رمضان للقلوب

رمضان للقلوب
الأحد 10 ماي 2020 - 21:20

إذا أردنا اختصار الغاية المثلى من صيام رمضان، بتركيز شديد، فهي إحياء القلوب، بما هي أهم وأثمن كائن معنوي، تتحدد به ومن خلاله، كل أفعال الإنسان وتصرفاته وانطباعاته، سلبا وإيجابا، فالقلب بمعناه القيمي والروحي، لا المادي العضلي، هو المعبر الحقيقي عن طينة الإنسان، وسريرته الخفية، واسمه القلب يدل على قيمته ومعناه، فهو الداخل والباطن، والوسط والجامع، والموجه الخفي، والمترجم الحقيقي لكل نزوعات الإنسان وتمظهراته الواقعية، لذلك أعارته الأديان عناية خاصة، واعتبرته مركز ثقل هذا الكائن البشري، واتجه إليه المربون بالرعاية والتهذيب، وأفردوا له مصنفات لا تعد.

ولا زال موضوع القلب مغريا بالبحث، وتعميق الفكر والنظر، ما دام هذا الإنسان يحيى على هذه الأرض، ومادام يتحرك بقلبه ويترجم ما فيه. وما شرع رمضان وغيره من العبادات والشعائر، إلا لمخاطبة هذا القلب، والعمل على تزكيته وتنقيته من كل الشوائب، الاعتقادية منها والسلوكية، التي تبعده عن الحق، وتفسد أخلاق صاحبه وتمظهراته في واقع الناس. والتوجه إلى القلب، بهذا المعنى في الإسلام، يعني التوجه إلى العقل أيضا، فهما معا قلب، ويحملان معنى القلب، ما يعني باطن الإنسان وكنهه، وخلفيته القيمية والشعورية، وأيضا نظرته إلى القضايا والأشياء، فلا قلب بلا عقل، كما لا عقل بلا قلب، هما معا يعبران عن حقيقة الإنسان، ويدلان عليه.

من هنا إشارة القرآن الكريم إلى القلب العاقل (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) سورة الحج: (الآية 44)، فالقلب لا يعني روحا مجنحة، بلا تعقل ولا اتزان، كما أن العقل لا يعني منطقا رياضيا جافا، بلا روح ولا إشراقات، والكيان البشري في حاجة إليهما معا، حين يجتمعان وينسجمان ويتعانقان، ثم يسميان معا قلبا، وبعض المسلمين من أهل الفكر والنظر، يريدون عقلا بلا قلب، كما يريد بعضهم الآخر قلبا بلا عقل، والأمران معا لا يستقيمان .

فلا حياة سوية للإنسان، بلا باطن سوي، كما لا حياة سوية له، بلا عقل ناظم ضابط، والقلب يعنيهما معا، ويعبر عنهما معا، ورمضان يأتي ليخاطب في الإنسان هذا البعد العميق، وهذا الجانب الغائر في كينونته، والمعبر عن حقيقته، أمام الله، وأمام الناس، جاء في الحديث الصحيح (… ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) (رواه البخاري ومسلم).

معظم نجاحات الإنسان وفضائله، كما إخفاقاته وزلاته، منبعها هذا الباطن وهذا الداخل الذي يسميه القرآن الكريم قلبا، (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) الحج: الآية 22، وهذا هو السر في نظر الخالق جل وعلا إليها، بدل النظر إلى المظاهر والأشكال، جاء في الحديث الصحيح: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) (رواه مسلم)، وحين ينجح الإنسان في إصلاح باطنه وقلبه، يكون مؤهلا لإشاعة الصلاح الحقيقي في دنيا الناس، ثم الفوز بالقبول في الآخرة، لأنه سيذهب إليها بقلب سليم، (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) سورة الشعراء: الآية (88 _ 89)، وهذا القلب السليم، هو بالضبط ما يريده رمضان، ويقصده ويصبو إليه.

‫تعليقات الزوار

4
  • محمد
    الإثنين 11 ماي 2020 - 04:34

    هذا كان في وقت لا يعرف فيها الناس مركز التفكير والذاكرة والاحساس وهو الدماغ الموجود في داخل الجمجمة,انداك كانوا يظنون أنه القلب ربما لتغيرسرعة خفقانه .وكذلك الديانات كانت في مستوى معرفة عصرها ولا يغرنكم أصحاب الإزعاج العلمي والأرض المسطحة.

  • عبد العليم الحليم
    الإثنين 11 ماي 2020 - 08:16

    قال الله سبحانه وتعالى:(أفلم يسيروا في الأرض فتكونَ لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)
    الحج 46
    وقال:(لهم قلوب لا يفقَهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها)الأعراف179

    بعدما رصد الأطباء تغييرات جذريةفي عقيدة وأفكار وطبائع مريض زُرِع له قلب من شخص آخر،اشتعل فتيل التساؤل عن مدى صحة حصر القلب في
    وظيفةمنفردة،
    وهذا ما دفع بول بيرسال لدراسةهذه الظاهرة ليُبرهن أن هنالك ما لم يُكتشف بعد عن القلب،وليدحض جميع الفرائض التي طوّقته بوظيفة واحدة.

    وتوالت البراهين والحجج والنظريات التي أثبتت أن القلب يتألّف من40000 خليةعصبيّة،أي أن باستطاعتنا القول بأنه يحتوي على دماغ مصغّر،
    ليس هذا فحسب،بل إن خلاياه تمتلك ذاكره تدخر المعلومات والاحداث والذكريات،بل وتنظم مناعة الجسم عن طريق نظام معقد تبث عن طريقه الاوامر مع الدم،
    إضافةلذلك،هو يمتلك نظام كهربائي خاص به ومجال كهرومغناطيسي أقوى من الدماغ بعديد من المرّات،وهذا ما يجعله قادرا على بث ترددات تؤثر على الدماغ وتوجهه في عمله وتُعتبر بمثابة أوامر له.
    لذلك،ليس عجيبا إثبات العلماء أن القلب هو مركز العقل في الجسم

  • amaghrabi
    الإثنين 11 ماي 2020 - 11:34

    انا أوافق الأستاذ المحترم ان الانسان مكون من عقل للتفكير وقلب للاحساس بمعنى ان الانسان مادة وروح ,جسم ونفس ,وبالتالي الاثنين يحتاجان الى التربية السليمة ,وهذه التربية السليمة مرجعها العقل والفلسفة والدين ,ولابد من الدين ان يلعب دورا إيجابيا بمعنى تربية المسلمين على المبادئ الإنسانية السامية من كرم وصدق واحترام الغير ووو اما اذا كان الدين يلعب دورا سلبيا ويربي اهله على الكره والعنف والاقصاء وسفك الدماء ,والبحث في القران والاحاديث لقذف شعب ما بالكفر والخنازير والقرود ووو ونشر هذا الثقافة او التربية التي تهدم ولا تبني ,فصراحة لا بد من العقل والمنطق ان يقف في وجه هذه الأفكار الهدامة التي تستعمل القلوب هدفا لها وبالتالي فالعقل هو مصدر التشريع والعلوم والسياسة ووو فلا مجال للقلب ان ينافسه بل يجب ان يذعن للعقل ويسير مع ارشاداته النيرة

  • عبد العليم الحليم
    الإثنين 11 ماي 2020 - 13:49

    قال السعدي في تفسير الآية 83من سورة البقرة:

    " وهذه الشرائع من أصول الدين, التي أمر الله بها في كل شريعة,لاشتمالها على المصالح العامة,في كل زمان ومكان, فلا يدخلها نسخ,كأصل الدين،

    ولهذا أمرنا بها في قوله:

    (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ) إلى آخر الآية…

    ثم قال: ( و بالوالدين إحسانا )

    أي: أحسنوا بالوالدين إحسانا،وهذا يعم كل إحسان قولي وفعلي مما هو إحسان إليهم،وفيه النهي عن الإساءة إلى الوالدين, أو عدم الإحسان والإساءة، لأن الواجب الإحسان, والأمر بالشيء نهي عن ضده…

    وكذا يقال في صلة الأقارب واليتامى, والمساكين،

    وتفاصيل الإحسان لا تنحصر بالعد,بل تكون بالحد, كما تقدم.

    ثم أمر بالإحسان إلى الناس عموما فقال: ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا )

    ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف, ونهيهم عن المنكر,وتعليمهم العلم…

    والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب.

    ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله,أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق,وهو الإحسان بالقول,

    فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار,

    ولهذا قال تعالى:( وَلا تُجادِلوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) .."

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل