من الأشياء الجميلة التي تميز جميع مدن أوربا بلا استثناء كثرة المآثر والمعالم التاريخية الدالة على قصة حضارة الإنسان عموما والإنسان الأوربي على وجه الخصوص، حيث ترى هنالك تماثيل شخصيات فلسفية ودينية وسياسية وعسكرية وفنية ورياضية.. التي تقف شاخصة أمامك في الشوارع والحدائق والساحات العامة وبجانب المؤسسات العمومية وحتى الخاصة فضلا عن تأثيثها لصالات المتاحف والمكتبات الكبرى والصغرى على السواء …وإلى جانب هذا وذاك لا يمكن للعين أن تخطئ أقواسا ضخمة تؤرخ لأحداث النصر أو الانتكاسة التي عاشتها شعوب أوربا في فترة من فترات قوتها أو ضعفها… وكنائس ذات معمار بديع وضخم تقرأ في جدارياتها كل تفاصيل التاريخ الديني لبلاد المسيح وما صاحبه من صراعات ومآسي أو إصلاحات وثورات… باختصار وأنت تتجول في هذه المدن وتشاهد تلك الآثار تعيش تاريخ وحضارة ذلك الإنسان وتشعر بآثاره التي تدل على أنه كان هنا وأنجز ما أنجز أو دمّر ما دمّر… فيساعدك ذلك ولاشك في فهم جزء من قصة حياة بعض الناس على هذه الرقعة من البسيطة.. دون الحاجة إلى البحث في بطون أمهات كتب التاريخ والعمران البشري التي لا تُسْعف قراءتها في الغالب إلا الدارسين والباحثين من ذوي الاختصاص في مختلف فنون العلم والمعرفة.
ثم إن المثير للانتباه أيضا أن تجد جميع من يمر بجانب تلك المآثر التاريخية –سواء من أبناء عيسى أو أتباع محمد أو أتباع موسى أو بوذا أو حتى ممن لا ملة له ولادين- من الزوار من مختلف الآفاق أو المواطنين المحليين المقيمين، تجد هؤلاء جميعا يُشدّون إلى تلك المأثر أو التماثيل، لا لـ”يسجدوا لها” أو “يتخذوها أوثانا تعبد من دون الله”… ولكن فقط ليتأملوا نقوشها وبراعة نحاتيها ويسألوا عن بعض جزئيات وتفاصيل تاريخها… أو فقط ليلتقطوا صورا بجانبها لتوثيق ذكرى زياراتهم لتلك البلدان، لأن كل بقعة من تلك البلدان بمدنها وقراها وشوارعها وأزقتها… لها ذاكرة ناطقة تفرض عليك أن تتأملها وتتذكرها.
لكن في المقابل تعالوا بنا نتأمل حال مدننا المغربية ونتساءل هل لها ذاكرة تاريخية أو حضارية ناطقة؟ هل نجد في ساحاتها الفسيحة وحدائقها ومؤسساتها وفي رحاب جامعاتها بعضا مما يدل على أن لها تاريخ قريب أو بعيد؟ هل ما هو موجود فيها مما يسمى آثارا يحظى بالعناية التي تليق بتاريخنا الممتد؟ هل نعرف وجوه عظمائنا من الفقهاء والأدباء والشعراء والساسة والأطباء وعلماء الكيمياء والرياضيات…الذين صنعوا الحياة فوق هذه الأرض الطيبة سواء بأمجادها أو تعثراتها؟
إن الواقع المعيش والمُعاين في مدننا يقول بلسان الحال الوضيع والمقال المُريع: إن مدننا بدون ذاكرة، فلا تجد فيها إلا أطلالا بالية خاوية على عروشها بلا عنوان ولا دليل، تحاصرها القمامة والبول والغائط من كل الجهات، ويسكنها المشردون والمتسكعون والكلاب الضالة وقطّاع الطرق!! ولا تصادف فيها إلا أقواسا من حيطان صماء، بعضها أُعِيد ترميمها بأسمائها القديمة ولكنها من غير روح ولا ذاكرة حضارية؛ وأما شخصياتنا التاريخية العظيمة التي تسمع عنها أجيال وأجيال من المتعلمين وغير المتعلمين ولكن لا ترى لها رسما ولا أثرا ولا تمثالا في متاحفنا أو مكتباتنا العامة أو في جنبات جامعاتنا العتيدة…ربما لأن أهل الحل والعقد في مجالس مدننا أو أهل الفتيا في شؤون الدين والدنيا يُصرّون على استصحاب فتاوى بعض الفقه القديم الذي يُحّرم تماثيل البشر بذريعة “عدم اتخاذها أصناما وأوثانا تعبد من دون الله”!!! مع أن الناس في هذا الشّبر من بلاد الإسلام قطعوا صِلَتَهُم منذ زمن بعيد مع عبادة أهل الشرك والأوثان.
بل إن مدننا المغربية مثلما فقدت ذاكرتها العريقة أضاعت ذاكرتها القريبة سواء على مستوى المعمار أو على مستوى المآثر، إذ لم تحافظ حتى على مآثر الحقبة الاستعمارية ومعمارها المتميز المتجلي في قاعات سينما ومسارح وتماثيل ونافورات وساعات… حيث قام بعض المغاربة بتخريب تلك المآثر تحت مسمى الغيرة الوطنية والتخلص من إرث المستعمر النصراني!! وما بقي منه صامدا لفترة من الزمن تمّ طَمْره من خلال مخططات التهيئة العمرانية وبرامج تحديث المدن المتعاقبة منذ الاستقلال، ولكن ليس بما هو أجمل وإنما بطبقات سميكة من الإسمنت المسلح والخرسانة الحديدية والإسفلت الأسود فأصبحت جميع مدننا تتشابه شكلا ومضمونا، لا نفرّق بين الأصيلة منها ولا العصرية!! وحتى حين تمّ التفكير في تشييد مآثر تُمَيّز كل مدينة عن أخرى لم تتفتق عبقرية “مبدعينا” ومهندسينا سوى عن بناء معالم بَطْنِيّة عبارة عن أشكال هندسية إسمنتية لأواني ضخمة للأكل أو الشرب فصارت لدينا “أكبر قصعة كسكس” و”أضخم براد للشاي” و”أكبر طجين” و”أكبر رابوز” و”أكبر طيفور” و”أكبر مقلاة للبيض”… وكأن عقول هذه الأمة في بطونها وحضارتها العريقة والحديثة على السواء حضارة أكل وشرب ليس إلا!!
إن إحياء ذاكرة مدننا المغربية سيبقى حلما يراود أذهاننا ونأمل أن يراه هذا الجيل أو الأجيال التي بعده فيما يستقبل من سنوات… وإن كنا ندرك أن ذلك ليس بالأمر الهين لكنه ليس مستحيلا، لأنه حلم طموح وجبار يحتاج إلى جهود متظافرة ومتداخلة لأطراف عديدة كل في مجال تخصصها وتدخلها ومنها على الخصوص: الوزارة المكلفة بقطاع الثقافة، وقطاع الأوقاف والشؤون الإسلامية تمويلا وتدبيرا، وخريجي مدارس الهندسة المعمارية ومعهد الآثار تنظيرا وبحثا ودراسة، والفاعلين السياسيين والمدنيين على المستويات الجهوية والمحلية تنفيذا وصيانة ومتابعة…
عندما اقرأ التاريخ الأوربي أجدني كمن يعايشه بكل تفاصيله لحظة بلحظة وتفصيلا بتفصيل كيف انهارت دول وكيف قامت على انقاضها دول ومن هم قادة الدولة الكبار وأيام ميلادهم باليوم والشهر والسنة وعاداتهم اليومية وحتى ميولاتهم الفنية والجنسية . بينما التاريخ العربي ورغم التسلسل المنطقي في أحداثه إلا أنه لا يتفق على رأي واحد في من تولوا قيادة الشعوب في الألف وأربع مئة سنة الأخيرة . قبل هذا التاريخ أي قبل محمد لانعرف شيئا مهما إلا ما جاد به المكتشفون الغربيون في علم الحفريات سواء مانعرف عن حضارة الفراعنة أو السومريين أو البابليين . هناك من يرى أننا كنا في غنى عن هذه المنة الغربية لو لم يحرق الفاروق مكتبة الاسكندرية ولم يحرق هولاكو من بعده بغداد .
المآثر والمنحوتات التي تراها تزين مدن أروبا وأبنيتها العتيقة المصنفة كثرت معماري والكاتدرائيات التي تبهر الزائر بمنحوتاتها سواء في الداخل او الواجهات كما في إيطاليا أم الحضارة الغربية وانت تستمتع بالوقوف وجها لوجه امام الاعمال العبقرية لدافنشي دوناتيللو .. مايكل أنجلو وجدارياته الرائعة التي تزين الفاتيكان والتي قضى في رسمها سنين طويلة من عمره .. كل هذا يا أستاذ من عمل وابداع الخلف وليس مهندسي اليوم المعماريون كما تطالبهم بإنجازات مماثلة في المغرب فهل ترك أسلافنا إنجازات مماثلة باستثناء أسوار لا تنبض بآي حياة أو جمالية حتى نحافظ أو نبتول عليها ؟ ذاكرة المدن الاروبية تؤرخ لعصر النهضة والأعمال الفنية ذات اللمسة الإبداعية والعبقرية المحفوظة في المتاحف كاللوڤر على سبيل المثال تعود للذلك العصر فماذا أنجز العرب حتى نصونه ونستمتع بجماليته اليوم ؟ أليس أقصى ما بلغوه من إبداع تركوه للغرب في ربوع الأندلس قبل ان تهجّرهم الملة إيزابيلا ؟
السؤال هو أي ذاكرة نريد؟ مع أن النقطة الزمنية التي نحددها للانطلاق قد تحدد نوع الذاكرة الموجودة لدينا و ربما لا نملك سوى تخيل صورة المبدعين القدامى بناءاً على ما ذكر من أوصافهم…ربما موقف الإسلام من الصورة المتطابق مع موقف أحد الفلاسفة اليونانيين المعروفين بقدر ما هو عميق بقدر ما تكون نتائجه العملية بائسة و لا يعبر عن تشدد ديني أبداً . هناك سؤال آخر هل نبدع تماثيل للشخصيات التاريخية التي تواجدت في الأرض المغربية فقط أم تمتد إلى كل الشخصيات الإنسانية في مختلف الحقب التاريخية؟ أما بالنسبة للمدن المغربية فتبدو وكأنها صممت على عجل وهي أقرب إلى تجمعات سكانية متجاورة منها إلى المدينة الحديثة و حتى البناء القديم يحاور البناء الحديث دون أي حد فاصل بين المدينة القديمة و الحديثة فعلا كما هو الحال في الرباط مثلا
ما هو في الشرق خربته داعش وأخواتها و القليل من الإعمار في بلادنا ألتهمته عصابات العقار أو تم تخريبه من طرف الجماعات كما يحدث في الدار البيضاء .لما ينضاف شيء فهو بشع وذوق متدني كساحة في رباط بأعمدة معوجة وهي نسخة رذيئة جدا لسوق سريع بمدينة في الفار
Hyper_U les Arcs sur Argens Le Var
أخدت صور مع الأسف لا يمكن إرسالها
في الستينات كانت المدن خاصة الصغرى منها أحسن حال ثم كثر البشر والحِفر والثقوب
المرحلة يا أستاذ ليست ملائمة إذ أن نحو _80% يصف بالمعاير الغربية غير صالح insalubre
المقالة جيدةمن حيث المعنى ومؤثرة وقاسية فهيهات ان نبني ما هدمه الجهل والظلم عنوة فماتراني الا كالدي ارثئ ان يجلس القرفصاء في سوق عمومية ياءكل خبزه ويخرج غيطه ويقتل قمله ولسان حاله ادخل طيبا واخرج خبيثا واقتل عدوا هدموا اجمل مسرحا بيضاويا وحديقة جميلة ومعالم تاريخية بااسم الاصلاح عنوة حثى يتعدوا على التاريخ ويمحونه من الداكرة لاسامحكم التاريخ والاجيال القادمة
قبل السؤال عن ذاكرة المدن . هل من يشرفون على تدبير شؤون هذه المدن لهم ذاكرة ؟؟
المقالة جيدةمن حيث المعنى ومؤثرة وقاسية فهيهات ان نبني ما هدمه الجهل والظلم عنوة فماتراني الا كالدي ارثئ ان يجلس القرفصاء في سوق عمومية ياءكل خبزه ويخرج غيطه ويقتل قمله ولسان حاله ادخل طيبا واخرج خبيثا واقتل عدوا هدموا اجمل مسرحا بيضاويا وحديقة جميلة ومعالم تاريخية بااسم الاصلاح عنوة حثى يتعدوا على التاريخ ويمحونه من الداكرة لاسامحكم التاريخ والاجيال القادمة
1 – تاريخنا صنع في الغرب .
تقول: " هناك من يرى أننا كنا في غنى عن هذه المنة الغربية لو لم يحرق الفاروق مكتبة الاسكندرية ولم يحرق هولاكو من بعده بغداد . "
—
عمر ابن الخطاب لم يحرق مكتبة الإسكندرية، ولم يأمر عمر بحرقها. والعرب الفاتحون لم يحرقوا مكتبة الإسكندرية.
هذا تزوير للتاريخ. هناك من يزور عن وعي. وهناك من يكررر الإفتراء عن جهل.
وأعيد وأكرر أن عمر بريئ من هذه التهمة الماكرة؛ كما أن الفاتحين العرب لم يحرقوا هذه المكتبة. وأنا مستعد لمناقشة الموضوع إذا كان هناك من القراء من يتهم عمرا بهذه التهمة.
كانت مدرستي الإعدادية في الناظور قرب ما كنا نسميه "إمذرار إروميين" أي قبورالروم (الإسبان). وتلك المقبرة تعود لحقبة الإستعمار الإسباني. تلك المقبرة كانت مرتعا للمنحرفين وللأزبال؛ وكل قبورها نبشت (كانت قبورا معلقة في جدران) . بل حتى أحد أساتذتنا أتى بجمجمة من هناك ليستعملها في دروس البيولوجيا.
تلك المقبرة آختفت الآن وحل محلها عمارات. هكذا نحترم الإنسان حيا وميتا في وطننا ونحترم مآثرنا. تلك المآثر تسجل جزأ من تاريخنا. والدول الذكية تستعمل تلك المآثر لجلب السياح وتطوير الإقتصاد. أما نحن فلا أعرف متى نلحق بالدول المتحضرة وعيا وذكاءا.
كما يؤلمني منظر قبر الرحالة إبن بطوطة في طنجة. قبر جد متواضع. فلو كان قبرا لولي من أولياء الله الصالحين لوجدته في حلة تسر الناظرين. أما والقبر فقط لرحالة لم ينجز لا الكرامات ولا يساعد الأحياء لبلوغ الرغبات، فعلينا أن نسعد أن يد العابثين من الغوغاء لم تطله بعد.
مقالك أستاذي الفاضل تحفة. شكرا لكم.
aleph
–
تحية طيبة لك اخي الكريم لو سمحت لهذا المتعب من الردود بهذه السطور
بالنسبة لما يعرف بقبر ابن بطوطة بطنجة فلا دليل على ان الرحالة الخالد
قد ادركته المنية بطنجة و حسب الدكتور الراحل عبد الهادي التازي فالرجل
انتهى به الامر قاضيا بمنطق تامسنا و من المرجح ان يكون قد توفي هناك
تحيات متابع لتعاليقك الرزينة من مراكش
ذكرتني غيرة الاخ الكريم aleph على قبر ابن بطوطة بقبر خالد الذكر باني
مراكش يوسف ابن تاشفين فالواقف على مزار الرجل المغلق على المدى
سيدرك كيف ينتهي حال الكريم في الزمن اللائيم و سيقر اننا بلا ذاكرة تحترم
من يستحق الاحترام فكم من زائر لمراكش و كم من مراكشي يهيبه مبنى
افخم فندق بالمدينة " المامونية" و هو لا يدري ان خلفه يرقد بسلام مؤمن
واهب الخلد لهذه المدينة يا اسف على يوسفنا
تحياتي
قلم الرصاص
تحية لك أخي، أيها الصوت الراقي الآتي من مراكش.
لم أكن أعلم أن هناك من المؤرخين من يشك في نسبة ذلك القبرللرحالة المغربي ابن بطوطة. فشكرا لك على المعلومة.
أن تتعب من الردود في زمننا الرديئ هذا حيث يتصدر اللؤم واقعنا؛ وحيث صار للأقزام أبواق ولأشباه الرجال جولات فشيئ يُفهم.
شكرا لصوتك الراقي القادم من مراكش، ولتعاليقك بحسها الشاعري، ولمبادئك الوطنية والقومية في زمن الرداءة والإنحطاط، والردة والخيانة، وملوك الطوائف المنبطحة والطوابير الخامسة المتبرجة.