أية مقاطعة في زمن العولمة؟

أية مقاطعة في زمن العولمة؟
الأربعاء 28 أكتوبر 2020 - 14:35

في كل مناسبة، أزمة سياسية أو ثقافية أو دينية مع الغرب والدول المنتسبة إليه، يكثر الحديث عن المقاطعة التجارية وجدواها وطبيعتها وأشكالها، وغالبا ما تتخذ هذه الحملات أشكالا شعبوية في خدمة الليفتينغ “lifting” السياسي لتحقيق أجندات معينة على الصعيد الوطني وأهداف جيو-استراتيجية لخدمة أجندة غير معلنة على المدى البعيد. لذلك وجب توضيح مجموعة من الأمور المرتبطة بالعلامة التجارية والبلد الأصلي في زمن العولمة.

والحقيقة أنه في زمن العولمة لم تعد هناك أية علامة تنتسب إلى بلد بعينه. البضاعة الأمريكية أو الفرنسية أو الإسرائيلية بل وحتى المغربية (المُعَوْلَمة منها) تُنتج برأسمال مغربي وأوروبي وآسيوي وأمريكي، وبذكاء باكستاني وهندي وعربي، وبسواعد من كل الأجناس والبلاد. وغالبا ما يتم التصنيع بالبلد حيث الماء والكلأ متوفر بكثرة وفي المتناول (وأقصد اليد العاملة الرخيصة ومناخ الأعمال المواتي من حيث الإكراهات الاجتماعية والقانونية والبيئية وغيرها)، فتلك سمات الرحل الجدد. ولقد سبق أن درسنا في دروس التاريخ أن من سمات الرحل أنهم دائمو الترحال للبحث عن الماء والكلأ، وحين ينضب أو يقل يبحثون عنه حيث وجد، فأرض الله واسعة.

في زمن ميتيران (François Mitterrand) الرئيس الفرنسي السابق، المشبع بالاشتراكية الوطنية ونظريات الخلاص الكينزية، وحين أراد، في إطار السوق الأوروبية، فرض كوطا (Quota) على واردات علامة السيارات اليابانية طويوطا (TOYOTA)، باعتبارها غير أوروبية، لم تحتج اليابان، البلد الأم البيولوجية للعلامة، ولكن احتجت بريطانيا الأم المتبنية، لكون طويوطا تصنع بأراضي ايرلندا التابعة للمملكة العظمى. حدث هذا في بداية العولمة. فماذا نقول اليوم وقد أصبح الكل مٌعَوْلَم إلى درجة يصعب فيها التمييز.

وبمناسبة الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الوقت الذي كانت فيه حملة المقاطعة للمنتوجات الدنماركية على أشدها، وفي الوقت الذي اجتهد فيه بعض المسلمون لإيجاد الرقم الاستدلالي الذي تعرف به منتوجات هذا البلد في الأسواق العالمية (codes à barre) للتشهير بها على أمل توسيع نطاق المقاطعة، وخلق لوبي ضغط اقتصادي، عملت المقاولات الدانماركية على تفعيل ذكائها لاستغلال نصوص قوانين التجارة الدولية التي تمنح اسم البلد الأصلي (Pays d’origine) إلى البلد الذي أنتج أو صنع أو حول فيه المنتوج.

فما كان من هذه المقاولات إذن سوى أن تبعث ببضائعها إلى فرنسا أو هولندا أو تركيا لإعادة تعليبها وتلفيفها في شكل جديد (Conditionnement, emballage et étiquetage)، (وبذلك تُحَوَّل وينْطَبق عليها اسم البلد الأصلي حسب آخر بلد حُوِّلت به)، قبل أن تباع في أسواق مكة والرياض وطهران بأرقام استدلالية لبلدان التَّعْلِيب.

الشيء نفسه تقريبا تفعله المستوطنات الاسرائيلية مع التمور والعصائر والخمور والعطور التي تصنع في أراضي يحظر التعامل معها دوليا باعتبارها مستوطنات، وترسل إلى فرنسا أو تركيا للتعليب والتلفيف قبل أن تصل إلى أسواقنا في شكلها “الحلال”.

في زمن الحرب على العراق، ارتفعت الأصوات هنا وهناك للمطالبة بمقاطعة ماكدونالدز، باعتبارها علامة أمريكية. ماكدونالدز المغرب هو للإشارة امتياز (franchise) تقوم بمقتضاه المقاولات الحاصلة عليه باستغلال اسم العلامة والخبرة والمنتوج والديكور والاشهار مقابل عمولة تدفعها للمقاولة الأم حيثما وجدت. ولمواجهة هذه الحملة، قام القائمون على تدبير هذه العلامة ببلدنا بتثبيت لوحات اشهارية عملاقة في كل مفترقات الطرق وعلى العديد من الطرقات والطرق السيارة والمحطات والمطارات، مكتوب عليها “ماكدونالدز المغرب: أكثر من 3000 مغربي في خدمتكم”، وهي طريقة ذكية للقول إن العلامة قد جنست ويستفيد منها كذلك مغاربة يرتبطون بها وهم مهددون وعائلاتهم في قوت يومهم.

أما رونو الفرنسية في حلتها المغربية بملوسة-طنجة فقد شيدت برساميل مغربية في حدود 47.5%، من أموال “فينار-هولدينغ” التابعة لصندوق الايداع والتدبير (يمكن قراءة مقال كتبته في الموضوع في فبراير 2012 بعنوان “رونو طنجة-المتوسط، البعد الاستراتيجي للمصنع الفرنسي وللدولة المغربية”، ما زال متواجدا على الانترنيت)، وصندوق الإيداع والتدبير كما نعرف، في الأصل، يعمل على تأمين المدخرات الوطنية من خلال إدارة الودائع والقيام باستثمارات استراتيجية تتحكم في العديد من القطاعات الاقتصادية الوطنية. ورونو-المغرب هي كذلك أكثر من 5000 منصب عمل مباشر وأضعاف هذا الرقم غير مباشر أو مرتبط (مناولة خدمات وغير ذلك)، ناهيك عن ملايين الدولارات من العملة الصعبة التي تحسن بدرجة كبيرة ميزان تجارة مملكتنا السعيدة.

وحده العمل ثم العمل قادر أن يعيد لنا هيبتنا بين الأمم، بعيدا عن كل أشكال المتاجرة في شعور الناس والشعبوية التي تخفي الكثير من النفاق السياسي والاقتصادي والديني. يقول سبحانه وتعالى: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إلىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” صدق الله العظيم.

‫تعليقات الزوار

7
  • الواقع
    الأربعاء 28 أكتوبر 2020 - 15:34

    هناك دعوات لقيت صدى كبير في ماليزيا واندونسيا البعيدتين. العقوبات الاقتصادية لفرنسا يستحيل ان تتوقف بعد تحدي الناطق باسم الاليزي المسلمين مجددا.

  • belamri
    الأربعاء 28 أكتوبر 2020 - 16:34

    أكبر مخرب لعقول الشباب هم الخوانجية بخطاباتهم الغير عقلانية. هؤلاء لا يحترمون قوانين أروبا يريدون أن يخلقوا دولة داخل دولة وهم سبب العنصرية وصعود اليمين المتطرف. فلو كان لهؤلاء البلهاء ذرة عقل لما طالبوا بمقاطعة المنتوجات الفرنسية لأن هناك الملايين من المغاربة يعيشون في فرنسا وهؤلاء يرسلون أموالا لإعانة أسرهم في المغرب وتلك التحويلات من العملة الصعبة يستفيد منها جميع المغاربة.
    لا ننسى دور فرنسا الذي يساند المغرب وكذلك الشركات الفرنسية التي تشغل الآلاف من المغاربة وأكبر عدد للسواح الذين يزورون المغرب.
    الإخوان الظلاميين لا تهمهم مصلحة المغرب بل يريدون نصرة أميرهم طيب رجب أردغان.
    على المغاربة العقلاء أن لا ينصاعوا للتفاهة.

  • المهدي
    الأربعاء 28 أكتوبر 2020 - 17:22

    مادام الأمر هكذا وأن فرنسا لا خوف عليها ولا هم يحزنون لماذا دعا الرئيس الفرنسي الدول الى عدم مقاطعة البضائع الفرنسية أم انه يجهل هذا السيركوي رغم انه تلميذ بنكي مجتهد ؟ ثم أليس اللجوء الى الطرق الملتوية التي ذكرها الكاتب بخصوص إعادة تغليف وتغيير الكود بار الخاص بالمنتجات الفرنسية سيكون جدٌ مكلف مالياً ويضيف أعباء اقتصاد فرنسا لا يستطيع تحمل المزيد منها ؟
    البضائع والمنتوجات الفرنسية معروفة بالاسم والماركة وليس بالرمز والكودبار مثل تمور اسرائيل أو توابل الهند ..

  • مغريبي متابع
    الأربعاء 28 أكتوبر 2020 - 18:55

    أعتقد أن الكاتب غير ملم بالأحداث وكيف أن الصراع بين القوى العظمى هو صراع إقتصادي.
    هل نسي كاتب المقال أن مدير شركة دانون الفرنسي أرغم على تخفيض الأسعار وإستجداء المغاربة بعدما قاطعوا الشركة؟
    هل سمع الكاتب الأخبار المقلقة لفرنسا الآتية من دول الخليج حيث رفعت البضائع الفرنسية بما في ذلك العطور وأدوات التجميل؟
    المقاطعة إلتزام حضاري يؤتي أكله إن شاء الله.

  • aleph
    الأربعاء 28 أكتوبر 2020 - 19:12

    إذا فهمتُ مقال الكاتب، إذا قاطع الأوربيون المنتوجات المغربية، فأوروبا هي التي ستتضرر.
    وأن ترامب عندما رفع الضرائب الجمركية على النبيذ الفرنسي فأمريكا هي التي تضررت!

    نحن نعرف أن الشركات تشتري ذمم الباحثين والعلماء لكتابة مقالات تخدم مصالحه . بهذا لا أتهم الكاتب لكن مقاله على ما يبدو ليس بريئا، لأنه عمم تلك الظاهرة على كل المنتوجات الفرنسية، وكأن كل منتوج فرنسي إما ينتج في المغرب أو فيه رساميل مغربية.
    وإذا كان الأمر كما يدعي الكاتب فلماذا هذا الهلع في فرنسا خوفا من المقاطعة؟

  • تشري الكتاب تدوز الامتحان
    الأربعاء 28 أكتوبر 2020 - 20:31

    ترامب يتبنى الأمركة و أعاد الحمائية بفرض ضرائب و عقوبات على الشريك الصديق الحليف قبل غير الشريك غير الصديق و ضرب العولمة في مقتل
    بيان وزارة الخارجية الفرنسية التخلي عن مقاطعة منتجاتها اقل ما يقال عنه انه استعلائية مقيتة صب الزيت على النار
    المنتجات الفرنسية معروف أصلها و علامتها حتى لو صنعت و جمعت في 20 بلد و الناس لا تمشي على بطونها فيوجد اكثر من بديل لكل منتوج فرنسي
    ماذا عن مقاطعة الللغة الفرنسية نفسها!

  • الحسين
    الخميس 29 أكتوبر 2020 - 18:13

    مقاطعة اقتصادية تنتهجها كل الدول حينما لا تجد حلا آخر مثل الولاية المتحدة الأمريكية مع الصين فقد فرضت عليها عدد.من المقاطعات الاقتصادية وفعلت نفس الشيء مع ايران..
    وفرنسا نفسها طلبت من الدول الأوروبية مقاطعة المنتوجات التركية.
    والسعودية طلبت.من مواطنيها مقاطعة منتوجات تركية وهكذا …
    والمسلمين يجب عليهم .شرعا مقاطعة منتوجات من يسيء إلى دينهم.ونبيهم. .

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب