رد على نقد متهافت

رد على نقد متهافت
الأربعاء 15 أبريل 2020 - 21:22

النقد الشعبوي وأزمة تسربه إلى البحث الأكاديمي:

أنجز فؤاد بن أحمد بحثا بعنوان “في مراجعة علاقة ابن رشد بالمذهب الأشعري وبالدعوة الموحدية”، كان شارك به في الملتقى الثاني للفكر الإسلامي بالمغرب: “الفكر الأشعري بالأندلس: تاريخ وإشكالات”، الذي نظمه مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان، بتعاون مع جامعة عبد المالك السعدي، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمدينة نفسها، يوم الخميس 23 شعبان 1439 / 10 ماي 2018، والذي أشرف على تنظيمه أخونا الفاضل، الأستاذ المحترم، الباحث الأكاديمي المتميز، الدكتور جمال علال البختي، مدير المركز المذكور.

ثم نشرت أعمال الملتقى المنوه به بتنسيق الدكتور جمال في طبعة أولى سنة 1441 / 2020.

يوجد البحث المشار إليه في الصفحات (481 – 539) من أعمال الملتقى، واستله صاحبه من هذه الأعمال، ليجعله مفردا في ملف بصيغة “بي دي إيف”، وأطلقه في مواقع التواصل الاجتماعي.

خصص صاحب هذا البحث حيزا لتصويب سهام النقد اللاذع (ص. 493 – 501) لكتابنا “المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية”، في قسمه الذي تكلمنا فيه على مؤلفات ابن رشد الحفيد (ج. 1، ص. 183 – 287).

وقد اشتمل هذا النقد على مغالطات كثيرة، كمغالطة الشخصنة (التجريح)، ومغالطة تجاهل المطلوب، ومغالطة رجل القش، ومغالطة الالتباس، ومغالطة التعميم، ومغالطة التعليل الزائف، إلخ.

ليس من طبعنا أن ننشغل بمناقشة الردود، التي لا يراعي أصحابها أدبَ الاختلافِ، ولا ينضبطون بآداب المناظرة، فضلا عن وظائفها ومآلاتها، خاصة تلك التي لا تتغيى النقد العلمي، ويكون أصحابها مهووسين بالهدم لذات الهدم. ذلك، أن الباحث الكيس، يدرك أنه سيأتي زمان يندم فيه ندما شديدا، لأنه ترك ما هو منشغل ببنائه، ونهك خلف ردود لا طائل وراء الانشغال بها.

كما أننا نومن؛ في الآن نفسه؛ بأن البناء يكون بالنقد، وليس بالمدح، بدليل أننا استدركنا على نفسنا كثيرا، مع التصريح بهفواتنا السابقة، وبيان الصحيح البديل عنها، وقد أشرنا إلى ذلك في مقدمة كتابنا المشار إليه أعلاه، فمما صرحنا به في مقدمته، “أن هذا الكتاب، تدارك الثغرات الموجودة في فهرس الكتب المخطوطة في العقيدة الأشعرية”، ثم بينا وجوه هذه الثغرات في خمسة عناصر (ج. 1، ص. 20 – 21)، ولا جرم أن الناقد لنا مشكور، و رحم الله عبدا أهدى إلينا عيوبنا. لكن، إخال أن النقد مجردا عن آدابه وأخلاقه أمر لا يقبله عامة الناس، بله أن يتلبس به من ينتسب إلى العلم.

والجدير بالذكر، أن هذا المنتقدَ لنا يعد أول من نكلف نفسنا الرد على انتقاده، وإلا فكان حريا بنا أن نتجاهله، كما تجاهله غيرنا في ردوده الهدامة، التي لا تراعي مقاما، ولا تستحضر احتراما، ولا تعتبر أخلاقا، ولا تلتزم عفة، وتضرب عرض الحائط بكل أصول النقد العلمي. بيد أننا آثرنا الرد عليه، ووضع حد لوقاحته وقلة أدبه؛ على جهة الاستثناء؛ لأمور، أهمها: أنه منخرط في سلك هيئة التدريس، مما يلزم منه، أنه سيغدو مربيا لأجيال من الطلبة، فهل يليق بالمدرس أن يجعل من نفسه قدوة لهذه الأجيال في السباب، والشتم، والوقاخة، وقلة الأدب، والكلام الجارح المؤذي؟! راجيا من الله تعالى أن يوفقني لعدم الالتفات إلى هذا النوع من النقد تارة أخرى.

أول ما يلاحظ على هذا المنتقد: أنه شحن بحثه برصيد هائل من العبارات الجارحة والقادحة والمؤذية لشخصنا (مغالطة الشخصنة)، من قبيل: “المبررات التي ساقها […] لا تستقيم، ولا اللائحتان اللتان أتى بهما سليمتان، ونتصور أن الخلل يكمن أولا في طبيعة الكتاب نفسه” (ص. 495)، “يدعي” (ص. 495)، “ما اعتبره زهري أدلة […] فاسد تماما” (ص. 495)، “دليل ضعيف جدا” (ص. 495)، “فهو ساقط” (ص. 496)، “ليستعيد أخطاءه، فضلا عن أخطائه هو” (ص. 496)، “سنقف عند أخطاء زهري” (ص. 496)، “يستعيد خالد زهري خطأ آخر” (ص. 498)، “فإننا نقترح أن يحذف [= خالد زهري] القسم الخاص بابن رشد من الكتاب” (ص. 500)، إلخ. وهذه العبارة الأخيرة مغرقة في الوقاحة وقلة الأدب، لأنه نصب نفسه أستاذا علينا، وأعطى لنفسه الحق في أن يعاملنا معاملة طالب ينجز بحثا في الإجازة أو الماستر أو الدكتوراه تحت إشرافه، بحيث يخول له ذلك صلاحية إعطاء أوامر وتعليمات لتلميذه بالحذف أو الزيادة!

ناهيك عن الهمز واللمز والهُزء والسخرية، التي توحي بها الإشارات المستفادة من كل تراكيب عباراته.

وماذا يَضير هذا المنتقد لنا، لو تجرد عن وقاحته وقلة أدبه، واستعمل عبارات مرحب بها في النقد العلمي، من قبيل: “ذهب خالد زهري إلى رأي كذا”، “أنا لا أوافقه في ذلك”، “لا أوافقه الرأي”، “لا أرى لاستنتاجاته وجها، “ما قاله ليس صحيحا”، “ما ذهب إليه ليس سديدا”، “ما قرره فيه نظر”، “أرى أن كلامه ليس بالقوي”، أو غير ذلك من العبارات المقبولة، والمستعملة عند ذوي الرأي الحصيف، والمرحب بها في النقد العلمي، والتي لا تفسد للود قضية.

الملاحظة الثانية: التي تلوح من نقده لنا، تتمثل في وقوعه في مغالطات يحب أن يتنزه عنها الباحث الأكاديمي، ويتأكد الوجوبُ على هذا المنتقد أكثر من غيره، لأنه بدأ في الاشتغال ببعض كتب المنطق في الأندلس.

الملاحظة الثالثة: أن هذا المنتقد، جعل منا خصيما وهميا، مصوبا أسلحته تجاهنا (مغالطة رجل القش)، وهو يدرك أن القضية التي وضعها على بساط المصارعة (ولا أقول: المباحثة)، بعيدة جدا عن مقصدنا من تأليف كتابنا، وأننا لسنا معنيين بها أصلا، فنسب إلينا ما لم نقله، ولا قصدناه. فعندما يقول مثلا: “وطبعا لا يحتاح المرء للكثير من النباهة، ليدرك أن ما يتحدث عنه إرنست رينان، هو عينه ما يتحدث عنه محمد عمارة، وكلاهما يحيل على عمل مرقص ملر، ولا يرجع إلى مخطوط الإسكوريال 632” (ص. 499)، نابزا عبارتنا الآتية: “وأشار (حذف المنتقد لنا حرف الواو، ليبتر الكلام عن سياقه) المحقق في الهامش (أي: محمد عمارة) إلى أن إحدى النسخ، التي اعتمد عليها في التحقيق، وهي النسخة التي رمز إليها بالحرف “م”، ورد فيها العنوان هكذا: “ضميمة لمسألة العلم القديم (زورها الناقد لتصير هكذا: العلم الإلهي)، التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه” (ج. 1، ص. 186).

ولنتأمل فيما قلناه، لنلاحظ أننا استعملنا عبارة : “النسخة التي رمز إليها بالحرف م”، دون تقييدنا لها بأنها مخطوطة أو مطبوعة، كما أنني لم أذكر إطلاقا، لا في متن كتابنا، ولا في هوامشه، أنها ترمز إلى نسخة الإسكوريال.

وقبل بيان بعض ما اشتمل عليه نقده من تهافت، يكون لزاما علينا الإشارة إلى أمور:

أولها: أن ما جعلناه من مؤلفات ابن رشد الحفيد منخرطا في سلك التصنيف الكلامي الأشعري، لا يعبر عن موقف، بل إنه لا يزيد عن كونه رأيا لا نلزم به أحدا، فهو إمكان داخل إمكانات متعددة، وهو قابل للأخذ والرد، كما أننا لم نقرر أنه رأي أقوى من غيره، بدليل أننا استعملنا صيغة التمريض في التعبير عنه، من قبيل تعليقنا على “فصل المقال” بعبارتنا الآتية: “وهو يصنف ضمن مؤلفات ابن رشد الفلسفية، بيد أننا لا نرى مانعا من إدراجه ضمن كتب علم الكلام أيضا، وذلك للأسباب التالية …” (ج. 1، ص. 184).

ولنتأمل أيضا عبارة “لا نرى مانعا”، التي هي أقرب إلى التخمين، منها إلى الإثبات، ثم عرضنا بعض القرائن على ذلك، لم نسمها “أدلة” كما زعم المنتقد، بل عددناها “أسبابا”، وهذه الأسباب متعلقة بتخميننا، وليست متعلقة بإثبات أن “فصل المقال” مندرج تحت المصنفات الكلامية.

ثانيها: أننا لسنا الوحيدين من عد ابن رشد الحفيد استغل بعلم الكلام، فهناك باحثون غيري رأوا هذا الرأي، منهم الفيلسوف المغربي، الدكتور طه عبد الرحمن (انظر؛ مثلا؛ مبحث “دخول علم الكلام في الالهيات الرشدية” من كتابه “تجديد المنهج في تقويم التراث”، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء – بيروت، ط. 2، ص. 138 – 252، ومن عباراته في تقرير ذلك: “وكيف أن الآليات الاستشكالية لعلم الكلام أثرت تأثيرا مضمونيا في الخطاب الإلهي الرشدي”: المرجع نفسه، ص. 149، “فلا نستغرب أن نجد، في مواضع شتى من خطابه [= ابن رشد]، آليات كلامية، حيث يظن أنصاره أنه يستخدم آليات برهانية”: المرجع نفسه، ص. 151).

نرجع إلى ما كنا فيه، فنقول: لا شك أن أي كتاب نريد التعامل معه، عرضا، أو تحليلا، أو نقدا، إلخ، يجب أن نلتزم بضابط من أهم ضوابط البحث العلمي، وهو استحضار الشروط، التي وضعها صاحب الكتاب في تصنيفه وعرض أفكاره، وتجاهل هذا الضابط يؤدي حتما إلى خوض غمار نقاش لا علاقة له بمجال البحث. وعدم مراعاة منتقدنا لهذا الضابط، لا يخلو من احتمالين:

الأول: أنه لم يتفطن إليه، وقد نلتمس له العذر في هذا المقام، نظرا إلى أن تركيزه على الحيز الذي يهمه من كتابنا، جعله يذهل على أمر لا تخفى أهميته على كل باحث، فنعد صنيعه هذا هفوة يمكن التغافل عنها.

الثاني: أنه تفطن إليه، لكنه قصد تجاهله، وضرب به عرض الحائط، إمعانا في الاستفزاز، وتحليا بحلية العجب والغرور. فإن كان هذا الاحتمال وارادا، فهذه آفة أخلاقية في الردود والمناظرات، والمنشغل بها شخصية سجالية، تنتقد من أجل النقد وإثبات الذات، لا من أجل إثبات الحقيقة والصواب. ومن كان هذا ديدنه، نزهنا أنفسنا عن الكلام معه، ولم نلتفت إليه أصلا.

ولكن، إحسانا للظن به، سنبني ردنا لنقده لنا على الاحتمال الأول.

أول ما يجب تذكيره به، هو أن الكتاب الذي استهدفه، يتميز بكونه ذا طابع ببليوغرافي، والنظر في العنوان: بشقيه الأصلي، والفرعي، كفيل بتقرير ذلك، بما لا يدع مجالا للبس.

بيد أنه اكتفى بذكر العنوان الأصلي، وهو “المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية”، وكان عليه أن يشير إلى العنوان الفرعي أيضا، وهو “ببليوغرافيا ودراسة ببليومترية”، لأهميته في بيان الغرض من تأليف الكتاب. فإذا كان العنوان الأصلي تلوح منه بوضوح طبيعة المقاربة الببليوغرافية المقصودة، المتمثلة في المقاربة الموضوعية، بجمع الكتب التي تنتمي إلى موضوع واحد (العقيدة الأشعرية)، لصنف خاص من المؤلفين (علماء المغرب)، فإن العنوان الفرعي، يدل دلالة قطعية على أن الكتاب يتغيى نوعا خاصا من أنواع الببليوغرافيا الكثيرة، وهو الببليوغرافيا الببليومترية، أي التعدادية، التي تهدف إلى استقصاء وتتبع أكبر قدر ممكن من المؤلفات الأشعرية المغربية، ثم استخلاص نتائج ذات صلة بمستوى المعرفة في مرحلة من مراحل تطور التأليف الأشعري في المغرب، ناهيك عن العلاقة التي نسجها المتكلمون الأشاعرة؛ في هذه المنطقة من العالم الإسلامي؛ مع سائر العلوم، كالفلسفة، والمنطق، والفقه، وعلوم القرآن، والتصوف، إلخ.

وقد فصلنا ذلك في مقدمة كتابنا، مع بيان وتأكيد أن كتابنا هذا يعد شكلا من أشكال التأريخ لمؤلفات الأمة.

وعليه، فإن الحيز الذي يتعلق بمؤلفات ابن رشد الحفيد، عند إرادة تناوله بالنقد، ينبغي أن يستحضر فيه ذاك المنتقد لنا طبيعة العمل الذي ينتمي إليه كتابنا، والذي ينبغي مناقشته من خلاله.

ولا شك أن عدم مراعاة هذا الشرط، يوقع حتما في “الخبط في البحث”، أعني: الخلط في الموضوعات، وإدخال بعضها في بعض، ومناقشة موضوع عوض موضوع آخر.

يلزم مما ذكرناه أيضا، أن كتابنا ليس ذا طبيعة حجاجية، لأنه لا يقصد إلى مناقشة المضامين، ولا تحليل الأفكار والآراء، ولا وضعها على محك النقد والتمحيص، بل إن ما أوردناه فيه من نقد، يتجه أساسا إلى الجوانب التوثيقية في المصادر المعروضة فيه، من قبيل مناقشة نسبة بعض الكتب إلى أصحابها، وإنكار نسبة بعضها إلى من اشتهرت نسبته إليه، ونقد بعض النشرات والتحقيقات، وبيان أن بعض المصادر الكلامية تتقاطع مع فنون أخرى، كالتصوف، أو علوم القرآن، إلخ.

فلو جنحنا إلى تحليل مضامين كل كتاب ذكرناه فيه – أخذا بعين الاعتبار، أننا أحصينا فيه “1125” مصدرا – فإن البحث سيفضي بنا إلى “1125” تحليلا ونقاشا، مما يجعله يتسع ويتسع، ليأخذ حجم عدة مجلدات. وهذا ليس مقصودنا من الكتاب، ولا رغبة لنا البتة في أن يكون كذلك.

أما دعواه أننا أقحمنا كتب ابن رشد، لأنها ليست في علم الكلام، فهو مردود عليه، لأن المصادر المعروضة في كتابنا، لا يقصد بها إثبات أن أصحابها متكلمون أشاعرة، أو أنهم منافحون عن المذهب الأشعري، أو عن علم الكلام، فهذا ليس شرطا في الكتاب، ولكن يكفي أن تناقش في المصادر المعروضة بعض القضايا الكلامية، لنجعلها محسوبة على كتب هذا الفن. وهذا ينطبق على أي عمل ببليوغرافي يقتفي هذا الأثر، فلو كنا؛ مثلا؛ بصدد إنجاز مشروع من قبيل “المصادر المغربية لأصول الفقه”، وأدرجنا تحت هذه المصادر اختصار ابن رشد لكتاب “المستصفى من علم الأصول” لأبي حامد الغزالي، فهل بلزم من هذا أننا عددنا ابن رشد من أعلام أصول الفقه؟! وفي الآن نفسه، هل بجوز أن نحذف “مختصره للمستصفى” من هذه اللائحة، لأنه ايس من أعلام أصول الفقه؟!

وهذا حاصل في كتب ابن رشد التي عرضناها، والمنتقد لنا نفسه يعترف ويصرح في بحثه أن ابن رشد انتقد فيها المتكلمين الأشاعرة، ناهيك عن كتب ابن رشد التي شرح فيها كتبا واضحة في علم الكلام الأشعري، من قبيل شرحه لمرشدة ابن تومرت، وشرحه للعقيدة الحمرانية. ولو أخذنا بعض الدراسات الاستشراقية، التي تناولت علم الكلام، وهي كثيرة جدا، وإِخال الشخص المنتقد لنا يعرف بعضها، فلا حاجة لإكثار الأمثلة منها، مكتفين بمثال واحد، وهو “La doctrine d’Al-Ash`araī” للمستشرق الفرنسي دانييل جيماريه. فهل يمكن أن ندعي أن هذه الكتب الاستشراقية أجنبية عن هذا العلم، لأن أصحابها ليسوا مسلمين، أو ليسوا متكلمين، أو ليسوا أشاعرة؟!

هذا، وإنني لم أنشغل في كتابي، بالمؤلِفين (بكسر اللام)، بقدر ما انشغلت بالمؤلَفات (بفتح اللام)، وهذا واضح جدا من عنوان الكتاب، وليس عسيرا على الناظر فيه، أن يلاحظ أنني أدرجت فيه متونا كثيرة في “العقيدة الأشعرية”، لعلماءَ غيرِ محسوبين على المتكلمين، بل هم إلى الفقهاء أقرب، وبعضهم أدباء، لكنهم ألفوا متونا تعليمية بقصد التلقين، لا بقصد الحجاج والمناظرة، ولا يمكننا إخراجها من دائرة كتب الكلام الأشعري. وقد كان من الممكن أن يكون لانتقاده وجه، لو كان عنوان الكتاب هو “المؤلفون المغاربة للعقيدة الأشعرية”.

كما أنني عندما جعلت السمة البارزة للمصادر المعروضة في الكتاب هي “الأشعرية”، فإن هذا لا يمنع البتة من إمكانية إدراج مصادر كلامية سنية غير أشعرية، بدليل أنني عرضت عدة مصادر سنية، ألفها أصحابها قبل أن يظهر إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري (ت. 324 ه)، ليضع منهجا جديدا في عرض أصول الدين، وفي الدفاع عن عقائد أهل السنة، حيث إن أول مصدر ذكرناه، هو “كتاب في الرد على أهل البدع” لأبي زكريا يحيى بن عون بن يوسف (المولود عام 111 ه / 729 م)، أي قبل ظهور أبي الحسن الأشعري بقرنين من الزمان تقريبا. وقد ذكرنا مسوغات هذا الإيراد في مدخل الفصل الأول، الذي عرضنا فيه المصادر المغربية الأشعرية قبل مرحلة الدولة المرابطية.

وبما أن البحث ذو طبيعة ببليوغرافية كما قررنا أعلاه، وأنه يهدف إلى التأريخ للتأليف العقدي الأشعري في المغرب كما هو لازم ما قررناه، فإن مراجعتنا لكل المصادر والمراجع، التي يمكن أن تكون منجما لاستقاء المعلومات الخادمة لهذا الغرض، تعد ضربة لازب، وإغفالها؛ لاسيما عند وجودها بين أيدينا؛ غير مبرر، ويجعل العمل مثلوما. وبذلك، فإن انتقاده لنا، لأننا راجعنا كتاب “ابن رشد والرشدية” لإرنست رينان، لأنه ألفه في القرن التاسع عشر، مما يجعله عملا متجاوزا (ص. 496)، لا معنى له، ولا يستقيم، لأننا راجعنا مصادر أقدم منه بقرون عدة، وقد رآها المنتقد، وهي: الذيل والتكملة، وتاريخ قضاة الأندلس، وعيون الأنباء، وسير أعلام النبلاء، هذا بالنسبة للحيز المخصص لكتب ابن رشد الحفيد، أما بالنسبة للكتاب كله، فقد راجعنا مصادر أقدم، يرجع تاريخ بعضها إلى القرن الرابع للهجرة. وهذا أمر ضروري، اقتضته طبيعة البحث الببليوغرافية والتأريخية كما ألمعنا.

ومن هذا المنطلق، فإن مراجعتنا لكتاب إرنست رينان، كانت بقصد الاستناد إلى كتاب يعد من المراجع المساعدة المهمة في التأريخ لكتب ابن رشد، وما قاله ذاك المنتقد بشأنه، يجب أن ينسحب على سائر الكتب التاريخية التي ذكرناها، ونبزه لنا بأن “ابن رشد والرشدية” كان يجب علينا تجاوزه، إذا سلمنا به، فيلزم منه تجاوز سائر المصادر التاريخية المشار إليها، وتخصيصه بالحكم المذكور، دون غيره من المصادر التي ذكرنا، ترجيح بدون مرجح، وهو من المستحيلات الذاتية التي يتنزه عنها العقلاء.

أما دعواه، أننا حذفنا من كتاب إرنست رينان عبارة “أو ذيل له” (ص. 497)، ويجعل ذلك تعليلا زائفا لإثبات ما أثبتناه، فلا يصح. كل ما في الأمر أننا اكتفينا بذكر ما يقتضيه المقام.

كما أننا، عندما أوردنا كتب ابن رشد ضمن المصادر الكلامية الأشعرية، فإننا لم نقصد بذلك أن ننتزع من ابن رشد قميصه الفلسفي، من أجل أن نلبسه قميصا آخر يجعله منخرطا في سلك المتكلمين، وذلك لما يأتي:

أ – أنني وسمته ب “الفيلسوف”، عند ذكرنا أول كتبه، هكذا: “شرح عقيدة الإمام المهدي، للفيلسوف الأندلسي أبي الوليد محمد بن أحمد ابن رشد” (ج. 1، ص. 183)، ولم نقل: “للمتكلم الأندلسي …”، مما فيه إشارة إلى ما ألمعنا إليه أعلاه، وهو أن همنا هو عرض المصادر الكلامية الأشعرية، بغض النظر عن توجه أصحابها.

ب – أننا التزمنا وصفه ب “الفيلسوف” في سائر كتابنا، عندما اقتضى السياق ذكر اسمه، مثال ذلك، أننا عندما عرضنا المصادر الكلامية لعبد العزيز بن إبراهيم ابن بزيزة (ت. 663 ه / 1264 م)، قلنا بإزاء كتابه “الرد على كتاب مناهج الأدلة”: “رد فيه [= ابن بزيزة] على مناهج الأدلة للفيلسوف الأندلسي أبي الوليد ابن رشد …” (ج. 1، ص. 202).

ج – أجبنا في مدخل الفصل، الذي عرضنا فيه كتب ابن رشد، عن سؤال: لماذا “ذكرت الفيلسوف الأندلسي أبا الوليد ابن رشد ضمن المتكلمين المغاربة …”؟ (ج. 1، ص. 129).

وهنا، يجب التنبيه على مغالطة الالتباس، التي مارسها المنتقد لنا في هذا المقام، والمتمثلة في قوله: “وثاني الملاحظات، أن ما اعتبره زهري أدلة ثلاثة على أشعرية ابن رشد فاسد تماما” (ص. 495). والحال، أنني لم أعدها أدلة، بل سميتها “أمورا”، مع استعمالنا صيغة تفيد أنه رأي ما زال يحتاج إلى تعميق النظر فيه، وأنه ليس موقفا ثابتا، وهذه عبارتنا: “لكن هذا لا يمنع من إدراج كتب له في هذا المقام، لثلاثة أمور على الأقل …” (ج. 1، ص. 130).

كما أن الحكم على كتاب لابن رشد (وكذا كتب غيره) بأنه في علم الكلام، يكون بلحاظات مختلفة، ذكرناها في محلها من كتابنا، منها: أن العنوان قد يكون منجما معرفيا، لاستقصاء عنوانات الكتب، ولبيان الفن الذي تنتسب إليه هذه الكتب، ونكتفي بمثال واحد، وهو المصدر المشار إليه قبل حين: “الرد على كتاب مناهج الأدلة” لابن بزيزة، حيث إن صيغة العنوان تتضمن وجود كتاب آخر، وهو “كتاب مناهج الأدلة” لابن رشد، والأمثلة على ذلك كثيرة في كتابنا، حيث أفادتنا عنوانات كثيرة بمصادر مشروحة، أو محشاة، أو مردود عليها، إلخ، منها ما هو موجود، ومنها ما هو في حكم المفقود، ومنها ما هو مخطوط، ومنها ما هو مطبوع، إلخ.

كما أن عنوانات أخرى كثيرة، اقترحت علينا الفن الذي ينتسب إليه المصدر، فعندما وجدنا في “برنامج أبي الوليد ابن رشد” هذا العنوان: “فصل المقال في الأصول”، فإنه لا يسعنا، إلا أن نفهم منه، أنه في “الأصول”، والمقصود بطبيعة الحال، هو “أصول الدين”، وهو من مرادفات “علم الكلام” (ج. 1، ص. 285)، أو عندما تذكر المصادر التاريخية (مثل: الذيل والتكملة، عيون الأنباء، برنامج أبي الوليد ابن رشد) كتاب “الكشف عن مناهح الأدلة” بهذا العنوان: “مناهح الأدلة في أصول الدين”، فإن هذا اللحاظ، لا ينبغي إهماله في نسبة الكتاب إلى “علم الكلام”، ووضع هذه المعلومة في هذا المقام، تعد مادة يجعلها الببليوغرافي بين يدي الباحثين| لمناقشتها، لأن شرطنا في كتابنا – كما قلنا وقررنا – هو الاستقصاء، والغوص في أغوار كل المناجم المعرفية، سواء كانت مصدرا كلاميا، أو فلسفيا، أو تاريخيا، أو فقهيا، أو صوفيا، أو أدبيا، إلخ، علاوة على العنوان الذي قد يكون منجما مهما في التتبع والاستقصاء.

كما ذكرنا أنه منشور بعنوان “الكشف عن مناهح الأدلة في عقائد الملة”، ولا شك أن عبارة “عقائد الملة”، تنتمي إلى المعجم الكلامي بالأصالة، وإذا وجدت في معجم آخر، فهي موجودة فيه بالتبع. ومما قلناه في التعليق على النشرة التي أوردناها: “ولعل آخرها [= آخر النشرات] النشرة التي اتخذت العنوان التالي: “الكشف عن مناهح الأدلة في عقائد الملة”، مع التعليق على هذا العنوان (تحته مباشرة) بعبارة تفسيرية للغرض من تأليف الكتاب، لا تخلو من خلفية إيديولوجية للمشرف على نشره [= محمد عابد الجابري]، هذا نصها: … أو نقد علم الكلام ضدا على الترسيم الإيديولوحي للعقيدة ودفاعا عن العلم وحرية الاختيار في الفكر والفعل” (ج. 2، ص. 182)، وهذا التعقيب الذي أوردناه، يؤكد أن شرطنا في التعامل مع المصادر الكلامية المستقصاة، هو تناولها لقضاياها كلامية، بغض النظر عن مؤلفي هذه المصادر كما ألمعنا إلى ذلك أعلاه.

هذا، ولسنا بدعا في عد “الفصل”، و”الكشف”، و”التهافت”، متقاطعة مع علم الكلام، فقد ذهب إلى ذلك باحثون غيري، منهم الدكتور طه عبد الرحمن، وهذه عبارته: “توصلنا إلى أن البنى الأصلية، التي تبرز في هذا الخطاب [= الخطاب الإلهي الرشدي] ثلاث، هي: “البنى الفقهية” ، و”البنى الكلامية”، و”البنى التفسيرية”، وأنها تتداخل فيما بينها كتداخل البنى الفقهية والبنى الكلامية في “فصل المقال”، وفي كتابيه الاعتراضيين: “مناهج الأدلة” و”تهافت التهافت” …” (المرجع السابق، ص. 149).

نبقى في هذا الإطار، الذي يؤكد أن المنتقد لنا موغل في مغالطة الالتباس، مع وعيه التام بتزويره للحقيقة، وتحريفه للكلِم عن مقاصده، وذلك أنه أشار إلى كتاب “مقالة فيما يعتقده المشاؤون وما يعتقده المتكلمون من أهل ملتنا في كيفية وجود العالم متقارب في المعنى”، ويعلق نابزا هازئا: “والحال، أن العنوانين هما في الواقع جزءا العنوان الكامل التالي: “مقالة في الجمع بين اعتقاد المشائين والمتكلمين من علماء الإسلام في كيفية وجود العالم في القدم والحدوث” (ص. 499)، فهو يلبس علينا، ويقولنا ما لم نقل، بادعائه أننا جعلنا من شقي العنوان عنوانين مستقلين عن بعضهما، والصحيح هو خلافه، حيث أثبتنا الصيغة التي أتى بها، وأحلنا فيها إلى “عيون الأنباء”، وأتبتناها بصيغة أخرى وردت في المصادر هكذا: “مقالة في الجمع بين اعتقاد المشائين والمتكلمين من علماء الإسلام”، وأحلنا إلى “برنامج أبي الوليد بن رشد”، و”الذيل والتكملة” على جهة المثال لا الحصر (ج. 1، ص. 186)، دون أن ندعي أننا رأينا الكتاب، ومع الإشارة إلى أن محمد بن شريفة ذكر بأنه كتاب مفقود (ج. 1، ص. 186)، إذ ذكرنا في مقدمة كتابنا أن من مصادرنا المعرفية في استقصاء المصادر الكلامية: “كتب الترجمات، والمناقب، والطبقات، والفهارس، وهي زاخرة بعنوانات كلامية كثيرة، ما زال أغلبها في حيز المفقود، وكثير منها ما زال مخطوطا، وقد اجتهدنا في الاعتماد على أمهات تلك الكتب …” (ج. 1، ص. 21). وعليه، تنكشف مغالطة الالتباس، التي مارسها هذا المنتقد لنا، حيث يقول معلقا باستهزاء على ما نسب إلينا قوله ولم نقله بخصوص “مقالة في الجمع بين اعتقاد المشائين والمتكلمين …”: “ولا شيء يدل على أن خالد زهري قد اطلع عليها، ليقول إنه يفهم [هنا يبتدئ اقتباسه لكلامنا مبتورا عن سياقه، ومحرفا عن المقصود منه] من عنوانها (أو بالأحرى عن جزء من عنوانها: ما بين القوسين من زيادة المنتقد لنا) أنها ذات مضمون كلامي [هنا ينتهي اقتباسه من كلامنا]”، إلى أن يقول: “فالمقالة مفقودة في أصلها العربي، ولا توجد في حدود معرفتنا، إلا في ترجمات عبرية وإنجليزية …” (ص. 499 – 500)

أما دعواه أننا لم نراجع نسخة “برنامج أبي الوليد بن رشد” المخطوطة المحفوظة في الإسكوريال، فهو يعلم جيدا أننا أحلنا في الهوامش إلى المخطوط برقم الحفظ (884) ورقم اللوحة (81)، وليس خاف عنه أن المصورات الرقمية لمخطوطات الإسكوربال محفوظة في الخزانة الملكية بالرباط، حيث أنجزنا كتابنا الذي استهدفه، عندما كنا نشتغل فيها بفهرسة مخطوطاتها.

أما دعواه أن اعتمادنا على كتاب “ابن رشد الحفيد: سيرة وثائقية” لمحمد بن شريفة كان يتيما، وبعبارته: “إشارات يتيمة لابن شريفة” (ص. 496)، فهذا أمر غريب حقا، لأننا اعتمدنا عليه مرتين، حيث اقتضت الحاجة ذلك، والتجأنا إلى المصادر السابقة عليه، التي راجعها هو نفسه، سواء القديمة منها أو المتأخرة، وكتاب محمد بن شريفة عالة عليها، ومنطق البحث العلمي يحتم علينا الرجوع إلى تلك المصادر، واستقاء المعلومة منها مباشرة، ما دامت متوفرة لدينا، واعتمدناها في أغلب بحوثنا، وعلى رأسها فهارس المخطوطات التي أنجزناها.

هذه إشارات قليلة في الرد على نقد فؤاد بن أحمد لما أوردناه من كتب ابن رشد الفيلسوف في كتابنا “المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية”، وكان من الممكن أن نتتبع نقده، وأن نرد عليه، كلمة كلمة، لكن ذلك سيجرنا حتما إلى سجال ننزه أنفسنا عن الوقوع فيه.

ونصيحتنا لهذا المنتقد، أن يقرأ كتابا من كتب “آداب العالم والمتعلم”، وأن يسترشد بهذه الآداب في ربط العلم بالتخلق، وأن ينشغل بتعميق معارفه في التخصص الذي بدأ يشتغل به، وهو الفلسفة الإسلامية في الأندلس، بدلا من انشغاله باقتناص سقطات الباحثين، وتتبع الهفوات.

*كلية أصول الدين، تطوان

‫تعليقات الزوار

2
  • ابن قتيبة
    الخميس 16 أبريل 2020 - 05:47

    للأسف الشديد لم نصل بعد إلى بناء حياة أكاديمية/جامعية قائمة على منطق العرض والاعتراض المطلوبين في كل عمل معرفي بروح نقدية. قرأت مقال الباحث فؤاد بن أحمد، أقول قرأته وبروية لما فيه من مسائل تستدعي فعلا البحث والتمحيص، وهي مناسبة لكل باحث أراد أن يشتغل في هكذا سياق. وتوقفت عن مقام ذكره/نقده للباحث خالد زهري؛ ثم رجعت إليه مرة ثانية لما قرأت هذا الرد، فتفاجأت فعلا عن مدى تحوير النقاش من مجاله العلمي إلى مجال "شخصي" ليس من المطلوب الدخول فيه حينما نكون أمام تفاعل علمي. أدعو ذ. زهري أن يقتبس لنا فقرة، أو عبارة، أو لفظة…تثبت ادعاءه بكون الرجل جرحه أو سبه أو استهزأ منه أو سخر…على الرغم من أن السخرية على طريقة سقراط محمودة من جهة إيقاظ الهمم لتجاوز ما نقع فيه من أخطاء. والتراث الإسلامي في مجال آداب البحث والتوجيه والتناظر فيه مثل هذا الذي عُدّ طريقة/منهجية محمودة ومقبولة (مثال ذلك بعض المقاطع من المناظرة الشهيرة بين متى والسيرافي على سبيل المثال لا الحصر…). الجامعة مقام للتدافع الفكري والنقد المتبادل، وإلا ظلمنا الطلبة تغليطا وربينا جيلا ديماغوجيا لا يؤمن إلا بالاستبداد في الرأي والقول.

  • لوقش
    الخميس 16 أبريل 2020 - 21:36

    أهلا، مْسا الخَير؛ بتغافلنا عن كونكما (المنتقِد والمنتقَد) خالفتما الأصل الأول من أصول المشاركة في الندواة "العلمية" -وهو اجتناب إصدار كل ما من شأنه اعتباره أفكارا متضادة أو متناقضة بين مشاركَين أو أكثر في الندوة الواحدة، الذي ينتج عنها لا محالة مُخرجات (أهداف) متناقضة فكريا ومعرفيا مع بعضها البعض-؛ أعتقد أن النقد الذي وجهه إليك زميلك في الصنعة، هو أقل بكثير من نقدك أو بالأصح انتقادك غير العلمي والمنهجي للمقرئ الإدريسي -والذي أظهرت فيه "شخصنة" واضحة، وحكم مسبق ابتداء، وتجريح ذاتي متعمد- في زمن ليس ببعيد من زمن أواخرنا. فهذا جزائك من جنس عملك، باعتبار أن "داء عطبك قديم". الله يْهنِّيك.

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين