الأحزاب وأزمة الثقة

الأحزاب وأزمة الثقة
الجمعة 31 يوليوز 2020 - 23:03

“رصيد الديمفراطية الحقيقي ليس في صناديق الاقتراع، بل في وعي النّاس” – جان جاك روسو.

اعتبر البعض أن من حسنات كورونا أنها وصلت حبال الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، بفضل الحزم والانضباط الذي أظهره رجالات الدولة بدءا من السياسة الاستباقية، مرورا بالحرص على تنزيل إجراءات الحجر الصحي من خلال نزول رجال السلطة ورجال الأمن والقوات الأمنية بشتى أطيافها إلى الشارع، بهدف حث المواطنين على الالتزام بقواعد الحجر الصحي إضافة إلى تعويض الفئات المتضررة من توقف عجلة الاقتصاد، قد يكون هذا الرأي غير مجانب للصواب نسبيا لكن ليس مطلقا. لكن اللافت للانتباه أن هذه الجائحة الوبائية شكلت فرصة تاريخية للأحزاب المغربية كي تستعيد دورها كمؤسسات مسؤولة وذات ثقل مرجعي في هرم الدولة. شخصيا انتظرت من هذه الأحزاب أن تتبنى برامج وخططا موازية لتلك التي التزمت بها الدولة، فتعمل من جانبها على اقتراح وإيجاد حلول للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية التي أطلت برأسها بمجرد استفحال وباء كورونا، لكن ما الذي فعلته هذه الأحزاب؟؟ الجواب يعرفه الجميع، استكانت لدور المتفرج السلبي (قد نستثني هنا مبادرة أحد أكبر الأحزاب والتي لم تكن كافية) الملتزم بالصمت، قد تكون هذه الأحزاب حكيمة لأن الصمت حكمة، أحزابنا يا سادتي شبيهة بالحلزون الذي يخلد للنوم طيلة مرحلة ممتدة اسمها البيات، لكن بمجرد أن يصل إلى آذانها طنين الانتخابات تخرج من قوقعتها، تستفيق من سباتها بقدرة قادر.

ونحن لا نزال نعاني من تبعات كورونا التي تثقل كاهلنا لسنوات عدة، خرجت أحزابنا المجيدة من عقال صمتها، الانتخابات مرة أخرى هي من فكت عقدة لسانها، انها (أي الانتخابات) بمثابة إكسير الحياة بالنسبة لهذه الأحزاب التي هرولت للقاء السيد وزير الداخلية لمناقشة رزنامة الانتخابات المقبلة التي ستجري في غضون السنة القادمة. كنت أعتقد في قرارة نفسي أن الأوصاب والعلل التي أصابت المواطنين من جراء فيروس كورونا لربّما ستصرفهم عن مجرد التفكير في الانتخابات، لأن هناك ما هو أخطر من الانتخابات، إنها تداعيات الأزمة المتعددة المستويات: اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا ونفسيا… إلخ، لكن أحزبنا سبحت وتسبح مرّة أخرى ضد التيار. فإذا كنّا نتفق مسبقا على أن المواطن باعتباره ناخبا هو قطب الرّحى في عملية الانتخابات، فهل هناك حزب واحد من أحزابنا فكّر في سيكولوجية هذا الناخب في هذا الظرف العصيب؟؟ لنتفق على أن الانتخابات لعبة ألا يفترض في اللعبة أن تتوافر فيها شروط أساسية؟ إنها أشبه بلعبة كرة القدم وهاهنا أتسأل: هل يمكن أن تزجّ بلاعبيك في مباراة مهمة إذا لم يكونوا مؤهلين بدنيا وذهنيا ونفسيا؟ لقد أنصتّ للمسؤولين الحزبيين حينما خرجوا من اجتماعهم مع وزارة الداخلية فلفت انتباهي كونهم جميعا اتفقوا هذه المرة وعزفوا نفس النوتة: “نأمل أن تكون الانتخابات المقبلة فرصة لاستعادة ثقة المواطنين”.

لقد بات الكل مدركا أن ثقة المواطن والناخبين عامة في مؤسسات الدولة وفي عملية الانتخابات هي ثقة مهزوزة، ودون استعادة هذه الثقة خرط القتاد كما يقولون. وإن تعجب فعجب أن تلجأ بعض الأحزاب إلى تبني سياسة “العصا والجزرة” في استمالة الناخبين إلى التسجيل في اللوائح الانتخابية في مرحلة أولى وفي المشاركة في الانتخابات في مرحلة تالية، وهو ما أفصحت عنه من خلال مقترحات التخفيض من رسوم بطاقة التعريف الوطنية وكذا رسوم جواز السفر واعتبار التسجيل في اللوائح الانتخابية والمشاركة فيها شرطا لولوج الوظيفة العمومية… إلخ.

ليس بمثل هذه الاشتراطات المجحفة والداعية للسخرية يمكن أن ندفع الشباب إلى ولوج المعترك السياسي. إن أحزابنا مطالبة بالقطع مع هذا التردي والانحطاط من خلال ممارسة النقد الذاتي وإعادة النظر في طرق وأساليب اشتغالها في ظل عالم يمور بالمتغيرات في كل لحظة وحين، عالم لم يعد فيه مكان للضحك على الذقون واستغباء الشعوب. يلزم هذه الأحزاب المترهلة أن تشرب من ماء القناعة وتتزيّا بزي الوطنية وحس المسؤولية، وأن تستنشق هواء عليلا صافيا اسمه: “تامغرابيت”. لقد كشفت كورونا الكثير من عيوبنا وأخطائنا، وعوض أن ننكب على اصلاح القطاعات التي شلّها “داء العطب القديم”، ها نحن ندفن رؤوسنا في الرمال وفيما المياه تجري تحت الجسر، عكفنا على النظر إلى صورتنا الكئيبة على صفحة ماء بركة راكد وأسن.

إن هذا اللغط ومهرجانات الكلام التي ستنخرط فيها الأحزاب لا تعدو أن تكون فصلا من فصول مسرحية مكرورة أصابتنا بالملل والاكتئاب. في الختام وكي لا أثقل عليكم بدوري بالكلام، أستعير من الشاعر القديم قوله -في توصيف حال أحزابنا -:

أوردها سعد وسعد مشتمل *** ما هكذا تورد يا سعد الإبل.

‫تعليقات الزوار

7
  • يساري
    السبت 1 غشت 2020 - 00:10

    انا لا أتفق مع الطرح الذي يضع جميع الأحزاب في كفة واحدة فالحزب التقدمي كالاصالة والمعاصرة ليس من مستوى الأحزاب السلفية كالاستقلال ،العدالة والتنمية وغيرهما و إذا كانت الأحزاب السياسية تعاني من الترهل فلأن السياسة نفسها والمجتمع مترهلين بل و حتى الثقافة في هذا الوطن هي في غالبها ثقافة مترهلة تجتر ثقافة العصور الغابرة . غالبا ما يجد الحزب التقدمي نفسه على عدة جبهات في وقت واحد فهو ضد أصحاب المصالح الذين ينفرون المواطنين من السياسة و ضد الأحزاب السلفية الرجعية و ضد الأحزاب التكنوقراطية التي تزيد الطين بلة و فوق هذا ضد استمرار الثقافة التقليدية و مختلف تعبيراتها من شعر وفن…يعقد من مهمة الأحزاب التقدمية نوع الطبقة الوسطى الموجودة المشتة التي لا تملك ثقافة و وعيا إنسانيا عميقاً بوضعها ، وفي حين يطلب من الحزب التقدمي مناهضة دعاوى أعداء الداخل والخارج يكتفي الحزب الرجعي بتجميد الثقافة التقليدية الموجودة ويعمل على إطالة حضورها وبقاءها

  • partis,c"est quoi
    السبت 1 غشت 2020 - 08:41

    le plus important est de comprendre la constitution du makhzen et celles des partis politiques:
    d"abord le makhzen ,sa composition est multiple,elle contient toutes les catégories des marocains,riches pauvres d"origine devenus aisés comme les riches,plus que cela,même les enseignants sont devenus des commis du makhzen sachant donner des cours de soutiens payants,qui dit mieux,donc le makhzen est puissant car il ne fait aucune distinction lors des recrutements,
    les partis ,ne sont pas démocratiques,et promettent beaucoup sans résultats car arrivés au gouvernement,ils sont incapables d"affronter les cadres compétents du makhzen qui maîtrise la situation partout,rien ne lui échappe,
    les partis cherchent uniquement à trouver des places au makhzen ,alors pourquoi adhérer à un parti alors que le chemin est direct pour être commis au makhzen,

  • فريد
    السبت 1 غشت 2020 - 14:04

    Le makhzen est un système, une culture, c'est comme le système des boîtes chinoises :je t'exploite et toi tu exploites les autres et ainsi de suite, l'important c'est le profit tant qu'il y en a mieux c'est.

  • Amaghrabi
    السبت 1 غشت 2020 - 15:19

    الديموقراطية قبل كل شيئ ثقافة وهذه الثقافة هي انتاج فكري عبر العصور وعصارة تجارب بشرية بعد قطع مراحل طويلة ومتعددة,فلا يمكن لمجتمع يعيش بالتفكير السحري ويؤمن بعودة الماضي وينتظر المهدي المنتظر الذي ينشر العدل ويقضي على الجور ان ينجح في ممارسة الديموقراطية واساسها اختيار الحاكم عن طريق الانتخابات ,فبالله عليكم رغم ان المجتمع المغربي فيه سياسيون محنكون وفيه نخبة مثقفة عاقلة ولكن اغلب المواطنين ما زالوا يعيشون في القرون الوسطى ويصدقون كل شيئ بحيث الدجالون المعاصرون يحملون اكاذيب فيصدقون لانهم يقدمون انفسهم مهديون والصادقون الذين يحملون صدقا لا يصدقهم احد الا القليل.فالانتخابات اليوم في المغرب فقدت قيمتها ولا خير يرجى من ورائها فهي ضياع للوقت والمال وترهق خزينة الدولة التي الشعب المغربي في امس حاجة الى كل درهم في خظينته,اوقفوا هذه المهزلة ولو الى حين لانها اصبحت مرتع المنافقين والانتهازيين والوصوليين والكذابين

  • غاضب
    السبت 1 غشت 2020 - 19:34

    إلى amghrabi
    اذا تم حذف الانتخابات كما تكرر في كل مرة فتفضل جود علينا باقتراحاتك و جد لنا طريقا أفضل ولنفترض فعلا أننا ألغينا الانتخابات فكيف سيتم اختيار النخبة السياسية التي ستقود الحكومة و معها الدولة ومن سيختارهم ؟ وعلى أي أساس؟ أظنك تعرف أن بعض الوزراء التكنوقراطيين المعينين كانوا يرفضون الحضور إلى البرلمان للإجابة عن أسئلة النواب لأنهم "معينين من قبل سلطة عليا"؟!! على الأقل الانتخابات تعطي للمواطن فرصة التعبير عن رأيه وتعلمه الاختيار بمسؤولية ووعي . لا تنسى يا amghrabi أن فكرة الانتخابات هي فكرة حديثة بالنسبة للمجتمع المغربي و ربما يرجع سبب يأس المغاربة من الانتخابات والسياسة إلى تاريخ طويل من انعدام مشاركة الفرد كفرد في الحياة السياسية و لا تنسى أيضاً أن المغرب سبق له أن جرب حكومة "الكفاءات" أي حكومة الامنتمون؟!! و لحد الآن مازال من يجهل ان الانتخابات و الديمقراطية هي بنت الفلسفة الحديثة و بنت القيم الحديثة ، هي جزء من كل غير قابل للانتقاء

  • Amaghrabi
    السبت 1 غشت 2020 - 20:47

    الى المعلق رقم5 غاضب,انا رجل سلمي احب ان يمر كل شيئ سلميا والديموقراطية في نظري برد وسلام وليس هناك طريقة احسن منها للوصول الى الحكم.ولكن اقترح فترة الاستراحة للانتخابات المغربية واعادة النظر في الطريقة التي تشرف هذه الانتخابات ,وبالتالي غلق المجالس جميعها بلدية قروية برلمانية مستشارية الى اجل مسمى على الاقل 5سنوات,ونترك الدولة تتحمل مسؤولياتها كما كان قبل 76 بحيث كانت الدولة هي المسيرة ولا وجود لا للبرلمان ولا للمجالس والحالة كانت تسير 10مرات احسن,واليوم نرجع الى عهد ما قبل 76 ونترك الدولة تقوم بكل شيئ ونربح اموال المجالس واموال البرلمانيين واموال الدعم للاحزاب وعملية الانتخابات تحتاج الى الملايير اضافة الى ان الممثلين الذين يلجون المجالس يسرقون يرتشون يفسدون اميون لا يقلعون ولا يحصدون,واليوم من يصل الى البرلمان البرلماني وزوجة البرلماني واولاد البرلماني وهلم جرا,ما الفائدة التي تاتينا من هؤلاء.اضافة ان الامناء العامين للاحزاب اصبحوا ملوكا وسيورثون من طرف ابنائهم بعد موتهم,اقولها بفم مفتوح "اغلقوا عنا هذه المجالس فانها تستنزف خزينة شعبنا ولا تقدم الا الخراب والفساد والضلال"

  • غاضب
    السبت 1 غشت 2020 - 22:15

    amghrabi
    تقول : كانت الدولة قبل 76 تسير على مايرام؟!! لا أظنك تتمنى العودة إلى ذلك "الزمن الجميل جداً " لترى بنفسك كيف كانت ، لا أدري من أين أتيت بذلك لكن في المنطق الترتيب الزمني ذو دلالة و اللاحق متولد عن السابق ، الواقع أن نخب ذلك الزمان بما في ذلك الدولة كانوا متقاعسين في القيام بما هو مطلوب منهم حقا و يحضرني هنا مثال العقيد القذافي الذي ثار على الرجعيين و قام بكل شيء إلا ما هو مطلوب منه حقا أي نقل مجتمعه إلى حالة التمدن والرفاه التي تتمتع بها مجتمعات لا تبعد عنهم كثيراً . هناك نقطة بالغة الأهمية يتجاهلها الجميع : وهو أن قوة الدولة ليس فقط في أجهزتها بل في قوة "أدلوجتها" التي تبين منطق عمل الدولة وتبرره و لك ان تتساءل عن أسباب انشغال الفلاسفة الليبرالين لتحديد مفهوم الدولة و محاولة تأصيل وجودها و أسبابه فلسفيا ثم الدفاع عن مشروعيتها مقابل التنظيمات الأخرى (كالعائلة و القبيلة…)

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب