20 فبراير: إن البقر تشابه علينا

20 فبراير: إن البقر تشابه علينا
الإثنين 26 مارس 2012 - 00:43

يحار المتتبع أحيانا ويعجز عن تلمس الطريق، أو قراءة نصف سطر من كتاب الواقع، ترى وكأنك لا ترى، أو ترى وتَهُم بحك رأسك مستجديا بارقة منطق، كما لو أنك أمام عجب عجاب. أنت في منطقة برزخية بين قلب مرهف حالم وعقل ثائر أجاج، ماذا يجري؟

الحزب وقد ارتدى عباءة فبراير الثائر، أم احتراق المناضل، فبراير، في نار تنظيم سيء السمعة، وصفه فبرايريون بنادي الفاسدين والمفسدين، لست أدري إن البقر تشابه علينا.
من كان منكم بلا جنون فليرحمني بعقل.

أحسب نفسي من شباب عشرين فبراير، أسترجع اللحظات الأولى لذلك الصباح، ليس انتماءا حزبيا ما دفعني لاعتناق الصراخ ولا أديولوجيا، إنه خيار الاحتجاج، شي ما في داخلي كان يغلي، أحلام قلب مرهف حالم، وعقل ثائر أجاج، كنت بحاجة لقول لا، أنا الذي في أول حصة أقنعني المعلم أن قطعة التراب التي تحملني، تسمى وطن، “وطني الغالي، لك إجلالي، أنت في روحي، أنت في بالي”، لا زلت أحفظ النشيد عن ظهر قلب، أفهمني المعلم حينها، ومن دون عقوبة أو عصا، أن هذا التراب، الهواء، السماء والأشجار والمدى، وطن، وطني. صدقته دون جدال، وصرت أدافع عنه بكل بلاهة الحماس، وغباء الولاء، ولكني فشلت على مدى ثلاثين عاما وأكثر، في إقناعه، أني مواطن.

الشاب الحالم في داخلي عاش أزمة نفسية، مردها عقدة نقصٍ تمثلت في إحساسه بالتشرّد والضياع، بعلة اللاّانتماء، بأنّه لا يملكُ وطنا واضحَ المعالم صريح النوايا، ولذا كان خروجي يوم العشرين المعلوم، لأني آمنت أن ثمن الحرية الباهض يستحق المغامرة مادمت سأدفعه مرة واحدة، أما العبودية فإنها وإن بدت رخيصة، فهي تكلفنا ماء الوجه وجرح الكرامة، ندفع فاتورته في كل يوم، ومدى الحياة.

وأكتشف أن الوطن، ذاك الذي تغنيت بحبه وطبلت وزمرت، ليس سوى “جُوطية” شاسعة على شارع الحياة غزاه “الفَرّاشة”، فهنا طاولة السياسيين الذين يبيعون الوعود الوهمية، وهناك فقهاء يبيعون الدين والفتاوى، طاولة أخرى يعرض أصحابها أعشابا وأدوية تداوي كل شيء، فَرّاشة إعلام يقدمون نشرة الكذب، كراريس مناضلين يبيعون النفاق ويبطنون الخيانة، ومتسكعون في قلب الجوطية، وهم أكثرية صامتة غير مبالية، حجز لها التاريخ أكبر مزبلة، وأسوأ مكان في الجحيم، ذلك أنها اختارت الوقوف على الحياد، تماما مع بدء المعركة العظيمة، وتلك جريمة لا تغتفر، فليس أكبر عند الله من التولي يوم الزحف.

نعم إن البقر تشابه علينا.

صبيحة العشرين المعلومة، وجدتني بقرب “المناضل والثائر”، وقد كان يحمل هاتفا نقالا ويصرخ، فيما بدا أنه اتصال وتواصل مباشر مع قناة إخبارية أجنبية، أصخت السمع طبعا، “الشباب، القمع المخزني، نطالب بإسقاط الاستبداد، ضد الفساد والمفسدين”. “إنه أسامة، ويتكلم باسمنا”، قلت لصديقي هشام، خريج معهد التكوين المسرحي والتنشيط الثقافي منذ سنوات، العاطل عن العمل طبعا، منذ سنوات. اقتربنا أكثر من “المناضل والثائر” : “خرجنا اليوم ضد الوجه الهمجي والقمعي للنظام المغربي”، “الأجهزة السرية هي الأجهزة الحاكمة في المغرب”. قلت: “يبدو أنه يتحدث إلى قناة الجزيرة”، ضحك هشام حتى بدت أسنانه عندما سمع مناضلنا يطالب بحل البرلمان، وابتعدنا عنه حتى “يجزر” على راحته”.

كان صباحا جميلا ذلك العشرين، قابلت فيه أصدقاء كثرا لم أكن أنوي لقاءهم، من رفاق المدرسة إلى زملاء العمل، لاقتنا الأقدار وأيضا أحلامنا بغد أفضل.

وتلته آحاد أخرى وكان عشرينا ثانيا في مارس، خرجنا إليه طيعين، نواصل رفع عقيرتنا محتجين، ودون أن نسوق صورنا أو نوزع تصريحاتنا يمينا وشمالا، كان الخروج عفويا، كما هو التظاهر عفويا : الشعب يريد إسقاط الفساد، الشعب يريد إصلاح البلاد.

ودارت عجلة الزمن على إيقاعها، وقفلنا سنة كاملة، شاخت فيها سريعا فبراير، ومرضت وتعذبت، ثم انتقلت إلى جوار ربها، بعدما اختلطت الأوراق وتسارعت الأحداث باستفتاءات وانفجارات وانتخابات، وتواري الجزيرة وكل الأخريات، فبراير ماتت ولكن النضال لا يموت، هكذا يقول العقل الثائر، ولكن العقل تاه والقلب في حيرة، هل تشابه البقر علينا؟

عندما سرقت سيارة صديقي هلال وذهب لتسجيل شكاية، اختار أن يجعلها ضد الشرطة وليس ضد السارق، ولما سئل عن السبب قال : اللص قام بعمله فقط وهو يستحق ما حصل عليه، لكن الشرطة لم تقم بعملها وأنا أوجه اليوم شكاية ضد رجال الأمن.

أسوق هذه الواقعة الحقيقية، لأصرح أيضا، أن المخزن في بلادي، عندما يوجه الدعوة إلى أسامة أو نجيب، للالتحاق بأحزاب أو ترؤس مجالس، فهو يقوم بعمله فقط، كأي وحش بارد، ولكن العيب كل العيب أن يستجيب هؤلاء وأمثالهم، وإلا فالشكاية تكون ضدهم لا ضد المخزن، المخزن قام بعمله فقط في احتواء هؤلاء، وإذن فالمجرم الحقيقي هو هؤلاء المناضلون الذين وثقنا، ولو لحظات، بهم وبادعاءاتهم ونضالاتهم، ركبوا على كثرتنا العددية يوم العشرين، وتحدثوا باسمنا، وراكموا مسيرة نضالية بنى صرحها خروجنا العفوي معهم، وصرخات حناجرنا التي انطلقت بجوارهم، ولافتاتنا التي تكلست أيدينا بها وهي ترتفع فوق الرؤوس، فسجلوا شكايتي في محكمة التاريخ والشعب ضد هؤلاء وأمثالهم، وقيدوا مطالبتي بأقصى العقوبة على خيانة الجماهير وتيئيس الشباب.

إن النضال شعور يتمثل، وليس مزايدات تتبدل، إنه إحساس يشع ومشاعر تلمع، لا نفاقا يدفع وشعارات ترفع، وإن الذين يغيرون مبادئهم كل يوم، هم أشخاص لم يكن لهم يوما مبدأ. لذا، فليس أسوأ على القلب من خاتمة نقدمها على شكل نكتة أو أحجية فنقول :

حاجيتكم، هذا واحد وقف ينادي بملكية برلمانية بالأمس، واليوم، التحق بتراكتور الأصالة والمعاصرة.

فافهموا أنتم..

أما نحن، عصام وهلال وهشام..

فقد تشابه البقر علينا.

‫تعليقات الزوار

16
  • مغربي
    الإثنين 26 مارس 2012 - 01:57

    هؤلاء المناضلون (مناضلوا الكراسي) هم الذين أرادوا ذات يوم أن يجعلوا من جماجم المغاربة و دمائهم سلما به يرتقون إلى المناصب التي يطمحون إليها . لكن ذكاء الشعب المغربي و رزانته أفسدا على هذه الكراكيز عملية "تنظيف الشوارع بالدماء" كما قال أحدهم بعد زلة لسان.

  • ختام السيناريو
    الإثنين 26 مارس 2012 - 02:07

    ومن كل ما سبق نستنتج: أيها الشعب لا تثقوا بمن يسوقكم للاحتجاج والمطالبة بإسقاط النظام، فإن النظام سيناديه ويعطيه حقه من الكعكة ولو بعد حين فيسكت ويصير من أزلام النظام كما فعل ولعلو وغيره من المناضلين، ما الحل إذا السكوت والصبر حتى لعند ملك الملوك، "حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه". لماذا نعيش، سؤال يجب أن يسأله من بيده السلطة وهو يقظ منتبه طول أيامه خشية أن تذهب منه، حتى يصير إلى الرفيق الأعلى ويعلم أنه عاش من أجل وهم كبييييييييييييييير

  • شعبي
    الإثنين 26 مارس 2012 - 02:32

    أظن أن صديقي بحاجة إلى التكوين في الكتابة والتحليل

  • إدريس الجراري
    الإثنين 26 مارس 2012 - 03:52

    السلام
    أنا الذي في أول حصة أقنعني المعلم أن قطعة التراب التي تحملني، تسمى وطن، "وطني الغالي، لك إجلالي، أنت في روحي، أنت في بالي"، لا زلت أحفظ النشيد عن ظهر قلب، أفهمني المعلم حينها، ومن دون عقوبة أو عصا، أن هذا التراب، الهواء، السماء والأشجار والمدى، وطن، وطني. صدقته دون جدال، وصرت أدافع عنه بكل بلاهة الحماس، وغباء الولاء، ولكني فشلت على مدى ثلاثين عاما وأكثر، في إقناعه، أني مواطن.
    كنت بارعا في الكتابة بل كدت أصدق ولاكن من يكون اسامة هدا لقدكنت يومها ولم اعرفه اهو 20 فبراير ام هو الوطن لقد تشابه علينا البقر ,……….

  • طه
    الإثنين 26 مارس 2012 - 11:19

    تحية إلى كاتب المقال و أتمنى أن يوفقك الله لكتابة مثل هذا المقال في المستقبل

  • talidi
    الإثنين 26 مارس 2012 - 12:55

    علمتنا التجارب واستقراء ات التاريخ أن الحرباء وجدت لها دائما مكاناعلى هامش التاريخ والتجارب. أنا شخصيا أرى أن الحرباء لها الحق في الزمان والمكان حتى تؤكد الإستثناء الذي تمتله أمام شموخ وعظمة الكرامة التي تنتفظ ضد منظومة الإستبداد والإدلال.
    أذكرك صديقي عصام أن مشعل الكرامة يحمله في البداية القلة ثم يليها ما يلي. فلا يتشابه عليك البقر فهو يظل وينتهي بقر كما بدأ.

  • Mdiouri
    الإثنين 26 مارس 2012 - 13:20

    Je suis convaincu que le souk des vaches est semblable à celui des hommes. Quand il y a de la sècheresse, on a pu constater que des vaches bien formées à l'école de Francfort, se vendre à moitié prix. En ce qui concerne celles qui sont formées localement, comme leurs couleurs se ressemblent alors il laisse une marge de négociation qui peut aller jusqu'à une offre gratuite par un simple geste affectueux. Fin

  • النوني
    الإثنين 26 مارس 2012 - 17:40

    كلماتك انسيابية جميلة واسلوبك شيق ويغري بالمتابعة والارتياح وافكار واضحة ( ماشي بحال شي وحدين راهم في هذا الموقع كبروا سنا وهم لازالوا يكتبون الشيء بدون معناه تنتهي من القراءة وكأنك لم تقرأ شيئا , نحن في الشرق وهو في الغرب! )

  • لامنتمي
    الإثنين 26 مارس 2012 - 18:05

    ان ما يضعف 20 فبراير هو الحكومة الحالية التي قفزت على الاحداث وامططت جواد العشرينيين , هذا يعني انه بمجرد ما اذا وقعت واقعة للحكومة الحالية او تفكك الائتلاف الحزبي المكون لها , فان الحركة ستقفز الى الساحة مجددا وبشكل اكبر وسيعود الحراك الشعبي والمطالبات جذرية , لقول هذا لكي لا يضن ضان انه انتهت المضاهرات والاحتجاجات , لان " كل شيئ ممكن "

  • Abdou
    الإثنين 26 مارس 2012 - 21:51

    You are really poor from all aspect, you can not make a simple analysis and now you want to that other to take responsibility for your stupidity. Go you and you so called 20 fife to the hail, you have a job even with your intellect what can you do for this country neither you nor 20 fife can do anything.

    Great life to our King, and to the Moroccan who new the caw, but the illusion that you have had with the caw because maybe you are on the path of the BANI-ISRAIL.

  • مغربية
    الإثنين 26 مارس 2012 - 22:41

    لا ادري لما تقخمون الايات القرانية في مواضيعكم و مهاتراتكم احترموا كلام الله

  • مومن
    الإثنين 26 مارس 2012 - 22:56

    نعم اخي صاحب المقال لقذ احسنت العنوان لان لو عرض عليك المخزن اي منصب اقل من الذي تكلمت عليه لقبلته بدون تردد وبدون ان تلتفت للاخرين لان جميع المغاربة لايناضلون الا لانفسهم والامثلة موجودة وسبق ان تطرقت لبعضها في مقالك

  • nordine
    الإثنين 26 مارس 2012 - 23:38

    ليس التخلف سوى نظام مؤسساتي و ثقافي يعيق استعاب النضال.. المهم لخليفي هو حر امشي فين ما بغا.. لكن حركة 20 فبراير مستمرة به ابلا به التريخ يسجل من دخل لي مزبلته ..اتركوا حركة 20 ف وشانها راكم كتهرسوها بهدا الكلام الميهم و المستفيد هو العدو … الذي نخر الوطن …

  • عبدالله من سطات
    الإثنين 26 مارس 2012 - 23:42

    للأسف في الثورات انتهازيون وصوليون،وليس الأمر بغريب فجل الذين حكمونا بعد الإستعمار حتى الآن ،خونة فجلهم كانوا بحال من الأحوال مع المستعمرين،وعندما حصل المغرب الإستقلال بفضل عبدالكريم الخطابي ،او حمو الزياني… وبفضل رجال أوفياء مجاهدون لانعرفهم لكن الله يعرفهم،لكن للأسف الذين أكلوا التمرة هم الخونة.

  • دريس
    الثلاثاء 27 مارس 2012 - 00:55

    خرجنا من أجل قضية لآ من أجل البقر,أما أسامة وغيره ولائحتهم طويلة فمجرد كركوزات ,انتهى دورهم,,,وسنخرج مادامت القضية قائم,"الفساد والإستبداد"

  • إدريس الجراري
    الثلاثاء 27 مارس 2012 - 04:12

    السلام على من إتبع الهدى
    خرجت حركة العدل والإحسان وبمباركة من الدولة والتي لم تتصدى لها بلزكتها إعلاميا وهدا لإضهار إنضباط هده الحركة التي لها تجربة تفوق الثلاتين سنة من التنضبم والتاطير بل ركبت على حدت اصبح مبتدلا سياسيا التضامن مع الشعب الفلسطيني والدفاع عن القدس فعلا عدا شأن أمة والسؤال المطروح هل حررت فلسطين ام القدس ام إنتهى سفك الدماء إن كانت الغاية تبررالوسيلة فلما لاتكون مسيرة من المغرب حتي فلسطين مشيا على الأقدام بل جمع الأمة لتحريرالقدس وفلسطين لوحة ملحميةجمبلة وبلادنا هل حررناها وجعلنا العدل والحق والقانون وتكافئ الفرص والوصول للولوجيات بل الوطن وطن للجمبع هل قضينا علي الإحتكار والشطط في إستعمال السلطة والرشوة والمحسوبية وهل القضاء عندنا يشتغل هل الإدارة تشتغل هل المسؤولين يطبقون القانون والدستور هل عندنا مِسسات حقيقية هل الشعب ممتل هل هناك شعب ام هناك عبيد حتى العبيد لهم حقوق انا اتحدت عن الأغلبية وليس عن اقلية تستفيد بشكل أوآخر من الريع والإمتيازات او وصلت حتى إستحقاقا فالمغاربة ليس 20%.
    فبراير2011 حركت الجماهير والزمن مؤطر وحتمية الأشياء قائد والنتائج خواتم

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب