حكومة "كفاءات".. هل مُمكنة دستوريا؟

حكومة "كفاءات".. هل مُمكنة دستوريا؟
الأربعاء 27 ماي 2020 - 23:21

بصرف النظر عن النقاش السياسي الدائر بين فرقاء الحياة السياسية في المغرب وباقي المهتمين، ومن دون الدخول في حيثيات ذلك وأسبابه والردود المتباينة حوله، فإن هذا المقال يأتي في سياق مناقشة دستورية محضة لا تبتغي الانتصار إلى هذا الطرح أو ذاك، وإنما سياقها هو عرض وجهة نظر تحاول مقاربة الموضوع قانونيا، ما دام تقليب بنود الدستور لا يسعفنا في تلمس بأنه يمكن بأي صورة من الصور إقالة رئيس الحكومة من قِبل الملك، وإنما يمكن للأخير إقالة الوزراء بعد استشارة رئيس الحكومة أو حل مجلس النواب، أما أن يتجاوز ذلك إلى إقالة رئيس الحكومة أو تعيين حكومة “كفاءات” فهذا غير ممكن من الناحية الدستورية، وهذا بيانه:

ينص الفصل 47 على: “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها. للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية. يترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها…” ما يفيد بأن الملك ملزم دستوريا بتعيين الحكومة من الحزب الفائز بالأغلبية في انتخابات مجلس النواب، وأن الحكومة الوحيدة الممكنة دستوريا هي الحكومة الحزبية، وهذا هو الأساس الذي يحكم الأنظمة البرلمانية في العالم من دون استثناء، وبما أن الدستور ينص على الملكية البرلمانية، فالمغرب ينضبط لهذا التقليد ولا يمكنه مخالفته.

وأما إذا تم حل مجلس النواب، فإن الحكومة تستمر كحكومة تصريف الأعمال إلى حين تعيين حكومة جديدة، ونفس الأمر في حالة استقالة رئيس الحكومة، أو تعيين ملكي وتنصيب برلماني (أسطر على تنصيب) لحكومة جديدة إذا تعلق الأمر بحل البرلمان أو إسقاطها عبر ملتمس الرقابة، بمعنى أن شكل الحكومة الوحيد الممكن دستوريا، هو الحكومة السياسية سواء بعد تعيينها من الملك، أو بعد تنصيبها من طرف مجلس النواب، أو بعد حل مجلس النواب أو سحب الثقة منها من طرف هذا الأخير، وسواء كانت حكومة منصبة قانونيا أو حكومة لتصريف الأعمال.

وحتى إذا استقال رئيس الحكومة أو توفي، فإنه لا يوجد في الدستور ما يستند عليه رئيس الدولة في تعيين شخص من خارج حزبه، علما أن استقالة رئيس الحكومة تؤدي إلى استقالة كامل الحكومة، لكنها تستمر كحكومة تصريف الأعمال، إلى أن يتم تعيين شخص آخر من نفس الحزب أو إعادة الانتخابات بعد حل مجلس النواب، وهذا هو الحال الذي تسير عليه أعرق الديمقراطيات البرلمانية (لا تترتب على استقالة الوزير الأول في بريطانيا استقالة الحكومة، وإنما فقط تغييره بشخص آخر يصبح هو زعيم الحزب الذي تنتمي إليه الحكومة، كما يترتب على تغيير زعيم الحزب الذي يرأس الحكومة تغيير تلقائي لرئيس الحكومة).

يمكن الخلوص إلى أنه من غير الممكن دستوريا إقالة رئيس الحكومة -حتى وان ارتكب خطأ جسيما- إلا عن طريق ملتمس رقابة أو حل البرلمان، ومع ذلك تستمر الحكومة في تصريف الأعمال، بمعنى أن الملك لا سلطة له على رئيس الحكومة خارج المناقشات والتوجيهات التي تتم داخل المجلس الوزاري، ولا يمكنه معاقبته أو إقالته، وإنما ذلك من صلاحية مجلس النواب وحده إذا أراد تفعيل ملتمس الرقابة، طبعا توجد طريقة أخرى لمحاسبة الحكومة من طرف الملك من خلال إقالة كل الوزراء وعدم الموافقة على تعيين وزراء جدد (نسجل ملاحظة هنا تتعلق بمسألة استشارة رئيس الحكومة قبل إقالة وزير أو وزراء، حيث يطرح السؤال حول التصريف القانوني لهذه الاستشارة، وماذا يحدث إذا ما رفض رئيس الحكومة إقالة وزيره) أو من خلال حل مجلس النواب.

أما تعيين شخص آخر من خارج الحزب الفائز في انتخابات مجلس النواب، فهو أيضا غير ممكن دستوريا، لأن الدستور لم ينص إلا على طريقة واحدة في تعيين وتنصيب الحكومة، كما لا يقر بأي حكومة أخرى غير الحكومة المنبثقة من الأحزاب، أما حكومة كفاءات أو وحدة وطنية فهي غير واردة في الدستور، وأي تفكير في هذا السيناريو يحتاج إما إلى تعديل الدستور أو خرقه.

بمعنى آخر، لا مجال في المغرب، حسب الدستور الحالي، لإبعاد حزب معين عن الحكومة أو الحؤول دون وصوله إليها، إلا منافسته سياسيا، والتقدم عليه في انتخابات مجلس النواب.

*أستاذ القانون الدستوري

‫تعليقات الزوار

6
  • اي حكومة كفاءات ؟
    الخميس 28 ماي 2020 - 07:48

    هناك في الأحزاب، ثلاتة أصناف من المنخرطين، الصنف الأول، الكفوء مهنيا أموال و أعمال و سياسيا له تجارب اجتماعية و وزاريا ،و هو المرغوب فيه ، هناك الكفوء سياسيا ،رأس مال و أعمال و خبرة انتخابية، و متواضع وزاريا، مثال الداودي أو وزير الاتصال سابقا، و هناك الصنف الاخير، أموال بدون خبرة مهنية أو سياسية ،و يشكل خطرا على العمل الحكومي متل وزير العليم بلمختار ، حكومة كفاءات ولكن داخل التحالف الحكومي، الانتخابات تغير الخريطة السياسية للمغرب ،ولكن هناك دائما معارضة و أغلبية، الحديث عن حل البرلمان غير ممكن الا في حالة حرب "و الكلام للحسن التاني " هل المغرب في حالة حرب ،؟هل كورونا عدو حقيقي ؟ في عدم وجود حرب ،الحديث عن حكومة وطنية هو نكوص سياسي والعودة إلى قاموس الستينيات اي إشكالية التعددية و الحزب الوحيد، و دلك متجاوز،و كدلك التناوب، حتى في أمريكا أو انكلترا، فالتناوب ليس مطلقا،

  • لحريزي
    الخميس 28 ماي 2020 - 09:46

    من المفترض أن تكون حكومة كفاءات من داخل الحزب أو الأحزاب التي تشكل الحكومة، بمعنى أنه على الحزب بعد فوزه في الاتخابات أن يقترح الاستوزار على مناضلين تتوفر فيهم الكفاءة اللازمة. وهذا سيجرنا إلى مسألة أخرى أساسية وهو أنه على الأحزاب، التي تناضل من أجل الوطن بشكل حقيقي، أن تجند مناضليها من خلال الإستثمار في تكوينهم في مرحلة الشباب في تخصصات متعددة حتى يكونوا أكفاء لتحمل المسؤولية السياسية الحكومية في حال فوزها في الإنتخابات.

  • amaghrabi
    الخميس 28 ماي 2020 - 13:42

    صراحة انا اتفق مع حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يدعو الى حكومة وطنية لان الظرف الذي يمر به الوطن عصيب جدا داخليا وخارجيا وبالتالي يحتاج الى عصارة من السياسيين الأقوياء لكي ينقذوا الوطن من الاخطار المحدق به ,فالمواطن المغربي في غليان داخليا والعدو الجزائري في استفزاز مستمر ويزيد تصعيدا يوما بعد يوم ,وفي هذا الأوضاع اقترح شخصية قوية لتسند ايه رئاسة حكومتنا مرحليا حتى تنكشف الغمة وتتضح الرؤية الا وهو مستشار جلالة الملك علي الهمة المحترم المثقف والواعي والقوي ,فهو رجل المرحلة فاعتقد انه يستحق ان يقود الحكومة تحت رعاية الملك حفظه الله في هذه السنين المخيفة والسيئة

  • مغربي
    الخميس 28 ماي 2020 - 16:04

    كيف يعقل 40 وزيرا+ كتاب الدولة كوزراء أشباح+ حالي 600 برلماني لا يقدمون شيئا ,يجب التقليص منهم ب 60 %,والكفاءة والرزانة والحكمة ضرورية لملء الفراغ الحاصل وقطع الطريق على الشعبويين ومستغلي عاطفة القطيع.

  • الناقد
    الجمعة 29 ماي 2020 - 11:57

    السياسة هي قبل شيئ اخلاق. فلا يمكن ان تكون في الحكومة او البرلمان او على را س الحزب وليست لديك كفاءة او شيئ من التجربة والخبرة لتشكل اضافة. طبعا الحكومة في المغرب لا تحكم. الملك هو من يحكم. وهذا لانقاش فيه.هل المغرب ملكية برلمانية? نعم, ولكن على الورق فقط. يبقى الامر اذن في يد الملك اولا واخيرا. ولهذا قلت دائما يجب ان يكون هناك حزبين اوثلاثة في المغرب. ليس لدى الاحزاب رؤيا لحل مشاكل المغرب. ولكن لديها مصالح شخصية متداخلة مع بعضها البعض وبالتالي تفسد السياسة وتنفر المغاربة منها

  • عبدالبرنصوح
    الجمعة 29 ماي 2020 - 21:43

    برافووو أستاذ..مقال يعيد الأمور إلى نصابها، ويذكر بضرورة احترام الدستور، ولا شيء غير الدستور..

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة