العفو عن المعتقلين

 العفو عن المعتقلين
الأربعاء 1 أبريل 2020 - 17:02

عندما دعوت في المقال السابق إلى الإفراج عن المعتقلين، تلقيت ردود فعل مختلفة، بعضها ينتقد السياق الزمني للمقال، والبعض الآخر ذهب بعيدا وصار يناقش مفهوم الاعتقال السياسي من الأساس، يسألني باستنكار: هل يوجد معتقلون سياسيون بالمغرب؟

بينما آخرون فقد كانوا متحمسين لدعوة الإفراج بشكل مطلق.

أدرك جيدا أن موضوع الاعتقال السياسي لا يزال يطرح توجسات من طرف البعض- على الأقل لغويا- بل يوحي لديهم إلى إشكالات عدة، رغم أن الفقه الحقوقي حسم الموضوع حين وصف المعتقلين السياسيين أو الجريمة السياسية بأنها كل فعل وراءه بواعث سياسية.

وليس بالضرورة أن يكون ذلك الفعل معارضا لرأس النظام السياسي، إذ يمكنه أن يكون ضد الحكومة، أو ضد قرار صدر من جهاز سياسي أو يملك السلطة السياسية أو تدبير لقضية من طرف مؤسسة سياسية بقرار سياسي، غير أن ما يخل بهذا الموضوع هو عندما يرتبط بانزلاق ما، قد يحول الفعل إلى جريمة.

وبخلاف ذلك فإن معتقلي الرأي لا يعتبرهم الفقه مجرمين، بل يعدهم ضحايا لحرية التعبير.

لذلك نجد أن المنظمات الدولية تطالب باحترام شروط المحاكمة العادلة للمعتقلين السياسيين، أما بالنسبة لمعتقلي الرأي فهي تطالب بالإفراج الفوري.

وحتى نكون واضحين جدا، دعونا نقول إن معتقلي الريف وجرادة، أو أولئك الذين يكتبون، أو آخرون، فقضيتهم غير مرتبطة بموقف من رأس النظام.

لأن هذا الموضوع تجاوزناه وطنيا بإجماعنا حول الثوابت، بل إن هؤلاء المعتقلين لهم خلاف واضح مع التدابير السياسية للحكومة، أو مع بعض قرارات الجهاز التدبيري.

والمعتقلون أنفسهم باستمرار كانوا يصرحون بذلك ويعلنون عنه.

أما القضاء، فكثيرا ما لا يدخل في هذه التفاصيل، ويعتبر أن وجود نص قانوني يجرم فعل معين يرى معه ضرورة تحرك العدالة بالرغم من أن هذا الفعل قد يكون مجرد انزلاق في ظروف ما.

ويقع هذا خاصة إذا كانت تلك التصرفات تمس بالسلامة الجسدية للآخر، أفرادا أو جماعات، مدنيين أو رجال أمن يستوجب تدخل القضاء لتحقيق المتابعة.

بمعنى أن القضاء يتدخل متى توفرت الشبهة، أو كما قال أحد الفقهاء “عندما يسيل الدم في الشارع، فلا بد أن يدخل أحدهم السجن دون الدخول في مناقشات حول حدود المسؤولية لهذا الشخص أو ذاك”.

وبعيدا عن الفقه والقانون، ولأننا نتحدث عن أشخاص في وضعية اعتقال، فهم جزء لا يتجزأ من قضية عامة تطرح نفسها بقوة في ظل الوباء المنتشر.

وهذا ما يجعلنا نؤكد على أن الموضوع له علاقة بتدبير سجوننا، الأمر الذي يفرض علينا الانتباه إلى قضية السجون بشكل أكبر مع هذه الظرفية الوبائية الصعبة، خاصة مع الاكتظاظ الرهيب الذي باتت تعيشه سجوننا، بعدما بلغ عدد السجناء اليوم 85 ألف سجين، أي ضعف الطاقة الاستيعابية والمحددة في 35 ألف سجين كأقصى حد.

وهو ما يجعل الخطر مضاعفا في حالة -لا قدر الله- تسرب الوباء اللعين إلى داخل السجون الذي هو فضاء مغلق، فتكون حياتهم حينها مهددة، عكس يومنا هذا الذي لا تزال الوضعية متحكما فيها بمجهودات جبارة واستثنائية يقوم بها كافة أطر المندوبية العامة للسجون، الذين يشتغلون أصلا في ظروف جد صعبة بسبب قلة الإمكانيات المادية والبشرية، والتي زادتها تحديات كورونا صعوبة ومرارة.

إن اكتساح هذا الوباء اللعين لسائر بلدان الكون، جعل المنتظم الدولي لحقوق الإنسان يغير من مواقفه اتجاه المعتقلين بكل أصنافهم.

فمثلا السيدة باشليه المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، انتقلت من مطالب المحاكمات العادلة للمعتقلين إلى ضرورة الإفراج عن معتقلي الحق العام الذين لا يشكلون خطرا على الأمن والسلم الاجتماعيين تفاديا لجائحة “كورونا”.

ومن هؤلاء المعتقلين الذين لا يشكلون خطرا نذكر كالمعتقلين المسنين، أو ذوي الأمراض المزمنة، أو النساء الحوامل أو اللواتي لهن أطفال داخل أو خارج السجن، أو السجناء الذين قضوا ثلثي العقوبة، أو بعض مرتكبي الجرائم الصغيرة الذين ليست لهم سوابق.

كما يمكن أن نذكر كذلك المعتقلين الاحتياطيين الذين يمكن تطبيق الشروط الاحترازية في مواجهتهم كالضمانات المالية والشخصية أو التدابير القضائية، أو الدعوة إلى تفعيل الإفراج المقيد.

وهذه كلها إجراءات وأخرى غيرها يسمح بها القانون في حق هؤلاء؛ فما بالك فيما يهم المعتقلين الذين التمست الإفراج عنهم سابقا.

إن استغلال هذه الآليات القانونية، سيخفف لا محالة من الضغط الذي تعيشه السجون في البلد،

وقد ننقذ من خلال هذه الإجراءات أرواحا ونتفادى تحول السجن إلى مجزرة صحية -لا قدر الله- في حالة انسلال هذا الوباء اللعين إلى داخل السجون.

ولعل ظروف الإجماع الوطني حاليا، وذلك الانسجام المجتمعي والمؤسساتي القوي الذي نعيشه اليوم ونحن نواجه “كورونا”، بات يشكل مناسبة مواتية لمزيد من الحميمية التي قد تنتج عن الانفراج.

إنه انفراج في الأوضاع بعفو عام بقرار من جلالة الملك، فسلطته وموقعه الدستوريان يمنحانه السلطة المطلقة في ذلك، من خلال تقييمه لمفهوم مصلحة المواطن، والمصلحة العامة، ومصلحة الزمن السياسي، وهو مجال يملك فيه جلالة الملك كل السيادة.

لذلك، فاللجوء إلى مقامه السامي طلبا للعفو بقدر ما هو تشريف هو أيضا حق لكل مواطن مغربي كيفما كان موقعه.

فأبواب جلالته مفتوحة وقدرته على الإنصات والتفاعل تميزانه كرئيس للدولة لتحقيق هذا الانفراج.

لذلك كله لن أتردد مرة أخرى في التماس عطف جلالة الملك بالعفو على كل ما يمكن أن تتوفر فيه الشروط، وفقا لما يراه جلالة الملك مصلحة، وحيثما تكون المصلحة فثم شرع الله الذي يحرص عليه أمير المؤمنين.

‫تعليقات الزوار

7
  • غ دايز
    الأربعاء 1 أبريل 2020 - 18:05

    عوض ان تلتمس من جلالته العفو .. التمس منهم ان يطلبو العفو .. العفو يطلب من الفرد الذي يريد العفو وليس بالانابة. لا تراوغ معنا .. اطلب منهم اقصد المعتقلين ان يطلبو العفو حتى نتفادي مصلحة اخرى وتضيع اموال الشعب في تعويضهم .. لست ضد العفو ان طلبوه هوم انفسهم رغم اني متفق عل اعتقالهم وان كان لزاما العفو فيطيحو نيفهم ويطلبو العفو …عل الاقل اما ان يخرجو منتصرين فلا.

  • KITAB
    الأربعاء 1 أبريل 2020 - 18:44

    العالم أجمع منشغل بسبل الوقاية من الضيف الرهيب الذي حل بيننا والعمل على الحد من أخطاره، أما قرع أجراس الانتخابات السياسية من الآن وفي هذه الظرفية الحرجة يعد بطريقة أو بأخرى تغريدا خارج السرب، ولو أن الخطاب مبطن بالنسخة الإنسانية " كبار السن..المرضى" ، ما أحوج أحزابنا إلى الانضمام لمساعي الخير والتكافل الاجتماعي والمساهمة المالية في صندوق مكافحة كورونا…

  • حسن السكوتي
    الأربعاء 1 أبريل 2020 - 19:04

    سكان السجون اكثر من تسعين الف
    والاكتظاظ مهول والظروف جد صعبة والاطقم الطبية لن تقدر على شيئ امام الجائحة ،فاتمنى ان تكون هناك مبادرة شجاعة لتحرير كبار السن والمرضى ومن هم محكومون بمدد خفيفة ومن هم معتقلون احتياطيا قبل ان يفوت الاوان
    والحمد لله المغرب كان سباقا في اتخاذ عدة اجراات ضد انتشار الوباء ونظامنا السياسي افظل من نظام ايران فلما لا نعجل بالمبادرة رحمة بهولاء النزلاء

  • mimoun
    الأربعاء 1 أبريل 2020 - 19:33

    ليس هناك معتقلون سياسيون
    هناك ضحايا تجاذبات سياسية
    اشتد الضغط على الحكومة وشركائها وكان الحل سهل لانهم لم تكن في جعبتهم حلول حضارية كانت الديماغوجية سيدة الموقف
    كل نضام يتصرف حسب ثقافته ويستعمل الاليات التي يروها فعالة
    انضر الى بعض الشعوب قالت لشعوبها ادخلوا منازلكم بدون جيش ولا مقدم وووو الكل يتبع التعليمات

  • كلام جيد
    الأربعاء 1 أبريل 2020 - 20:03

    الموضوع كله في هده السطور
    ومن هؤلاء المعتقلين الذين لا يشكلون خطرا نذكر كالمعتقلين المسنين، أو ذوي الأمراض المزمنة، أو النساء الحوامل أو اللواتي لهن أطفال داخل أو خارج السجن، أو السجناء الذين قضوا ثلثي العقوبة، أو بعض مرتكبي الجرائم الصغيرة الذين ليست لهم سوابق.

  • moha
    الخميس 2 أبريل 2020 - 12:49

    حزب الاصالة و المعاصرة معروف بركوبه على مشاكل المغرب و المغاربة حزب البؤس و البؤساء

  • MOHA RAISS
    الخميس 2 أبريل 2020 - 14:37

    كلام منطقي . عكس ما اتخدته الحكومة السابقة في حق المعتقلين وخصوصا وزيرها الاول السابق الذي يجهل اين توجد الحسيمة اصلا فكيف لهم ان يدافعوا عن حقوق المعتقلين .
    كما ان الوقت كما قال صاحب المقال مناسب للافراج عن المعتقلين السياسيين والصحافيين لان مشكلتهم مع الحكومة الفاشلة في احداث مستشفى وجامعة وهذا هو ما نحتاجه اليوم في كل المغرب وليس برلمان سلبي ومواطن عياش من راء الحاسوب ينتقد كل محاولة اطلاق سراحهم .وطلب العفو من المعتقلين هو اعتراف صريح بانهم مذنبين ولهذا فمن الواجب الاعتراف بفشل الحكومة في مشاريعها ونجاح المعتقلين في ما طالبوا به وخصوصا بعد عزل الملك لوزراء ومسؤولين كانت لهم يد سوداء في مشاريع المغرب . نتمنى العفو الشامل علة الاصناف التي ذكرها كاتب المقال

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 24

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات