البعد الاقتصادي في طرد السفير السوري من تونس

البعد الاقتصادي في طرد السفير السوري من تونس
الثلاثاء 7 فبراير 2012 - 15:00

قررت السلطات التونسية طرد السفير السوري من تونس بسبب ما أسمته المجازر التي ترتكب من طرف النظام الحاكم في دمشق ضد المنتفضين السوريين. مبدئيا لا يمكن لأي إنسان عاقل أن يدافع عن القمع والاضطهاد والبطش بالمعارضين في أي بقعة من العالم. فحق الشعب، أي شعب، في الديمقراطية، بما هي حرية للتعبير، وتداول سلمي للسلطة، وقضاء مستقل وانتخابات نزيهة، ورقابة صارمة على المال العام، وصحافة حرة.. هذا الحق، وغيره من الحقوق الإنسانية المتعارف عليها كونيا، أمر ليس مجالا للأخذ والرد، فالإقرار به قولا، والقبول به ممارسة، من طرف أي حاكم، أصبح من المسلمات المفروغ منها..

ولكن هل السلطات التونسية أقدمت فعلا على طرد السفير السوري من تونس لأن النظام يقمع شعبه وينكل به؟ ألا يمكن أن يكون وراء هذا القرار اعتبارات أخرى، ودوافع تونسية محضة ليس لها أي علاقة بحقوق الإنسان السوري والقمع الذي يتعرض له من طرف الأجهزة القمعية السورية؟

ما يدفع لطرح هذه الأسئلة هو أن السلطات التونسية التي ركبتها الغيرة على وضعية حقوق الإنسان في سورية كان يتعين أن تركبها هذه الغيرة وتتلبسها عن وضعية حقوق الإنسان التونسي أولا وقبل كل إنسان. لا يمكن لسلطات لا تتخذ التدابير والإجراءات الكفيلة بالقصاص ممن ارتكبوا انتهاكات فظيعة ضد حقوق الإنسان التونسي أن تقفز قفزة هائلة في السماء لتصرخ أمامنا أنها تريد صون حقوق الإنسان السوري.

الرئيس المخلوع زين العابدين بنعلي يوجد هاربا في الديار السعودية، فمكانه الذي يقيم فيه معروف لدى الكبير والصغير، وأيادي هذا الرئيس ما زالت تقطر بدماء أبناء الشعب التونسي الذين قتل منهم المئات إبان ثورتهم المجيدة، فلماذا لا تضغط السلطات التونسية على نظيرتها السعودية وتحضها على استرداد بنعلي وزوجته لمحاكمتهما جراء القتل والفساد والبطش الذي مارساه ضد الشعب التونسي طوال فترة حكمهما التي امتدت لما يفوق 23 سنة؟ لماذا لا تهدد الحكومة التونسية سلطات الرياض بقطع العلاقات وطرد السفير السعودي إن لم تقبل السعودية تسليم بنعلي لتونس لكي يخضع للمحاكمة جراء الجرائم التي ارتكبها ضد التونسيين والتي لا تقل خطورة عن الجرائم المرتكبة من طرف النظام السوري والتي بسببها قطعت تونس علاقاتها بدمشق؟؟

الأولوية بالنسبة للسلطات التونسية يتعين أن تكون للمواطن التونسي ولحقوقه، فهو الذي انتخب الحكومة الحالية ونصبها ووضع ثقته فيها. لقد قام بذلك لكي تسترد له ما لديه من حقوق عندها. حين تتخلى الحكومة التونسية عن المطالبة بتسليمها زين العابدين بنعلي، على أساس أن استرداده ومحاكمته والقصاص منه حق من حقوق الشعب التونسي، حين تتخلى عن هذا الحق تحت أي مبرر من المبررات، وتسكت عن الحماية التي توفرها الرياض لزوج ليلى الطرابلسي، وتتركه في ملجئه مستقرا ومطمئنا ومتنعما، وحين تستبدل مهمتها هذه بإعطاء الألوية لحقوق الإنسان السوري، تكون حكومة تونس، سواء أرادت ذلك أم لم ترده، تتصرف كمن يقوم بعملية هروب إلى الأمام، ويسعى لإخفاء عجزه عن مواجهة مشكل حقيقي لديه مع جمهوره في قلب الدار، بافتعال مشكل مع طرف آخر في مكان بعيد عنه..

أكبر ظلم يلحق بالشعب التونسي حاليا ويقهره هو أن يظل بنعلي حرا طليقا وينعم بالهدوء والراحة في الديار السعودية رغم المجازر والمذابح التي اقترفها ضد التونسيين. قبل أن تطرد السفير السوري لأن نظامه يقمع السوريين، كان يتوجب على السلطات التونسية أن تضع العلاقات مع النظام السعودي على المحك بسبب الديكتاتور والمجرم بنعلي، وأن عليه أن يختار: إما تونس أو الدكتاتور. وإلا أي معنى ومغزى لأن تكون حكومة تونس متشددة ضد نظام دمشق بسبب قمعه للسوريين، في حين تكون متساهلة ومتسامحة مع الرياض التي توفر الدفيئة المريحة لمن فتك بالمئات من التونسيين؟؟

الخوف هو أن يكون طرد السفير السوري من تونس تحت ذريعة القمع الذي يتعرض له السوريون من طرف نظام الحكم القائم في دمشق لا يعدو كونه غطاء يخفي من ورائه أهدافا أخرى. لقد وقف الحكام الجدد في تونس على أن نظام بنعلي خلف لهم تركة اقتصادية واجتماعية ثقيلة جدا، والحاجيات المعبرة عنها من طرف الشعب عقب نجاح الثورة كثيرة وكبيرة جدا وأن البلد بموارده القليلة لا يستطيع تلبية تلك الحاجيات، وأن تونس في هذه الظرفية الاقتصادية الحرجة، في أمس الحاجة لدعم مالي واستثماري من طرف أمريكا وأوروبا ودول الخليج، وللفت الانتباه إليها وإلى حاجياتها بادر حكامها الجدد إلى قطع العلاقات مع دمشق.

ربما ترى السلطات التونسية أن طرد السفير السوري ممر إلزامي للوصول إلى هدفها المنشود، ويشكل إشارة قوية لصانعي القرار في أمريكا وأوروبا والخليج، إشارة تفيد بأن تونس على استعداد للدخول في سياق المشروع الغربي الأمريكي الخليجي، وأن تصبح جزءا لا يتجزأ منه، في مواجهته لنظيره الروسي والصيني والهندي والإيراني والسوري، مقابل حصولها على الدعم المالي لتجاوز أزمتها الاقتصادية المستفحلة.

ولا غرابة في أن يتم الإعلان عن هذا الموقف من تونس رغم أنها محكومة من طرف الإسلاميين. فلقد تصرف هؤلاء ببراغماتية منقطعة النظير في كل الدول التي تمكنوا من الوصول فيها إلى دفة السلطة، وتخلوا عن كل الشعارات التي كانوا يرفعونها وهم خارجها، من نوع عدم الاعتراف بإسرائيل، ومواجهة المشروع الغربي في العالم الإسلامي الذي كان يوصف من طرفهم بأنه مشروع استعماري وصليبي وتفتيتي وهيمني على خيرات المنطقة وثرواتها، لقد أصبحوا مستعدين للتحالف مع من كانوا يصفونه في أدبياتهم بالشيطان الأكبر، نظير القبول بهم في السلطة..

‫تعليقات الزوار

9
  • tarik
    الثلاثاء 7 فبراير 2012 - 17:20

    يا كاتب, انت تريد ان تثير فتنة ,لا تخلط الامور! ما قام به الشعب التونسي عين الشجاعة و العقل كما عودونا, ولولاهم لما صار اي تغييرفي المغرب و ليبيا و مصرواليمن ووو حتى بلدان الخليج … ان فكرت قليلا لعلمت ان قطع العلاقات مع السعودية لن تسرّع بجلب بن علي بل العكس تؤخره..عندما تكتب تعلّم ان تكتب فيما تفقه, ثانيا , لدينا داخليا مشاكل عويصة جدا كانت اولى بالكتابة اهونها المدرب البلجيكي الذي اغنيناه بفقرنا

  • Dragonaut
    الثلاثاء 7 فبراير 2012 - 20:15

    ماتديرو الصواب ماتخليو لي يديرو. قرار تونس تُشكر عليه، و ياريت المغرب حتا هو يقوم بنفس القرار.

  • مالك ـ تونس
    الأربعاء 8 فبراير 2012 - 02:21

    سؤال بسيط : هل بقاء السفير السوري كان حائلا دون تحسن الوضعية الإقتصادية في تونس؟ الإجابة وحدها كفيلة بكشف تهافت تحليل صاحب هذا المقال. السفير السوري سيعود إلى تونس ساعة توقف حمام الدم وليست لقرار الطرد أية علاقة لا بالخليج ولا بالغرب الإمبريالي ولا بتجار السلاح الروسيين. أعتقد أن السكوت عن جرائم النظام السوري وتقتيله المتواصل للشعب السوري لأكثر من 11 شهرا يكشف أزمة أخلاقية مسفتحلة وأعتقد أن ربط القرار التونسي بتهويمات الإرتماء في أحضان الغرب يكشف عمق الأزمة الفكرية لطائفة من الكتاب مازالت تقتات من فتات الحرب الباردة. صحيح أن القرار التونسي كان مفاجئا للكثيرين ولكن: أهلا بكم في تونس الجديدة.

  • ahmed
    الأربعاء 8 فبراير 2012 - 09:08

    الاملاءات الامريكة والصهيونية والخليجية هي من طردت السفير السوري من تونس. والذي يقتل الشعب السوري هم من يسمون انفسهم" بالثوار"المدعمون بالمال والسلاح والعتاد من الخارج . فسوريا جاء دورها كالصومال وكالعيراق وكليبيا لانها مستقلة في قرارها وحامية للمقاومة ومن الدول الممارقة . صدق او لا تصدق الشعب السوري يقتل من طرف انظمة رجعية محميةعربية باوامر امريكية صهيونية غربية . والشمس لا تغطى بالغربال . ولا تحرفوا الحقائق .

  • MOHمحمد
    الخميس 9 فبراير 2012 - 09:52

    موقف الشعب التونسي هو تماما موقف الحكومة. ومن يصدق أو يفند هذا ما عليه إلا التجول في الشارع في المقاهي في الجامعات وحتى في الحانات فيا عجبي من الذين ً يبغونها عوجا

  • عربى
    الجمعة 10 فبراير 2012 - 01:37

    بارك الله فيك يا صاحب المقال بالفعل كلام صحيح 100/100

  • salih
    الجمعة 10 فبراير 2012 - 18:18

    pourquoi ne pas envyer les fr.les ame.les holl………….? les palestiniens ne meurent pas

  • مسلم
    الجمعة 10 فبراير 2012 - 19:47

    ايها الاخ في الانسانية كان عليك قبل كتابة هذا المقال ان تستشير ضميرك اولا او انسانيتك فالعملية بسيطة ولا تحتاج الى كل هذا اللغط
    فالفضل كل الفضل في ما يعيشه العالم راجع بالاساس الى الشعب التونسي وهذا سيخلده التاريخ رغم انف الجميع

  • يوسف
    السبت 11 فبراير 2012 - 12:40

    لا احد يقبل ما يفعله الارنب المستساسد عي شعبه علي الاطلاق ومن مصلحة تونس طرد سفير عصابة من تونس اما الاخ رقم تعليق4 كلامك مجرد كلام انشائي افقدتم عقولنا به فاصبحتم اضحوكة الصغير والكبير عصابة نضام الارنب في الجولان واسد في حمص اكبر عميل ويكفيه انه باع الجولان ولم يطلق رصاصة واحدة لاسترجاع اراضيه

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج