في ثمانينيات القرن الماضي، عرفت الجامعات المغربية بكونها تقدم دراسات طويلة ومعمقة، مع الاهتمام بالجوانب التطبيقية والكثير من البحث العلمي، كل ذلك من أجل تكوين أطر ذات مستوى رفيع أكاديميا وعلميا.
وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة للطلبة وهزالة الإمكانيات في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، فقد تم تكوين خريجين بمستوى عال أثبتوا مكانتهم على الصعيدين الوطني والدولي. وفي نهاية التسعينات عاشت كليات العلوم على الخصوص موجة علمية عارمة «scientifique tsunami».
لكن الحكومة وقتها بدل أن تستثمر هذا الغليان العلمي في تطوير البحث العلمي والتكنولوجي للبلاد، شرعت في اتهام هذه المؤسسات بأنها تنتج “دكاترة عاطلين”… وقد تم توظيف العديد من هؤلاء الخريجين في وزارة الداخلية.
هؤلاء الخريجون المكونون في البيولوجيا والجيولوجيا والفيزياء والكيمياء والرياضيات تمكنوا بامتياز من التأقلم مع وظائفهم الجديدة، مما يدل على أنهم كانوا مسلحين بمنهجية اشتغال مكنتهم من الاندماج بدون مشاكل. وهذه هي المهارات الذاتية (soft skills) الحقيقية التي اكتسبوها من الجامعة من خلال التعليم الأكاديمي والبحث العلمي. ولو عرف أصحاب القرار السياسي وقتها كيف يستثمرون هذا الزخم العلمي، لكان المغرب ربما وبدون مبالغة متوفرا على جائزة نوبل في العلوم اليوم.
في النظام القديم، الذي يمكن أن نصفه بالماراثوني، لم يكن الحصول على الإجازة هو الهدف الأساس، بل كان فقط معبرا إلزاميا من أجل تكوين أعمق وذي مستوى عال أكاديميا وعلميا. لم تكن الإجازة إلا نوعا من المقبلات (appetizer) التي تفتح شهية الطلبة وتحفزهم على الاستمرار في دراستهم.
منذ 2003 مع تطبيق النظام الأوروبي (LMD semestriel)، أرغمت الجامعات على تكوين طلبة غير مهيئين جيدا، بنظام نصف سنوي سريع ومركز زمنيا، فصارت الإجازة هي الشهادة الأساسية وشبه النهائية. وبذلك يكون المسؤولون السياسيون قد وضعوا النظام الجامعي “الماراثوني” فوق حلبة سباق السرعة وأرغم على سباق 100 متر.
من غير مفاجأة، كانت النتائج مخيبة للآمال مع تعريض جامعتنا لخطر السكتة القلبية!
إن العبرة التي ينبغي استخلاصها من هذه القصة الحزينة هي أن أي إصلاح لنظامنا التربوي ينبغي أن يكون وليد تفكير عميق وتهييئ جيد ونقاش بناء مع الأساتذة وجميع المعنيين.
يجب علينا تفادي تحويل كلياتنا إلى “ثانويات ممتازة” تسلم “باكالوريا ممتازة”.
شكرا للاستاذ الفاضل على مقاله العميق المختصر ولكن الحامل لاشارات كثيرة تخص واقع الجامعة المغربية التي انتهت تقريبا في اعتقادي المتواضع مع نهاية الالفية الثانية وبداية الثالثة من خلال ما عرفته من اصلاح ورد ذكره في المقال. ان العلم والدرس والبحث والاستاذ والاجازة والدكتوره كانت عندما كانت الجامعة جامعة. وهذا الوصف والحصيلة والخلاصة والحكم لا يتناطح فيه عنزان، يكفي أخذ رأي وشهادة من درس في جامعة الامس لنتعرف على واقع جامعة اليوم. فالجامعة قيمتها كانت مع قلتها وارتباطها بالمدن الكبرى التي تتوفر على المكتبات ومراكز البحث والاطر العلمية المواكبة و…و..، وأما عندما اصبحت تحمل اسم الكليات المتعددة التخصصات وفي مدن صغيرة، فهنا السؤال حول معنى الكلية والجامعة وماذا ينتظر منها، الم تعد فقط ثانويات كبيرة. الاستاذ الجامعي في الماضي كان يكتب كتابا تقريبا كل سنة في تخصصه.. هل هذا التميز لا يزال الآن .. مجرد سؤال …اذن ماهي الجامعة وماذا ننتظر منها.. نتمنى الانتباه الى واقع الجامعة وارجاع الحياة لها قبل فوات الاوان .. شكرا هسبريس
الجامعة مستهدفة، الجامعة كانت تشكل خطرا على المخزن، الجامعة كانت الملجأ الوحيد لأبناء الطبقات الفقيرة و المتوسطة الراغبة في تعليم عالي أكاديمي.
ضرب الجامعة، و تبخيس قيمتها العلمية و المعنوية، و جعلها مجرد وعاء يرتمي في قعره حملة "باكالوريا محو الأمية"، طلبة بعقلية التلاميذ و بمستوى معرفي هزيل و مُخجل، جعل منها ثانوية كبيرة و إمتداد لمشاكل المجتمع و الشارع، بدل أن تكون فضاءا للإنصار و التحصيل العلمي و الأكاديمي و بناء عقل الشباب بالفكر النقدي و العقلاني المنهجي.
الآن الجامعة لم تعد تشكل خطرا على أحد، اليوم الجامعة فضاء يلجأ إليه حملة الباكالوريا هربا من مواجهة البطالة و الضياع في وقت مبكر، و إختباء لسنوات إضافية بحجة الحصول على شهادة جامعية.
و لا داعي لذكر أسماء بعض الجامعات التي أصبحت وكرا للأشباه المجرمين، و لفصائل طلابية متناحرة تحمل فكرا بائدا، تبني هذا الفكر الميت لا يمكن تفسيره سوى بالحقد الطبقي لطلبة من أوساط فقيرة، تعرف أنها لن تحقق شيئا في الجامعة أو بشهادات الجامعة خارج الجامعة.
لا ننسى الانفجار المدرسي الذي وقع حيث ارتفع عدد الطلبة الذين يلتحقون بالجامعات . يتعلق الأمر بما يسمى la massification scolaire ومن نتائجها التحاق طلبة ذوي مستوى هزيل بالجامعة … المشكل الآخر هو قانون استقلالية الجامعة الذي ساهم في تغول المحافظين بالجامعات وتأثيرها على الدراسة والتحصيل ونشر خرافات الإعجاز العلمي وغيرها … ثم المستوى المتردي للأساتذة الجامعيين الذين شكلوا عصبيات حزبوية ولم يعد البحث العلمي همهم الأول بل المحافظة على امتيازاتهم. .. وأخيرا الاسترزاق في الشواهد الجامعية وتضم الشواهد وضعف التقويم التربوي بالجامعة
شكرا أستاذ حمداوي على هذه المقارنة القيمة بين النظام السريع LMD والنظام القديم. فقط اريد أن أضيف بأن عملية نقل مناهج وأنضمة دول أخرى و تطبيقها في الجامعات المغربية دون مراعاة البنى البشرية والمادية للجامعات المغربية هو مقامرة بالجامعة في "الكازينو" يمكن أن تربح مرة بعد أن تخسر 10 مرات.
سؤال فقط هل للنظام الجديد المعمول به في الجامعة المغربية مسؤول على الوضع الحالي لهذه المؤسسة. وهل لافواج الاساتذة الذين دخلوا للجامعة في بداية تطبيق هذا النظام في الجامعة بعد الاحتجاجات في الرباط في عهد الوزير جطو لهم نصيب في ما بلغته هذه الجامعة الان. وهل تم انتقاء الاساتذة بشكل جيد من الطلبة الذين كانوا يحتجون في الرباط لاسابيع طويلة قبل تعيينهم للعمل في الجامعات، هل تم تكوين هؤلاء الاساتذة الذين تم انتقاءهم حول كيفية التدريس. إن ما يلاحظ هو انه بعد تقاعد من كان يعمل في الجامعة خلال الاسنوات القليلة الماضية، بقي فقط هؤلاء الاساتذة الجديد المعينين الحديثي العهد بالجامعة، وزادت الجامعة سوء وضعفا وتراجعا فين الخلل اذن. اضن ان الجامعة محتاجة لمن درس في الثانوي التأهيلي كما كان معمولا به في الماضي، لانهم يتوفرون على تجربة وتكوين بيداغوجي وعلمي وهذا قد ينقد الجامعة من الوضع الذي وصلت اليه والله اعلم
لكن لماذا الاساتذة الباحثين بالمغرب لا ينشرون؟؟ لماذا يختبؤون وراء الطلبة.
لا تتكلموا عن الميزانية لانها تصرف في شراء الحواسب ……
الدولة لا دخل لها في هذا التصنيف بل الاساتذة الباحثون، لماذا لا يصرفون اموال البحث العلمي لشراء مستلزمات البحث؟؟!!