ماذا عساني أن أقول في هذا اليوم الحزين جدا لفقدان رجل عظيم، بصدقه، وحنكته وحبه للشعب المغربي. لقد غادرتنا ذاته، كتاريخ روح وجسد بصم بقوة المخيلة المغربية في كل البقاع الجغرافية الوطنية، تاركة وراءها ثروة سياسية وفكرية ستبقى راسخة في تاريخ المملكة المغربية. لقد غاردنا من رفع، بعزم خارق، شعار إنجاح خلافة القيادات التاريخية لحزب القوات الشعبية وعلى رأسها عبد الرحيم بوعبيد. لقد ناضل بالشجاعة المطلوبة، وبحكمة ناذرة، وبصدق شديد، وبمردودية قصوى، وبتكامل في المناهج والأبعاد الإيديولوجية والمقاربات التنفيذية في حياته المهنية كمحامي، وفي مشواره السياسي والإعلامي. لقد وصل الرجل مرتبة الاستحقاق الوطني في الزعامة السياسية حولته إلى نجم سياسي ورئيس حزب جماهيري وتاريخي، وإلى قائد فذ للدولة والسلطة في شقيها التشريعي والتنفيذي في إطار مشروع واضح المعالم.
إنه مسار رجل، قادته طوال أكثر من تسعة عقود روح زكية، وعقل ذكي دائم التفكير، وآذان صاغية للآراء والانتقادات الفكرية الموضوعية والغيورة على الوطن، إلى النجومية الفكرية والسياسية التي كان لا يعيرها أدنى اهتمام مقارنة مع ثقل الأمانة التي حملها لنفسه بنفسه لخدمة الشعب المغربي ووطن انتمائه واضعا نصب عينيه دائما أن المغرب جزيرة مطوقة بالأطماع الخارجية. لقد حولته الأحداث المتراكمة إلى تاريخ زعامة بحصيلة جد مشرفة على المستوى الإنساني وطنيا وإقليميا ودوليا. لقد نجح بامتياز في بناء مرجعية للعمل السياسي النبيل، مرجعية عبرت عن تشبث تفكيره الدائم بضمان الارتباط الوثيق في أنشطته اليومية ما بين المسؤولية السياسية والمدارك والإنتاجات المعرفية والفكرية، ارتباط عاش من أجل نصرته، في كل يوم وساعة، وشيد من خلاله نسق معرفي للرجولة السياسية الوطنية الصادقة، مانحا لأجيال اليوم والغد دروسا مبدئية قابلة للتفعيل وزاخرة بالمفاهيم المعرفية المحددة لمقومات الرجل السياسي الناجح في وجوده النضالي اليومي إلى جانب رفاق دربه، وفي قيادته بتمام المسؤولية التاريخية للشأنين الحزبي والحكومي.
إنه مسار تفكير دائم وموضوعي في الوطن ومستقبله، تفكير ثابت على المبادئ، ومفعم بقدرة عالية على الصبر، والتحلي بالصدق التام، والسعي المتواصل للتوضيح والشرح والإقناع لنيل ثقة ورضا الشعب المغربي.
لقد تمكن المقاوم عبد الرحمان، رحمه الله وأكرم مثواه، من إخراج مفهومي الإصلاح والنهضة المغربية بشقيها السياسي والثقافي من فضاء التيه والتفاهة، ليمكن الرأي العام المغربي من الملامسة والاستحضار الواقعي القوي والمفيد للتراكمات الفكرية الوطنية بمشاريعها التنويرية في الممارسة السياسية اليومية، مزكيا بعزم ثابت تقوية ترسيخ الخصوصية التاريخية المغربية. إنها الخصوصية التي ناضل إلى جانبه من أجل تحقيقها الهرميين في مجال الفكر والفلسفة والتاريخانية المرحوم محمد عابد الجابري رحمه الله عبد الله العروي أطال الله في عمره. لقد نجح الرجل في سعيه المنهجي لخلق نوع من التلاحم ما بين السياسة والفكر، تلاحم امتزج من خلاله الفكر بالسياسة في الفضاء العام ليمتد بالقوة اللازمة في أنشطة الفاعلين (مصادر السلطة) في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، بأصنافها الإدارية والاقتصادية والثقافية والإعلامية.
إنه درس حياة وثروة رجل ثمينة حولت اليوم مسؤولية الإصلاح النهضة ببلادنا إلى أمانة أثقل جدا من سابقاتها. لقد ورثت عنه أجيال الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات حب الشعب برؤية المستقبل، ليصبح رهان الاستجابة للتحديات المستقبلية مرتبطا بحدة التمسك بالوفاء للزعماء الصادقين وعلى رأسهم المرحوم عبد الرحمان اليوسفي.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
إنا لله وإنا إليه راجعون . عبد الرحمن اليوسفي … آخر رجال السياسة المحترمين .
عاش فكرا لا ينفع وسياستا لا تشفع ومات موتتا لا تخشع .
… رحمه الله كان معارضا يساريا و سياسيا معتدلا .
لقد كان معارضا للتوجه الليبيرالي للنظام المخزني بعد الاستقلال حيث كان من المؤسسين لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959 مع رفاقه بن بركة وعبد الرحيم اليوسفي والفقيه البصري وعبد الله ابراهيم وغيرهم .
لما ترأس عبد الله ابراهيم الحكومة شرعت
في التقرب رموز المعسكر السوفياتي أمثال شي غي فارا ، مما اغضب التحالف الغربي فرنسا وحلفائها و تم بشتى الوسائل الضغط على محمد الخامس فأقال الحكومة الاشتراكية وعين حكومة ترأسها بنفسه.
بعد تولي الحسن الثاني حافظ على تحالفات المغرب لتجنيب البلاد تجاذبات الصراع بين المعسكريين وابعد اليساريين عن الحكم الى ان تفكك المعسكر السوفياتي وزال خطر التجاذبات والتأميمات واقترح التناوب على السلطة.
عندما نقول مع أنفسنا أولغيرنا: وداعا سي عبد الرحمان اليوسفي، فهذا معناه أننا نودعه لنفارقه، والمنطق يقول أن هذا الرجل بشخصه وسيرة حياته، قدم عطاءات متميزة عن غيره في الزمان والمكان والنوعية،ولذا فانه يحتاج منا الى اعتباره بيننا دائما كقذوة ونموذج ينتظرمنا الى المعرفة والتأريخ،حتى يتكررفي مغربنا من سيحدو حدوه في ثباث الكلمة والموقف وقوة العزيمة والمنهج سواء في الرأي الوطني أو السياسي.
هناك الكثير ممن لايعرفون عنه سوى أنه كان رئيسا لحكومة التناوب،خاصة لدى الشباب والاطفال والكثير من المواطنين،وهذا غير مقبول.
فاذا كان الرجل قذوة بالفعل،فاننا مسؤولون عن تقديمه لأطفالنا كزعيم مغربي من أجل الاستقلال والاصلاح ،ثم من أجل التناوب والتنمية،ثم من أجل انتقال السلطة بسلام وأمان. هذه محطات ماشي ساهلة.
في منصبه الحكومي،تميز الرجل بصرامته المنهجية لدرجة أنه اعتبرالوطن أولوية،ومن يتمحن ويموت من أجل هذا الوطن،سنموت معه.
السيرة الذاتية ستكون حاضرة بقوة في كل المناهج الدراسية وفي كل المهرجانات الوطنية. ويكفينا فخرا أنه قال لبعض أعضاء حزبه:أنتم تحبون المناصب،وأنا غير ذلك. رحمك الله ياسي اليوسفي.