هل نتوقع جزائر جديدة بعد الانتخابات؟

هل نتوقع جزائر جديدة بعد الانتخابات؟
الثلاثاء 15 ماي 2012 - 16:32

لم تخلق نتائج الانتخابات التشريعية في الجزائر مفاجئة كبيرة اعتبارا لما ظهر من مؤشرات حول مدى استعداد الدولة الجزائرية لخوض تجربة التغيير. فالحراك الديمقراطي الشعبي دحرته الأجهزة الأمنية بقوة في ظل قانون للطوارئ دام زهاء 19 سنة، وأعلن عن رفعه في فبراير 2011، ليتم التراجع عن ذلك بعد يومين تقريبا بدعوى التطورات التي عرفتها الجارة ليبيا حينذاك. هذا القانون الذي كان المظلة السياسية التي أعطت السلطات الجزائرية باستمرار “شرعية” الحد من حرية التظاهر السلمي وحرية التعبير، كان من بين القوانين التي لم تتمكن رياح الربيع الديمقراطي التي هبت على المنطقة من زحزحته. لقد كان ذلك بمثابة مؤشر قوي على أن “خيار اللاتغيير” هو الخيار المرجح في الجزائر. وتأتي باقي المؤشرات لتؤكد ذلك الخيار وخاصة ما تعلق بالقوانين الانتخابية وطريقة إعدادها والإقصاء الممنهج الذي كرسته ضد أكبر معارضة جزائرية إسلامية غير معترف بها.

السياق المحلي الجزائري الذي نظمت فيه تلك الانتخابات إذن سياق لم يكن يوحي لا على المستوى الشعبي ولا على المستوى الرسمي بوجود ما يرجح حدوث تغيير مهم. فالانتخابات كرست نفس الأغلبية الحكومية ولكن بخريطة سياسية أكثر بلقنة حيث مثلت 26 حزبا في البرلمان مقابل قرابة 20 في السابق. وحصل حزب جبهة التحرير، الحزب الحاكم، على المرتبة الأولى ب 220 مقعدا من أصل 462 مقعدا في المجلس الشعبي الوطني، و حصل حليفه في الحكومة، حزب التجمع الوطني الديمقراطي، على 68 مقعدا، مما يعني أن الحزبين معا بـ 288 وفرا الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة ومباشرة التشريع والتنفيذ بشكل مريح. وفي المقابل حصل الإسلاميون بكامل مكوناتهم، والذين يفترض أنهم من حملة مشروع التغيير، على 59 مقعدا فقط !

السؤال المحير في هذا الصدد هو: هل صوت الشعب الجزائري حقيقة على “خيار اللاتغيير”؟ وهل اختار بحرية أن يكون خارج سياق الربيع الديمقراطي في المنطقة؟
من جهة أولى، المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية غير مشجعة لترجيح تلك الفرضية. ومن جهة ثانية، أعلنت عدة أحزاب طعنها في الانتخابات على أساس وجود تزوير، وتم الحديث عن لعب ورقة الجيش في التصويت الذي لم يكن ليصوت لغير حزب الدولة، ودعت أحزاب أخرى إلى إلغاء نتائجها …

لكن رغم كل ذلك فانتخابات 10 ماي الجاري، كما أكد مراقبون دوليون، نظمت بشكل سلمي، وعرفت نسبة مشاركة تقارب 43 في المائة مسجلة ارتفاعا مقارنة مع سابقتها، وأعلنت الدول الكبرى، مثل فرنسا وأمريكا، قبولها وترحيبها بتلك النتائج… وهذا يعني أن جزائر ما قبل الانتخابات سوف تستمر بعدها بأريحية أكبر، وأن الانتخابات أكسبتها الصفة الديمقراطية بشكل أقوى مما كانت عليه.

ومهما اختلفت القراءات وتعددت الانتقادات فإن الأمر الواقع يؤكد أن الناخب الجزائري “اختار”، بإرادته أو “تزويرا” عنه، استمرار نفس القوى السياسية في تدبير الشأن الجزائري. ويمكن تفسير ذلك بالقول إنه اختار أن يتم التغيير على أيدي تلك القوى، وهذا يعني أنه حسم في مستقبل الجزائر الداخلي والإقليمي في إطار خيارين لا ثالث لهما، خيار محافظ قد يفجر حراكا اجتماعيا يفتح أبواب الجزائر على تغيير يفرضه الشعب. أو خيار التغيير في ظل الاستقرار على شاكلة المغرب يجعل القيادة الجديدة القديمة تقوم بمبادرات إصلاحية حقيقية بدأ بدستور ديموقراطي وانتهاء بإصلاحات في السياسة الخارجية تهم الجوار واتحاد المغرب العربي.

إن خيار المحافظة السلبي لا يعني أن الشعب الجزائري هو من سيؤدي ثمن نتائج الانتخابات التشريعية وحده، بل إن شعوب الجوار المغاربية هي بدورها سوف تؤدي ثمن “اللاتغيير” في الجزائر. وفي غياب حراك شعبي قوي وضاغط، لا شيء من غير إرادة سياسية حقيقية يجعل القادة القدامى –الجدد المتوقعين، في ظل النتائج، مكرهين أو مدفوعين إلى “التنازل” عن خياراتهم القديمة فيما يتعلق بالملفات المغاربية مثل تفعيل اتحاد المغرب العربي وفتح الحدود بين الجزائر والمغرب وحل ملف الصحراء المغربية، الذي تلعب فيه الجزائر دور راعي الانفصاليين و داعميهم.

ففي ملفي الاتحاد المغاربي والحدود مع المغرب سجلت لصالحهما مكاسب، ورغم أن تلك المكاسب لا ترق إلى مستوى الاختراقات، وأنها فيما يتعلق مثلا بفتح الحدود مع المغرب هي أقرب إلى إعلان النوايا الحسنة، إلا أن التقدم في خيارهما من شأنه أن يحدث تغييرات مهمة في المنطقة. و تفعيل اتحاد المغرب العربي أصبح اليوم خيارا تفرضه التطورات السياسية في المنطقة وظهور رغبة لدى القيادات السياسية لباقي دوله تعبر عن تطلعات الشعوب وعن إرادة وقف النزيف الاقتصادي المترتب عن الوضع الحالي. غير أنه في كل الحالات يتوقع أن تفرض السياسة الجزائرية ما بعد الانتخابات إيقاعا بطيئا في حل الملفين.

لكن ملف الصحراء المغربية قد يعاني من استمرار نفس السياسة الجزائرية تجاهه، وهي سياسة بالإضافة إلى أنها تدعم الانفصاليين ضد المغرب، فهي اتسمت على الدوام بالجمود واللاواقعية على مستوى الخطاب والمقاربة. وهذا الملف من بين أكثر الملفات حساسية التي سوف تمتحن الخيار الانتخابي الحالي في الجزائر ومدى إدراك قادته لأهمية تجديد مقاربتهم لملف الصحراء في اتجاه واقعي يحترم السيادة الوطنية للمغرب و وحدته الترابية.

إن التحدي الذي تواجهه إرادة التغيير في الجزائر بما يخدم مصلحة الشعب الجزائري وشعوب المغرب العربي يكمن في مدى قدرة القوى السياسية التي كرستها نتائج الانتخابات من التخلص من ضغط اللوبي العسكري من جهة ومن الاستلاب لقراءات عدائية تاريخية للعلاقة بين الجزائر والمغرب.

‫تعليقات الزوار

14
  • Azzedine kaddar
    الثلاثاء 15 ماي 2012 - 17:16

    C'est evident! Les resultats des urnes en algerie lors des dernieres legislatives etaient previsibles . Des resultats qui plebicitent les partis politiques, FLN en tete, deja au pouvoir depuis des lustres, Cette *victoire* sortie des urnes demontrerait inplacablement l'entetement et la determination des dirigeants harkis algeriens de toujours a demeurer au pouvoir jusqu'a l'infini. Il serait absurde et naif de croire un seul instant que les militaires qui ont accapare le pouvoir en algerie depuis l'independance de ce pays a ce jour, accepteraient qu 'une quelconque democratie puisse s'intaurer un jour en algerie, a part bien entendu la leur qui ne serait qu' une dicature jamais egalee et qui etoufferait la volonte du peuple algerien avide de liberte dont il serait prive depuis des decennies.Avec ces legislatives rien ne changerait dans ce pays ou la dictature militaire serait sortie par la fenetre pour rentrer **LEGALEMENT** par la porte.Au peuple algerien d agir….

  • مواطن
    الثلاثاء 15 ماي 2012 - 17:34

    ا لجزائر هي الجزائر لا تغير سياستها تجاه المغرب خصوصا فيما يتعلق بقضية الصحراء فهي كالعمود الصلب inflexible لا تنتظروا منها مساعدة لحل اية مشكلة

  • واحد
    الثلاثاء 15 ماي 2012 - 18:43

    اراهن على ان معظم القراء , ابتسموا ابتسامة صغيرة عندما قرؤوا عنوان هذا المقال , لانه يشبه نكتة …

    كنا نتمنى لو نستطيع الابتسام ابتسامة اعرض عند قراءة هذا العنوان و لو ان الامور تغيرت فعلا , من اجل اخواننا الجزيئريين اولا و من اجلنا بصفتنا جيرانهم الذين عانينا سوء الجوار بسبب هذا التغيير الذي لا يريد ان يأتي .

  • benmechdoud
    الثلاثاء 15 ماي 2012 - 18:47

    الله يهدي علينا الجائريين حكاما ومحكومين. و يفرقوا عليهم قضية الصحراء المغربية.
    بالنسبة لي، يلى وقفوا العداء للمغرب، لا أكن لهم إلا الحب و الإخاء ولا أتمنى لهم إلا التوفيق.

  • B R
    الثلاثاء 15 ماي 2012 - 21:49

    من واجبنا نحن المغاربة ان نراقب ونحلل نتائج الانتخابات الجزائرية وان نكون حذرين من الوضع في الجزائر و علينا ان لا نتوقع "التنازل" عن خياراتهم القديمة حل ملف الصحراء الذي تلعب فيه الجزائر دور راعي الانفصاليين ودعمهم او فتح الحدود او تفعيل اتحاد المغرب العربي اواحترام السيادة الوطنية للمغرب و وحدته الترابية سوف ياتي يوم ويدركون فيه انهم كانوا على خطاء

  • باين
    الثلاثاء 15 ماي 2012 - 23:48

    مع هبوب رياح التغيير العربي على الجزائر تم وصم كل مطالب بالتغيير بمساندة الصهيونية و انه صهيوني و هكذا تم اقبار الملف برمته و نحن لا نرضى من اي كان تهديد وحدتنا الترابية

    و الصحرا مغربية و دابا الحق يبان

  • jh^v
    الأربعاء 16 ماي 2012 - 01:14

    لا جديد لا هنا ولا هنالك لاننا من سكة واحدة يمينهم مثل يميننا ويسارهم مثل يسارنا ووسطهم مثل وسطنا سادتنا يحتكمون الى القمع مع شعب مكلخ مثلما يحتكم سادتهم الى القمع مع شعبهم المكلخ ايضا نحن متساوون والجملان يحملان كرتان متشابهتان

  • ليث اطلس
    الأربعاء 16 ماي 2012 - 07:44

    * أحد الكتاب الخليجيين قال / أعذروا إخوانكم الجزائرين .. هؤلاء لا يدركوا انهم في كوكب آخر – كوكب مختلف غير قادر على التواصل مع الآخر من البشر والشجر والحجر- ولا يستطيع الآخر التواصل معه / دعوهم في كوكبهم إلى ان يشاء الله واعتبروا فإن الله لايغير مابقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم .. وإن انطلقتم فأنطلقوا وتواصلوا مع الداينوصرات وزحل ولكن عبثا وسخفا لو حاولتم ان تأملوا وجودا لهذا المجتمع بين البشر .. ويخلق مالا تعلمون

  • aicha
    الأربعاء 16 ماي 2012 - 13:31

    Ce n est plus une chose a demontrer aujourd hui la dictature en algerie a jure le coran a la main et l epee dans l autre de faire la guerre au Maroc au moyen des separatistes le sahara n aura pas de solution et cette situation est rebelle a toute prevision pacifiste parceque les dictateurs en place ont un cumul de haine viscerale absurde envers tout ce qui est marocain et ils passent par les moyens les plus imprevisibles pour nuire a notre image ils ne veulent ni paix durable ni guerre franche C est ce qui parait les arranger et les reconforter Une facon aussi de detourner des sommes d argent monumentales au profit des dictateurs de leurs marionnettes et autres mercenaires Si c est le cas, soyons prets et ne leur donnons jamais l occasion de nous montrer du doigt

  • جزائري
    الأربعاء 16 ماي 2012 - 13:32

    أحسنت رقم 7. هدا هو المشكل أننا كشعبين نستغل من طرف نظا مين فاسدين لهم مصلحة مشتركة فى بقاء الوضع على حاله .أما بلطجية النظامين فهم من زادو الطين بلة .ارجو النشر

  • المغربي سيدك
    الخميس 17 ماي 2012 - 04:44

    ومازال البعض يسمي أعداء الوحدة الترابية الحاقدين( بإخوانهم الجزائريين …)

    في الوقت الذي ينعتمكم أبناء عسكر فرنسا أنتم ولأمهاتكم بأشنع الأوصاف في إعلامهم وفي كل مكان في هذه الأرض .. والله أمركم غريب يا بعض المغاربة …

    ديرو شويا نيف على كرامتكم ولا ترخصونا أمام الأعداء .
    وا عيــــــــقووووووووا .

  • عالي
    الخميس 17 ماي 2012 - 11:51

    لكن رغم كل ذلك فانتخابات 10 ماي الجاري، كما أكد مراقبون دوليون، نظمت بشكل سلمي، وعرفت نسبة مشاركة تقارب 43 في المائة مسجلة ارتفاعا مقارنة مع سابقتها، وأعلنت الدول الكبرى، مثل فرنسا وأمريكا، قبولها وترحيبها بتلك النتائج… وهذا يعني أن جزائر ما قبل الانتخابات سوف تستمر بعدها بأريحية أكبر، وأن الانتخابات أكسبتها الصفة الديمقراطية بشكل أقوى مما كانت عليه.
    ؤبالنسبة لملف الصحراء الغربية فهو في المجلس المم المتحدة وهناك تفاوض
    بين المغرب وجبهة البيليزاريو لا علا قة به من طرف الجزائر اتقوا الله

  • vrai marocain
    الخميس 17 ماي 2012 - 15:31

    اخواني المغاربة لا تقلقوا انه يوجد بيننا جزائريين يعلقون كأنهم مغاربة والغريب في الأمر أن فئة عريضة من الجزائريين يعيشون معنا بالمغرب و في رفاهية (اضربي يا خبزي ) مثال مغربي . نكارين الخير . المهم هو أن موقف الجزائر لن يتغير بالعكس يخادعون بجميع الطرق والوسائل مثل بشار الأسد .

  • Historien
    السبت 19 ماي 2012 - 13:03

    التغيير المؤجل هو الخلاصة التي يمكن استنتاجها من محطة الانتخابات الجزائرية. ولكن المهم في اللحظة الراهنة هو طبيعة السياسة التي تنتهجها القيادة الحالية. سياسة الجوار أولا ، والسياسة الإقليمية بشكل عام بعد التغيير الذي حصل في كل من تونس وليبيا والمغرب. هل يتعاون الجزائر في بناء مغرب عربي بشراكة اقتصادية وسياسية تنقل الشمال الإفريقي من واقع التشرذم إلى واقع التعاون. هل يستوعب العسكر خطورة الاستمرار في دعم الانفصاليين كورقة للتشويش على المغرب ؟ وبدون شك فإن أي نجاح للتجربة المغربية والتجربة الليبية والتونسية سوف يساعد الجزائر على المضي في إجراء إصلاحات داخلية تقطع مع دكتاتورية العسكر.
    وليس لي إلا أن أثمن عاليا تحليل الأستاذ حسن بويخف ، متمنيا للجزائر مستقبلا يعيد لها مكانتها داخل المغرب العربي لتحقيق التنمية الشاملة لشعوب المنطقة. وهل يمكن تحقيق النهضة والتنمية بدون جزائر ديموقراطية متعاونة مع دول الجوار ؟

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين