المغاربة وحياة القرض والاقتراض

المغاربة وحياة القرض والاقتراض
الأربعاء 19 فبراير 2020 - 19:40

ضغوطات الحياة

ضغوطات الحياة ومتطلباتها، أو بالأحرى مغرياتها، دفعت بشرائح واسعة من المواطنين المغاربة إلى المزيد من الاقتناءات؛ إما تفوق أحيانا طاقاتهم الشرائية، أو ترهن حياتهم وتخضعها لأنماط اقتصادية خانقة، إلى حد ابتلاع القروض بالكاد لجميع مدخراتهم، ومنح الضوء الأخضر للديون لأن تنمط حياتهم في شكل حسابات دقيقة، تنتهي بعزل معظمهم من كل المقومات والأسلحة لمواجهة الطوارئ كالمرض وصروف الدهر وتداعياتها، وتدعهم أشبه بسيارات منعدمة الإضاءة تسير في ليل بهيم !

أزمة… واحتيال

يعرف المغرب ركودا اقتصاديا متفاقما بفعل عوامل طارئة، ما زالت جاثمة على معظم القطاعات الخدماتية؛ منها على سبيل القطاعات المصرفية التي سخرت كامل طاقاتها ومنظوماتها التشريعية للتخلص من حدة الركود الذي قلص من أنشطتها وأرباحها، سواء على مستوى المدخرات أو القروض التي تتنفس منها.

وفي العقدين الأخيرين، لجأت البنوك إلى تبسيط مساطر القروض الصغرى والمتوسطة، وبتحفيزات صورية مقابل ضمانات عينية وعقارية. وفي السياق ذاته اتجهت إلى ربط شراكات وتعاقدات مع قطاع شركات السيارات. وحتى تكتمل الصفقة، سارعت العديد من شركات بيع السيارات إلى منح المشتري/ المقترض “تسهيلات في الأداء” تقضي بإعفائه من أية دفعة “تسبيقية” كعربون على عقد الشراء، فضلا عن تأخير تسديد أول كمبيالة إلى ثلاثة أشهر، كتحفيز له؛ لكن مقابل توفر ضمانات يسيل لها اللعاب، أو هي بمثابة وضع يد من حديد على رقبة المستدين، إذا هو توانى أو عجز عن تسديد الكمبيالات عند حلول أوانها، والتي تمتد في الزمان أحيانا إلى عشرين سنة وبشروط مجحفة.

تسبيق (0 درهم) وأساطيل السيارات التي تخنق شوارعنا

شوارعنا ــ في معظم حواضرنا ومدننا ــ ما زالت خاضعة لنمط متقادم في شبكاتها وضيق طاقاتها الاستيعابية، حتى أضحت في العقد الأخير مشتركة في استعمالها بين السيارات والحافلات والناقلات والعربات والدراجات والفراشة والمتسكعين الذين يفتقدون لكل حاسة تقيهم أخطار الطريق… بل وحتى المقاهي التي امتدت كراسيها لتقضم أطرافا منها ! فتغدو السياقة والحركة بهذه الطرقات والشوارع الجحيم بعينه، من خلال تعالي أبواق السيارات وسباب أصحابها مختلطا بصراخات الفراشة وهم يشهرون بضاعتهم وسط هذا “المستنقع العصيب”.

عائلات بثلاثة أفراد وأربع سيارات !

اقتناء السيارة هو أول حلم يراود المغربي أيا كان حدبه، منحدرا من القمة أو الحضيض، حتى إن شرائح كبيرة من المغاربة تمتلك سيارة وهي تأوي أكواخا طينية أو قصديرية، ولا تتوانى في إشهار قواميسها اللغوية الكريهة في وجه كل من يعترض سبيلها أو لا يحترم “ماركتها”، تفترش سياراتها/ قصاديرها بقارعة الطرق لبيع بضاعاتها، كما تتخذها وسائل للنقل والتنقيل والتخزين وربما أحيانا للإيواء الطارئ.

كما أن هناك، في الواجهة الأخرى، أسرا تتباهى في البريستيج Prestige، تستبدل أساطيل سياراتها كل سنة، وتصل اقتناءاتها معدل كل شخص مستقل بسيارة حتى ولو كان هذا الشخص ما زال تلميذا في مرحلة الإعدادي، وإذا عزموا على تحريك سياراتهم داخل المدينة فتلك هي قصة أخرى في حرب الأعصاب والزعيق والنفير.

بادرة… ولكن هل ستعمم وتعمر؟

مؤخرا، أقدمت سلطات العاصمة الرباط على مبادرة بإخلاء جنبات الطرقات والشوارع من كل الباعة المتجولين/ الفراشة، والحكم بذعائر ثقيلة على الدكاكين والمقاهي التي تضبط في حقها خروقات مد سلعها وكراسيها خارج أحيازها القانونية، واعتبرها بعضهم أنها مجرد “أسبوع الباكور”، إذ سرعان ما ستعود حليمة إلى عادتها، ومنهم من ربط هذه الإجراءات بالجانب السياحي الأجنبي، ويبقى السؤال معلقا هل ستدوم هذه المبادرة وتعمم على سائر المدن المغربية أم أنها لا تعدو سحابة صيف، علما أن مداخيل المقاهي من تراميها على هذه الفضاءات العمومية تفوق 70% من مداخيلها العامة؟ ولكن في جميع الأحوال هذا الإجراء لن يساهم في إزالة احتقان المداخل والشوارع إذا لم يتم دعمه بمشاريع ضخمة تروم التوسعة والحفاظ على البيئة وجمالية المدينة، وتحد من اختناق الشوارع.

‫تعليقات الزوار

8
  • حياة منغصة
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 21:10

    حياة معظم المغاربة باتت تعاسة في تعاسة، السلف كل شيء بالسلف حتى ربطة دنعناع…. نحن تعهدنا مع السلف أن نكون أصدقاء بل إخوة نتراحم فيما بيننا دائما، لكن يغيب حينما نغرق في بحره

  • نادية المريني
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 23:00

    السياسة الصهيونية الامبريالية التي تتعنى بمفهوم الكونية والعولمة حولت العالم الى سوق تجاري والكل غارق في الديون بوطننا الحبيب

    االمنزل والسيارة والاثاث ومدارس الاطفال والفواتير الشهرية كلها قروض حتى خروف العيد بالقروض بل احيانا تجهيز الاموات بالقروض

    لذلك القلق والحزن والاعصاب بل حتى الانتحار اللهم اقضي الدين عن المدينين
    المقال مفيد شكرا الاستاذ مجدوب

  • العيش بالسلف
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 23:04

    أكتر من 80% ديال المغاربة عايشين بالكريدي ،الدار بالكريدي والزوجة بالكريدي والطوموبيل وزيد وزيد القفا.. المحاكم عامرا بصحابين الكريدي

  • السملالي .م
    الأربعاء 19 فبراير 2020 - 23:59

    السلف أصبح موضوع كل أسرة مغربية، أعرف أناساً لا تبقى لهم من أجورهم الشهرية سوى بركة قليلة %5 ، يعني %95 كلها تذهب للكريدي كل شهر، ومنهم من هرب وترك عائلته بدون مصروف وأكثرهم يقبعون فيه السجون

  • القرض والقراض
    الخميس 20 فبراير 2020 - 12:29

    والله القرض عم البلاد طولا وعرضا، لا يمكن العثور على أسرة مكتفية، بل ستجد الحاج السلف له علاقات حميمية تربطه بكل المغاربة، أو بمعنى أنه يتحكم في رقابنا كيف يشاء، والعديد من المغاربة يوجدون في حالة فرار من الكريدي حتى لا يكتشف أمرهم، وهذه قصة طويلة وشكراً للكاتب المبدع سي مجدوب

  • حياة مول الكريدي
    الخميس 20 فبراير 2020 - 16:47

    الله يحفظ من حياة الكريدي… كلها متابعات وأزمات وإخفاقات ومخاوف…

  • حياة مقيدة
    الخميس 20 فبراير 2020 - 18:39

    حياة كثير من العائلات مقيدة بالسلفات، وهي لا تنعم بالراحة، تعيش تقلبات فإذا جلس الإنسان في مقهى أثرت على ميزانيته!!

  • اختناقالشوارع
    السبت 22 فبراير 2020 - 07:33

    تسبيق 0 درهم، هي الشبكة التي تصطاد بها شركات السيارات المغفلين والذين يحلمون بركوب السفينة الفضائية، وفعلاً هناك أقوام مزاليط إ ذا ركب السيارة يخيل إليه أنه يعيش في الفضاء ولا وجود لقانون يحظر عليه السرعة، والمصيبة العظمى تصادفه يأوي كوخا قصديريا مثثلما أشار أستاذنا الكبير وشكراً

صوت وصورة
الفهم عن الله | التوكل على الله
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | التوكل على الله

صوت وصورة
مهن وكواليس | الرايس سعيد
الإثنين 18 مارس 2024 - 17:30

مهن وكواليس | الرايس سعيد

صوت وصورة
حملة "بن زايد" لإفطار الصائم
الإثنين 18 مارس 2024 - 16:21 2

حملة "بن زايد" لإفطار الصائم

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الاحتياجات النفسية عند الأطفال
الإثنين 18 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الاحتياجات النفسية عند الأطفال

صوت وصورة
ناجية تروي تفاصيل حادث أزيلال
الإثنين 18 مارس 2024 - 15:25 15

ناجية تروي تفاصيل حادث أزيلال

صوت وصورة
ما لم يحك | تصفية الدليمي
الإثنين 18 مارس 2024 - 15:00 1

ما لم يحك | تصفية الدليمي