المغرب الذي نريد ما بعد جائحة كورونا

المغرب الذي نريد ما بعد جائحة كورونا
الجمعة 3 أبريل 2020 - 16:04

يُجمع الخبراء الاستراتيجيون على كون جائحة كورونا ستكون بمثابة “قطيعة إبستيمولجية” في تاريخ الشعوب والعلاقات الدولية، حيث سينبثق عالم آخر مغاير للذي اجتاحه الوباء وشل قدراته العسكرية والاقتصادية التي استنزفت الطبيعة واستعبدت الإنسان. ويتطلع الشعب المغربي، في ظل التحولات التي تفرضها هذه الجائحة، إلى انبثاق مغرب جديد تكاد هذه الأزمة تحدد ملامحه الأساسية في قطيعة مع الذي كان.

لأجل هذا ينشد المواطنون بناء المغرب الجديد على الدعائم التي بلورتها أزمة الوباء ويأتي على رأسها:

1/ المصالحة بين الدولة والمواطنين

تشكل المعركة ضد جائحة كورونا محطة تاريخية تتميز بالمصالحة الحقيقة بين الدولة بكل أجهزتها وبين كل فئات الشعب وتنظيماته السياسية وهيئاته المدنية. مصالحة لم تنبثق عن النقاش العمومي أو المناظرات الوطنية ولا كان مخططا لها، بل أفرزها الشعور العام لدى الدولة والمواطنين بأنهم جميعا يركبون سفينة واحدة ويواجهون مصيرا واحدا؛ وهو الشعور الذي عبر عنه وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، أمام لجنة الداخلية بالبرلمان كالتالي “لم يسبق أن كنا في حاجة إلى بعضنا البعض أكثر من اليوم.. نحن في مركب واحد، إما أن ننجو جميعا أو نغرق جميعا، ولكن بفضل جهود الجميع سننجو”. لأول مرة يصرح مسؤول في الدولة أن الحاكمين والمحكومين، المسؤولين والمواطنين هم في حاجة إلى بعضهم البعض ويواجهون مصيرا واحد وليس لهم إلا التعاون والتضامن. بهذه الروح الوطنية تجاوب المواطنون بتلقائية مع أجهزة الدولة والإجراءات التي اتخذتها لمواجهة الجائحة، ووضعوا ثقتهم فيها. هذه الثقة وهذا التلاحم عبر عنه المواطنون والمسؤولون في مواقف وصل فيها منسوب الوطنية مداه بنثر الورود وعزف النشيد الوطني وذرف الدموع (فيديوهات مؤثرة لأطباء ومسؤولين أمنيين يستعطفون المواطنين بدموعهم للبقاء في المنازل خوفا على حياتهم). لقد أدرك المواطنون أن الدولة فعلا تجند كل إمكاناتها لمصلحتهم ولم تعد تلك الآلة المتعمدة على القمع وممارسة العنف. إنها لحظة تاريخية جعلت كل فئات الشعب تتطلع إلى تتويج هذه المصالحة بعفو ملكي شامل على معتقلي الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها عدة مدن مغربية ضد التهميش والافتقار إلى الخدمات الاجتماعية. إن مطالب المحتجين تلك كانت تنصب على جعل الدولة ومؤسساتها ومواردها في خدمة المواطنين، وها قد أظهرت جائحة كورونا الخصاص المهول في البنيات والتجهيزات والأطر الطبية. ففي غمرة الحرب على الوباء يشعر الشعب المغربي بالحاجة إلى لحظة فرح كبرى ترفع معنوياته وتقوي لحمته في هذه الظرفية الدقيقة التي يمر منها. ولا قرار من شأنه أن يترجم لحظة المصالحة ويسمو بها سوى قرار العفو عن معتقلي الاحتجاجات الاجتماعية.

2 / جعل الإنسان محور السياسات العمومية

إن من أسباب فقدان ثقة المواطنين في الدولة وأجهزتها تهميش العنصر البشري في السياسات العمومية. وهذه الوضعية هي التي وسمتها هجرة الأدمغة التي كلفت خزينة الدولة الكثير وحرمت الوطن من الاستفادة من طاقاتها الإبداعية، كما دفعت آلاف الشباب إلى ركوب زوارق الموت نحو الضفة الشمالية بحثا عن فرص للعيش الكريم. فالمغرب الذي يريده الشعب المغربي بعد تجاوز أزمة الجائحة هو الذي تكون فيه الدولة حازمة في إعادة ترتيب الأوليات بأن تضع خدمة الإنسان على رأسها. وأولى المداخل تأميم قطاعي الصحة والتعليم وتجويد خدماتهما لعموم المواطنين بعد أن أبث القطاع الخاص في المجالين، وفي عز أزمة الجائحة، لاوطنيته. وهذه فرصة مهمة للجنة النموذج التنموي أن تأخذ في الاعتبار مطالب الشعب التي بلورتها ظروف مواجهة وباء كورونا والأولويات التي فرضت إعادة ترتيبها خصوصا بعد أثبت أن الاستثمار في غير الإنسان سرعان ما انهار وأثبت عجزه بسبب تفشي الوباء، الذي لم تنفع معه البوارج الحربية ولا الأسلحة النووية لكن واجهته الأطقم الطبية بما تملك من خبرات ووسائل. والمغرب، كبقية دول العالم، مطالب بأن يجعل القطاع الصحي جزءا لا يتجزأ من أمنه القومي.

3 / بناء دولة القانون والمساواة في المواطنة

إن الحزم الذي تتعامل به الدولة مع من يخرق الحظر الصحي والسرعة التي اتخذت بها القرار لتطويق انتشار الوباء حماية لأرواح المواطنين ولو على حساب الاقتصاد، ترك ارتياحا واسعا في نفوس المواطنين. فحضور الدولة بهذا الحزم في تطبيق القانون أعاد الطمأنينة إلى الشعب بأن الدولة لم تفقد هيبتها ولم تترهّل سلطتها خصوصا بعد تغوّل المفسدين وناهبي المال العام والثروات الوطنية دون أن تطالهم يد العدالة كما طالت سارقي الدجاج والأحذية من المساجد، رغم تنصيص الدستور على ربط المسؤولية بالمحاسبة. إن جائحة كورونا فرضت على الدولة أن تسترجع هيبتها وحزمها عبر أوجه شتى بدءا بإفراغ الأسواق العشوائية وتحرير الأرصفة والملك العمومي من الباعة المتجولين الذين احتلوهما لسنوات، إلى فرض الحظر الصحي على الجميع. فالدولة لا تكون قوية إلا بتطبيق القانون وحماية الحقوق مثلما هي حريصة اليوم على حماية حق المواطنين في الحياة ضد وباء كورونا.

‫تعليقات الزوار

12
  • nadori
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 17:36

    انا أوافق الأستاذ سعيد بتفاؤله نحو مستقبل المغرب بعد كرونا بحيث اليوم تضامن الحاكم والمحكوم في الوطن بأسلوب رائع ملؤه الاحترام والتعاون المثمر,ولكن استاذي سعيد المحترم ما هو مصير فقراء المغرب في الأسواق العشوائية والبيع التجوالي ؟هل كرونا سبب للقضاء على هذه الفئة الشعبية التي لا بديل لها ؟واعتقد ان عمر بن الخطاب منع تطبيق قطع الايدي في الازمة الاقتصادية التي مرت في عهده,وبالتالي فهل من حكومتنا ان تعود حليمة الى عادتها القديمة وتقوم بما تقوم به كعادتها الا وهي "عين شافت وعين ما شافتش"والا فالبديل أولا قبل قطع الارزاق.واتمنى كل الخير لجميع المغاربة وان شاء الله مغربنا بعد الكرونا يخرج بإرادة قوية لصنع مستقبل جميل لجميع فئات مجتمعنا ان شاء الله

  • معوق مغربي
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 18:00

    المعوقون و المكفوفون في المغرب لم يرحمهم احد في المغرب خاصة ان منهم من له امراض مزمنة__ منذ عقود و انا اتعذب بتلذذ وزيرات التضامن بمعاناتنا – ياسمينة بادو الستقلالية و نزهة الصقلي التقدماشتراكية __ و بسيمة الحقاوي العدالوية و جميلة المصلي التنموية.

    ناهيك عن الاحزاب المنافقة _ والجمعيات النذلة و المناضلين اللؤماء لا احد قال بان هؤلاء المعوقين و المكفوفين " لا ياخذون سنتيما واحدا " من هذا المغرب.
    خذلنا من جميع المغاربة. ولكن رغم المرارة التي احس بها تجاه المغرب اقول الله يجيب اللي فيها الخير.

  • م. قماش
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 19:57

    حلمنا أستاذ سعيد أن نعيش حياتنا حاضرا ومستقبلا في بلد آمن قوي بأدمغة وسواعد أهله تجمعنا على أرضه علاقات المحبة والرحمة والتآزر والإحساس بأن الوطن وطن الجميع ثرواتة خيراته للجميع نتقاسمها حسب الجهد والإجتهاد نطور إدارتنا نصلح تعليمنا نحسن أحوالنا الصحية نغير كل مناحي العيش إلى الأفضل معولين على وسائل إنتاج فعالة ترفع معدلات النمو باضطراد تبعدنا عن التبعية للخارج تنقلنا عبر طفرات محسوبة إلى مصاف الرقي. مثل هذه المحن دروس نستخلصها للوثب والتحليق نحو الآفاق الرحبة المليئة بالآمال والدفئ الإنساني نتقاسم الحلو ونبعد المرارة عنا؛ كم هي الحياة جميلة تستحق منا أن نعيشها لا تهددنا الجائحات ولا الكوارث الطبيعية ولا الحروب بفضل عبقريتنا وإختراعاتنا ليس بالخرافة والدجل.

  • mimoun
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 21:26

    يستحيل ان تكون النضرية مطابقة للواقع ما بعد كرونا
    هناك نوعان من الانضمة في العالم
    نضام فعال يسيره المواطن حيث له اختيار وحرية الكلمة
    اما النضام الثاني فعال يسير المواطن كما شاء ليس له اختيار ولا حرية الكلمة
    هذان الصنفان كل منهما تئصلت وتجدرت في قوانينهم الدفاع عن مكاسبهم
    اذا لا تغيير سيحدث
    كلاهما لا يمكن البداية من 0 لكي لا يخسروا المكاسب

  • محمد صلاح الدين
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 22:08

    المغرب الذي نريد هو دولة اسلامية تطبق شريعة الرحمن
    وخال من بني علمان

  • الحسين وعزي
    الجمعة 3 أبريل 2020 - 22:58

    أنت محق في مقالك الأستاذ سعيد عندما تقول: (( المغرب الذي يريده الشعب المغربي بعد تجاوز أزمة الجائحة هو الذي تكون فيه الدولة حازمة في إعادة ترتيب الأوليات بأن تضع خدمة الإنسان على رأسها)). ولن يتأتى ذلك إلا بإشاعة فكرة المواطنة بين المغاربة، وضرب التمييز بينهم، بقطع دابر العرقية العفنة، وما ينتج عنها من فكر يؤمن بالوصفات السحرية لحل مشاكل المغرب العويصة..

  • jamais
    السبت 4 أبريل 2020 - 08:21

    Aucun signe venant du pouvoir ne montre une ouverture démocratique dans l'avenir. Pour l'instant, on est unis parce qu'on n'a pas le choix et demain, quand on aura plus besoin de nous?

  • المحاسبة والشفافية
    السبت 4 أبريل 2020 - 15:41

    أولى هذه القرارات بعد القضاء على هذا الوباء هي أن يتعرف المغاربة على الثروات الحقيقية التي يملكون من فوسفاط وثروة سمكية هائلة ومعاجم وأشياء أخرى وأن يعرف المغاربة أين تذهب هذه الثروات ومن يستفيد منها تم تأتي بعد ذلك المحاسبة والقطع مع سياسة الريع…

  • la terre
    السبت 4 أبريل 2020 - 17:34

    une seule et unique solution:la terre,
    les agricultures de toutes sortes,
    les reboisements sur les terres non cultivables,
    les élévages,ovins,bovins,volailles,abeilles,
    des instituts technico agricoles à la campagne,
    le tourisme,aider les jeunes pour travailler dans les campagnes,ainsi on évite l"exode qui étouffe les villes,
    l"agriculture a sauvé les marocains choyés dans tourtes les denrées alimentaires ,

  • تزنيت
    السبت 4 أبريل 2020 - 18:29

    فيروس كورونا يزلزل فكرة الإله صاحب القدرة والمشيئة فهو يضع الإله فى صورة الكيان الشرير الراغب فى أذية البشر , كما يضع الإنسان فى تحدى لهذه القدرة والمشيئة الإلهية بالرغم من إيمان المؤمنين بأنه لا مَرد ولا مُعاندة أمام تحقق الإرادة والمشيئة الإلهية" قل لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا " ينتاب الفكر الدينى المُفسر لظاهرة فيروس كورونا حالة من الإزدواجية والتناقض , فعندما يصيب غير المؤمنين فهو إنتقام وإذلال إلهى لهم ليتم اللعب على أوتار الكراهية والغل والشماتة فى الآخر مرسخاً لثقافة متعالية قميئة لا تمت للإنسانية بصلة .
    أما حال إصابة المؤمنين بذات الفيروس فهو إبتلاء وإختبار إلهى وأمور مزاجية إلهية لتشل الإنسان عن الإعتراض والمقاومة للخروج من أزمته , فإذا هو قاوم إبتلاء ومشيئة وقدر الإله فقد كفر , وإذا هو رضخ للمصيبة والإبتلاء فقد حياته , ومن هنا يتحدى المؤمنين الإله بكل مخططاته وأقداره , وهذا يثبت خلل فكرة الإله وتناقضها مع الحياة ونفاق الفكر الإيمانى .الله هو كل شيء من ادناه الة اعلاه دساتيرنا شريعة الله تجربتنا كتب الله عقولنا رسل الله.

  • sifao
    السبت 4 أبريل 2020 - 19:18

    إلى 10 – تزنيت

    تعليقك من البداية إلى النهاية كله ضرب في الدين، إذا كنت لادينيا فهذا شأنك، مارس لادينيتك بمفردك ولا أحد سيأتي ليخرجك من منزلك ليفرض عليك أن تصبح مؤمنا، ولكنك حين تقول هكذا: ((فيروس كورونا يزلزل فكرة الإله صاحب القدرة والمشيئة فهو يضع الإله فى صورة الكيان الشرير الراغب فى أذية البشر))، فأنت بكلامك هذا تعتدي على مشاعر الناس المؤمنين، وتريد إخراجهم من إيمانهم، لأن إيمانهم يغيضك.

    في هولاندا طُلب من المؤذنين رفع صوت الآذان عاليا تضرعا لله العلي القدير من أجل رفع جائحة كرونا عن عباده، وطلب ترامب التضرع إلى الله لنفس الغرض، وأنت وحدك تغرد خارج السرب مهاجما الدين بسبب حقدك المرضي عى العربية والإسلام يا رفيق وعزي المسعور..

  • فلسطين بلادي
    السبت 4 أبريل 2020 - 19:50

    رغم أنني أتفق مع مجمل ما ورد في مقال الأستاذ سعيد لكحل حول استشرافه لمهمة الدولة المغربية بخصوص كيف ينبغي أن تكون عليه مؤسساتنا الوطنية بعد التغلب على جائحة كرونا، فإنني أعتقد أن اللحظة هي للتركيز على ضرورة التكاثف والتضامن من أجل القضاء وطنيا وإقليميا وعالميا على هذا الوباء الفتاك الذي يهددنا جميعا، وبعد ذلك لكل حادث حديث.

    يتعين مساندة الدولة في جهودها الجبارة التي تتبذلها حاليا، وينبغي تثمين تجاوب الأغلبية المطلقة من أبناء الشعب المغربي وتفاعله مع توجيهاتها، للتغلب على كرونا، وأي تشكيك مجاني في عمل الحكومة وتجاوب الناس معه، بسبب تدينهم ((كذا))، فإنه يدخل في باب ((تسفيه وتبخيس جهود السلطات العمومية لمكافحة وباء كورونا))، كما جاء في التهمة التي حُكِم بسببها على المتطرف أبو النعيم بسنة سجنا نافذا..

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين