كم لبثنا؟

كم لبثنا؟
الأحد 5 أبريل 2020 - 12:03

يعيش المغربُ، مثل باقي بلدان المعمور، على وقع تداعيات وباء “كورونا” المستجد بما حمله من خوف وهلع وقلق على مستقبل الإنسانية جمعاء.. هي بلدان فرّقت بينها أنظمة سياسية ومصالح اقتصادية وسيرورات تاريخية صنعتها دائما إرادة الأقوى، ليوحدها الآن همٌّ مشتركٌ هو التصدي للوباء كل بما أوتيت لذلك سبيلا.

وطبعا، لا تخفى علينا التفاوتات العلمية، الطبية واللوجستيكية، في هذا الصدد؛ الشيء الذي جعلنا جميعا نتساءل: هل نحن قادرون، فعلا، على مواجهة هذا الكائن الشيطاني المارق الذي لا نعرف حقيقة أصله ومنبته، هل هو كائن طبيعي أم منتوج مختبري؟ هل هو مظهر من مظاهر جنون الطبيعة أم هو مهاجر من مختبرات القوى العظمى التي خططت لتعزيز مراكزها، وذلك بنسف منافسيها ولو بإبادة الشعوب والمجتمعات؟.

تعددت السيناريوهات، واختلطت الأمور، وتداخلت الحقيقة واللاحقيقة، واليقين بالوهم؛ ولكن الشيء الذي لا يمكن لأحد إنكاره هو أننا نعيش رجة وشبه يقظة أو صحوة جعلتنا نطرح الكثير من الأسئلة التي تهم الذات والهوية والواقع والمجتمع… خاصة مع ظروف الحجر والاختلاء بالذات، التي أسست عند البعض مساحة للتأمل وللتفكير وفرصة لتفكيك التمثلات وإعادة بناء المفاهيم، ومناسبة للشك في المعتقدات التي ألفناها ولهدم الأفكار الجاهزة التي تعفينا من عناء التفكير ومن مرارة الاصطدام ببلادة مستحقة أصبحنا رموزا لها.

هي، إذن، لحظة الهدم والبناء، التفكيك والتركيب، المساءلة والاستدلال من أجل المعنى والحقيقة.

هنا، وعلى منوال أحد فتية أصحاب الكهف حين استيقظ من سباته ليسأل: كم لبثنا؟ أبادر للقول:

كم لبثنا؟

في سباتنا وفي مرقدنا، نسير عكس تيار العقل والمنطق والواجب والعلم.

كم لبثنا؟

نتآمر على وطننا، من خلال التآمر على أهم قطاعاته:

تآمرنا على المدرسة العمومية بخطط استعجالية مرتجلة وبإصلاحات عشوائية تواترت الواحدة تلو الأخرى، وكلها تتنافس على نسف المنظومة التعليمية من الداخل.. تواطأ معها بعض من رجال ونساء التعليم، باستغلالهم للساعات الإضافية التي أصبحت عند البعض شرطا للنقطة الجيدة، فأصبحوا يقتاتون على قوت الأسر البسيطة، رواد المدرسة العمومية؛ ما أدى للأسف إلى انهيار العلاقة الإنسانية الجميلة بين المعلم والمتعلم. وكل هذا كان لصالح التعليم الخاص الذي تغول وتوحش، وأمعن عند البعض في امتصاص دماء المواطن الذي أدرك أن استثماره الحقيقي هو في تعليم الأبناء؛ في حين نجد فنلندا تمنع تماما التعليم الخاص، ترسيخا لجودة التعليم وتحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ.

كم لبثنا؟

نتآمر على وطننا من خلال ضرب قطاع الصحة؛ فالمستشفيات تقف على عروشها خاوية، هي على الأصح بنايات قد تكون مناسبة لأي نشاط آخر إلا الاستشفاء؛ فلجأنا إلى الرقاة الشرعيين الذين باتوا يتاجرون في الدين والأعراض.

وكل هذا أيضا لصالح القطاع الصحي الخاص، الذي يديره أطباء مقاولون وسماسرة يتاجرون في صحة البشر وحياتهم مثلما يتاجرون في الأراضي والعقارات.. يساومون حتى على الموت وقد فرضوا قوانين السوق القائمة على الاستغلال، من خلال تقاضيهم “لونوار” على سبيل المثال؛ وهو المبلغ غير المصرح به للضرائب. وما زاد الطين بلة هو تسارع القطاعين سالفي الذكر لتقديم طلب الدعم من صندوق “كورونا”.

كم لبثنا؟

نخون وطننا من خلال دعمنا خلال الانتخابات للفاسدين وللمفسدين الذين يتاجرون بأحلامنا وبآمالنا ومستقبلنا، إما عن جهل منا أو بسبب الانتصار لانتماءات حزبية مقيتة.

كم لبثنا؟

نتآمر على وطننا من خلال التهافت على الإعلام الذي يتاجر بمصادر متعتنا ويسوق التفاهة، ليحوّلنا إلى كائنات بلهاء.

كم لبثنا؟

نتآمر على ديننا بالانصياع لدعاة جهلة ولمفتين متطرفين، مآلهم جهنم خالدين فيها إن شاء الله.

كم لبثنا؟

ونحن نعاند قوانين الزمن والطبيعة؛ فكل الشعوب زمنها ينساب متدفقا نحو المستقبل ضمن ديمومة لا تقبل منه التراجع، وزمننا مرتد نحو الماضي يبكيه، يتحسر عليه ولا يرغب في تجاوزه؛ وذلك وفاء أسطوريا منه للسلف الصالح، حتى ولو كان ذلك بمقاطعة العلم ورفض الاجتهاد.

كم لبثنا؟

نقدم الدليل القاطع على نسبية الزمان، ليس من منطلق الاختلاف في قياسه بين الأرض والفضاء كما أثبت ألبرت أينشتاين؛ وإنما بالاختلاف مع باقي الأمم الأخرى.. فلنا زمننا الخاص، وقياسه ينسجم مع ضآلة قدراتنا وبؤس إمكانياتنا.

كم هي خطايانا، إذن، فهل نغفرها لأنفسنا؟

يبدو أننا جميعا أحسسنا الخطيئة؛ لكن أغلبنا لا يعرف طبيعتها. لهذا، ظهرت أشكال تضامنية جميلة ومتعددة، وطفت على الواجهة قيم أخلاقية فضلى تعرج بنا مباشرة على مقولة الفيلسوف فريدريك نيتشه الشهيرة: “إن الوجود الإنساني من جهة الأخلاق يقوم، أساسا، على الخوف”؛ فالخوف من الوباء ومن الموت أيقظ هذه المبادرات النبيلة التي لا أحد يعرف إن كانت صدقة لدفع البلاء أم قربانا لدفع الشر. ولا أحد متأكد إن كان محركها حب الذات أم حب الغير، ولا أحد يدري إن كانت يقظة دائمة للشعور الجمعي أم اغفاءة مؤقتة لنوازع الأنانية والتهافت على ملذات الدنيا.

لا مجال للشك في حسن النوايا الآن، ولا أجرؤ على القطع بيقين استمرار الحال على ما هو عليه، ولا أملك إلا أن أسأل بصيغة أخرى: كم خسرنا؟.

‫تعليقات الزوار

8
  • الرياحي
    الأحد 5 أبريل 2020 - 13:21

    مقال رفيع وافكار نيرة وهل هذا يكفي ؟
    كم سنة يوجب لكي ناخد الاتجاه المعاكس ونتخلص من تجار الدين الخرافة المرابوتيكية بل كم عقد ان لم نقل قرن
    ستعود الأشياء لطبيعتها وحليمة لروتنها
    تحياتي استاذة

  • khalid
    الأحد 5 أبريل 2020 - 14:46

    الله يعطيك الصحة سيدتي . تساؤلات في الصميم و كأنك أزحت عن صدري حملا ثقيلا مفاده تلك الهواجس و حتى الأوهام من جراء إعادة النظر في مفاهيمنا و كدا نظرتنا للحياة. قد تكون مقولة الفيلسوف فريدريك نيتشه الشهيرة على حق: "إن الوجود الإنساني من جهة الأخلاق يقوم، أساسا، على الخوف. و التي يمكن أن ألخصها في مقولتنا الشعبية " كاموني" و بعد أن تنزاح هده الأزمة تندثر تلك الأخلاق و يبقى الحال على سابق عهده.
    كم لبثنا؟ و كم هي خطايانا و كم خسرنا؟ ثم هل بقي لنا ما سنخسره أو سنربحه إن شاء الله

  • حسسسسان
    الأحد 5 أبريل 2020 - 16:42

    عرض مركز وواضح لأمراض مجتمعنا يسائل كل واحد منا ويدفعه للتفكير في نصيبه من المساهمة في البناء أو الهدم. فليجرد كل واحد منا أعماله في هذا المجال:
    – ليطرح المواطن على نفسه السؤال التالي: هل أنا مرتشي؟ هل أنا فاسد؟ هل أساهم في عزة الوطن وبناء مستقبل الأجيال القادمة أم أخطف وأسرق وظلم وأفكر فقط في مصالحي الآنية ومستقبل أطفالي فقط؟
    برافو

  • حميد
    الأحد 5 أبريل 2020 - 16:55

    لو طبقنا الدين الاسلامي بحذافيره لبلغنا القمم وحكمنا الأمم ولن ابتعادا على تعاليم وقيم الدين الاسلامي جعلت كالغراب الأعرج الذي أراد أن يقلد مشي الحمامة فنسي كيف يمشي أصلا. غياب الديمقراطية الحقيقية في المغرب و سيادة الزبونية والغش والرشوة والريع وغياب سيادة الشعب كل هذا جعلنا نعيش في الحظيظ فلا تعليمنا يساير زمانه ولا صحتنا في المستوى…

  • من يزرع الريع بحصد ،،
    الأحد 5 أبريل 2020 - 19:07

    و بسآلونك عن النمودج التنموي ؟ وهم يأسسون الاحزاب و الجمعيات من اجل الريع اي للضرائب ، انظري خطة سن التقاعد تم التنفيط ،تم الغاء النعاقد ،الاسلام الرفيع ، بل القوانين و الدساتير يكتبونها لبعضهم البعض ،ويتركون الاخر على الهامش, اما الانتاح ،فالقطاع الخاص سيتكفل ،اي فطاع خاص ؟ استثمارات اجنبية ،و لو في توزيع الماء و الكهرباء ،و كدلك النظافة ، بل ربما ايضا تسيير دواليب البرلمان ،البرلماني صاحب مهمة ،ياخد نقاعد عشر موظفين و الموظف ياخد صدقة كل شهر يعشر عليها ، متلا و رغم الجيحة شركات الاتصالات تبطىء الويفي من اجا ال كنكسيون ،لمادا؟ لتستعيد باليد اليسرى ما فدمته باليمنى للجيحة ،و عندما تتحدنبن عن التعايم ومو من اركان الننمية تدكري ان اسسه اللغة الام وغبر دلك سياسات كولونيالبة ، مالها الفشل الدريع ،

  • oumagane mimoun
    الأحد 5 أبريل 2020 - 19:27

    مقال ولا اروع منه .متمنياتي بالشفاء العاجل لمرضانا ومزيدا من الحيطة و الحظر.

  • Ba hassoune
    الأحد 5 أبريل 2020 - 22:51

    خلاصة موضوعك الشيق. استاذتي الكريمة هنا في هذه الأحرف الذهبية…
    كم لبثنا؟
    نخون وطننا من خلال دعمنا خلال الانتخابات للفاسدين وللمفسدين الذين يتاجرون بأحلامنا وبآمالنا ومستقبلنا،

  • بن يوسف
    الإثنين 6 أبريل 2020 - 21:36

    يا حسرة على وضعنا الراهن أستاذة نأمل أن ينجلي بنا هذا الخوف الذي تختلط معه الأنانية إلى صفوة الأمان

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 2

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز