبيقا لسياسة التفقير والعداء للفئات الفقيرة والمتوسطة، وإلا ما معنى إعفاء الشركات الكبرى ومعاشات الوزراء والبرلمانيين من الضرائب وإثقال كاهل المتقاعدين بها. إن المدخل الأساس حسب أسماء بوسلامتي، مسؤولة برنامج الحوكمة في مكتب أوكسفام المغرب، هو “جباية الضرائب العادلة” لأنها “وسيلة فعالة للحفاظ على التماسك الاجتماعي.. وتعبئة الموارد لتمويل البنية التحتية والخدمات التي تعود بالنفع على المجتمع بأكمله”.

‫تعليقات الزوار

5
  • مغرب اللامساواة
    السبت 14 دجنبر 2019 - 22:09

    أنت هنا تعالج قضايا تخص نسبة قليلة من المغاربة أصحاب التقاعد والتغطية الصحية . ولكن ماذا عن السواد الأعظم والذي يشتغل خارج الإطار المنظم ؟ ماذا عن هؤلاء لماذا لا أحد يتكلم عنهم رغم أنهم طيلة سنوات شبابهم وكهولتهم ، كانوا مندمجين في الحياة العامة وكانوا يساهمون في الرفع من وتيرة الاقتصاد ؟ شأنهم في ذالك شأن العمالة المغربية في الخارج التي وبعد التقاعد تستفيد من التقاعد والكثير من الامتيازات بل إنهم هناك يخصصون راتبا كاملا لكل أم أنجبت فوق الإثنين باعتبارها مجندة لتربية جيل المستقبل وبالتالي تستحق أجرا نظير خدماتها . قد يقول قائل أن المغرب دولة شيححة الموارد وهذا عذر أقبح من زلة في بلد ثلثا مساحته مياها تعطي سمكا بالمجان ، وأراضي خصبة تطعم في مواسم الخصب مليار انسان وفنادق ومنتجعات وشركات عالمية وهلم جرا الكثير .

  • Arsad
    السبت 14 دجنبر 2019 - 23:33

    كل شعوب العالم تستفيد من الضرائب التي يدفعها المواطن الا الشعب المغربي يعمل المواطن ويدفع الفواتر والضرائب ويقتطع من دخله رسوم التأمين ولكن حين ما يقع له افلاس او عاهة او حادث يصبح عالة على اسرته ولا يستفيد من اي ضريبة دفعها وفي غالب الاحيان لا يستفيد حتى من التأمين مع العلم ان الضرائب تدفع لكي يستفيد من كل مواطن في حالة عجز او حتى البطالة

  • فريد
    الأحد 15 دجنبر 2019 - 08:36

    المغاربة لا يفهمون شيئا في الارقام ، ولايهمهم كيف تصرف أموال دافعي الضرائب ،يتصرفون بعقلية "كُلْشي ديال الملك" (وربما في مغرب مابعد الإستقلال هم على حق) ،ونفس النهج تسير عليه الحكومة والبرلمان لا برامج ولا تخطيطات إنما رأيا : رؤية 2010 ثم 2020 للسياحة ،رؤية 2030 للتعليم وهلم جرا ،والرؤية تعني "الهمزة" بالنسبة للأحزاب ومن يدور حولها ،أموال طائلة ستهدر وفي الأخير "بَعْ" وعفا الله عما سلف .في نظري "الخوانجية" لا يفقهون شيئا في التسيير (أنظر إلى حالة الدارالبيضاء:على الأقل كان يجب القطع مع كثرة الأدوار(وليس المناصب) عمدة، برلماني…التفرغ ثم التفرغ ولاشيء غير التفرغ لتسيير مدينة ذات 5 ملايين ساكن) ،وعند الضرورة تسمع جواب كل شيء بإدن الله ،يعني تغليب الجانب الديني على الجانب المادي وربما سيكون ذلك مقبولا ممن يشتغل بدون مقابل وفي سبيل الله …ولكن بدون تعليم ومدرسة عمومية ناجعة فالبلاد ستبقى تعيش في القرون الوسطى كما يريد المخزن.

  • فضيحة
    الأحد 15 دجنبر 2019 - 12:16

    عيب عن من يعرف المخزن, ان يكتب ان ع.ت هي من عينت بنشعبون, الوزارات السيادية شخص واحد يقرر فيها, بالنسبة لي كل الحكومات هي حكومات تصريف اعمال, الا حكومة اليوسفي في نسختها الاولى, وهي بدأت الخصخصة الواسعة للقطاع العمومي.
    شكرا هسبريس على النشر, هذا المقال الخامس في 10 ايام , من لا منتمي مقاطع للانتخابات الهزلية

  • مجتمع غبي ومريض
    الأحد 15 دجنبر 2019 - 14:47

    وصلت لقناعة بأن المغاربة أنانيون وغير انسانيون بالمرة ففقط لأن غالبية من يدخل هذه المواقع من المستفيدين من راتب ولو في حدوده الدنيا وتغطية صحية وتقاعد . كلما أثيرت مشاكل السواد الأعظم من الفقراء الحقيقيين العمال غير النظامين والمتعاقدين " عمال فنادق وشركات وحراس خاصين " إلا وانهالت التقييمات السلبية وهذا يفسر هذا الكره المتبادل بين النظامي وغير النظامي كل يكره الآخر وكل ينافق الآخر .

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 6

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس