إسلام السوق أو النيوليبرالية الملتحية

إسلام السوق أو النيوليبرالية الملتحية
الجمعة 29 ماي 2020 - 08:38

“إسلام السوق المتحول إلى فضائل السوق والشأن الخاص وإلى قضية الحد الأدنى من الدولة، يظهر الآن بوصفه الشريك المثالي للأمريكيين ليس فقط في سياستهم الشرق أوسطية، ولكن أيضا في صراع الحداثة التي تواجهها أمريكا مع عصر الأنوار الأوروبية”

يقولون وختامه مسك، بمسك الفقرة أعلاه ختم الباحث “باتريك هايني” كتابه المثير للجدل “إسلام السوق”. في هذا الكتاب تناول “باتريك هايني” ظاهرة الإسلام المُبَرجَز والمُلَبرَل الذي خرج من قبعة الإسلام السياسي كما تخرج الأرانب من قبعة الساحر. غير أن ذاك الخروج وإن كان اختيارا تكتيكيا لدى بعض قيادات تنظيمات الإسلام السياسي، بشقيه الرئيسيين الإخواني والسلفي، فإنه أصبح نهجا استراتيجيا لدى أغلب نخب وقواعد تلك التنظيمات. لقد مضى زمن كان فيه شعار “الإسلام هو الحل” يسحر العقول والأفئدة، وآن أوان “لاهوت النجاح”.

لقد صدر كتاب “باتريك هايني” في طبعته الفرنسية الأولى سنة 2005، وبقي مثار جدل في صفوف حركات الإسلام السياسي حتى وصلت بعض تنظيماتها إلى الحكم سنة 2011 ممتطية صهوة “الربيع الديموقراطي” في بعض دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط. مع بداية تجربة الإسلاميين في الحكم ازداد الاهتمام بالكتاب سواء من طرف المتعاطفين مع التجربة أو المناوئين لها. وقد كان للكتاب ومازال الصدى الكبير عند المهتمين بإسلام السوق المغربي، خصوصا وأن كاتبه خص التجربة المغربية بما يليق بها من الاهتمام.

يعتبر “باتريك هايني” إسلام السوق بالمغرب حالة نموذجية – un cas d’école – من بين حالات أخرى تطرق إليها في كتابه، خصوصا المصرية والتركية. بالنسبة لهايني تندرج السياسة الإسلامية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية ضمن “حرب الأفكار”، للتأثير ليس فقط على المجتمعات المسلمة ولكن على الإسلام نفسه من خلال دعم الإسلام السياسي النيوليبرالي، كما أن تلك السياسة جزء من استراتيجية التمكين للنموذج النيوليبرالي وتوأمه الرأسمالية المتوحشة في العالم الإسلامي، مغلفان بما يلزم من التدين المشَذب والمعالج وفق معايير “المنجمنت” –le management – على الطريقة الأمريكية. لذلك تقدم الولايات المتحدة الأمريكية كل الدعم اللازم لتنظيمات الإسلام السياسي النيوليبرالي ومن بينها المغربية.

بالنسبة لباتريك هايني، وجد “العم سام” في الإسلام السياسي أكثر من مجرد تحالفات تكتيكية أو ظرفية، لذلك تتحرك الدبلوماسية الأمريكية لحماية حلفائها الإسلاميين كلما اقتضت الظروف ذلك. فقد تدخلت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لمنع حل حزب العدالة والتنمية المغربي عشية الاعتداءات الإرهابية يوم 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، يقول صاحب “إسلام السوق”، كما أن خَلَفَ السفيرة “ماركريت توتويلور” تَدخل سنوات قليلة بعد ذلك لفرض تأجيل محاكمة السيدة نادية ياسين، كريمة المرحوم عبد السلام ياسين المرشد العام لجماعة العدل والإحسان قيد حياته، بعد أن اعتبرت النظام الملكي غير مناسب للمغرب، خلال مداخلة لها بجامعة بيركلي الأمريكية.

لا يقتصر الدعم الأمريكي لتنظيمات إسلام السوق المغربي على ما هو ديبلوماسي، بل يكتسي تكوين أطر تلك التنظيمات أهمية كبرى لدى صانعي القرار في واشنطن، ديموقراطيون كانوا أو جمهوريون، فدعم إسلام السوق ثابت استراتيجي في السياسة الأمريكية. والمتتبعون للشأن السياسي بالمغرب يعرفون أسماء الوزراء الإسلاميين الذين استفادوا سابقا من دورات التأطير والتدريب في إطار البرنامج الأمريكي الاستراتيجي الشامل ذي الصلة. كما أن أمريكا تواكب الأداء السياسي والتنظيمي لإسلام السوق بالمغرب عبر العديد من المراكز والمعاهد كما هو الشأن بالنسبة لمعهد “كارنيغي” للشرق الأوسط الذي أسس من أجل تقديم وجهات نظر تحليلية وفهم مقارن واسع لكيفية حدوث التحولات السياسية وخبرة إقليمية عميقة للتأثير في مسألة التطور السياسي.

مقابل الدعم الأمريكي، التزمت تنظيمات إسلام السوق بالمغرب، كل من موقعه وحسب إمكانياته، على الاشتغال تحت سقف الأجندة السياسية والاقتصادية الأمريكية بالمنطقة، وتوخيا للإيجاز سنقتصر على حالة حزب العدالة والتنمية. فقد تخلى هذا الحزب عن الشعار المحوري الكلاسيكي “القرآن دستورنا والإسلام هو الحل”، كما نزع القداسة عن علاقة المنخرط بالتنظيم، فالالتزام التنظيمي سبيل من أراد بحبوحة الدنيا والمناصب، ولم يعد لبحبوحة الجنة علاقة بالأمور التنظيمية. كما أن المطلع على البرنامج الانتخابي الأخير لحزب العدالة والتنمية سيكتشف بأنه ورغم الكثير من البهارات الإنشائية، فإن الأهداف الاستراتيجية الخمس ليست سوى النسخة المغربية للتوصيات النيوليبرالية لإجماع واشنطن – Washington Consensus- الذي تبناه كل من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وتدعمه الإدارة الأمريكية منذ ثلاثة عقود.

فالمرجعية الدينية لحزب العدالة والتنمية تتفاعل بشكل إيجابي مع الأسس الفلسفية للسوق، والنزعة الفردانية، وتقليص أدوار الدولة إلى الحد الأقصى الممكن، كما تتفاعل إيجابا مع تشجيع القطاع الخاص وشبكات الإحسان المدنية. وكلها ثوابت في أيديولوجية المحافظين النيوليبراليين بأمريكا. يقول “باتريك هايني”: “إن إسلام السوق يميل تدريجيا وعبر مفارقة غريبة لكنها قوية في اتجاه أمريكا المحافظة”. كما تتقاطع الأجندة الأخلاقية عند تنظيمات “إسلام السوق” في الكثير من القضايا مع مثيلتها لدى المحافظين بأمريكا، خصوصا تلك المرتبطة بالحقوق الفردية كالإجهاض والمثلية.

ختاما، يمكن القول إن تغول “إسلام السوق” بالمغرب أكثر مما هو عليه الآن، أمر وارد جدا، فارتباطاته بالأجندة الأمريكية يعطيه مظلة سياسية ثمينة، وأجندته الأخلاقية تعطيه امتيازا على خصومه في المغرب المحافظ، وتوفره على شبكة من التنظيمات الإحسانية يضمن له قاعدة مستقرة من الزبناء. في المقابل، يمكن القول إن تراجعه محتمل أيضا، إذا استطاع خصومه بناء أدوات تنظيمية في مستوى التحدي وبلورة بدائل مجتمعية تحترم ذكاء المغاربة وتستجيب لطموحاتهم.

‫تعليقات الزوار

11
  • حكيم
    الجمعة 29 ماي 2020 - 09:27

    هناك مناهج عديدة لتفسير الظواهر، اجتماعية كانت أم اقتصادية أم غير ذلك ولكن هذه أول مرة أقف على تفسير "ملتح" ولم لا فقد صارت اللحية موضة وتقليعة عند شباب اليوم فلم لا نخرج لهم تحليلا بلحية. قريبا سنسمع بشراب يطيل اللحية وعصير يرطبها … أن يخرج المتحلل والعلماني المتطرف من عباءة اللبرلة مهضوم جدا وأن يخرج الفيلسوف المتأدلج بالحداثة التي قد تعارض بداهة النصوص التراثية التي تدرسها وتنتج لنا فكرا أقل ما يقال عنه أنه انتهازي ووصولي فهذا أمر عادي وربما لهو "الحق" الذي يتعدد وهذا من صوره … لكن أن يخرج من عباءة الحداثة "إسلام ملبرل" له من المرونة ما يؤلف بين الحداثة المالية وأصالة فلسفته الاقتصادية فهذا محط استنكار ومدعاة للخوف من النوايا التي … وكأن كل فلسفة اقتصادية ليست لها "نواياها التي .."

  • AHMAD
    الجمعة 29 ماي 2020 - 10:33

    Après avoir lu l'article de Mr Hittus Abdallah, il me semble que le curseur doit être désoramis mis sur les questions économiques et sociales. Tous les débats sur les valeurs ne font que renforcer les malentendus entre les progressistes et une bonne partie de la société, ce qui fait l'affaire des islamistes. Tous les progressistes de tous bords doivent contribuer à remettre le débat là ou il doit être à savoir les choix économiques et les accointances
    des islamistes avec les puissances du capitalisme
    sauvage. Merci

  • العربي العربي
    الجمعة 29 ماي 2020 - 11:57

    تنظيمات "إسلام السوق"!!؟؟
    السوق يخضع لقانون العرض و الطلب وهذا القانون تتحكم فيه الدول الصناعية التي هي من ينتج كل شىء كل شىء السلع الافكار السلاح … حتى اوراق الدولار و الاورو و الين .. هي من تنتجها و تطبعها كي تبيعها لباقي دول التي لا تنتج اي الدول الاسلامية
    الان الكل يسعى الى الابتعاد عن كل ما له علاقة بالتيارات الاسلامية السياسية حتى السعودية نفسها التي انتجت و سوقت لعقود التيار الوهابي الاسلامي السياسي وهي الان تحاول ان تتخلص من هذا التيار لكن كما يقول المثل المغربي " دخول الحمام ماشي بحال خروجو "

  • إبراهيم حمدي
    الجمعة 29 ماي 2020 - 13:45

    عجيب أمر بعض العلمانيين المغاربة فهملا يكلفون أنفسهم البحث في الواقع المغربي واستكناه النوايا والمقاصد وهم أقرب إليها من حبل الوريد، ينتظرون دائما إلى أن يستلهموا الرّد على ذلك الواقع من خلال كتابات الأجنبي كي يوجهوا ماسورة نقدهم اللاذع للنظم الإسلامية ذات الطابع السياسي، وأعتقد أن هذا المسار مسار خاطئ لأن الإنسان يتعين عليه أن لا يكون إمعة ينتظر دائما تعلم سلوك من أسياده "الحداثيين الغربيين"، أليس للإسلام الحق في أن يدافع عن رؤاه عن طريق السياسة ؟ سبحان الله ….

  • asalmad
    الجمعة 29 ماي 2020 - 13:47

    هل حقا استفاد بعض وزراء العدالة والتنمية من تكوين أمريكي؟ هل تدخلت أمريكا لصالخ العدالة والتنمية وتادية ياسية من العدل والإحسان؟ …الشعب المغربي من حقة أن يعرف…
    جاء في المقال ما يلي: "فقد تدخلت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لمنع حل حزب العدالة والتنمية المغربي عشية الاعتداءات الإرهابية يوم 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، يقول صاحب "إسلام السوق"، كما أن خَلَفَ السفيرة "ماركريت توتويلور" تَدخل سنوات قليلة بعد ذلك لفرض تأجيل محاكمة السيدة نادية ياسين، كريمة المرحوم عبد السلام ياسين المرشد العام لجماعة العدل والإحسان قيد حياته، بعد أن اعتبرت النظام الملكي غير مناسب للمغرب، خلال مداخلة لها بجامعة بيركلي الأمريكية."

  • jamal
    الجمعة 29 ماي 2020 - 15:12

    عجيب أمر صاحب التغليق رقم أربعة. يدفع بالمؤامرة حيث لا توجد. فل تعلم أيها الأخ الكريم بأن الكثير من قيادات التيار الٌإسلامي تفاعلت مع الكتاب بالنقاش لا بالإتهامات، كما أن تقديم الكتاب كان من طرف الدكتورة هبة رءوف عزت مفكرة مصرية وناشطة سياسية من التيار الإسلامي ومحاضرة زائرة بالجامعة الأمريكية في القاهرة وكاتبة صحفية واستاذة العلوم السياسية – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة. اشتهرت بدروسها مع الشباب والشابات تحت مسمي درس وحوار الثلاثاء. أما ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية فكات من نصيب الأستاذة عومرية سلطاني…أدعوك للبحث عن من تكون على موقع غوغول…حتما ستغير رأيك

  • عبد الله
    الجمعة 29 ماي 2020 - 15:33

    أمريكا لا تحب الإسلام و إنما تحب خراب البلدان العربية والإسلامية ليس لأطماع اقتصادية و إنما لكره صليبي دفين و ذلك عن طريق استغلال فكر الإخوان المسلمين الذي يرى أن الركن الذي يقوم عليه الاسلام هو الدعوة الى إقامة خلافة فوق كل أرض و تحت كل سماء و لن يتم لهم ذلك الا بالإطاحة بالنظم الحاكمة و هذا طبعا يؤدي إلى خراب و دمار و هذا ما يفسر الدعم اللامشروط من أمريكا للإخوان و المنهج السلفي بريء من هذا الفكر أقول المنهج السلفي و ليس السلفيون لأنه قد يكون شخص يدعي السلفية و منهجه إخواني و الرسول ص بين أركان الإسلام و الإيمان و الإحسان في حديث جبريل المشهور و لم يذكر الخلافة في أي منها

  • واخمو
    الجمعة 29 ماي 2020 - 19:31

    الإسلام كمنظومة فكرية اقتصادية واجتماعية وسياسية هو أقرب الى النظام الرأسمالي منه الى النظام الاشتراكي ، وهو ما يفسر توالي الانتكاسات لما يسمى بالتجارب الاشتراكية ، على ضآلتها ، في المجتمعات الإسلامية ، والارتماء رأسا في أحضان النظام الرأسمالي .
    تقديس الملكية الفردية وحرية احتكار وسائل الإنتاج أهم القواسم المشتركة بين الإسلام والرأسمالية ، وتبقى أقوى وأعمق وأمثن وأقوى من بعض مظاهر التشنج والاختلاف في المرجعية الدينية .

  • mourad
    الجمعة 29 ماي 2020 - 20:35

    ولكن هذا الكتاب قديم ولم يعد ينطبق على هذه المرحلة ، مريكان طالعين ليها الخوانجيا فالراس معا ترامب

  • jamal
    الجمعة 29 ماي 2020 - 22:25

    En réponse au dernier commentaire, la réponse à ton souci est dans l'article: "
    "لا يقتصر الدعم الأمريكي لتنظيمات إسلام السوق المغربي على ما هو ديبلوماسي، بل يكتسي تكوين أطر تلك التنظيمات أهمية كبرى لدى صانعي القرار في واشنطن، ديموقراطيون كانوا أو جمهوريون، فدعم إسلام السوق ثابت استراتيجي في السياسة الأمريكية.

  • بويوسف
    السبت 30 ماي 2020 - 02:12

    شكرا للكاتب على اختياره هذا الموضوع
    الحركات الإسلاماوية تنزع الشرعية عن الإنظمة القائمة، وتطرح نفسها بديلا لأنها إسلامية والإسلام هو الذي ينبغي أن يحكم وانتهى الكلام.
    الملاحظة التي أريد إضافتها هي لماذا شجعت بريطانيا وبعدها أمريكا الحركات الإسلامية، في نظري هناك أسباب كثيرة، أهمها كونها السلاح الوحيد لمواجهة الفكر الإشتراكي باعتباره أكبر خطر على الرأسمالية في صورها المختلفة، فالحركات الإسلامية كفيلة بضمان "فوضى خلاقة" تضمن تدفق المواد الأولية للمركز وتصريف المنتجات في المحيط ( فكرة المفكر سمير أمين ) أي تكريس التبيعة لأن الحركات الإسلامية ليس من أولوياتها خلق اقتصاد وطني مستقل، بل لا يمكن خلق هذا الإقتصاد لأنه يتوقف على اعتماد المناهج العلمية بدون تحفظ ومحاربة الخرافة.
    لذلك يتعين أن نعي في المغرب أن ضمان الديموقراطية والتطور الإقتصادي الحقيقي والإستقرار، يتطلب تضافر جهود من يعنيه الأمر لدحر وفضح تجار الدين، عملاء الهيمنة الأمريكية.
    وإن تركيا – العدالة والتنمية – وقطر يعطيان الدليل القاطع على أن أمريكا وراء حركة الإخوان المسلمين.

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب