من منا لم يستفد من وباء كورونا؟!!

من منا لم يستفد من وباء كورونا؟!!
الجمعة 3 أبريل 2020 - 08:33

جاء وباء كورونا فجأة من غير إخبار أو إنذار مسبق، وقد حل في ظل الاستقرار والأمن الذي ينعم به بلدنا الحبيب المغرب. والكيس منا من انتهز فرصة وجوده في “الحجر الصحي” للتقييم الذاتي، وللتأمل في واقع الحال قبل فوات “اللحظات الاستثنائية”، والعودة إلى عاداتنا القديمة ـ إن أمد الله في أعمارنا ـ.

إن التقييم الذاتي في هذه الظرفية العصيبة التي يعيشها العالم حاصل لامحالة من قبل الجميع ـ وكل وشأنه ـ ، وإن بدا من خلال ما يدون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلال ما ينشر في صفحات بعض الجرائد الإلكترونية التي تؤمن بالرأي والرأي الآخر أن هناك فئة قليلة من الناس مازالت مستمرة في نهجها الذي يدل على عدم الاعتبار، رغم قساوة اللحظة التي يمر بها الجميع، ومن مظاهر ذلك تسفيه رأي كل من ينادي بالتوجه إلى الله تعالى بالدعاء لرفع هذا البلاء إلى جانب اتباع كل الاحتياطات والاحترازات الضرورية التي يوصي بها أهل الاختصاص.

إنني بهذه الكلمات لا أريد الدخول في حيز محاكمة النوايا ـ معاذ الله ـ، فذلك ليس من شأني، وإنما أريد التذكير بضرورة التوجه إلى أمر أساس عنوانه: هل وباء كورونا كله شر؟

قبل الجواب عن هذا السؤول، لا بد من إقرار حقيقة لا يجادل فيها اثنان، وهي: أن كل الأوبئة ـ بما فيها وباء كوروناـ فيها من الشرور والأضرار ما يستوجب الاستعاذة بالله منها؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: ” تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء” (رواه البخاري”، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: “اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك” (رواه مسلم). والأدعية التي ينبغي أن يحصن بها المسلم نفسه كثيرة، ليس هنا مجال عرضها، وهي كلها تدل على أن البلاء فيه من الشرور والأضرار ما لا يستطيعها الإنسان إذا حلت به لا قدر الله. ولقد صار هذا الأمر من البدهيات التي لا يماري فيها أحد أبدا. لكن في المقابل، ونشدانا للتوازن، فمما ينبغي أن يعيه كل واحد منا هو أن البلاء أثناء حدوثه، بقدر ما فيه من أضرار تستوجب البحث لها عن لقاحات طبية، وتوثيق الصلة بالله أكثر ، فهو لا يخلو من منافع وفوائد على حياة الإنسان المؤمن، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له” (رواه مسلم).

نني هاهنا لن أدخل في التفصيل الممل، وإنما سأبين تلك الفوائد بإجمال وفق تقسيم الناس إلى الفئات التالية:

فئة الأصحاء غير المبتلين بوباء كورونا:

إن هذه الفئة التي نجاها الله تعالى من هذا الوباء لا تعدم استفادة؛ وهي الآن في ّالحجر الصحي” داخل المنزل رغم ما تشعر به من الملل والسآمة، إلا أنها أتيحت لها فرصة للتأمل في أحوالها وإعادة النظر في بعض تصوراتها الخاطئة؛ سواء في علاقتها مع خالقها، أو مع الخلق، أو مع الذات، بناء على مفاهيم صحيحة غير متوهمة. ومن ثم سيظفر كل إنسان سليم بثمرات ومنافع إن أمد الله في عمره وعاش ما بعد فترة الوباء.

فئة الذين شفوا ـ ولله الحمد ـ من أثر الوباء:

إن هؤلاء الذين ابتلوا بالوباء، وشفاهم الله تعالى من المرض أطال الله في أعمارهم، وأحياهم من جديد، وهم الآن ممن طهرهم ربهم، وغفر خطاياهم وذنوبهم، مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام: “ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه” (متفق عليه). ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضا: “ما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطايا” (رواه ابن ماجة). فهنيئا لكل من كان مريضا وشفي، وليحمد الله تعالى الذي ابتلاه وشفاه، وليشكره شكرا يليق بجلاله، وعلامة ذلك التوبة النصوح، والعزم على الشروع في حياة جديدة بعد النجاة من موت محقق. ولا شك أنه إذا اجتهد في فعل ذلك، فسيعيش ما بقي من عمره ـ بإذن الله ـ حياة سعيدة.

فئة المرضى الذين هم في مرحلة العلاج ـ شفاهم الله تعالى ـ:

إن هذه الفئة التي ابتلاها الله تعالى، وهي الآن في فراش المرض ـ نسأله سبحانه أن يعجل بشفائهاـ بشرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهي على هذه الحالة صابرة محتسبة ـ بكثير من الثمار التي تجنيها. نذكر منها، من باب التسلية والتثبيت، ما يلي:

إن البلاء عنوان المحبة الإلهية، فعن أنس مرفوعا: “إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وأن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط” (رواه الترمذي وصححه الألباني).

إنه تكفير للسيئات، ففي مسند أحمد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” ما من أحد من الناس يصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه، فقال: اكتبوا لعبدي كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وثاقي” (أخرجه أحمد في مسنده وصححه الألباني).

الحصول على الأجر رغم عدم القيام بالطاعات بسبب البلاء، لقوله عليه الصلاة والسلام: ” إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيما صحيحا” (رواه البخاري). وفضلا عن هذا، وهو في مرضه ينتظر الفرج لا شك أنه بذلك يقوم بأفضل العبادات.

إن المريض المبتلى يدرك يقينا وبلا ريب معنى النعمة المغبونة، فالصحة من أهم النعم التي لا يقدرها الأصحاء حق قدرها، نظرا لتقصيرهم عن واجب شكرها. وتلك فائدة جليلة لا بد من أخذها بعين الاعتبار…مع اليقين أن أيام وباء كورونا ستنتهي ـ بإذن الله ـ:

ولرب نازلة يضيق بها الفتى ** ذرعا وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها** فرجت وكان يظنها لا تفرج

فئة الأموات ـ رحمهم الله ـ من جراء وباء كورونا:

إن أكبر فائدة تخص هؤلاء رحمهم الله تعالى كونهم من شهداء الآخرة ـ إن شاء الله ـ بحسب ما ذهب إليه بعض الفقهاء المعاصرين، من أمثال الفقيه عبد الله بنطاهر حفظه الله تعالى في جوابه على السؤال: هل يعد من مات بكورونا شهيدا لا يغسل ولا يصلى عليه؟ . فقد ذكر بأنواع الشهداء مستشهدا بكثير من الأحاديث النبوية والنقول الفقهية ليخلص في الأخير إلى القول: ” وعليه فإن من مات بكورونا هو من النوع الثاني شهداء الآخرة له أجر الشهادة، ولكن في الدنيا يعامل مثل بقية الموتى يغسل ويكفن ويصلى عليه. والله أعلم وهو سبحانه الموفق للصواب” (مقتطف من فتوى مكتوبة ومتداولة كتبت يوم السبت 3شعبان 1441 هـ ـ 28 /3/ 2020 ). ونحن أيضا ـ والله أعلم ـ نحسب الذين ماتوا بسبب كورونا من الشهداء، وإن كانوا أقل درجة من الذين قاتلوا في سبيل الله وقتلوا، وسينالون ـ إن شاء الله ـ ثواب الآخرة “فريحين بما آتاهم الله من فضله” . إنها فائدة عظيمة، بل إنها أم الفوائد. نسأله سبحانه أن لا يحرمهم أجرها، وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان، وأن يشفي المرضى ويبارك في الأصحاء. إنه على كل شيء قدير.

‫تعليقات الزوار

7
  • أخلاقيات ما بعد الوباء ..
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 09:01

    جعل الأستاذ فترة الحجر كلها توجه لله بالدعاء والصلاة جعلها حياة أقرب ما تكون للدروشة وتحويل المنازل لدور عبادة وهذا خطأ فظيع من وجهة نظري وهدر لفرصة عظيمة وهبتها الحياة للزوجين من أجل تجديد عهود الحب التي تاهت لسنوات في معترك الحياة وفرصة للعزاب لمراجعة الماضي واستخلاص الدروس وفرصة لتعلم حرفة تنفع بعد زوال الوباء وفرصة لتعلم اللغات أو الطبخ فرصة لكتابة الشعر أو تعلم الرقص وفرصة لرفع سماعة الهاتف والسؤال عن الأحباب فرصة لتكون بعد كورونا أفضل مما كنت عليه قبلها أكثر انسانية ودينامكية وكرما وحبا لأخيك الإنسان .

  • مغربي
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 09:34

    لم نستفد شيئا من الوباء
    الاقتصاد تضرر بشكل كبير
    و كثير من الأسر أعمالهم متوقفة و ربما لن يكون لديهم مصدر لتمويل مشترياتهم من المواد الغذائية
    ف باراكا من الخوا الخاوي
    لأن الجوعى لن يأكلوا الحسنات و السيئات
    و المصابون بالوباء لن تعالجهم التمائم و "الرقية الشرعية"
    بل مستشفيات و أطقم طبية و تجهيزات تجلبها الطائرات المغربية حاليا من الصين و كوريا

  • مهاتما غاندي
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 17:27

    الله يا ودي الكل نعم الكل استفاد من الجائحة الخبيثة.. إلا المرضى و الأموات و من أصبح بلا شغل و لا قوت و الأسر التي إسود الأفق في وجهها!..ضرب لك شي جوان ربما يتحلو عينيك أ سي عمر و تحس بالمحنة الفعلية للضحايا و خلى الثواب و العقاب ليوم الحساب.

  • معوق مغربي
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 17:57

    المعوقون و المكفوفون في المغرب لم يرحمهم احد في المغرب خاصة ان منهم من له امراض مزمنة _ منذ عقود و انا اتعذب بتلذذ وزيرات التضامن بمعاناتنا – ياسمينة بادو الستقلالية و نزهة الصقلي التقدماشتراكية و بسيمة الحقاوي العدالوية و جميلة المصلي التنموية.

    ناهيك عن الاحزاب المنافقة و الجمعيات النذلة والمناضلين اللؤماء لا احد قال بان هؤلاء المعوقين و المكفوفين لا ياخذون سنتيما واحدا من هذا المغرب.
    خذلنا من جميع المغاربة. ولكن رغم المرارة التي احس بها تجاه المغرب اقول الله يجيب اللي فيها الخير.

  • مهموم
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 23:07

    اللهم رد جميع المسلمين الى دينهم ردا جمبلا
    اللهم ردنا اليك ردا جميلا
    اللهم حسن خلقنا وخلق اولاد المسلمين اجمعين
    اللهم احسن تربيتنا وتربية اولاد المسلمين جميعا

  • فريد
    السبت 4 أبريل 2020 - 08:31

    رغم دخول العالم إلى الألفية الثالثة إلا أن مثقفينا لازالوا ينظرون إلى الأمور بعقلية العصور الوسطى ،وأن كل شيء متوقف ،جامد لايتغير ،كل شيء قضاء وقدر يجب الإستسلام إليه. دول تتعامل مع الطواريء بعقلية البحث عن الحلول ،أما كاتبنا المحترم فينصح بالإستسلام وإنتظار المصير بدون مقاومة لأن كل شيء "مكتوب" .أتمنى أن يستفيق المغاربة ويدركوا أنه حان الوقت لنساهم نحن كذلك في رخاء الإنسانية ،وألا نعول على الرقية الشرعية وأخواتها في مواجهة الصعوبات.

  • قديم
    الجمعة 10 أبريل 2020 - 16:28

    كلام كثير ومضمون قليل …
    هذا النوع من التفكير والنقط في الخطاب ولى عليه الدهر، وتحياتي للجميع

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين