جاكوب كوهن وأساطير الأولين

جاكوب كوهن وأساطير الأولين
الأربعاء 11 مارس 2020 - 00:30

من الناس من يتميز بالواقعية ولا يومن إلا بالإثبات والبرهان مهما حاول المغرضون، ولعلها حالة العقلاء والحكماء من القوم، ولكن من الناس أيضا من يختلق لنفسه عوالم من الأوهام والأساطير ويقنع ذاته ليراها في واقع يريده أن يتحقق ويمني النفس بذلك لحاجة بداخله. وهي حالات من مرض اسمه انفصام الشخصية الذي يسلط على العديد من المحبطين في بيئتهم أو في مجتمعهم بعد أن تقطعت بهم سبل الاندماج. هذه الحالات النفسية قد تجد لها مكانا في الإنسان العادي وتبقى تداعيات ذلك محدودة ومحصورة في الشخص نفسه، لكن أخطرها وهي حينما تنتاب هذه الحالة أولئك الذين يريدون أن يتسيدوا مشهدا ويحاولون أن يجدوا لأنفسهم موطئ قدم في محاولة يائسة لزرع الفتنة والتفرقة من خلال أكاذيب لا يستطيعون إقناع أنفسهم بها، فبالأحرى أن تكون مادة لخطاب يراد ترويجه.

اليهودي جاكوب كوهن وأتباعه أحمد ويحمان وخالد السفياني انزلقوا بأنفسهم إلى حمل رسائل مريبة إلى الشعب المغربي محاولين في ذلك الظهور بمظهر القائمين على هذا البلد وعلى أمنه واستقراره. السيد كوهن وهو من يهود المغاربة والحامل للجنسية الفرنسية خرج بتصريحات إعلامية ومحاضرات في مدن مغربية نائية وعلى البسطاء من هذه الرعية يدعي فيها وجود مخططات للموساد الإسرائيلي تستهدف استقرار المغرب وتقسيمه. وفي تناغم مع هذه الترهات كذلك فعل قبله كل من السيد خالد السفياني والسيد أحمد ويحمان اللذان تشدقا في وقت سابق أنهما يملكان من الأدلة الدامغة لا يأتيها الباطل ما يثبت أن نية إسرائيل تتجه إلى تقسيم المغرب. ويدعي هؤلاء الرجال الثلاث أن لديهم أدلة لكن لا أحد منهم تملكته الجرأة ليكشف عنها. فالدولة المغربية والمغاربة كشعب هم أولى بمن ينبغي أن يكونوا على بينة من هذه المخاطر التي تحدق بهم ولهم الحق في ذلك. ومن يقول بها ولا يكشف عنها فله في ادعاءاته حاجة أخرى غير تلك التي يوهم بها المغاربة كما فعلوا مؤخرا في مظاهرة الرباط المغشوشة.

ولأن هذه الادعاءات أهون من بيت العنكبوت، فالرد عليها لا يستدعي كل الجهد لمعرفة النوايا التي تقف من وراء تحركاتهم. ومن باب حرصنا على أن يقف المغاربة على طبيعة هذا الخطاب المدسوس، نرى أنه من الضروري الإتيان على ذكر بعض الحقائق لفهم تلك الحملة التي نعتقد أنه لا لزوم لها ولا حاجة للتشويش بها على المغاربة. ومن جملة ما نريد إيصاله وندحض به أساطير الأولين نسوق ما يلي:

1 ـ هذه الافتراءات مردها إلى حالة التذمر التي يعاني منها أصحابها من عدم قدرتهم على التعايش في بيئة ولعلها قد تنطبق في المقام الأول على السيد جاكوب كوهن الذي يبدو أنه يعيش في صراع مع ذاته ومع مجتمعه ولا ندري أيهما يكون قد رفض الآخر. المهم أن هناك حالة طلاق بادية للعيان آلت إلى انتحار طبقي ليبقى الشيخ تائها من دون هوية ولا مرجعية.

2 ـ تلامذة السيد كوهن من أمثال ويحمان والسفياني هم كذلك على نفس الدرجة من الإحباط بسبب المسافة الفاصلة بين عوالمهم الخرافية والواقع المغربي الذي يستعصى عليهم. فالمغاربة أكبر من أن يلتف عليهم أو تنطلي عليهم خرافات شيخ أتى الخرف عليه.

3 ـ هناك سخط عارم لدى هذه الفئة لا يخلو من عدائية تجاه الوطن. فالترويج لوجود مخطط معادي للمغرب من دون الكشف عنه هو واحد من اثنين، إما أنك تعرفه وتتستر عنه وهذه خيانة كبرى للوطن، أو أنك تفتري في ما تروج له وهذه وشاية كاذبة يعاقب عليها القانون.

4 ـ إذا كان وهمهم كما يقيمونه على زيارة بعض المغاربة لدولة إسرائيل حتى يكيلون لهم أكبر الاتهامات وأخطرها على أنهم عملاء ويتآمرون على الوطن، فأين برهانهم في ذلك. وإن كان الأمر كما يدعون فسنكون أول من سيطالب بمحاكمتهم. بيد أن هذا الاتهام ليس له من سند ويخلو من أي إثبات. إذن فكل ما بني على خيال أو باطل فهو باطل.

5 ـ والحقيقة أن ما يقوم به الثلاثي كوهن ـ ويحمان ـ السفياني ينبغي فهمه في سياق معادلة واضحة وهي أن هذا الثلاثي يريد أن يوظف العامل الأمني لخدمة هدفه السياسي بمعنى زرع الخوف والرعب لدى المغاربة من وجود خطر أمني بنية حملهم على الكراهية لكل ما هو إسرائيلي وتسخير ذلك لخطهم السياسي وهو مقاطعة إسرائيل في إطار حملتهم المسعورة التي تندرج في سياق مناهضة التطبيع. وهذا النهج بات مكشوفا وواضحا للعيان.

والشيء بالشيء يذكر، فلعل ما يروجونه من اتهامات من قبيل العمالة لأشخاص يزورون إسرائيل وليبنوا عليها حججهم الواهية، فإننا بدورنا نستحضر ذلك الماضي لنتساءل من جانبنا ما قولهم حينما كان بعضهم من القومجيين يذهبون إلى بغداد لتقديم فروض الولاء والطاعة في حضرة قائدهم الهمام صدام حسين مقابل حفنة من الدولارات، وكذلك يفعل الإسلامويون في مؤتمرات شعبية يشرف عليها مرشدهم الروحي ويعودون من طهران وقد أغدق عليهم قدس الله تراه بحقائب يعلم الله ما فيها من كنوز ما فوق الأرض وما تحتها.

6 ـ الظاهر أن حاملي هذا اللواء ينصبون أنفسهم فوق الدولة لهم ما لهم من أجهزة قادرة على الاشتغال والوصول إلى بعض المعطيات التي لا تقوى عليها في زعمهم أجهزة الدولة وكأننا نحن أمام حالة شاذة وهي وجود دولة في قلب دولة. وهذا ليس فحسب بهراء وافتراء وإنما فيه مساس وتشكيك في قدرات الدولة المغربية. وهذا يتنافى كليا مع الواقع الذي يتأكد من خلال شهادات كبريات الدول الغربية التي تشيد بالأجهزة الأمنية المغربية وباحترافيتها في استباق الجريمة والوصول إلى مخططيها قبل وقوعها في زمن قياسي ليس فحسب في التراب الوطني بل حتى في الدول المجاورة. كل هذا يحدث ويأتي هؤلاء السادة العلماء ويسمحوا لأنفسهم التطاول على مجالات يجهلون مفاتيحها وقواعد العمل المطلوبة في المجال الأمني الذي يتطلب الدقة والاحترافية والعين التي لا تنام.

لكن نحن لا نريد أن نجعل من هذا المقال فقط فرصة للكشف عن سريرة هذا الثلاثي وعن نواياهم ومخططاتهم والإيقاع بنا في معركة لا علاقة لها بواقعنا، بل ما يهمنا أكثر ويؤرقنا هو أن نقف على حقيقة المخاطر المحدقة بالمغرب والمغاربة لا تلك الخرافات والقصص التي ينسجها هذا الثلاثي من وحي خياله. الخطر كما نراه يكمن في ما يلي:

1 ـ إن مثل هذه العناصر المدسوسة ما بيننا هي التي تشكل مصدر إزعاج وخطر على وحدة الشعب المغربي. وهي التي تشوش على نشاط أجهزة الدولة وعلى أولويات الوطن وقضاياه الحقيقية من خلال محاولاتها فرض أجندة من قضايا هامشية لا تشكل حقيقة هاجسا للمغرب وللمغاربة بقدر ما هي محاولة لزرع الفرقة والإيقاع بالنظام في مشاكل وأزمات ليشمتوا فيه. ولعلمهم فإسرائيل ليست عدوة للمغرب ولا للمغاربة. عدونا منا وفينا.

2 ـ الخطر الحقيقي الذي لا يفارق المغرب منذ ما يزيد عن أربعة عقود وهو عداء النظام الجزائري والمؤامرات التي يحيكها ضد بلادنا على الدوام من خلال المضي في محاولاته الرامية إلى محاصرة المغرب وتطويقه جغرافيا وعزله تاريخيا عن عمقه الإفريقي. منذ نصف قرن والنظام الجزائري يعمل على استنزاف طاقات المغرب وخيراته لعرقلة كل جهود التنمية والحيلولة دون إحداث إقلاع مغربي على المستوى الإقليمي والدولي. ولخدمة أغراضه المناوئة، افتعل النظام الجزائري في منتصف السبعينات نزاعا ليقف في وجه استكمال المغرب وحدته الترابية واستعادة أمجاده التاريخية التي تشكل عقدة في حياة هذا النظام. وقد سخر لهذا النزاع شرذمة من أبناء الصحراء الكبرى لدول الجوار تحت مسمى جبهة البوليساريو التي لا تعدو أن تكون سوى دمية يتلاعب بها جنرالات الجيش الجزائري ويحركها ضد المغرب. هذا هو الخطر الحقيقي وهذا هو عدو المغرب وليس إسرائيل كما تدعون.

3 ـ الخطر الثالث يتمثل في سعي إيران إلى تصدير ثورتها لتطال ربوع العالم العربي ومن دون استثناء المغرب كقوة إقليمية ضاربة في المنطقة. تصدير هذه الثورة يبدأ في المقاربة الإيرانية دائما بتغلغل التيار الشيعي في البلدان التي تستهدفها إيران. وبلادنا غير مستبعدة من سياسة طهران بحيث ترمي في ما ترمي إليه هو ضرب وحدانية المذهب المالكي في المغرب عبر نشر المذهب الشيعي في صفوف البسطاء من المغاربة في شمال المغرب وخاصة في بعض المدن الكبرى كطنجة ومكناس والدار البيضاء والأخطر من ذلك كله محاولات استقطاب أفراد الجالية المغربية في اوروبا. وكان من نتائج ذلك بروز ما يسمى بتيار “خط الرسالة” الذي ما زال وجوده في المغرب محتشما يضم شبابا يمارسون خفية طقوسا شيعية من قبيل الاحتفال بمقتل الحسين.

4 ـ الخطر الرابع يكمن في النشاط المكثف للمجموعات المتطرفة في منطقة الساحل والصحراء التي باتت ساحة للصراعات والتهديدات ومصدر قلق للدول المجاورة وللعالم من قبل ما أصبح معروفا بقاعدة المغرب الإسلامي والتي ينشط بها كذلك عناصر ينتمون إلى جبهة البوليساريو الإرهابية. ولعل هذا هو الخطر الذي ينبغي الوقوف عنده وليست تلك الفزاعات التي لا يتوقف ذلك الثلاثي المذكور عن استخدامها لتخويف المغاربة.

*دبلوماسي سابق

‫تعليقات الزوار

4
  • Arsad
    الخميس 12 مارس 2020 - 07:50

    يا استاذ مقالك هذا هو ايضا لايخلو من ادعئات فالتلاثة الذين تتحدت عنهم يعلنون علانيتا رفضهم للصهيونية وهجومك هذا هو نفاح عن دعات التطبيع والذين زاروا اسرائيل فقمة العقلانية هو ان يكون المرء مع الحق فالصهاينة لا امان لهم وان كان الكلام عن مخطط لتفريق المغرب فهذا ون كان لا دليل عليه فإنه لا يسقط من عقيدة تستبيح قتل البشرية واحتلال دولة الغير وتهجير شعبها وبث الفتن لاجل التسيد والسيطرة على العالم فالصهاينة عملوا على اغتيال لعقول ورموز وعلماء ومثقفين فقط لتضل دول العالم العربي والاسلامي متخلفة وجاهلة حتى لا تتقدم وتحقق نهضتها فلماذا هذا اذا ان لم تكن الصهيونية في نيتها حقا تريد تفكيك صفوف العالم العربي والاسلامي وبث الفتن والنزعات العرقية والمذهبية لاجل التفرقة .

  • المراكشي
    الخميس 12 مارس 2020 - 12:31

    تسريبات ويكيليكس تكذبك
    ففي الوثيقة الصادرة عن سفارة الولايات المتحدة الامريكية بالرباط والمؤرخة في 18 دجنبر 2007 تحت رقم 07RABAT1857_a طلب عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الى جانب مجموعة من النشطاء البربر من الولايات المتحدة مساعدتهم على انشاء جمهورية بربرية ، ودعم القومية البربرية من اجل مواجهة التطرف العربي الذي يهدد العالم حسب قولهم، مشددين على انه يجب اضعاف العرب.

  • الــشــ الأخضر ــعــاع
    الخميس 12 مارس 2020 - 20:10

    عين الرضا عن كل عيب كليلة ،،،، و عين السخط تبدي المساويئا .
    عجبا ، كيف رأيت أساطير خصومك ، و غفلت عيناك عن الجبل الضخم من الأساطير و الخرافات التي تقيم عليها الصهيونية صروحها التي هي أوهى من بيت العنكبوت كما وصفها قاهرهم .
    صدق السيد المسيح إذ يقول : تورون القذى في أعين الناس و لا ترون الخشبة في أعينكم .

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة