الحب لا يموت

الحب لا يموت
السبت 28 دجنبر 2019 - 11:46

كلنا معنيون بمساعدة الآخرين وإرشادهم إلى تنمية ذواتهم. كلنا ننتمي إلى هذا الكون الشاسع ومطالبون بدفع الآخرين إلى اكتشاف واستثمار النور الذي يتألق داخلهم. إن هذه المساعدة هي ما يخلق المعنى بالنسبة إلى كل شخص يريد لمروره السريع على هذا الكوكب أن يكون ذا مغزى.. بعبارة أخرى، أن يترك بصمة له في الحياة. في هذا السياق نستطيع أن نجزم أن التربية الراشدة هي قوة هائلة من قوى التحرير، كما أن الفشل في التربية هو القهر والظلم بعينه.

يقول الراوي: “ماتت أمي السعدية منذ 30 سنة، لكنها حاضرة معي.. لكن روحها تحوم فوقي وتمنحني كل يوم قدرا عظيما من البركة.. كل يوم..لا أبالغ.. كل يوم..

هناك من يظن أن أرواح الموتى سافرت إلى عالم آخر دون رجعة.. هناك من يظن أن أرواح الموتى ولت إلى برزخ مجهول.. أنا أعتقد إلى درجة اليقين أن أرواح من غادرونا، خاصة إذا كانوا من نبتة طيبة.. ترفرف فوق رؤوسنا وتراقبنا في هدوء، مثل الشاهد الصامت لكل ما يقع ويصطخب في مسرح الحياة..

أمي؟ “لالة ديالي”.. ذكراك مقدسة.. أين أنت؟

أنت هناك وهنا، في أعمق أعماق قلبي، ومنك تعلمت حب التعلم والكتابة منذ الصغر..

كنت الابن الوحيد، والأخ الأصغر لثلاث بنات يكبرنني سنا. كم جميل ذاك التفرد بالذكورة في المملكة السحرية للإناث.. هل أكمل فتح الله طعامه؟ إنه يغط في نوم عميق.. ولكن هل فتح الله مغطى جيدا؟ البرد قارس. .يجب أن نشتري له غدا المزيد من الملابس الصوفية…

آه من الذكريات.. الابن الغالي.. عملة من ذهب.. أخو البنات.. ها ها ها

كانت أمي تقول لي دائما: أنت الابن الأصغر وأخو البنات، لكني أريدك أن تدرس تشتغل في الوقت نفسه.. أريدك رجلا أفتخر به ويقتدي به الآخرون.. تفهمني؟ أريدك رجلا يتعلم ويكسب المال من عرق جبينه..

وكان لأمي ما أرادت، حرفيا، وعملت الصيف في بيع الحلوى على عربة خشبية من صنع يديها الكريمتين، أما في باقي الفصول فكان العمل يقوم على بيع لعب الأطفال أيام السبت والأحد..

ذكريات وذكريات حلو طعمها كالعسل.. آه من السحر اللامنتهي للذكريات.

أمي.. أنت هناك وهنا، في أعمق أعماق قلبي، ومنك تعلمت العمل والاجتهاد.. من أمومتك اللامشروطة وحبك الطاهر الفياض صار ذاك الغصن شجرة حبلى بالثمار..

الماضي فات، ولكنه لم يمت وهو حاضر فينا بقوة الذكريات، وأنا أتذكر الأمس مثل اليوم..

كنت راقدا في المستشفى ملفوفا في الجبس، وفهمت من وشوشة الأطباء أن حادثة السير التي تعرضت لها على متن سيارتي في الطريق السريع مميتة، وأني سأعيش في أحسن الأحوال لأيام أو لأسابيع قليلة قادمة.

لا… يا إلهي! ساعدني، أرجوك.. إني أضع رضا والدي في أكف الدعاء.. إني أضع بركة أمي وحبي الخالد لها في أكف الاستجابة.

إلهي، استجب لي واجعل بركة أمي البلسم الشافي، اجعلها إكسير الحياة…

ومرت الأيام، ومرت الأسابيع.. ومرت الأعوام، وعاش فتح الله 55 سنة أخرى، متحديا حسابات وتكهنات الأطباء..

بركة الأم.. الحب سر الأسرار.. الحب يصنع المستحيل.. وها هو فتح الله اليوم يربو على السبعين ويمسك بكل همة القلم الذهبي الجميل الذي أهديته إياه يا لالة السعدية في عيد ميلاده الخامس ويخط بيمينه هذي السطور وعيناه تبكيان من ألم وأمل اللقاء …

كثير وكثير من أرواح الموتى من طينة طيبة.. أرواح الموتى لا تموت..

*خبير التواصل والتنمية الذاتية

‫تعليقات الزوار

2
  • الحسن العبد بن محمد الحياني
    السبت 28 دجنبر 2019 - 12:48

     ذكرني هذا المقال بالسيدة مي احليمة،أم الحومة بما أسدلت من خدمات جليلة لحيها؛امرأة تناهز الثمانين،بيتها من تراب في جوف باب عسة الحي؛تحرس الحي وتراقب السر والعلن لأولاد وبنات زمانها،من موقع بيتها الحقير؛كانت مجاهدة مثل النساء العارفات بالله،والخادمات لخلق الله.أم الجميع،في كلامها لكنة بدوية أصيلة؛اقتفت أثر أمهات الإسلام حيث أدْلت بدلوها في نهر الدعوة الجاري،الذي يرتوي منه الأحمق والعاقل على السواء،و الذي روى ظمأ القلوب المحبة لطاعة ربها،مي احيمة رائعة الجمال رغم كبر سنها؛سيدة جليلة،يحترمها الصغير ويوقرها الكبير؛عاشت مي احليمة وحيدة بعد وفاة زوجها؛تطبخ ببيتها الأكل لكل من ليس له بيت يؤويه،يزودها الخضارة وأصحاب الفواكه بما يكفي لتخدم جميع من لا مطبخ له،فتطعم كل جائع و عابر سبيل،هي إذن مي احليمة قابلة،عالمة بمسائل التوليد،مي احليمة يماين الحومة؛هي من تبشر بالإعلان عن مولود جديد بالحي،وعن وفاة شخص ما بالحي؛هي أم كل سجين وأنيسة كل عليل؛تحمل القفة لعين قادوس ولدار المهراز على السواء،رفيقة النساء أثناء المخاض والولادة وشفيعة المطلقات أمام الأزواج؛هي مي احليمة،أم الحومة،حومة سيدي بوجيدة،فاس.

  • عين طير
    السبت 28 دجنبر 2019 - 13:18

    أكاد لا أفهم لماذا أنت تصر، وتذكرنا في المناسبات ذات المرجعية المسيحية، والتي يبدو أنك تتخذها مرجعية للمواطنة العالمية، وتحثنا على مساعدة الآخرين، فهل أنت في حاجة إلى المساعدة لدرجة أنك ترى الآخرين هم الذين في حاجة إليها، دعني أعترف لك بشيء من الحقيقة، أنا لا أكترث، ودعني أحكي لك قصة من الواقع، طالما أنت تستطيب القصص، وتتخذ منها خلفية لمقالاتك، كنت أسامر نجم السما بساحة الحي الجامعي الذي كنت أقطن به في ذاك الزمن المضطرب كانت ليلى لا تفارقني، كنت الأجنبي الوحيد ضمن ثلاثة أصدقاء فرنسيين أو أكثر، وجاءت جماعة تبشيرية كلهن نساء، قصدتني واحدة منهن، امرأة شابة لا بأس بها مظهرا، لكنها ساذجة وكان ظاهرا أنها تعاني من الهشاشة والإضطراب النفسي، ولأنني مهاجم بالفطرة، فلقد صعقتها بسؤال محرج جعلها تعيد التفكير في خطتها لأجل استقطابي، قلت لها كم تقبضين، فأجابت بشيء من الأسى، لقد انتشلوني من الضياع، فأردفت مازحا، مري علي بغرفتي لم أعطيها رقمها، ولسوف أسعدك، وتركتها شاردة فيما قلت، وكأنها ترجتني لأنتشلها مما وقعت فيه.

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 2

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز