حراك الجزائر.. 5 سنوات قبل اندلاعه

حراك الجزائر.. 5 سنوات قبل اندلاعه
الثلاثاء 18 فبراير 2020 - 23:53

تقديم

بمناسبة مرور سنة على اندلاع الحراك الشعبي في الجزائر، راجعت أرشيفي الرقمي بحثا عن أقوى الإرهاصات التي أفضت إلى ما تعيشه هذه الدولة الجارة اليوم من وضع سياسي مأزوم وغريب؛ جعل منها دولة ثلاثية: دولة الشعب، وهي سيدة نفسها ويمثلها الحراك، ويؤطرها الدستور؛

دولة الجنرالات، وهي سيدة نفسها كذلك، ويمثلها الجنرال شنقريحة؛

ثم دولة قصر المرادية، وعلى رأسها السيد عبد المجيد تبون، الذي يقف في المنزلة بين المنزلتين؛ يبارك الحراك والجيش معا.

وجدت أقواها فعلا في سجال دار بيني وبين كاتب عسكري جزائري من العيار الثقيل؛ وقد سبق نشره تحت عنوان: رسالة الجزائر.

يعكس النص / الرسالة، الذي سأقدم ترجمته، نوع العقلية الدولتية القامعة لحرية التعبير، والتي كانت سائدة؛ وقد أفلحت إلى حد بعيد- ولا تزال – في تغذية بنك الثورة الشعبية، إلى أن فاضت سيولته في شوارع الجزائر؛ حراكا لا يبدو أنه سيتوقف قبل أن يطيح بدولة الجنرالات.

جنرالات وجنرالات

لقد أزعجت سلسلة مقالاتي عن رئاسيات الجزائر حتى القيادة العسكرية العليا لدى الجيران؛ على الرغم من أن هذه المقالات لم تزد على استثمار ما يرشح عن الساحة السياسية من تصريحات وكتابات ووعود لها ارتباط مباشر، أحيانا، بوطني.

ومن هنا، يبدو لي -اعتبارا لقناعتي الخاصة – أنني غير متطفل، وغير محرض على سوء حبا في السوء، حينما أنخرط في مقاربة الشأن السياسي الداخلي للجزائر؛ باعتباري مواطنا مغربيا لم تدخر الجزائر الرسمية جهدا – قولا وفعلا وتمويلا- في عرقلة جهود بلاده وهي تمارس سيادتها على صحرائها، ثم وهي تحصنها وتنميها.

لقد أصبحت الصحراء المغربية – وقبلها كل ما اقتطعه المستعمر الفرنسي من خريطتنا وضمه إلى الجزائر- شأنا يخص كل المغاربة؛ عليهم أن يستميتوا في الدفاع عنه، والمطالبة به، بكل الوسائل المتاحة.

أيها القادة الجزائريون لن تسقطوا القلم أبدا من يدي إلا إذا رفعتم الحصار عن المغاربة الصحراويين المحتجزين فوق أرضهم المغربية ليعودوا إلى مضاربهم وأهلهم .

أنا لا أحمل بندقية، ولا أواجهكم بغير الكلمات، بغير المرايا التي تعكس صوركم؛ فكفوا أكف.

ها أنا أترجم للقراء رسالتكم “العسكرية” الأنيقة أسلوبا؛ مما يدل على ارتقاء الرتبة الكاتبة؛ خلافا لسابقاتها التي لم تبدع سوى في معجم السباب، وهو العملة الجزائرية الثانية بعد الدينار.

أما عن اتهامكم لي بأنني قلم في خدمة الملكية والمخزن فأقول لكم: “فَبِها ونِعْمَتْ”؛ وهما أيضا في خدمتي كمواطن. ونحن جميعا في خدمة ترابنا المغربي وسيادتنا وأمننا، على هذا تعاقدنا جميعا، منذ الأزل.

وعقد بكل هذا الثقل لا ثمن له، خلافا لما تتوهمون. ثقوا بهذا أنتم الذين تدفعون لشراء سكوت مواطنيكم؛ ثم تدفعون لشراء ضجيج الشباب الصحراوي في العيون وفي غيرها.

أما عن جنرالاتنا فلا تقعوا في التناقض: تؤكدون على خدمتي للملك، وفي الوقت نفسه تدلون بخوفي من جنرالات المملكة.

وعلى أي فلست مخولا للدفاع عنهم، خصوصا وهم حماة البلد. أما ما أبنتم عنه من خبرة بالأجور، ومعرفة بالأسماء العسكرية، فهو خير دليل على الجهة التي تصدرون عنها.

لكن ثقوا أنها أجور معلنة عندنا منذ زمن، ومستحقة اعتبارا لبلائهم في حماية الدار من الجار؛ ومثل هذه الحماية تتطلب يقظة دائمة، وفي مجاهل الصحراء.

جنرالاتكم لا أجر محددا لهم، إذ يملكون الجزائر كلها، بشهادة مواطنيكم. ومن يملك الجزائر يملك ما فوق الأرض وما تحتها. ويملك أيضا أن يكون أكبر مرتاد لأسواق الأسلحة، بشهادة المعاهد المتخصصة.

وختاما كفوا أذاكم عنا، وتربصكم بصحرائنا؛ حتى لا نضطر إلى الزيادة في أجور جنرالاتنا؛ إن كانت رفاهية الشعب المغربي تهمكم حقا.

هذا ما يمكن لكاتب مغربي لا رازق له، بعد الله، غير الصندوق المغربي للتقاعد -وبما لا يتجاوز حاجياته الأساسية- أن يقول لكم: ثروتي الكبرى في بنك الوطن – وليس بنك المغرب المعروف- وبالمناسبة فهو على شكل قلب كبير.

المتن المترجم

“بداية يجب، رغم كل شيء، الاعتراف بأنكم تتفوقون كثيرا في لغة القرآن المقدس. لكن خلافا للتعاليم الإلهية التي تنادي بحب الآخر، خصوصا إذا كان هذا الآخر أخا في الدين (على دين الإسلام) فإنكم – في مقابل هذا- تبثون الشقاق والكارثية، وإنكار الآخر.

إنكم تعميميون وسطحيون في أحكامكم وتنبؤاتكم المستقبلية المزعومة، وتفسيراتكم المطنبة، المؤسسة لها.

(إنها ماضوية تاريخية مزيفة، حسب زاوية نظركم، تعزيزا لمصالح أولئك الذين جندوكم، وخصصوا لكم عمودا أسبوعيا للعن بلد جار.).

إن أسلوبكم في الكتابة، المنتحَل كلية من أساليب قدماء الكتاب الكبار، لا يذهلنا إطلاقا، وأيضا لا يمنعنا أبدا من تحدي اتهاماتكم المجانية، وثرثرتكم الفارغة والمفخمة.

إن الشعب الجزائري ليس غِرّا لينتدبكم للتحدث باسمه.

إنكم مكلفون بمهمة دنيئة، من المرتبة الساقطة؛ تستهدف إنجاز عمل ساقط، ليس الشعب الجزائري غفلا إزاءه.

إنكم تمطرقون رؤوسنا بخطاباتكم الأخوية؛ والحال أنكم قلم تابع للقصر الملكي. إن هذا هو اليقين الذي ينبعث من مقطوعاتكم المدحية المجزأة التي تبيضونها لمخزنكم.

إنني من جيل ما بعد الاستقلال، وقد تربيت في مدرسة أحمد الطالب الإبراهيمي وهواري بومدين. في جميع الكتب المدرسية، وبالنسبة لجميع الأسلاك، تعلمنا حب الآخر؛ خصوصا حينما يكون هذا الآخر أخا مغربيا وجارا لصيقا.

لا حقد لنا على الشعب المغربي؛ والكراهية التي تشيرون إليها في كتاباتكم هي مجرد مزاعم للنظام الفيودالي المخزني للملكية، خصوصا حينما تُحبط خُططُها وخدعها المزعزعة للاستقرار والتوسعية.

إن الشعب الجزائري مسيس كثيرا وواع بالتحديات التي تنتظره في مستقبله القريب. وعليه، فلا شفاء له إطلاقا في دروسكم المطبوعة والمحملة بالنفاق. إن له الثقة الكاملة في مؤهلاته ومؤسساته ومسؤوليه. إن الجزائر هي – حصريا- المحمية الخاصة بالجزائريين. فَلْتَرْعوا بعيدا. إنكم غالبا ما تثيرون المساعدة والدعم اللذين تلقتهما الجزائر من المغرب، خلال حرب التحرير (1954-1962) لكنكم تغفلون شيئا أساسيا – وليس هذا الإغفال خاصا بكم، بل تشتركون فيه مع جميع المغاربة- وهو كون نضال الجزائر من أجل التحرير سمح لكم، جليا، بتحقيق سيادتكم سنة 1955.

إن الكولونيالي الفرنسي ركز كل قوته على الجزائر لمحاربة الثورة الجزائرية، التي نهض لها الشعب قاطبة. كل ما زاد عن هذا هو مجرد إنشاء أدبي تم تدوينه ونشره وزرعه، إلى حد الإسراف، من طرف نظام المخزن في الرؤوس الصغيرة والغبية.

لقد حان الوقت، بالنسبة لكم – بل ومن الحكمة- أن تسخروا قلمكم لخدمة الشعب المغربي؛ وهو في أمس الحاجة إليها.

أمامكم ورش أعمال شاسع جدا لتنكبوا عليه: أذكر، على سبيل المثال، لا الحصر :

*الركوع لله القادر على كل شيء، وليس للملك (في المتن يستعمل التصغير).

*الافتقار الشامل، لشريحة عريضة من المواطنين، إلى الماء والكهرباء؛ مع النسبة الأعلى، مغاربيا، للأمية.

*القضايا الكبرى التي تزعزع الاقتصاد المغربي: الأقلية المحظوظة (الملكية وخدامها) التي تستحوذ على الشطر الكبير من ثروات البلاد (عبد العزيز لحلو مثالا).

*وإذا تأتت لكم الشجاعة، هاجموا جنرالاتكم بدل الثرثرة حول الوضعية المادية والمالية لجنرالات الجزائر.

*إن جنرالات الجزائر، الورثة عن استحقاق لجيش التحرير الوطني، تحولوا إلى كوابيس بالنسبة لكم في المغرب، لسبب بسيط هو كونهم يشكلون حصونا منيعة، غير قابلة للاختراق؛ تتكسر حولها كل المؤامرات التوسعية للمخزن المغربي.

أطلب منكم، بتواضع، أن تهتموا بالحياة المادية/ الدنيوية لجنرالاتكم؛ وبصفة خاصة بجنرالات الملك (بالتصغير دائما) محمد السادس..

هو ذا أمامكم موضوع مهم، ومفيد أيضا لمواطنيكم؛ يمكنكم الانكباب عليه بدل النظر شرقا.

إن الجزائر لها أبناؤها شديدو الغيرة، حينما يرون أجنبيا يحوم حول حماها، أو يكتفي بإشارة من طرف العين. (تهديد مبطن: المترجم).

تحية لمن يستمع جيدا.

توقيع محيي الدين، مواطن جزائري

الاسم في معطيات googlemail: MAHI RAHAOUI

خاتمة

أيها الكاتب، إن كتاب المغرب لهم كرامتهم وأنفتهم، وفي الوقت نفسه يتمتعون بهامش مهم لحرية التعبير، يزداد اتساعا؛ وفي الوقت نفسه تربطهم بالجيش الملكي –من جميع الرتب- علاقة عادية، غير قائمة على الخوف كما يحصل بالنسبة لمثقفي الجزائر؛ والذين هاجر أغلبهم خارج البلاد ليستنشق هواء الحرية ولو مغتربا.

ورحم الله من قتل منهم في العشرية السوداء، ومن سيقتل حينما يخالف الروح العسكرية التي تصدر عنها في خطابك القوي الدلالة، ظاهرا وباطنا.

ها أنا ذا ترجمت رسالتك بكل أمانة، بما فيها التعريض بجنرالات المغرب، والانتقاص اللفظي غير المهذب من قدر ملك البلاد شديد التواضع، بدون مجاملة مني ولا نفاق. فهل اقتنعت بأن المغرب –وهو اليوم من نمور إفريقيا- هو غير الجزائر، قلعة الخوف؟

‫تعليقات الزوار

6
  • sin jim
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 07:12

    عجبت من كاتب مغربي يدعي المدنية و يسمي ظباط الجزائر باسمائهم حتى من هم من الصف الثاني و يستكثر على اقرانه الجزائريين معرفة اسم ظابط مغربي واحد من الصف الاول و يرميهم بما نفاه هو عن نفسه . انا كمتابع تكفيني مقالاتك الاسبوعية قدحا في الجزائر كي انفي عنك مدنيتك المدعاة و تغنيني قلة المقالات الجزائرية على المغرب كي احكم على سمو اقرانك من الجزائريين . يبدو ان احد اطفال الجزائر الدين ادعيت انك "طافلتهم" في الخمسينات قد شق راسك بحجر و ما تكتبه اليوم في حق الجزائر ما هو الا اثر جانبي لدلك الحجر .

  • Arsad
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 07:26

    من خلال رد العسكري الجزائري يتضح ان الاستاذ رمضان اصبحت كتاباته مزعجة للقشلة العسكرية هناك
    ولكن للامانة كان في الرد ماهو خقيقي ويصلح للمناقشة فادا كانت الجزائر تعاني انفصام سياسي وفساد اقتصادي ادى الى ماهو عليه حال الجزاىر حاليا فاننا نحن في المغرب لنا طنجيتنا والتي يجب ان ننظر في لحمها الفاسد والغير قابل لنضج فالرسالة ذكرت بعض الامراض والفيروسات و التي نحن ايضا نعاني منها
    ولكن وعلى غير عادة الشامتين من اثال العسكري الجزائري يجب ان نعترف بما لنا من اخطاء ونقول رحم الله من اهذى لنا عيوبنا وان كان ذلك على سبيل الشتم او الاستفزاز.

  • ملاحظ
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 09:31

    خواطر مواطن بسيط فعلت فعلتها و سببت طوفان اسهال؟؟؟

  • الكفاية في الشعب ...
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 12:40

    … الجزائري فانه تولى الجواب باحتجاجاته القوية والمتوالية ضد النظام الذي كان يدافع عنه المستشار الاعلامي للرئاسة الجزائرية السابق السيد محيي الدين عميمور الذي يبدو انه كاتب المقال الذي اشرت اليه، استاذي الفاضل.
    فهو معروف بمقالاته الهجومية ضد المغرب في الصحافة الجزائرية ومعروف بتزويره للتاريخ واخفاء حسنات المغرب في حق الجزائر والاقتصار على ابراز ما يعتبره من السيئات.

  • هناك وقائع تاريخية...
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 16:09

    … يقف فيها المتكلمون الجزائريون عند ويل للمصلين.
    يتذكرون طرد السلطان المولى عبد الرحمان للامير عبد القادر بعد هزيمة اسلي 1845 لانه خرق اتفاقية دولة المخزن مع فرنسا ويتجاهلون ما فبل ذلك من مبايعة الامير عبد القادر لسلطان المغرب لتوحيد الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي.
    ويدعون ان اندلاع ثورة 1954 هي التي عجلت باستقلال المغرب ، ويتجاهلون ان نفي سلطان المغرب سنة 1953 هي السبب في اندلاع تلك الثورة ، وانه لولا فتح المغرب حدوده لجيش التحرير الجزائري لما استطاع ان يتحرك داخل بلاده.
    ويتذكرون هزيمة حرب 1963 وينسون ان مليشياتهم هي المعتدية بالتوغل في التراب المغربي.
    الخ …

  • و الدليل على ..
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 17:02

    … قلب الحقائق ما قاله الكاتب المتكلم محيي الدين من كون (جنرالات الجزائر…كوابيس بالنسبة للمغرب .. ويشكلون حصونا منيعة ..تتكسر حولها كل المؤامرات التوسعية للمخزن المغربي).
    اليس العكس هو الحاصل ؟.
    لقد توسع المغرب في صحراءه سنة 1975 وتكسر هجوم جنرالات الجزائر في معركة امغالا سنة 1976 .
    و تتابعت انكساراتهم طيلة 16 سنة من حرب العصابات ضد المغرب.
    وفي سنة 1979 توسع الجيش الملكي في واد الذهب وتكسر هجوم جنرالات الجزائر في معركة بئر انزران.
    ولما اتم الجيش الملكي بناء الجدار الرملي الحصن الحصين سنة 1987 استحال اختراقه من طرف عصابة الجنرالات فاصابهم الذعر واليأس واستسلموا سنة 1991.
    وتفرغوا لحربهم ضد الشعب الجزائري.

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب