ذكرى رحيل جان بول سارتر

ذكرى رحيل جان بول سارتر
الخميس 16 أبريل 2020 - 23:31

تحل ذكرى رحيل الفيلسوف جان بول سارتر، رائد الوجودية، الذي رحل عن عالمنا يوم 15 أبريل 1980.

أربعون سنة بعد وفاته، ولا زال بيننا، فيلسوفا، كاتبا، مفكرا، روائيا، مسرحيا، ناشطا سياسيا، ورمزا للمثقف الذي نحت توجهه الملتزم بكتاباته الخالدة.

في مثل هذا اليوم توفي سارتر في مستشفى بروسية بباريس، بسبب مرض السل عن عمر يناهز 75 عاما، ليبقى العالم بعده في حالة حوار إلى الأبد… ليرحل عنا الجسد ويبقى بيننا المثقف.

جنازته لم تشبه جنازة الآخرين.. وكما هو شأن العظماء، غطت آلاف الحشود تابوته بالورود والزنابق والسوسن والقرنفل… في مسيرة شعبية تاريخية ودعت فيها باريس قائدا ومفكرا عظيما.

في زمن كورونا نستحضر ذاكرته الخالدة… وفي ظل أجواء الحجر الصحي نتصفح مجالاته المعرفية في الفلسفة وعلم الاجتماع والدراسات الأدبية الغزيرة. نعيد قراءة سيرته الذاتية لنفتح من جديد صفحات من تاريخه المجيد، ومن مواقفه الإنسانية، التقدمية والماركسية المستقلة.

ونحن نجتاز هذا الامتحان الصحي الصعب، ما أحوجنا لجان بول سارتر ولأمثاله من صناع “الأزمنة الحديثة”، ومن التقدميين واليساريين الذين قاوموا الرأسمالية، وتنبؤوا بفشل الشيوعية باكرا…

قبل 40 عاما، رحل عنا المناضل المثقف الذي ناهض الشيوعية باسم الماركسية من أجل الحرية والثقافة… كما رحل عنا سارتر المناضل السياسي الذي رفض نشر الشيوعية بالدبابات.. يوم دهس الجيش السوفياتي انتفاضة بودابست في خريف عام 1956، ويوم غزت واجتاحت بوحشية قوات سوفياتية وبولندية ومجرية وبلغارية ليلة 21 – 20 غشت 1968 لسحق ربيع براغ في تشيكوسلوفاكيا، دون أن ننسى مواقف سارتر ومجلته “الأزمنة الحديثة” من “الجزائر الفرنسية” حين أعلن دعمه للشعب الجزائري في معركته من أجل الاستقلال، ودعم كل الشعوب التواقة للتحرير من قبضة الاستعمار.

وفي زمن كورونا نستحضر كذلك كل القضايا الاجتماعية والثقافية والحقوقية التي ناضل من أجلها جان بول سارتر طوال حياته، إلى جانب رفيقته سيمون دي بوفوار وغيرها.. كما نستحضر دفاعه عن أولوية الوعي على اللاوعي وأولويات الحرية على الهياكل الاجتماعية.

في زمن كورونا نتذكر يوم 10 دجنبر 1964، حينما رفض جان بول سارتر جائزة نوبل في الأدب، قائلا إنه لا يستحق أي شخص أن يكرم وهو على قيد الحياة، معانقا أحلام الطلاب والشباب والعمال طوال أحداث ماي 1968، ومرتبطا بالحركات الاجتماعية اليسارية والنسائية…

وفي زمن الحجر الصحي، نحيي ذكرى رحيل أشهر فلاسفة القرن العشرين، لنستلهم من مسيرته رسائله الأخلاقية والنقدية، والتزامه بالإصلاح الاجتماعي، ودفاعه عن الحرية دون اغتراب أو تموضع. كما نحيي ذكرى أحد أعلام الوجودية في عصره…

في هذه الذكرى، يذكرنا سارتر بأن “الناس مسوقين إلى العادة، مجرورون إلى نوع من السلوك الرتيب الجاهز. وقلما يتاح لهم الوقت لدخول محراب الحياة واستراق بعض النظرات الصادقة عنها”، وينادينا من قبره لقراءة “الغثيان” والتوقف عند ص 204…

في ذكرى رحيل جان بول سارتر، يجب أن نقرأ “الغثيان” لنتأكد أن الإنسان لا يكون إنسانا حقا، إلا إذا أدرك “جدة قدره الشخصي من غير اللجوء إلى مهزلة الأوضاع والمواقف الاجتماعية”.

هكذا، وفي زمن الحجر الصحي، يحيي فينا سارتر الأمل من جديد، للتحرر من القيود الصبيانية، ومن الأيديولوجية الماضوية، ومن مرض “اليسارية” الطفولي… ويدفعنا للشعور بأهمية بضرورة وأهمية الاختيار… اختيارنا لمصيرنا ولسلوكنا… لأن الإنسان بالنسبة للعظيم سارتر، يمتلك بيده خلاصه وكرامته… ما دام يعتبر نفسه مسؤولا عن وجوده وعن اختياره…. ويقوي إيماننا بالحرية كصفة أصيلة في الموجود البشري…

لقد حفر الراحل سارتر اسمه في التاريخ قبل أن يرحل عنا.. وهو الفيلسوف الأصيل، والعقل الإنساني المحاور والمجادل والمفكر… الذي علمنا ويعلمنا كيف نربط حريتنا بالواقع.. وأن لا نهرب من وعينا بأنفسنا. أو على الأقل هذا ما فهمته منه…! وهذا ما تأثرت به…

فلترقد روحه بسلام..

*أستاذ باحث في علم الاجتماع

‫تعليقات الزوار

3
  • Sindibadi
    الجمعة 17 أبريل 2020 - 16:30

    ليرحل هو وكل الفرنسيين والمُفرنسين والفرانكوفونيين على اختلاف مشاربهم
    لعنة الله على فرنسا وكُتابها وكل من يُمجد أهلها وحضارتها
    كان عليك أن تكتب ولو كلمة في حق أفريقيا التي دعى بعض الأطباء من المرضى العقليين اللذين تزخر بهم فرنسا واللذين أرادوا تجريب اللقاح في الأفارقة
    قبح الله فرنسا وكل من يمجد آدابها وثقافتها
    العنصرية

  • مغرب اليوم
    السبت 18 أبريل 2020 - 00:24

    لقد وقف سارتر منذ 40 سنة على حقيقة الوجودية. دون أن تكون له القدرة على مناقشة الأمر. لانها وببساطة الحقيقة المطلقة.

  • التوحيدي
    السبت 18 أبريل 2020 - 12:32

    ما قاله سارتر في اواخر حياته يختصر كل شيء حيث قال: فلسفتي قادتني الى هزيمة نكراء.

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس