أي مفهوم للسلطة بعد جلاء كورونا؟

أي مفهوم للسلطة بعد جلاء كورونا؟
الخميس 14 ماي 2020 - 18:35

“وإنما يُؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنما يُعْوِزُ أهلها لإشرافِ أنفس الولاة على الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء، وقلة انتفاعهم بالعبر”. علي أبي طالب

في سياق تاريخي وسياسي مخصوص جاء إعلان جلالة الملك محمد السادس غداة تسلمه مقاليد الحكم نهاية التسعينات عن تبني مفهوم جديد للسلطة ، إيذانا ببدء مرحلة انتقال ديمقراطي، سمته الأساسية القطع مع المفاهيم والممارسات السلطوية السابقة ، سواء تلك المتصلة بإدارة الشأن العام أو المحلي، وقد جاء هذا المفهوم ليترجم حاجة تاريخية واجتماعية ملحة للإصلاح، بهدف وضع البلاد على سكة النماء والتطور في إطار دولة الحق والقانون. وعلاوة على هذا المفهوم اغتنى المعجم السياسي المغربي بجملة مفاهيم جديدة نظير مفهوم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، ومفهوم الإنصاف والمصالحة، ومفهوم القرب والتخليق والجهوية المتقدمة…الخ. وهي مفاهيم تتساوق نظريا في التطلع إلى بناء مجتمع حداثي في ظل عهد ملكي جديد.

وإذا كان تقييم هذه التجربة الجديدة يتباين حسب الأشخاص والمواقع، فان أغلب الفاعلين في المجال السياسي اطمأنوا إلى هذه الدينامية الجديدة التي نجحت في خلق وتجديد أوصال الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، مع تسجيل بعض الحالات الشاذة التي لم تساير التوجهات المعلن عنها، والتي لم يستوعب أصحابها شروط الزمن السياسي الجديد. غير أن الاختبار الحقيقي لهذا المفهوم الجديد للسلطة ستجسده بعض الأحداث التاريخية المفصلية سواء الوطنية أو الدولية، نظير أحداث 16ماي2003 وما تلتها من اعتقالات، وكذا هبّة ما يسمى بالربيع العربي وحركة 20 فبراير وما أعقبها من تعديلات للدستور المغربي، وصولا إلى أحداث الحسيمة وكذا اعتقال ومحاكمة بعض رجال الصحافة. وهي الأحداث التي رأى البعض فيها نكوصا وتراجعا عن مبادئ المفهوم الجديد للسلطة ووعوده.

وإذ لا يمكن أن ننكر أن الإدارة المغربية وفق المفهوم الجديد للسلطة تحللت نوعا ما من بعض السمات البيروقراطية والسلطوية السابقة ، فإنها رغم ذلك لازالت في حاجة إلى كثير من الإصلاح والتقويم حتى يكون بمكنتها تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في رعاية المصالح العمومية وتدبير الشؤون المحلية مع ضمان الحريات واستتباب الأمن والاستقرار وخلق أسباب السلم الاجتماعي، وهو ما استشعره الملك محمد السادس نفسه، الذي أكّد غير ما مرة في خطاباته على ضرورة مباشرة الإصلاح الإداري حتى تكون الإدارة منتجة وقادرة على الاستجابة لانتظارات المواطنين .

وبحلول جائحة كورونا كان للحس الاستباقي الذي تميزت به الدوائر العليا، دور كبير في محاصرة هذا الوباء، إذ أغلقت الحدود وتجنّدت كل القوى الفاعلة لإنجاح هذا المسعى، وهو ما ساهم في رفع منسوب الثقة بين المواطن والمؤسسات الإدارية. أما على المستوى الاجتماعي فقد أسهمت آلية التكافل الاجتماعي التي أشرفت عليها الدولة وكذا بعض المحسنين ونشطاء العمل الجمعوي على التخفيف من آثار هذه الجائحة، علما بأن الدولة راهنت منذ البداية على ترجيح كفة الحفاظ على سلامة المواطنين على كفة الحفاظ على التوازن الاقتصادي، هذا التوازن الذي سيختلّ لا محالة وستظهر خطورة اختلالاته على المدى القريب والمتوسط بعد انجلاء محنة كورونا، التي تشبه في تداعياتها الزلزال المدمّر، وهنا مرة أخرى ينبغي على الدولة أن تبقي على حسها الاستشعاري الاستباقي و تبتدع مفهوما للسلطة يراعي التحولات التي ستستجد على الساحة الاجتماعية والاقتصادية، ويعطي الأولوية القصوى للمقاربة التنموية/الاجتماعية من خلال الالتفات إلى الفئات المحرومة والمستضعفة بصفة دائمة، ففي القرآن الكريم نقرأ:” الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف” – سورة قريش- فالله سبحانه وتعالى قدّم الإطعام على الأمن، ومن المهم الإشارة في هذا الصدد إلى أن الخطاب الملكي المؤسس للمفهوم الجديد للسلطة جعل من أولى الأولويات” تسخير جميع الوسائل لإدماج الفئات المحرومة في المجتمع وضمان كرامتها”.

ولاشك أن تبعات كورونا ستنعكس على أداء الاقتصاد الوطني وبالتالي على سوق الشغل، هذا الأخير الذي سيتضرر لا محالة بشكل كبير، وحينها سنكون أمام صعوبات جمة ستواجه النسيج المقاولاتي والصناعي والسياحي، وهذا معناه أن العطالة ستتفشى وترتفع وتيرتها ولربما ستتسع دائرة الفقر والهشاشة، ومن ثمة يجب على الفاعلين السياسيين من الآن التفكير في الحلول والبدائل التي ستخفف من وطأة هذه الأزمة، وتسرّع من وتيرة تعافي الاقتصاد الوطني وتحافظ بالتالي على مقومات السلم الاجتماعي.

لقد أظهرت جائحة كورونا أن مفهوم المواطنة هو الآخر، في حاجة إلى إعادة صياغة وتشكيل في إطار جديد يبني علاقة المواطن بالإدارة والدولة على أسس ميثاق قوي يستند إلى مبدإ الحق والواجب. وإذا كانت بعض الفئات من المواطنين قد عبّرت عن نضجها ووعيها المتقدم وتحملها للمسؤولية من خلال انخراطها في مسلسل إنجاح السياسة الوقائية والالتزام بالحجر الصحي، فان بعض الفئات الأخرى أظهرت نوعا من اللامبالاة والتمرد والاستهتار، وقد تكون سببا من أسباب تعطيل قدرة بلادنا على محاصرة هذا الوباء في زمن قياسي كما كان يطمح إلى ذلك الجميع.وها هنا يظهر بجلاء إفلاس منظومتنا الأسرية والتعليمية مما يستدعي الإسراع بإصلاح مؤسسات الأسرة والتربية والتعليم ووسائل الإعلام والقضاء على آفة الأمية، بغية استنبات وإشاعة ثقافة المواطنة الحقة التي ستكون سندنا الأول والأخير في مجابهة التحديات الكبرى، وهذا بطبيعة الحال لن يتحقق إلا عبر تقليص الفوارق الاجتماعية، والقضاء على الفقر وأشكال الهشاشة، وضمان مجانية التعليم وإصلاحه، وكذا مضاعفة الجهود لضمان السكن اللائق والعيش الكريم لكافة شرائح المواطنين. والله من وراء القصد.

‫تعليقات الزوار

1
  • موحند
    الخميس 14 ماي 2020 - 21:14

    المغرب والمغاربة ضيعوا فرصا ثمينة من تاريخهم ليحبصوا من بين الشعوب والدول التي تتمتع بالحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة والرفاهية ودولة الحق والقانون ولكن هناك قوى تتحكم في الدين والسلطة والمال والنفود ليست لديها ارادة حقيقية للقطع مع عقلية وثقافة وسلوكات المستبدين والمفسيدين والمفترسين للاخضر واليابس وحتى في زمن كورونا. المغرب لا تنقصه الدساتير والخطب الملكية والخيرات المادية والغير المادية ولكن تنقصه العدالة وتطبيق القانون على الجميع.

صوت وصورة
تفاصيل متابعة كريمة غيث
الخميس 18 أبريل 2024 - 19:44

تفاصيل متابعة كريمة غيث

صوت وصورة
أساتذة باحثون يحتجون بالرباط
الخميس 18 أبريل 2024 - 19:36 1

أساتذة باحثون يحتجون بالرباط

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 104

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 97

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر