الرعب "الكوروني"

الرعب "الكوروني"
الأحد 29 مارس 2020 - 00:45

لقد كان الرعب بالنسبة لنا عبارة عن أحداث إرهابية عابرة، مثل ما حصل عقب أحداث 11 سبتمبر في نيويورك، وواشنطن، ومجموعة من الدول، والرعب الذي تعرضت له الولايات المتحدة وأوروبا بعد اكتشاف حالات عديدة من الإصابة بمرض “الإنثراكس” أو الجمرة الخبيثة، أثناءها عادت وسائل الإعلام إلى استخدام مصطلحات كانت منسية أو تناساها العالم مع الوقت مثل الحرب البيولوجية، والإرهاب، وحرب الفيروسات وغيرها.

لكن، اليوم نحن نعيش رعبا من نوع آخر، رعب جعل العالم بأكمله يعيش أياما سوداء، غلقت بسببها دول، وحجرت بالرغم عنها مدن صحيا، وتضاعف عدد الوفايات بالآلاف، ووضعت جيوش ليس للحرب، ولكن من أجل جعل الشعب في بيته. هذا الوباء الذي لم يكن هو الأول، فبالرجوع إلى كتاب شلدون واتس “Sheldon Watts” المعنون بـ:”الأوبئة والتاريخ: المرض والسلطة والإمبريالية”، يحوي دراسة مستفيضة وغنية عن الأوبئة الكبرى التي أصابت الإنسانية: الطاعون، والجذام، والجذري، والزهري، والكوليرا، والحمى الصفراء والملاريا خلال القرون الستة الماضية. كما يحوي الكتاب أكثر من مجرد العرض التاريخي لتلك الأوبئة، فقد درس المؤلف باستفاضة العلاقة بين التغيرات البيئية العنيفة والمرض، وبين المرض أو الوباء والمجتمع.

بالإضافة إلى ذلك، نجد كتاب “المنطقة الساخنة”، لكاتبه ريتشارد بريستون الذي سلط فيه الضوء على معامل الجيش الأمريكي، حيث تتم دراسة الأوبئة وأساليب الحرب البيولوجية، وفي هذا الإطار فإن الكتاب يبدو متواكبا مع الأحداث والتطورات الراهنة، كونه يحكي قصة حقيقية لرجل فرنسي اسمه شارل مونيه كان يعيش في قرية غربي كينيا، حيث يعمل خبيرا في أحد معامل السكر، والذي سيموت موتة شنيعة، فقد قرر مونيه أن يقوم بجولة إلى أحد أكبر الكهوف الموجودة بأحد البراكين الخامدة في كينيا، والذي وجده مغطى بفضلات الوطاويط وكانت بالداخل مفاجآت أخرى، جثث أفيال متحللة وصخور مدببة، لم يعرفوا هل لامس مونييه براز الوطاويط، أو أدمى يده بالصخور، لا أحد يعرف، بدأ الصداع في اليوم السابع من هذه الجولة يدب في رأس مونيه، ولم يستجب لأي مسكن من أي نوع، ثم بدأت آلام الظهر والقيء العنيف، بدأ أكثر غضبا وخمولا، وفي الساعات الأولى من الصباح توفي مونيه، قاموا بتشريحه فأثار دهشتهم أن أحشاءه تبدو كأحشاء جثة مرت عليها أيام، كتبوا في التقرير أنه توفي ب(فشل كبدي متفاقم) لأنهم لم يجدو كلمات تصف الهول الذي رأوه بداخله، وتم دفنه في قبر لم يعد أحد يذكر أين هو. فيما بعد عرفوا بأنه فيروس ماربورج، وهو فرد من عائلة فيروسات تعرف باسم فيلوفيروس “Filovirus”.

هذا الوباء يجعلنا نتأكد بأن كوكب الأرض في كل مرة يرسل مجموعة إنذارات للإنسان بضرورة الحفاظ على بيئته، فالإنسان دائما ما كان هو الأداة التي تجر المصائب على كوكبنا بسبب تصرفاته اللامبالية اتجاه كوكب الأرض. إن فيروس كوفيد 19 المعروف بكورونا، وحد اليوم الدول، وجعل من الجميع يترقب وهو بحجره الصحي بالمنزل ما ستسفر عنه هذه الأيام العصيبة. لكنه من جهة ثانية، عرى عن مجموعة من الأخطاء التي ارتكبناها ولطالما نادينا بضرورة تحقيقها وتلبيتها، كتعميم الأنترنت على الجميع “internet access to everyone” وجعلها أداة أساسية ورئيسية في تقدم الدولة ورقيها، وها نحن اليوم نقع في فوهة بركان أخطاءنا، فالتعليم عن بعد أو الدراسة عن بعد تعتمد على التقنية لتقديم المحتوى التعليمي للمتعلم بطريقة جيدة وفعالة. كما أن هناك خصائص ومزايا لهذا النوع من التعليم والذي تجاوزتنا فيه العديد من الدول في حين بقينا نحن نتفرج؛ وتبرز أهم المزايا والفوائد في اختصار الوقت والجهد والتكلفة، إضافة إلى إمكانية الحاسب في تحسين المستوى العام للتحصيل الدراسي، ومساعدة المعلم والطالب في توفير بيئة تعليمية جذابة، لا تعتمد على المكان أو الزمان.

إن التعليم عن بعد في بلادنا، يحتاج إلى منصات إلكترونية معدة مسبقا وسبق التعامل بها مع التلاميذ والطلبة، فرغم ما قامت به الدولة في هذه الفترة الحساسة التي يعيشها العالم تحتسب لها، لكن لو أننا استطعنا تعميم هذا المشروع والعمل به سابقا ما كنا وضعنا أنفسنا تحت وابل هذه المشاكل التقنية.

لقد أدرك الساسة اليوم وفي ظل وباء كوفيد-19، أن التهاون في توفير وسائل الوقاية من الأمراض بدلا من إنفاق مليارات الدولارات على التفاهة، فمن مصائب الدهر أن حكام الدول النامية يسعون لشراء المزيد من الطائرات النفاثة أو الغواصات أو الألغام أو زيادة التسليح وإعداد القوات المقاومة للشعب أو زيادة الإمكانات والتمويلات للمعتقلات، أو تحديث وسائل التعذيب في السجون. كل هذه الأمور انعكست اليوم وأصبح الشغل الشاغل لجميع الحكام هو تمويل العلماء والأطباء وتجاوز هذه المحنة عن طريق العلم وليس عن طريق التفاهة.

إن بلادنا اليوم بحاجة ماسة للوعي، وعي مجتمعي شامل، وليس لأفكار سلبية رجعية تافهة لن تدمر فقط صاحبها ولكنها ستعجل بقتل الآلاف معها، هذه العبث بالعقول، والانصراف إلى القشور، والانغماس في شكليات لا طائل من ورائها، والوقوف على أطلال قضايا لا تقدم ولا تؤخر، هي أسوأ الأعراض لمرض عربي عضال، يتفشى في جميع المستويات، وينعكس على جميع التصرفات والسياسات، فلا يخرج لنا غير أجيال من الحفاة العراة التي تعيش على الكفاف العقلي والإملاق الروحي، جهودهم تذهب هباء فلا يبقى منها شيء.

نحن اليوم في حرب مع وباء غير مفهوم ولقاحه يحتاج لعدة أشهر، نحن في سفينة واحدة قائدها هو أنتم أي الشعب، ولابد أن نرسو جميعا بها إلى بر الأمان، معا سنشعل بؤرة الأمل الباقية. كل شيء سيكون على ما يرام إن شاء الله، ورحم الله موتانا في هذه الأيام المباركة.

*باحث في العلوم السياسية

‫تعليقات الزوار

1
  • اسماعيل احديدو
    الأحد 29 مارس 2020 - 13:07

    شكرا أخونا يونس على هذا المقال الممتاز و هذه الافكار الوجيهة التي جادت بها قريحتكم رغم الضروف الخاصة التي تجتازونها. رحم الله الوالدة و أسكنها فسيح جناته و أتاكم الصبر و السلوان. امين يا رب.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة