حزب الأصالة والمعاصرة بين القطيعة والاستمرارية

حزب الأصالة والمعاصرة بين القطيعة والاستمرارية
الأربعاء 19 فبراير 2020 - 00:32

لا شك في أن من بين أهم حسنات المخاض الداخلي، الذي عاش على إيقاعه حزب الأصالة والمعاصرة مؤخرا، هو ظهور بعض الأصوات والأقلام والتصورات التي قد تشكل في المستقبل القريب ضمير الحزب والنواة الحقيقية لدائرة “مثقفيه” و”مفكريه” وحتى إيديولوجييه، قاطعة بذلك مع المرحلة التي كان غالبا ما ينظر فيها إلى أعضاء الحزب بمثقفيه وأطره وعموم منخرطيه بكونهم ـ جميعا ـ مجرد تقنيين ومنفذين يقعون تحت رحمة “الهاتف الذي قد يرن وقد لا يرن”؛ وهو ما جعل منهم، في نظر متتبعي الشأن الحزبي الوطني، مجرد مريدين ينتظرون رحمة “الشيخ”، أو انتهازيين لا يستطيعون الرد المختلف على هاتف يأمرـ ولا يستشير.

ولعل ما حرك هذه “البركة الآسنة” هي آراء ثلاثة مترشحين إلى الأمانة العامة للحزب، وما أعقبها من ردود. وهنا، لا نحتفظ للنقاش إلا بالعقلاني منه، وتلك التي احترمت أصحاب التصريح، ولم تسب أو تنبش في أعراضهم.

الرأي الأول اعتبر أن الصراع داخل الحزب هو صراع الذوات، وأن الصراع مع ممثلي الإخوان المسلمين بالمغرب يجب أن يستمر مستعملا نفس نبرة “القادة” السابقين، وأن على أمازيغ البلد كتابة لغتهم بحروف لغة أخرى أحدث من لغتهم.

الرأي الثاني أعلن، أولا، عن نيته ترجمة إرادة جزء من الدولة، ومعها من يريدون أن يصبح الحزب حزبا “عاديا”، أي التخلي المتبادل: أن تتخلى الدولة على الحزب، وأن يتخلى الحزب على الدولة.

ولهذا، التخلي المطلوب تاريخ مرتبط بتاريخ تجربة الانصاف والمصالحة التي لم ترض رجالات الدولة برمتهم. وقد سعت الدولة إلى توسيع المسافة بينها وبين الحزب ـ دون أن تنجح في ذلك ـ منذ خروج السيد فؤاد عالي الهمة من الحزب، وخاصة عندما لم تجد من بين أطر الحزب، من هو قادر فكريا وسياسيا على توضيح هويته وكينونته باعتباره حزبا وجد من أجل الترجمة السياسية لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، ولأن الدولة كانت ترى في هذه الترجمة مساهمة لتجديد فكر ونخب الأحزاب السياسية التقليدية. وثانيا، تقربه إلى مستعملي الدين في السياسية ماسحا كل الخطوط التي تفصله مع جميع الأحزاب المغربية إلا الحزب الشبيه بحزبه، أي حزب التجمع الوطني للأحرار.

وثالثا، تبنيه المطلق لملف ما يعرف بـ”حراك الريف”، وهو ملف استهلك جهود الدولة والسياسيين والفاعليين الحقوقيين الكبار دون الوصول راهنا ولو إلى الضوء الذي يبدو في نهاية الخندق كما يقال.

وقد كان كاتب هذه السطور مشاركا في تأسيس إحدى أهم المبادرات الهادفة الى المساهمة في حل الملف، أي المبادرة المدنية من أجل الريف التي استسلمت لقدرها بعد أن وجدت نفسها مفتقدة للأدوات العلمية والعملية الكفيلة بتحليل هذه الظاهرة المتكررة دوريا، والتي حمل أصحابها مطالب ومشاريع ضبابية تختلط فيها السياسية بالذاكرة والتاريخ والأوهام، ناهيك عن الكثير من المواقف التي زادت الملف تعقيدا.

الرأي الثالث، قدمه بتواضع شديد كاتب هذه السطور، والذي لم ولن يمل من تكرار القول إن مشكل الحزب ليس في صراع منخرطيه من أجل مصالحهم، بالرغم من أن هذا الصراع المصلحي انتهى بأسماء إلى نماذج مأساوية سياسيا واجتماعيا، واندحار أخرى إلى قاع التاريخ.

كما أن المشكل لا يوجد في القرب أو البعد من الدولة، وليس في طبيعة العلاقة التي تربط الحزب بباقي الأحزاب السياسية؛ بل إن المشكل يكمن في أن الكثير من منخرطيه كائنات حزبية فقط، مما لم يسمح لهم بمعرفة طبيعة حزبهم، وأسباب وجوده، وطبيعة علاقته بالدولة. وهذا ما لخصته في أن مشكل الحزب المزمن يكمن في عدم تحديد هويته وكينونته بشكل واضح.

الآن وقد انتهى المؤتمر الرابع، وفاز الأخ عبد اللطيف وهبي الداعي إلى التخلي المتبادل بين الدولة والحزب، وإلى التقرب من حزب العدالة والتنمية، وإلى طلب العفو عن معتقلي الريف، فإن السؤال الذي يطرح هو: هل هذه المواقف المعلن عنها ستجعل من حزب الأصالة والمعاصرة حزبا قويا، وتنهي صراعاته الداخلية؟ الجواب بدون تردد هو: لا.

وكي نوضح تعليلات هذه (لا) فإننا نعود إلى نقطة البداية، إلى مناقشة علاقة الدولة بالحزب مؤكدين أن هذه العلاقة كانت سليمة سياسيا وأخلاقيا، لأنها جزء من حرصها المتواصل إلى اليوم على نجاح مسلسل الإنصاف والمصالحة.

قليلون هم أولئك الذين يعرفون أن الحزب الذي ننتمي إليه اليوم كان من بين أهم أحلام مهندس الإنصاف والمصالحة المرحوم إدريس بن زكري، الذي كان يعتقد بوعي الدارس العميق لمناهج العدالة الانتقالية أن مسلسل الإنصاف والمصالحة مسلسل فاشل إن لم يتوج بإنشاء حزب سياسي قوي من مهامه الرئيسة الترجمة السياسية لتوصياتها. قد يقول قائل إن الدولة أقامت مؤسسات عديدة لترجمة هذه التوصيات. نعم، صحيح؛ لكن هذه التوصيات إن لم تكن جوهر برنامج سياسي لحزب ما فإن مآلها الفشل.

لذا، عندما أدعو إلى تبني هذه التوصيات في برنامجنا السياسي فإنني لا أدعو إلى استمرار العلاقة مع الدولة كما كان يروج لها القادة السابقون خدمة لأغراضهم الصغيرة؛ بل نحن اليوم ملزمون بتجديد التعاقد مع الدولة، لأن مسلسل الإنصاف والمصالحة وتوصيات هيئتها هي منتوج للدولة والمجتمع. فهل يتصور أحد منكم أن هذا المسلسل كان سينجح، ويصبح تجربة رائدة دوليا بدون الموقف الحازم لجلالة الملك منها؟

لقد كان جلالة الملك مع المسلسل بحزم، واليوم علينا استخدام ذكائنا الجماعي من أجل المرحلة الثانية من هذا المسلسل، والحزب عليه أن يلعب هذا الدور بذكاء وريادة. وإن شئنا تلخيص توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة على شكل مبادئ؛ فلا يمكن أن نضيف أكثر من هذه المبادئ الأربعة، وهي مبادئ اشتغلت عليها كل الدول التي قررت يوما السير نحو بناء دولة الحق من أي مدخل كان، وهذه المبادئ هي:

الكرامة: لتمكين كل فرد أو جماعة من التعبير الحر عن الذات والأفكار والرغبات والمعتقدات، والمساهمة بشكل إيجابي في خلق الثروة واقتراح صيغ توزيعها؛

الحرية: لتمكين كل فرد أو جماعة من تحقيق المشروع الشخصي أو الجماعي في الحياة، والمساهمة تضامنيا في انجاز المشاريع المشتركة والارتقاء بالمسؤوليات والالتزامات نحو المجتمع.

المساواة: لتمكين كل فرد أو جماعة من التعبير عن القدرات والكفاءات، وجعل المجتمع برمته يستفيد من هذه القدرات والكفاءات بشكل متساو؛

التضامن: لتمكين الفرد أو الجماعة من كل الضرورات الأساسية، خاصة في مجال الصحة والتعلم والشغل، وتحويل الفعل التضامني إلى وقود للتنمية الدائمة.

ومن منطلق هذه المبادئ المذكورة، علينا بناء علاقاتنا الحزبية غدا، وأن نميز فيها بين الإستراتيجي والتكتيكي؛ ذلك أن حزبنا لا يمكن له أن يعقد تحالفا إلا مع الأحزاب التي تتقاسمه المبادئ الأربعة سابقة الذكر، وانطلاقا منها سنحدد موقفنا من الملفات “الحقوقية” المطروحة على بلدنا، ولا سيما الملفات الحقوقية الشائكة مثل ما يسمى بحراك الريف والذي يتطلب منا تجاوز المطلب / الشعار إلى اجتهادا عميق نستحضر فيه كل العلوم المتدخلة لفهم تكرار الاضطرابات في المنطقة من أجل الحد منها خدمة للمنطقة وساكنتها برمتهم والوطن. كما أن هذه المبادئ هي ركيزة المواقف التي يمكن للحزب تبنيها في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وفي مشاريع التنمية محليا وجهويا ووطنيا، وانطلاقا منها يمكن للحزب اشتقاق ما يراه من مشاريع حلول للقضايا التي تهم المواطن وتفيد المجال.

*عضو المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة
رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم

‫تعليقات الزوار

4
  • موحند
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 14:50

    ابناء عبد الواحد كلهم واحد.
    الاحزاب المخزنية عملة بوجه واحد ولا ثقة فيها وهي السبب المباشر في الكوارث التي يعيش فيها الشعب المغربي من يوم الاستقلال المشروط الى يومنا هذا. هذه الاحزاب ليس لديها سلطة القرار والحرية الكاملة لتعمل برامج تخدم المواطنين في التعليم والصحة والسكن والشغل والعيش الكريم في دولة الحق والقانون. الشعب المغربي يحكم على هذه الاحزاب وزعماتها بالاعمال والافعال التي ترفع من شئن المواطنين في مختلف المجالات. ولدينا تجربة حديثة جد كارثية مع حزب الاخوان وزعيمه السابق والحالي. نحن ننتظر القيمة المضافة التي سيقدمها وهبي وحزب البام في حل مشاكل المواطنين. والمدخل الرءيسي هو حقوقي سياسي واقتصادي. ونحن في امس الحاجة الى انصاف ومصالحة جديدتين وخاصة في ملف حراك الريف. وهل سينجح وهبي وحزبة لاسترجاع الثقة لدى المواطنين؟ اعتفد لالالا. واتمنى ان اكون خاطءا.

  • بوزيان
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 16:45

    أمامنا نمودج حي شاهد على ما قام به اخنوش مع بنكيران والآن مع العثماني، وهو في الحقيقة لا ينفذ الا تعليمات المخزن لافشال جميع المجهودات التى يقوم بها حزب العدالة والتنمية
    ونتمنى ان لا يحدو الاخ وهبي حدو اخنوش الذي أراد ان يربي المغاربة ظاناً ان له السلطة المطلقة لتربية الناس، وهذه غلطة سياسية فى تاريخ اخنوش وحزبه الذي يطمع في تسيير الحكومة عام 2021 لا قدًر الله
    فالسياسة المالية التى ينهجها وزيره في المالية خير دليل على غضب الشعب بكامله على الزيادات في جميع المواد وفي جميع الضرائب والرسوم زيادة على التحكم في المحروقات
    نتمنى ان تعود الثقة في الأحزاب السياسية التى فقدت الكثير من مناضليها بسبب الخصومات والاختلافات في الرأي وفي التسيير
    وفي حب الرئاسة
    لنا الثقة في الاخ وهبي لإصلاح ما افسده من سبقوه على راس الحزب الذين استغلوا المنصب وتبذير اموال الحزب

  • amaghrabi
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 18:23

    حزب الاصالة والمعاصرة كان سيكون له مستقبل جيد لو قاده الرجل الكاريزمي العظيم الرجل المحنك علي الهمة المحترم والحمد لله انتقل الى كرسي الاستشارة وراء جلالة الملك حفظه الله ,فهو والحمد لله ناجح في مهمته ,اما الحزب الذي اسسه فاصبح مرتعا للفئران والانتهازيين والوصوليين ,وصراحة اكبرشخص شتت وشرد الحزب هو الياس العماري الذي كان يلعب وينافق ويضل ولم يخدم مصالح الوطن العليا ,ولقد فضحه حراك الريف الذي لعب فيه دورا سلبيا ربما كان يصب الزيوت في النيران ولم يحاول في اعتقادي ان يطفئ او يشجع على الأقل على إطفاء ذلك الحريق المجاني الذي اشعلته اياد ملوثة في الحسيمة

  • sifao
    الخميس 20 فبراير 2020 - 10:51

    ولادة جديدة وطريق مفتوح للتحالف مع اليمين الرجعي بعدما تم اسكات اصوات اليسار الرديكالي ، هذا ما كنتم تريدونه واليوم اصبح واقعا وليس مجرد حلم ، استعدوا لتوزيع الحقائب والمناصب العليا من باب حقكم في كعكة السياسة ، لكن لابد ان ُتمرغ انوفكم في مستنقعها كما تمرغت انوف اطهار الامة ، كنا نتوقع ان تمدوا اياديكم الى كل من يسعى الى دمقرطة الحياة السياسية وتحديث البلاد والعباد ، هم في حاجة الى من يحمل القليل من ثقل تركتهم الفاشلة على جميع الاصعدة وبذلك تكونوا قد حجزتم مقاعد دائمة لكم في البرلمان وحقائب وزارية دسمة وكذا ركنا مريحا في ;;;;;;

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب