هوامش حول أزمة المجتمع المدني

هوامش حول أزمة المجتمع المدني
الأربعاء 2 ماي 2012 - 17:19

١- المجتمع المدني في البلاد العربية

على شاكلة، ما يحدث داخل الوطن العربي، تعرف المهاجر -البلدان المستقبلة للمهاجرين- عملية تأسيس جمعيات بصورة مثيرة، وبوفرة، يهدف “أصحابها” المحافظة على هويتهم الثقافية، وإشاعة الوعي بقيم الاختلاف والتنوع. غير أن هذه الجمعيات، في معظمها، باهتة، وتنطلق من خلفيات ضعيفة وشائهة ليس لها أي سند معرفي أو فكري قد يدعمها. وهو ما يجعلها تتخبط في مستنقع من المصالح الخاصة من جهة، والانحياز إلى قيم التطرف والانعزال ورفض الواقع الذي يعيش فيه أصحابها.
وفي المحصلة، فإنها لا تقدم أي قيمة مضافة للأسئلة الكبرى، ولا تزيد من واقع المهاجر سوى الضياع والتخبط، ثم اللجوء إلي النفي الداخلي حيث يصنع أوهامه الثقافية والهوياتية بشكل يكون مثيرا للسخرية.

هناك عدد كبيرمن الشرفاء الذين يشتغلون في المجتمع المدني، وقد حققوا الكثير بوسائل جد متواضعة. وهناك من النساء والشباب والرجال من تمكنوا من البرهنة على قوتهم الفكرية ولهم برامجهم وتصورات يشتغلون من خلالها، فقدموا أعمالا مهمة لأبناء الوطن وللوطن. وقد كان لعدة حركات من المجتمع المدني دورا في ما نعرفه من تحولات داخل المغرب، إن على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي..

‬غير أن هذا يظل استثناء، مادامت القاعدة، اليوم هي ظهور طفيليات تحسب على المجتمع المدني، ولكنها أشبه بمقاولات معفاة من الضرائب!!

فكثيرة هي الجمعيات التي تشتغل بهاجس وحيد، هو البحث عن السبيل الذي يؤدي إلى الحصول على الدعم!! والسباق نحو الحصول على مشروع تقبله الجهات التي لا تبخل بالعطايا والأموال.. هاجس البحث عن »الفوز بالصفقة«. فكم من جمعية تستعير تقارير وتشتري مشاريع.. وتغري بإعطاء عمولة أو إكرامية.. هكذا أصبحنا أمام سوق تجارية، وصار المجتمع المدني بمثابة بورصة للقيم والمضاربات.

إن جماع ما سبق أن عرضنا له يقودنا إلى إعادة طرح مجموعة من التساؤلات. أولا ماذا نقصد المجتمع المدني؟ ثم ماذا يمثل هذا المجتمع؟

هل للمجتمع المدني في الوطن العربي، وخصوصا في المغرب، نفس الخصائص التي تحكم مثيله في الغرب بصورة عامة؟ ثم ما هي الدواعي لكي يوجد هذا المجتمع المدني في المغرب، في الوقت الراهن؟ وما هي مرجعيته الفلسفية والإبستيمية؟ وما هو موقعه داخل المعادلات الكبرى التي تطرحها قضايانا العربية من حيث البعد الأنطولوجي والاقتصادي والسياسي؟

إن هذه التساؤلات هي المدخل الحقيقي لتأطير هذا الخطاب، من حيث هو خطاب متعدد ومختلف وله ركائزه ومميزاته في علاقته بباقي المؤسسات الاجتماعية والسلطوية؟

واليوم، إذا كانت هناك من كارثة حقيقية تتهدد العقل العربي، فهي ما ابتلي به من خطاب المجتمع المدني؟

إن المجتمع المدني صار كارثة حقيقية بالمعنى العميق للكلمة؟

فالمجتمع المدني الذي يدعي ما يدعيه، هو نقيض كل ادعاءاته.. فهو مرتع للرشوة والتسيب في المال والعبث به.. وهو مرتع للعبث بكل أنواعه الأخلاقية والقيمية والمالية.. أضف إلى أنه لا يتوفر على أية مشاريع -لا البرامج- نحن في ظل الراهن المتورم نحتاج إلى مشاريع لا إلى برامج معزولة..ولكن صناع هذا الخطاب.. هم أقرب إلى مقاولين، وصارت معهم العديد من الجهات المحسوبة عليه عبارة عن مقاولات معفاة من الضريبة..!فما الذي يراد حقا من هذا الخطاب التضليلي..؟

إنه يشتغل كطرف محايد ومستقل، لكن أين تتجلى هذه الاستقلالية؟ في حين أنه يقع تحت وصايتين خطرتين (كما سبقت الإشارة)، وغير بريئتين، هما: السلطة الرسمية، والآخر أوربا، التي تمطر الحسابات البنكية بالعملة مقابل »ما يشبه المشاريع«!! (وقد صار واضحا كيف تتم الأمور وكيف صارت هناك سمسرة تعنى بالمضاربات في البرامج!!)

فماذا قدم المجتمع المدني للراهن الحضاري؟؟

إن حصيلته لم تكن إلا مرحلية، وسطحية، بحيث لم يتمكن من اختراق البنى المحركة لعقلية المجتمع.

والحال أنه لم يفعل سوى أنه عمق الأزمة التي يجتازها الكائن العربي في كل مستوياته وأبعاده.. لقد عمق التيه والضياع .. (وهكذا أصبح المشردون سلعة، والمعتدى عليهم سلعة، والمنحرفون سلعة..؟ وصارت البرامج تحوم حول ما يشبه قضايا المرأة، ومايشبه قضايا الطفل..وصارت الأموال تصرف في الأوراش التكوينية التي لاتزيد الجهل إلا تغلغلا في الذوات..والدراسات التي تختص في إحصاء الفقراء والفقر!!) .

ماذا نريد؟

إنه بؤس الوعي الاجتماعي!!

فكيف نتحدث عن محاربة الفقر ومحاربة الرشوة.. علما أن هذا المجتمع المدني لا يتوقف عن إعطاء الرشاوى والهدايا.. ولايتوقف عن إشاعة هذا السلوك.. وكيف نتحدث عن محاربة السلوكات ونحن مسكونون بها.. ما الذي سنحارب؟

ينبغي أن نحارب التضليل والديماغوجيا أولا، ثم ينبغي تحرير ذواتنا وعقولنا والوقوف بجرأة أمام المرآة نفتحص ونفضح ما نحن فاعلوه من سلوكات..
لأن الرشوة تأتي منا..والدليل على ذلك أن الرشوة منذ اليوم الذي رُفع فيه شعار محاربتها أينعت وازدهرت وانتشرت وارتفع ثمنها…

وهنا لا نلاحظ سوى البؤس ينضج ويزدهر ويتسلل إلى البنيات الدفينة للوعي الاجتماعي ليشظي الذات وينتج مفارقات كان ينبغي البحث عن سبل للتقليل منها..

فعن أي مجتمع مدني يمكن أن نتحدث في الوطن العربي، مادام أنه أداة مسخرة بشكل قاتل من قبل جهتين تحملان في طياتهما كل أشكال التنافر والتناقض. أليس هذا هو عين البؤس والأزمة التي تتخبط فيها الذات والعقل العربيين؟

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج