نزعات اختزالية ضدّ الديمقراطية

نزعات اختزالية ضدّ الديمقراطية
الخميس 5 مارس 2020 - 01:10

يذكرني النقاش الدائر حاليا حول القانون الجنائي ومادة “الإثراء غير المشروع”، بمعضلة ما زالت تعرقل التطور الديمقراطي في بلادنا، وهي مشكلة اختزال الديمقراطية في عنصر معزول من هنا أوهناك، مع التحفظ على باقي العناصر التي لا يقوم ذلك العنصر نفسه إلا بها.

فعندما قام السيد مصطفى الرميد بوضع مادة ضدّ “الإثراء غير المشروع” ضمن مشروع القانون الجنائي، قام بالتسويق والدعاية لعمله على أنه إجراء ديمقراطي يتعلق بالشفافية في تدبير المال العام، وهو أمر لا خلاف فيه، لكن الوزير نفسه عمل بشكل مهووس على إقبار أي نقاش حول الحريات، التي استثناها من المناقشة والتعديل، وهو اليوم مع حزبه يعتبر نفسه حاملا لمشعل الديمقراطية ضد “الإثراء غير المشروع”، مع العلم أنه يسعى إلى تحويل البلد إلى سجن كبير يعيش فيه الناس تحت وصاية النزعة المحافظة التي تشيع النفاق وتتستر على أمراض المجتمع التقليدي وتكرس التخلف والانحطاط القيمي. هل نحن مجبرون على مقايضة “الإثراء غير المشروع” بحرياتنا ؟ طبعا لا، فالديمقراطية وحقوق الإنسان كلّ غير قابل للتجزيء بمنطوق الدستور.

هذه الفكرة حاولنا مرارا شرحها للرأي العام ومن خلال ذلك لنخبة الحزب الأغلبي في الحكومة، الذي بذل جهودا جبارة لعرقلة صدور قوانين متقدمة خلال الولاية السابقة واللاحقة، حيث يرفع شعار “محاربة الفساد” دون أن يفعل شيئا في الواقع من أجل ذلك، ولكنه في نفس الوقت لا يتسامح مع حقوق الإنسان التي مازالت مصدر إزعاج كبير له، مع العلم أنه لا تقدّم لبلد يزعم محاربة “الفساد” المالي، بينما يعامل مواطنيه باحتقار وحرمان من أبسط حقوقهم وحرياتهم الأساسية.

إن أصل النزعات الاختزالية للديمقراطية هو التحفظ على قيمها، حيث كان التيار الإسلامي يعتبر الديمقراطية “كفرا” وخروجا من الدين، غير أنه سرعان ما قام بـ”مراجعة” مراوغة اضطرته إليها ظروف اشتغاله في مجال السياسة داخل المؤسسات، فقام بتعويض تكفير الديمقراطية بنظرة اختزالية يختار بموجبها بعض عناصرها ويغضّ الطرف عن بعضها الآخر، وهكذا صرنا نسمع من يقول إنّ الديمقراطية هي فقط “صناديق الاقتراع”، وسمعنا من يختزل الإصلاح في “محاربة الفساد والرشوة”، واختزال العدل في “استقلال القضاء”، واختزال الأخلاق في مظاهر التديّن والتشدّد ضدّ مسلسل التحديث، واختزال الحريات في “زواج المثليين” وهكذا..

إن هذه الأنواع من المواقف الاختزالية متعمّدة، وغرضها طمس المشروع الديمقراطي الذي لا يقوم إلا بتكامل أسسه وأركانه، السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والقيمية والبيئية، والتي ينبغي أن تنبني جميعها في الوعي المواطن لدى المغاربة، عبر التعليم الجيّد والإعلام المسؤول، ولا ديمقراطية بدون حريات، ففي كوريا الشمالية تتم محاربة الفساد يوميا بعقوبات متوحشة ودموية، ولكن لو فُتحت حدود البلد للمواطنين الكوريين لسارعوا جميعا إلى مغادرة أرض لا ينعمون فيها بأبسط شروط الكرامة الإنسانية.

إن حزب “العدالة والتنمية” الإخواني يتحمل مسؤوليته ليس في عرقلة صدور القانون الجنائي، بل في التمويه على المغاربة عن طريق استثناء قضايا جوهرية تتواجد يوميا ومنذ سنوات في عمق النقاش العمومي، وإبعادها من التعديلات الضرورية، حتى يتمكن من الحفاظ على قانون جنائي متخلف تجاوزه الواقع الاجتماعي بسنوات ضوئية.

‫تعليقات الزوار

15
  • الحسين وعزي
    الخميس 5 مارس 2020 - 08:02

    لم يجب السي عصيد عن السؤال هل هو مع مشروع القانون المتعلق بالإثراء غير المشروع وتشديد بنوده لقطع دابر الفساد والضرب بيد من حديد على أيدي ناهبي المال العام، أم أنه مع تمييع هذا المشروع وإفراغه من محتواه، بفرض قيود تعجيزية عليه، كما يريد ذلك حزب الأصالة والمعاصرة؟ فالمشكل بخصوص هذا القانون مطروح حاليا في المغرب على هذا المستوى.

    أما القفز من المشكل كما هو قائم في البرلمان إلى الحديث عن اختزال الديمقراطية، مع الإشارة إلى ضروة إباحة القانون للمثلية الجنسية، والإفطار العلني في رمضان، وما يحدث في كوريا الشمالية، فهذا تحريف مفضوح للنقاش، وهو ما يسمى باللغة الفرنسية: noiyer le poisson. ويؤدي مثل هذا النقاش إلى تزكية الفساد وتكريسه والدفاع عنه بطرق ملتوية.

  • عجيب
    الخميس 5 مارس 2020 - 08:45

    تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الاخر

    لكن وا أسفاه
    على زمان الاقزام

    خلاص لم يبق إلا القليل ويصل المجتمع الى الانحلال الخلقي الذي تدعو وامثالك اليه
    لم يبق إلا القليل ويباح ما كان محرما
    لم يبق إلا القليل و يفقد المجتمع النخوة والشهامة والرجولة والانافة
    لانه سيصبح مستنقع البعوض

    لنخبة الحزب الأغلبي في الحكومة

    الحزب الاغلبي او الاحزاب كلها من بني جلدتك

  • benha
    الخميس 5 مارس 2020 - 08:46

    جاء في المقال ما يلي: (( في كوريا الشمالية تتم محاربة الفساد يوميا بعقوبات متوحشة ودموية، ولكن لو فُتحت حدود البلد للمواطنين الكوريين لسارعوا جميعا إلى مغادرة أرض لا ينعمون فيها بأبسط شروط الكرامة الإنسانية)).

    لو فتحت الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، لهاجر أغلب المكسيكيين صوب أمريكا، ولو فتحت الحدود بين شمال إفريقيا وجنوبها ومتوسطها وأوروبا لهاجر كل الأفارقة صوب أوروبا، رغم أننا أمام دول لا تخضع لحصار خانق غربي أمريكي مثل كوريا الشمالية..

    والخلاصة هي أن للهجرة أسبابا ودوافع كثيرة جدا ولا يمكن ولا يجوز اختزالها في سبب واحد، فالاختزال مثل التعميم يتنافى مع العلم والموضوعية.

    ثم هل يفهم من كلام عصيد أنه يعارض فرض العقوبات الجزائية ضد الفاسدين والمخلين بالأمانة وسارقي أموال الشعب؟؟ أين المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، أم أن الفساد والريع استشريا حتى أصبحا فوق الدستور، وبات لهما من يدافع عنهما، أحيانا بطرق ملتوية، وأحيانا أخرى بصراحة تصل حد الوقاحة، وعلى عينك يا تاجر..؟

  • À distance.....
    الخميس 5 مارس 2020 - 09:36

    M. Assid un parmis d´autres Don Quijotes du Bled continue là cette lutte contre -non des moulins à vent- mais contre cette machine invisible à l´oeil nu qui depuis des siecles ne cesse d´entraver toutes possibilités d´évolution car son propre essence est la stagnation et c´est normal;ces gens-là detiennent la vérité absolue.Ils ont leur propre fin de l´histoire avant même celles de Hegel et Fukuyama.Je ne siis ce qui est plus grave, si le fait de nous prendre pour des imbéciles,ou le fait qu´ils croient vraiment en leurs propres mensonges… merci

  • قانون الاثراء ...
    الخميس 5 مارس 2020 - 13:12

    … غير المشروع هو قانون غير ذي موضوع لان الافعال التي قد تدخل في نطاقه صعبة التحديد.
    فاذا كان الاثراء غير المشروع تم بسبب الرشوة فان هذا الفعل منصوص على عقوبته في القانون الجنائي.
    كما ان استغلال النفوذ للاثراء منصوص عليه.
    وهناك افعال تم تقنينها في القانون كالاتجار في الخمور و فتح نوادي القمار ولكنها محرمة شرعا وقد ينتج عنها الاثراء غير المشروع.
    الاثراء في مجال البغاء ، او الاثراء عن طريق احتكار السلع والمضاربات العقارية وتهريب السلع والمخدرات.
    افعال كثيرة منصوص عليها ولا حاجة الى اضافة قانون فضفاض قد يتخذ ذريعة للايقاع بالخصوم.

  • قبل تجريم الافعال ...
    الخميس 5 مارس 2020 - 13:26

    … يجب تدقيق النظر في الانعكاسات والنتائج.
    فتجريم الاثراء غير المشروع وتجريم التطبيع في مجتمع يشتغل بالعضلات و يفتقر الى عقول تنتج المعرفة يؤدي الى تعطيل حركة الاقتصاد بما يتسبب فيه من تنفير الاستثمارات الدولية واستفحال البطالة.

  • Simsim
    الخميس 5 مارس 2020 - 18:31

    على مدار 17 سنة تم إثراء موظفي الإيركام دون حسيب ولا رقيب ومنهم بطبيعةالحال كاتب المقال
    كان على السيد الرميد أن يبدأ بهذه المهزلة الإيركامية التي عاثت في الأرض فسادا وفجورا
    وننتظر من العدالة أن تقول كلمتها في هذه النازلة الثقيلة
    نحن معك أيها الكاتب في تجريم الإثراء الغير المشروع والذي استفاد ولا زال يستفيد منه
    اللوبي السوسي الذي أصبح يحتكر كل صغيرة وكبيرة

  • mourad
    الخميس 5 مارس 2020 - 19:38

    الموضوع لا يحتمل التمييع والتهريج، مقال الكاتب واضح حقوق الإنسان كل غير قابل للتجزيء والسلام ، نعم لحماية المال العام من الإثراء غير المشروع ونعم للحريات، هذا هو المعقول، ولكن أن يقرر الرميد حماية المال العام وحرمان الناس من حرياتهم الأساسية ليس ديمقراطية والكلام الزايد لا معنى له.

  • باها
    الخميس 5 مارس 2020 - 20:21

    موظفوا الإيركام ومنهم عصيد أصبحوا من الاثرياء لاستفادتهم من ريع الامازيغيه،حيث يكلفون دافع الضريبه ملايير الدراهم سنوياً دون إنتاجية،سوى ابتزاز الدولة وادعاء المظلومية،كل مستفيد من الوضع الراهن الذي يزكي الفساد اصبح يعارض اي تشريع يُحد منه

  • Me again
    الخميس 5 مارس 2020 - 20:38

    جاء في المقال التالي: (( لكن الوزير نفسه عمل بشكل مهووس على إقبار أي نقاش حول الحريات، التي استثناها من المناقشة والتعديل، وهو اليوم مع حزبه يعتبر نفسه حاملا لمشعل الديمقراطية ضد الإثراء غير المشروع، مع العلم أنه يسعى إلى تحويل البلد إلى سجن كبير يعيش فيه الناس تحت وصاية النزعة المحافظة التي تشيع النفاق وتتستر على أمراض المجتمع التقليدي وتكرس التخلف والانحطاط القيمي)).

    الرميد وزير في حكومة ائتلافية، وهو لا يملك سلطة وضع المغرب في سجن كبير أو صغير، إنه يتحمل المسؤولية الحكومية مع أحزاب سياسية أخرى، وجميع القرارات يفترض أنها تُتّخذُ بمبدأ التضامن الحكومي، والأكثر من هذا المغاربة جميعهم يسمون الحكومة ((المحكومة))، فالحديث عن سلطة خارقة للرميد في بلدنا حديث لا معنى له ولا أساس له من الصحة.

    ويستخلص عصيد من المقال الخلاصة التي يريد تمريرها وهي التالية؟ ((هل نحن مجبرون على مقايضة الإثراء غير المشروع بحرياتنا؟))، ويجيب فورا: طبعا لا. وللتمويه يضيف: (( الديمقراطية وحقوق الإنسان كلّ غير قابل للتجزيء بمنطوق الدستور)). يعني ضاع الموضوع الذي هو الإثراء غير المشروع. الأمر مفهوم، إنه ريع ليركام..

  • sifao
    الخميس 5 مارس 2020 - 21:28

    إلى 8 – mourad

    كلامك صحيح عندما تقول: (( نعم لحماية المال العام من الإثراء غير المشروع ونعم للحريات، هذا هو المعقول))، ولذلك يفترض فيك أنت وعصيد أن تساندا مشروع القانون المتعلق بالإثراء غير المشروع الذي قدّمه الرميد، ولكما أن تعارضاه في موقفه من الحريات العامة إن كان ضدها حقا. في موقفكما من مشروع قانون الرميد توحيان أنكما مع استمرار السرقة والنهب والريع والفساد، ضدا في الرميد، لأن له مواقف في قضايا أخرى لا تعجبكما، فهل هذا معقول؟؟؟

  • tarrasteno
    الجمعة 6 مارس 2020 - 00:20

    للذين لا يفهمون: عصيد يقول لكم أن حزب الإخونجة لا يؤمن بحقوق الإنسان كاملة بل بما يناسب خلفيته الدينية. فهو يؤمن بلكم دينكم و لي دين و لكنه لا يؤمن بحق الناس في الأكل في رمضان نهارا. هو يؤمن بحق المرأة في الإرث لكنه لا يؤمن بحقها في فيفتي فيفتي مع الرجل. ما قل و دل

  • Aymen حسان
    الجمعة 6 مارس 2020 - 05:02

    إلى12 – tarrasteno الذي يفهم أكثر من غيره

    برامج حزب العدالة والتنمية معروفة ولها جمهورها، السجال الدائر حاليا هو حول مشروع قانون الإثراء غير المشروع، هل أنت وعصيد مع هذا المشروع قانون أم ضده؟ هذا هو السؤال، أما إثارة مواضيع من قبل الأكل في رمضان، والإرث، وحرية المعتقد، فهذا هروب من الجواب على السؤال حول الإثراء غير المشروع، إن لم يكن رفضا مبطنا للمشروع كما (( يناضل)) من أجل ذلك البام..

  • تابع
    الجمعة 6 مارس 2020 - 19:31

    صراحة لا أفهم لماذا يضع عصيد مشروع القانون المتعلق بمحاربة الإثراء غير المشروع، في تقابل متضادٍّ مع الحريات الفردية.. لماذا إثارة قضية الحريات وكأنها تتناقض مع الإثراء غير المشروع؟

    نهب ثروة البلد وتعميم الفساد المالي فيها يؤدي إلى تفقير الناس وتجويعهم، وبالتالي ضرب حرياتهم الأساسية إن لم يكن القضاء عليها.. الإنسان الفقير الجائع المحروم من خيرات البلد، يصعب عليه التفكير في أشياء أخرى تتجاوز حصوله على لقمش الخبز..

    التغني أمام الجائع بالحديث عن إلغاء عقوبة الإعدام، أو السماح بالإفطار العلني في رمضان، وحرية المعتقد.. كلام عن قضايا من هذا القبيل، تبدو له، ترفا ما بعدها ترف، يا رفيق وعزي المسعور..

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة