العلامة ابن الموقت واجه بوادر تشكل حزب فرنسا منذ قرن

العلامة ابن الموقت واجه بوادر تشكل حزب فرنسا منذ قرن
الأربعاء 25 أبريل 2012 - 17:40

منذ تولي الحكومة الجديدة برئاسة السيد بنكيران مهامها في تدبير الشأن العام، وهي تفاجئ الرأي العام بخطاب جديد وبخرجات وزرائها الكاشفة لمظاهر الفساد، خصوصا منهم وزراء العدالة والتنمية، بصورة لم تعهدها الطبقة السياسية التي ألفت انتظار التعليمات، والاشتغال بوتيرة لا تواكب إيقاع نبض الشارع، هذا الشارع الذي يتطلع إلى إصلاحات جذرية وتغييرات في الوجوه التي كادت توصل البلاد للسكتة القلبية.

آخر هذه المعارك التي تخوضها حكومة السيد بنكيران ما يشغل الرأي العام هذه الأيام، وهو يتابع ما ستؤول إليه دفاتر تحملات إصلاح الإعلام، وهو المجال الذي راهنت عليه بعض القوى الفرنكفونية النافذة المدعومة من ‘ماما فرنسا’، منذ أزيد من عقدين من الزمان، من أجل التأثير في ذوق المغاربة وتغيير أولوياتهم، ومسخ ثقافتهم، وتقديم فن هابط لا يعالج قضاياهم ولا ينفذ إلى عمق معاناتهم.

فأي مساس بمعاقل هذه “المملكة الإعلامية” التي بقيت محصنة في وجه أي تغيير أو إصلاح، يعتبر تهديدا للثقافة الفرنكفونية التي رعتها تلك القوى النافذة، وراهنت عليها من أجل استكمال ما عجز عن تحقيقه الاستعمار المباشر، وأي إخراج للمعركة عن هذا السياق يعتبر هروبا بالنقاش عن جوهره ومضمونه.

فإذا علمنا أن الإسلاميين يحملون أيضا مشروعا يتوخى تغيير الإنسان من داخله، مصداقا لقوله تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )، أدركنا مغزى الشراسة التي تواجه بها دفاتر التحمّلات لإصلاح الإعلام المغربي الذي يعرف أعطابا جمّة. فالمعركة إذن بين مشروعين متناقضين، كلاهما يتوخى تنزيل مقتضيات مشروعه عبر أدوات الصياغة التي لها تأثير مباشر في ذوق الإنسان وثقافته كالإعلام والتربية والتعليم.

وهذه المعركة لم يدشنها حزب العدالة والتنمية، وهي ليست وليدة اليوم، بل قد خاضها حزب الاستقلال في أوج قوته بجدارة، معتزا بمرجعيته الإسلامية وهويته التي بناها مؤسسه العلامة علال الفاسي، انعكس ذلك في معركة تعريب التعليم ما قبل العالي،وبقي استكمال تعريب التعليم معلقا بسبب جيوب المقاومة، متمثلة في التيار الفرنكفوني تدعمه أقلية نافذة لها مصالح اقتصادية مرتبطة بفرنسا.

لقد كان من أوائل من تنبهوا لخطورة تسلل مظاهر التغريب والفرنسة، متجلية في محاكاة الأجنبي وتقليده في لغته ولباسه وتقاليده وعوائده، العلامة ابن الموقت المراكشي** في كتابه “الرحلة المراكشية” الذي ألفه منذ قرن، وقام من خلاله بنقد شامل للاختلالات الاجتماعية، سواء منها تلك الموروثة عن التدين المغشوش الذي بتثه الطرق الصوفية أو العوائد المستوردة بفعل الاحتكاك بالأجنبي، والحقيقة أنه أول عالم مغربي ـ في حدود علمنا ـ الذي حذر من بوادر تشكل ما اصطلح عليه فيما بعد ب”حزب فرنسا” السري.

يقول بهذا الصدد : ” فانظر بعينك كيف سلك المسلمون المسالك الرديئة، مقلدين للكفرة في هتك أعراضهم، وغيروا معالم دينهم بضلالات حاكوا فيها اليهود والنصارى، كاستنشاق الدخان وشرب الخمور وتغيير الزي الإسلامي، وحلق اللحى…إن المدنية الأوروبية التي انغمس فيها الشباب حتى انحطت أخلاقهم، واضطربت عقولهم، غيرت أحوال تلك المدنية، وغمرتهم بفضائح وعلل باطلة باهتة من صنوف الأخلاق الضعيفة حتى استولى عليها سلطان كل رذيلة. ولو كنت أعجب من شيء في هذه الحياة لعجبت من أمر هؤلاء المتزيين بزي الأجنبي، يدعون أنهم مسلمون، ألا ترى كيف تهافتوا على هذه الحضارة الغربية، فتفرنجوا واندمجوا، وأسرفوا في التفرنج والاندماج”.

ويقول أيضا : ” لقد غرتهم المدنية الغربية فأقصتهم عن الإنسانية، وحببت إليهم زخرف الحياة حتى خرجوا عن قواعد الشرف والكرامة، وأدخلت عليهم الغرور..والدين بهذه المدنية التي أصبحت آية كبرى، قد تقوضت دعائمه، وتداعت أركانه، ولم يعد يحافظ عليه في عصرنا إلا فئات من الفقراء وأوساط الأمة..حتى اللغة التي حفظها القرآن الكريم قد بدأت أوراقها تسقط، فلو دخل أحدنا منزل أحد العظماء، فإنه لا تقرع أذنه كلمة عربية خالصة، لا من طفل ولا من شاب، بل كلهم عاكف على خليط من الفرنسية والإنجليزية وغيرهما، وهذا عار وعيب..”

ثم يصل، باعتباره عالم دين وخبيرا اجتماعيا ومؤرخا،محذرا من شيوع ثقافة “القابلية للاستعمار”، إلى النتيجة التالية: ” معلوم أنهم إذا نسوا تاريخهم وحياتهم ولغتهم، وأشربوا في قلوبهم تاريخ حياة غيرهم، ذهب كل فريق منهم بما اشتهى، وشبت النفوس على ما سيقت إليه، وبدت على الأمة أخلاق منكرة، مبتكرة بعوائد غريبة، لا تنسب بالمرّة لسوابق عوائدها…”

*عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية

**ابن الموقت المراكشي أعلم علماء عصره : مؤقت أديب وفقيه مصلح ومؤرخ مغربي وعالم اجتماع، عاصر الاستعمار الفرنسي وقام بنقد شامل للمجتمع المغربي، من أشهر مؤلفاته “الرحلة المراكشية”، عاش وتوفي بحاضرة مراكش سنة 1949.

‫تعليقات الزوار

8
  • القصر الكبير
    الأربعاء 25 أبريل 2012 - 18:35

    أشكرك كثيرا على المجهودات التي تبذلها وغيرتك على وطنك ودينك……

  • nichan
    الأربعاء 25 أبريل 2012 - 18:41

    الاخلاق يجب ان تكون لا ان تصير – تاخذ نتائج افعالنا بناصيتنا و لا تبالي البتة

    باننا قد تحسنا في هذه الاثناء

    نيتشه

  • متتبع و مصلح
    الأربعاء 25 أبريل 2012 - 21:16

    تدافع عن التعريب
    فهل انت تحمل ثقافة اسلامية ام ثقافة القومية العربية التي اسسها المسيحيون العرب ،اتمنى ان تكون لك الجراة العلمية للاجابة فحزب العدالة والتنمية في تركيا مثلا يدافع ويقر اللغة التركية ولم يدعو الى تعريب تركيا

  • عبد اللطيف
    الأربعاء 25 أبريل 2012 - 22:21

    متتبع مصلح
    يا سيدي هو اتى بنص قديم و لم يكن ممكنا ان يجتزا منه،مشكل اللغة في المغرب انهاه الدستور
    العربية و الامازيغية لغتان رسميتان
    القانون الاسمى للامة يحمي كليهما
    الامم تغتني بالتنوع يا سادة،من يحب العربية لا يعني انه يكره الامازيغية و العكس صحيح
    الرجل تحدت عن موضوع الدفتر و لم يتحت عن تعريب
    ارجو ان لا يفرق مشكل اللغة بين المغاربة،امم قبلنا دبرت هده القضية بمرونة و كانها لم تكن

  • Stooorm
    الخميس 26 أبريل 2012 - 10:22

    ملاحظة لصاحب التعليق 3: صاحب المقال أمازيغي قح ، يدرس بالفرنسية و يلقي دروسه الوعظية بالعربية. قبل مهاجمة الاشخاص تذكر بان بعض الظن إثم ….

  • SAID
    الخميس 26 أبريل 2012 - 16:04

    " لقد غرتهم المدنية الغربية فأقصتهم عن الإنسانية، وحببت إليهم زخرف الحياة حتى خرجوا عن قواعد الشرف والكرامة، وأدخلت عليهم الغرور..والدين بهذه المدنية التي أصبحت آية كبرى، قد تقوضت دعائمه، وتداعت أركانه، ولم يعد يحافظ عليه في عصرنا إلا فئات من الفقراء وأوساط الأمة..حتى اللغة التي حفظها القرآن الكريم قد بدأت أوراقها تسقط، فلو دخل أحدنا منزل أحد العظماء، فإنه لا تقرع أذنه كلمة عربية خالصة، لا من طفل ولا من شاب، بل كلهم عاكف على خليط من الفرنسية والإنجليزية وغيرهما، وهذا عار وعيب.."

  • متتبع و مصلح
    الخميس 26 أبريل 2012 - 21:12

    الى صاحب التعليق رقم 5
    قبل الرد عليك اقول تلقيت ردين من شخصين لم اطرح عليهما اي سؤال,فهل اصبح صاحب الموضوع يتوفر علىمريدين?ورغم ذلك حاولت ان اطور النقاش حيث كان ردي الاول على السيد المحترم عبد اللطيف لكن لحد الان هسبريس لم تنشر ردي عليه
    وبالنسبة لك اقول انا لااناقش الاشخاص كما تقول،فلا يهمني ان كان صاحب الموضوع امازيغيا او غير امازيغي ولا تهمني مهنته، فانا طرحت سؤالا اتمنى جواباعلميا عليه لتطوير النقاش ،ولا اظن باحد ، فانت الذي ركزت اذن على الشخص وليس على الافكار،وليس انا

  • Stooorm
    الجمعة 27 أبريل 2012 - 13:47

    ردي عليك كان فقط لأنك ركزت على الشخص ، فكرته واضحة هناك لغتان رسميتان للمغرب وليس ثلاث لغات او اربع، فلذلك وجب علينا ان نتحرر من الاستعمار الثقافي الذي يتجلى من خلال اللغة، و بما انك أشرت لتركيا فاسمح لي ان أذكرك بان تركيا لا تعاني من استعمار ثقافي…فلا داعي للاتيان بامثلة لا صلة لها بواقعنا المغربي….

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة