الترجمة وإلى أي مدى استطاعت أن تلامس روح النص

الترجمة وإلى أي مدى استطاعت أن تلامس روح النص
السبت 18 يناير 2020 - 05:52

الجذر “ت ر ج م” دخيل …

” … “رجم” في اللغات الأكادية تعني الصياح، والقول في الأوغارتية، والظن في العربية (الرجم بالغيب)، والتراجم تعني التراشق بالكلام البذيء. “الترجمان” هو المترجم الشفاهي الذي يقوم بعملية ترجمة كلام غير محدد سلفا بين شخصين يتكلمان لغتين مختلفتين؛ وهو ما دلت عليه الأكادية والعبرية والسريانية والعربية، والجذر “ترجم” في الفارسية لها مشتقات عديدة: ترجمه < ترجمان < تاراجمان، وفي لغة الهاوسا: ترجم < Fassara فسر، وفي السواحلية: ترجم < Tafsir تفسير، أما الأردية Urdu < ترجمه كرير.

الترجمة كنافذة للانفتاح على الثقافات

يقول نعوم تشومسكي Noam Chomsky” المترجم خائن”، ولعل في موقفه هذا اختزال للرأي القائل بأن المترجم؛ مهما دقق في عمله؛ فلن يصل إلى نقل المعنى 100%، حتى ولو كانت ترجمته مطنبة؛ في حجمها أكبر من النص الأصلي.

ويعتقد العديد من الدارسين، والأنثروبولوجيين منهم خاصة، أن “الترجمة” كانت النواة الأولى لاختلاط الجنس البشري؛ وعنها تولدت الحاجة إلى التعرف إلى الآخر، من خلال أداة اللغة التي سيكتسبها الإنسان كلغة ثانية؛ عبر تأسيس مقابلات شفاهية بين لغتين أو بالأحرى بين ثقافتين؛ ثقافته الأصيلة وثقافة وسطه الجديد.

بدأت الترجمة؛ أول عهدها؛ شفاهية فتحريرية، لتنتهي الآن إلى ترجمة آلية وصوتية ثم رقمية. ويعتقد آخرون أن الترجمة كانت؛ في بدايتها؛ أداة للتجسس على الآخر، إما لمهادنته أو منازلته أو محاورته، وقديما قيل “من عرف لغة قوم أمِن شرهم”.

وعموما؛ يمكن القول إن الترجمة لعبت دورا حضاريا ورياديا في التقارب بين الشعوب وتلاقح الحضارات. كما نشطت في دواوين الملوك والأمراء والرؤساء، وخصّوها بتراجمة مهروا في نقل وترجمة رسائل ومعارف على جانب كبير من الأهمية والخطورة. ومن هنا نشأت الحاجة إضفاء الطابع الرسمي والشرعي على عمل الترجمان، فاشترطوا؛ في تعاطيه لمهمة الترجمة وحتى يكون معتمدا لدى هيئة أو ديوان؛ أن يكون محلفا بألا ينقل إلا “الحقيقة” المطابقة للواقع وللنص، كانت شفاهية أو تحريرية.

هل هناك ترجمة كاملة للمعنى (100%)؟

في إطار تدشين قاعة كرسي عبد الله العروي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط ، اختتم هذا الأخير عرضه الافتتاحي باقتراح إنشاء كرسي أسماه “بالترجمة والتأويل” ، مضيفا أن هناك عدة مؤلفات وموسوعات معرفية أعيدت صياغتها في ضوء الاهتداء إلى تحقيق “كلمة” أو ترجمة مدلول ؛ لم يعد يفي بالمعنى الذي وقفت عنده الترجمة في الماضي ، والتي برز فيها مدلول “التأويل” Interpretation وتمييزه عن “التفسير” Explanation الذي يراهن على اللغة في التوضيح والكشف عن الجزئيات، خلافا للتأويل الذي يذهب بالمعنى إلى صورة أخرى، عكس ما درج عليه القراء فيما قبل.

إلا أن ترجمة الأعمال الإبداعية؛ من شعر وخواطر، وفنون قصصية ما زالت تواجه بتحديات من قبيل ما يروم إليه النص أو يستضمره الشاعر والروائي والقصاص.. قبل أن يتناوله المترجم. وتكاد الترجمة أن تكون نسبية أو مجرد تأويل وتفسير لبعض الكلمات/المفاتيح، خاصة أمام النصوص الدينية؛ كالتوراة والأناجيل والقرآن والسنة. فالشعر الجاهلي؛ على سبيل المثال؛ والمعلقات منه خاصة؛ تجد الترجمة عسرا كبيرا في نقل ما أضمره الشاعر من معنى في كلمة أو بيت شعري أو قصيدة.

علم الترجمة Translatology

Translatology: “هو دراسة نظرية وممارسة الترجمة الشفاهية، لا سيما في السياق الأكاديمي، وهي تجمع بين عناصر من العلوم الاجتماعية والإنسانية”، وهو من العلوم المستحدثة، يؤكد على مجموعة من الخصوصيات الواجب توفرها في المترجم؛ كالإحاطة بثقافة وآداب اللغة التي يترجم منها وإليها، فضلا عن المهارة اللسانية والترجمة الشفاهية الآنية، مع احتكاكه بثقافة ولسانيات وقواميس موطن هذه اللغة لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، قبل أن يتخصص في فرع منها كالطب والعلوم الدقيقة…

لكن؛ وبالرغم من هذه التراكمات المعرفية والميدانية التي توفرت للترجمان؛ فما زالت هناك نصوص قديمة وحديثة، ليس بينها وحدات لغوية مقابلة لها في الترجمة، فيقف منها الترجمان فقط مفسرا أو مؤولا لمعانيها؛ مثال الاسترقاق Slavery التي تعني العبودية، وهل الاسترقاق هو العبودية؟ أدلهم الليل، احلولك الظلام Night getting darker… “قسمة ضيزى”An unfair division، أو قسمة غير عادلة. ففي أحيان كثيرة ينقلها كما هي، فتاتي “الترجمة” حرفية وركيكة في مبناها.

مثال الترجمة الحرفية (الركيكة)

The library of Congress

“The library of Congres sis the National library of the US , and is on Independence Avenue In Washington , DC . It was more than 115 million books , it is the second largest library in the world ,be shelf space and number of book , the largest being the British library , the library receives tow copies of every Us work published with a copyright ^”

مكتبة الكونغريس

“مكتبة الكونغريس هي المكتبة الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية، وتأسست المكتبة في عام 1900، وتوجد في شارع الاستقلال في العاصمة الأمريكية واشنطن، ويوجد في المكتبة أكثر من 115 مليون كتاب، وهي ثاني أكبر مكتبة في العالم بعد المكتبة البريطانية من حيث الرفوف الخالية وعدد الكتب، وتستقبل هذه المكتبة نسختين من كل كتاب أمريكي تم نشره مع حقوق الطبع”.

الترجمة الرقمية Dijital translation

سارعت العديد من شركات الهواتف الذكية إلى تزويد معداتها الرقمية بتطبيقات وبرامج للترجمة الآلية، فضلا عن وجود مواقع إلكترونية تعرض لخدمات الترجمة المباشرة بالمجان أحيانا، وهي مزودة بقواميس رقمية حديثة، سواء تعلق الأمر بترجمة العربية إلى الإنجليزية أو العكس، بيد أنها تتحول أحيانا؛ وأمام النصوص المستعصية؛ إلى ترجمة ركيكة أو مغلوطة بالمرة.. حتى إنها لا تعتمد في المجالات القضائية والتجارية والمالية، ولو أن هناك مواقع لتراجمة يعرضون خدماتهم بالمقابل.

وصفوة القول عموما؛ وفي ختام هذه الورقة؛ إن الترجمة مهما كانت دقيقة فلا يمكنها أن تفي بالمعنى الأصيل 100%، وتضعف كلما كانت النصوص قديمة أو مرتبطة بعلوم اللاهوت، علاوة على عجزها التام عن نقل وترجمة اللهجات واللغات الإقليمية والمحلية؛ على شاكلة هذا القول المغربي الدارج: “.. خلّيني نصور طرف دلخبز” ؛ أو “.. خدّام على راسو ..” أمام محاولة نقلها إلى الأنجلزية: Let me having a photo of bread ‘s bit » «

« He is comletly working »

‫تعليقات الزوار

12
  • Karami
    الجمعة 17 يناير 2020 - 18:38

    موضوع هام وأكاديمي باعتبار الترجمة أصبحت علما مستقلاً عليها إقبال كبير بالنسبة للشعوب والقافات لمتخلفة عن ركب الحضارة الذي تقوده في الفترة الحالية اللغة الإنجليزية

  • الترجمة فن
    السبت 18 يناير 2020 - 09:48

    كان وما يزال الرأي السائد أن الترجمة فن باعتبار المعنى التي يريد المترجم أو بالأحرى الكاتب إبلاغها القارئ، كما أن حجم نص الترجمة أحياناً تعتبر مقياساً لمهارة المترجم فكلما كان موازيا للنص الأصلي في الكم كانت الترجمة دقيقة، لكن إذا زاد كانت ركيكة ومطنبة مثلما أشار الأستاذ، حالياً هناك تخصصات للترجمة في العلوم والسياسة والاجتماع… الخ، أما الترجمة الرقمية برأيي ما زالت حرفية ولا يمكن الاعتماد عليها، مع كامل المودة

  • Aissa
    السبت 18 يناير 2020 - 10:04

    المهمة المستحيلة
    فعلا، الترجمة الحرفية غير ممكنة، خصوصا المصطلحات الدينية، كما قال أحد علماء المغرب متحديا:ليست هناك لغة تستطيع ترجمة كلمة التقوى، فما تعطيه الكلمة العربية، لا تستطيع الترجمة نقله حرفيا. الترجمة عبارة عن أكلة مفضلة لديك، ولكن تأكلها بعد أن يمضغها المترجم، هكذا إذن، شتان بين الأكلتين ،ولكن مالا يدرك كله، لا يترك جله، العالم الآن قرية صغيرة ،لا بد من التقارب والتواصل والتعاون ،على ما فيه خير الإنسانية جميعا، التدقيق والضبط من أهل الاختصاص والأكاديميين، نفع الله الكاتب الكريم بما تسطره أنامله، موضوعات مهمة من قبل أستاذ نحترمه ونجله، أبحث عن مقالاته كثيرا، أخص بالذكر قصصه المأخوذة من واقعنا المغربي، التي يصوغها في قالب أخاذ، وفقك الله إلى هذا المسعى.

  • Salim.M
    السبت 18 يناير 2020 - 12:13

    As one of the commentators pointed out, translating poetry, literature and texts is difficult, regardless of the translator’s culture, and he gave an example of the word “piety.” التقوى This is contained in the Quranic text, but its translation only stands at the interpretation or interpretation of the word, but in general translation has become required to open up to the culture of others, especially English, which is The leader in science and technology journals .

  • Khadija
    السبت 18 يناير 2020 - 13:37

    هل الترجمة تحريف للمعنى او شرح و تاويل خاص و بالتالي ادعاء ان الكتاب المترجم يعادل مائة بالمائة الكتاب الاصلي و خصوصا اذا تعلق الامر بالكتب المقدسة, انها خيانة. و كذلك بالنسبة للكتب الادبية و الشعر, لان الشعر و الادب ليست افكار علمية و انما اسلوب جمالي خاص بالمبدع. و لكن هناك من يقول هناك على الاقل تقريب للمعنى, بدل الجهل التام بالمغزى. مثلا هناك من العجم و العرب المسلمين من يقول ان ترجمة القران اصلا حرام, لانه اسلوب خاص بالله, لانه كلام الله المباشر و هو كلام روحي و ليس كلام عادي. لكن هناك من يقول ان الجهل التام بالقران من طرف العجم يشكل خطورة على المسلمين العجم و هناك من يقول ان الترجمة في حد ذاتها تحريف لكلام الله, لذلك من واجب اي مسلم تعلم اللغة العربية. بالنسبة للصوفية لا يشكل عدم معرفة القران مشكلة, لان الشيخ هو الذي يربي المريد على الاسلام, لذلك يمكن ان يكون الشيخ و المقربين منه هم فقط من يتعلم اللغة العربية و القران, لذلك يعتبرون التصوف حصنا منيعا ضد تحريف العقيدة.
    على اي الترجمة تحتاج الى كثير من العلوم و ليس اللغة فقط, و انما دراية بالمجال, الذي تريد ترجمته

  • سليم محمد
    السبت 18 يناير 2020 - 14:54

    كما جاء في عرض الأستاذ فترجمة الشعر والأدب والنصوص تعد صعبة مهما كانت ثقافة المترجم ،وأعطى مثالا بكلمة "التقوى" فهذه واردة في النص القرآني لكن ترجمتها فقط تقف عند تفسير الكلمة أو تأويلها ، لكن عموما الترجمة أصبحت مطلوبة للانفتاح على ثقافة الآخرين سيما الأنجليزية التي تعد الرائدة في مجالات العلوم والتكنولوجيا… والتجارة والصناعة… شكرًا

  • à Khadija
    السبت 18 يناير 2020 - 17:26

    تحية، "ترجمة" القرآن، كما هو دارج عند جمهور القراء ما هو إلا تفسير لمعانيه وتأويل آياته، ومهما كان هذا "المترجم" متمكنا من علوم القرآن ومعانيه فلن يستطيع أن يأتي ولو بآية واحدة في محكم معانيها ودلالة لفظها وعمق معناها… لذلك سميت هذه الترجمات مؤخراً "بتفهيم" القرآن وهو قريب من التفسير والتأويل لآياته، ولعل الكاتب أشار إلى هذه القضية حينما ضرب مثلاً بالآية القرآنية {قسمة ضيزى} ، التي جاءت مفسرة أو مؤولة بالأنجليزية unfaired division ، أما حرام أو حلال ترجمة كتاب الله، فهو رأي جد متطرف يروجه أصحاب الفكر الضيق والمتزمتين منهم خاصة، حتى إنهم يكفرون وجود رفوف تحمل المصاحف إلى جانب الأناجل والتوراة، شكرًا.

  • الرياحي
    السبت 18 يناير 2020 - 17:57

    ترجمة خاطئة لكازابلانكا بالبيت الأبيض فوتت الفرصة عن الألمان لتموقع في مدينة الدار البيضاء المغربية و صارت عيون الجواسس متجهة إلى البيت الأبيض بأمريكا وعدة أغلاط من هذا النوع وقعت إثر محادثات بين رؤساء الدول وأفسدت العلاقات بين تلك الدول
    فلذا انبهت الأمم المتحدة لهذا الإشكال وقررت ترجمة المعاهدات والإتفاقية لأكثر من لغة لتكون الإنجليزية هي المرجعية في حالة إختلاف وهو ما حدث بين إسرائيل والفلسطينيين عدة مرات

  • KITAB
    السبت 18 يناير 2020 - 22:56

    مهما قيل عن الترجمة كأداة لمسخ الصور الأصلية تبقى في النهاية تشكل جسراً لتلاقي الحضارات وتلاقح الثقافات؛ ولولاها لكان الإنسان يعيش اختناقا لا مثيل له؛ ولكانت الحروب والعداوة والبغضاء سجالا بين الشعوب وجوارها؛ اليوم وفي عصر الرقمنة والمعلوماتيات أصبح بالإمكان تصنيع روبوطات تجيد الترجمة لأكثر من لغة وبأصوات نسائية ورجالية وهو أمر بات محسوما لسعة هذه الروبوطات وقدرتها على اختزان قواميس لغوية ضخمة بمعانيها ونحوها وصرفها وسياقاتها المتعددة لتقترب الترجمة بأن تصبح قريبة من النص الأصلي في روحه بنسبة قريبة جداً من %100 ؛ حتى لو افترضنا بوجود نصوص قانونية أو دينية أو دساتير؛ وربما لهجات محلية قريبة من لغة ما؛ فهذا الروبوط قادر على أن يفيد مالكه بنص الترجمة التي يتوخاها ؛ ولوجد الروبوط مستعداً لتحريرها إذا رغب في ذلك واستنساخا ومحاولة مقابلتها مع النص الأصلي؛ وتحياتي

  • Khadija
    الأحد 19 يناير 2020 - 00:06

    الى رقم 7

    اعتبار ترجمة القران انها حرام, ليس فكرا ضيقا او متطرفا و متزمتا, و انما الاصل يرجع الى السلف الصالح مثلا الامام مالك, لكي لا يتكرر نفس ما حصل مع الثوراة و الانجيل و يتم تحريف المعنى او ضياع النسخة الاصلية. اما الكفر, فغير مرتبط بالحلال و الحرام, و انما بعدم الايمان. فاذا قلت مثلا انك مضطرا لترجمة القران في هذا العصر, فهذا لا يعني انك كفرت.

  • وخير جليس في الزمان
    الأحد 19 يناير 2020 - 23:03

    KITAB

    كلام من ذهب اخي كتاب كيفت و وفيت دائما كتاباتك دقيقة مثمرة تحياتي لك

    و لقراء كاتبنا الفذ السي عبد اللطيف مجدوب

    في امان الله

  • صوت الريف
    الإثنين 20 يناير 2020 - 23:59

    موضوع قيم، وعموما الترجمة مهما كانت رصينة تظل خيانة، وهذه الخيانة اللاشعورية التي يقوم بها المفكرون والشراح الكبار أحيانا تمنح إضافات إبداعية للنص الأصلي.
    شكرا الأستاذ المبدع مجدوب.
    وتحياتي

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 8

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 18

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب