تضامنا مع فتيحة التي قتلت مغتصبها

تضامنا مع فتيحة التي قتلت مغتصبها
الأحد 29 يوليوز 2012 - 16:17

لا يكاد المغاربة يلملمون الجراح النفسية والوجدانية التي خلفتها فاجعة انتحار الطفلة أمينة الفيلالي بعد تعرضها للاغتصاب المتكرر وإرغامها على الزواج من الجاني ، حتى تنزل عليهم كالصاعقة فواجع أخرى تذهب ضحيتها فتيات لم يجدن وليا ولا نصيرا أمثال أمينة الفيلالي، للاتهم حليم، السعدية جلون وآخرهن فتيحة التي قتلت مغتصبها دفاعا عن شرفها وكرامتها . وأمام الصمت الحكومي تجاه تكرار واتساع جرائم الاغتصاب ، نظمت فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة ، يوم 12 يوليوز 2012 ، وقفة احتجاجية للتنديد بهذا الصمت الحكومي أمام تزايد وتيرة العنف ضد النساء ، سجلت مراكز الرابطة ما يزيد عن 15111 حالة عنف خلال سنتي 2010 و2011. وكان من المفروض أن تسهم قضية أمينة الفيلالي في الحد من جرائم الاغتصاب بفعل التصدي الإعلامي للجريمة بالتحليل والتحسيس . لكن ظلت ظاهرة الاغتصاب في اتساع وتزايد . وتلعب العوامل القانونية والاجتماعية دورا رئيسيا في ارتفاع نسب الاغتصاب :

بخصوص العوامل القانونية : يأتي في مقدمتها الفصل 475 من القانون الجنائي المغربي الذي ينص على أن من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنها عن الثامنة عشرة، بدون استعمال عنف أو تهديد أو تدليس أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية تتراوح ما بين 200 و500 درهم. ومع ذلك فان القاصر التي اختطفت أو غرر بها، إذا كانت بالغة وتزوجت من اختطفها أو غرر بها، فإنه لا يمكن متابعته إلا بناء على شكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج، ولا يجوز الحكم بمؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان حقا) . وهذا الفصل يشجع على جرائم الاغتصاب من ناحيتين : الأولى أنه يسمح للجاني بالإفلات من العقاب إذا قرر الزواج من الضحية . فالجاني يدرك ، منذ البداية ، أن الجريمة التي سيقدم عليها لها مخرج قانوني مضمون . وحالة المرحومة أمينة الفيلالي دليل قاطع على إفلات الجاني من العقاب . فالنص القانوني يفتح الباب أمام كل من ترفضه أي فتاة زوجا أن يغتصبها لتجد نفسها مرغمة على الزواج به مداراة للفضيحة .

الناحية الثانية تتعلق بنوعية العقوبة المتراوحة بين سنة و خمس سنوات . وهذه العقوبة في حد ذاتها تشجع على جريمة الاغتصاب لأنها تضمن للجناة ، بسبب الفساد الذي ينخر القضاء ، إما عقوبات مخففة لا تتجاوز في أغلبها سنة أو سنتين ، أو الحصول على البراءة . ومن أبرز الشهادات التي عرضتها فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة في ندوتها الصحفية الأخيرة : شهادة فاطمة مربوع، الفتاة القاصر ذات 17 سنة والقادمة من مدينة ورزازات التي تعرضت للاغتصاب من طرف شخصين ، فحاولت الانتحار خوفا من الفضيحة . هذه الضحية لم ينصفها القضاء الذي حكم في المرحلة الابتدائية بسنتين على الجانيين ثم أصدر حكمه بالبراءة في الاستئناف . ومثيلات فاطمة مربوع كثيرات لم تنصفهن العدالة .

بسبب هذا العور القانوني ، صعّدت الجمعيات النسائية والحقوقية من احتجاجاتها للمطالبة بحذف الفصلين 20 و21 من مدونة الأسرة اللذين يسمحان بتزويج القاصر ، وبتعديل الفصل 475 مع تشديد العقوبة على الجناة لتكون عامل ردع قوي يجعل أي شخص تساوره فكرة الاغتصاب يفكر أكثر من مرة في العواقب .

أما ما يتعلق بالعوامل الاجتماعية المشجعة على الاغتصاب فتكمن في الحرج الذي تكون فيه أسرة الضحية بسبب الشعور بـ”العار” أمام المجتمع ، مما تضطر معه إما إلى التستر على “الفضيحة”/الجريمة خوفا من شيوع الخبر ، أو تلجأ إلى إيجاد مخرج تراه “مشرفا” بتزويج الضحية إلى الجاني . وفي الحالتين معا هناك تشجيع للجاني وأمثاله على الاستمرار في جرائمهم . لكن الفعل الأخطر المرتبط بالظاهرة يتجسد في لجوء الضحية إلى الانتحار ، إما بسبب الخوف من الأسرة والفضيحة أو بسبب تواطؤ بعض رجال الدرك مع الجناة . ولعل حالة أمينة الفيلالي ، وبعدها حالة فتيحة اللتين وصلتا إلى الإعلام تثبت مدى مسئولية رجال الدرك في انتحار الضحية الأولى ولجوء الثانية إلى قتل الجاني . فأمينة الفيلالي انتحرت لما يئست من التشكي لرجال الدرك الذين رفضوا الاستماع إليها وتسجيل شكايتها لتأخذ المجرى القانوني المعتاد . أما فتيحة فلم تنتحر ، لكنها قررت قتل مغتصبها الذي ظل ينهش جسده ويدنس شرفها طيلة ثلاث سنوات دون أن يتحرك رجال الدرك لنجدتها وتقديم الجاني إلى القضاء . واليوم توجد فتيحة خلف القضبان لأنها دافعت عن شرفها وانتقمت لكرامتها بعدما تخلت عنها الأجهزة المفروض فيها حماية المواطنين . فلم يعد لفتيحة من مفر سوى الانتحار أو الانتقام . لذا قررت الانتقام من الوحش الذي عبث بشرفها وجسدها بعدما تخلت الشرطة القضائية عن واجبها . وهذه الواقعة تضع وزيري حزب العدالة والتنمية ، مصطفى الرميد وبسيكة الحقاوي أمام مسئوليتهما الوطنية والأخلاقية ؛ خصوصا وأنهما اتخذا مواقف مناهضة لمطالب تعديل الفصول القانونية ذات الصلة . فالسيدة الحقاوي اختارت الهروب إلى الأمام واتهمت الجمعيات النسائية والحقوقية بـ”استعمال ملف اغتصاب الأطفال، سياسيا بشكل سيء، الشيء الذي أضر كثيرا بصورة المغرب في الخارج” .علما أن الذي “يشوش على صورة المغرب من الناحية الحقوقية ” هو محاولة إخفاء الشمس بالغربال والتستر على الجرائم التي تتم باسم القانون . وكذلك فعل السيد الرميد الذي اعتبر المطالبة بتغيير الفصل 475 مجرد ردة فعل ، لهذا رفض الاستجابة لها بقوله ( أعتقد أنه لا يتعين اختزال موقف وزير العدل والحريات في التمسك أو عدم التمسك بمقتضيات الفصل 475 من القانون الجنائي، خاصة إذا ما ارتبط برد فعل اتجاه واقعة لم يثبت يقينا أنها نتجت عن سوء تطبيق مقتضياته من جهة، ومن جهة أخرى يصعب علي أن أقوم برد فعل تكون نتيجته تغيير مقتضيات جنائية تحت صدمة انتحار أمينة ) . والآن ، وبعد أن توقفت ردود الفعل ، هل سينكب سعادة الوزير على الدراسة الموضعية لظاهرة الاغتصاب والتعاطي الإيجابي مع مطالب وضع إطار قانون يتصدى لظاهرة الاغتصاب من زواياها النفسية والقانونية والاجتماعية؟ في انتظار التفاعل الإيجابي للوزير مع مطلب التعديل ، يتوجب عليه فتح تحقيق في قضية فتيحة ومحاسبة الأطراف المسئولة عن تعطيل القانون ، وفي المقدمة رجال الدرك . ذلك أن فتيحة هي أولا وأخيرة ضحية تستوجب من الجمعيات الدعم والمساندة ، ومن القضاء استحضار البعد الإنساني والنفسي للتي كانت في حالة دفاع عن العرض والشرف والكرامة. فالرسول الكريم (ص) اعتبر شهيدا من قُتل دون عرضه أو ماله (فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ قَالَ : فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : قَاتِلْهُ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : فَأَنْتَ شَهِيدٌ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ . رواه مسلم ( 140 ) . إذا خص الله تعالى من قُتِل دون ماله وعرضه بالشهادة ، والمقتول بالنار ، فأحرى بالقضاء أن يخص فتيحة بالبراءة.

‫تعليقات الزوار

13
  • متابع عن كثب
    الأحد 29 يوليوز 2012 - 18:19

    إن انكار مثل هذه الجرائم التي تقع في المجتمع المغربي يعد صورة صارخة للتناقض الكبير الذي يعيش فيه العلمانيون وعموم الناس.
    فإذا كان المغاربة قد صوت جمهورهم للدستور الذي ينحي الشرع الحكيم من سياسة الدنيا ويبقي مكانه القوانين الوضعية التي تضمن حرية التبرج والسكر وتخفيف العقاب وهي كلها اسباب طبيعية للاغتصاب فلماذا تنكرون بعد ذلك وقوع هذه الجرائم ؟
    هل تريدون ان تحققوا الأمن والاستقرار والكرامة بواسطة هذه القوانين بدلا من شرع الله ؟ فلا والله وألف والله لن يكون ذلك ولن يتحقق، لأنه لو كان ذلك ممكنا لما انزل الله هذا القرآن ، بل لقال للناس نظموا اموركم بأنفسكم.
    فما دمتم قد رضيتم بشرع الله ان يزاح فاخرسوا واغلقوا افواهكم وعيشوا مرارة الذل والعبودية والمصائب والمحن فذلك هو حظكم من تلك القوانين ( ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا)

  • fouad sale
    الأحد 29 يوليوز 2012 - 18:21

    واش 3سنوات عاد بغات تنتقم حالات الدفاع علئ النفس و العرض تكون فورية

  • نورة
    الأحد 29 يوليوز 2012 - 18:42

    لك الله يا فتيحة والبراءة ان شاء الله

  • arsad
    الأحد 29 يوليوز 2012 - 20:52

    الاغتصاب بدون عنف ودون مقاومة وبإرادة الطرفين جريمة مشتركة لا يمكن الحكم عن الشخص لوحده ولاكن العقوبة يجب ان تطبق على الإثنين معا……

  • بني وليد
    الأحد 29 يوليوز 2012 - 21:20

    يجب فتح تحقييق فوري وجديد في قضية فتيحة ويجب ان يكون مع السلطة المحلية لانها هو الباب اللاول الدي التجات اليه في شكواها وكانت فتيحة دائما تشتكي بالجاني والجاني يصول ويجول امامها دون اعتقاله الشيء الدي يزكي اطروحة تواطئ السلطة او الاهمال الدى طال شكواها

  • ABDOU
    الأحد 29 يوليوز 2012 - 22:41

    اكبر كذبة تروج في المغرب هي العنف ضد النساء.

  • بولامي
    الأحد 29 يوليوز 2012 - 23:00

    إن العلمانيين أمثال المدعو لكحل و لغزيوي يسعون لنشر الدعارة و الإجهاض و الزنا بين المغاربة. ثم بعد وقوعها يظهرون أنهم ضدها و يستحمرون الشعب المغربي المسلم
    كفى من استغفالنا أيها الإرهابيون العلمانيون فقد عرفنا خططكم و كيدكم و لقد بدأت دعاواكم تتساقط كأوراق الخريف

  • محمد صلاح الدين
    الإثنين 30 يوليوز 2012 - 02:39

    تبارك الله على السي سعيد دبا دويتي هاكا نبغيوك
    اول مرة تيعجبني المقال ديالك
    راك غادي في الطريق الصحيح واصل

  • benmechdoud
    الإثنين 30 يوليوز 2012 - 08:35

    إلى المعلق رقم 4 :arsad
    لم أفهم عنك ((الاغتصاب بدون عنف ودون مقاومة وبإرادة الطرفين جريمة مشتركة لا يمكن الحكم عن الشخص لوحده ولاكن العقوبة يجب ان تطبق على الإثنين معا…… ))؟؟؟
    إنك لا تعرف معنى الاغتصاب لا لغة و لا اصطلاحا. أرجوك أن ترجع إلى القواميس للاستفاذة.
    مع احتراماتي.

  • samir
    الإثنين 30 يوليوز 2012 - 19:57

    نرجو من السيد وزيرالفلاحة الرقي بهدا القطاع الى ما تصبو له الطبقة الشغيلة.لا سيما القطاع الخاص التي تهيمن عليه عصابة من رجال الاعمال .هدا القطاع معفى من الضرائب ومع دلك يتم استغلال العمال بطرق بشعة .لدلك نطلب من السيد الوزير الضغط عليهم لتفعيل مدونة الشغل لحفض كرامة المواطن لانه في الحقيقة يعيش هدا القطاع مهزلة كبيرة.

  • au diable
    الثلاثاء 31 يوليوز 2012 - 02:17

    dommage, les valeurs se sont inversees chez nous
    donner de la legitimité a un acte odieux et irreflechi,pire encore le soutenir, est une chose que l esprit saint ne peut pas accepter. .

  • اين الدليل
    الثلاثاء 31 يوليوز 2012 - 11:09

    الاخ الكاتب، ارسلت تعليق به بعض الانفعال لم ينشر، وعليه ارسل اخر مختصر:
    1- هل تتضامن مع القاتل ضد المقتول حتى بفرضيه قاعدة الدفاع الشرعى ،فالقانون يسقط العقوبه ولا يسقط الجريمه (اذا ثبت).
    2- كيف نتضامن مع من يقتل النفس التى حرم الله قتلها الا بالحق (فافتراض اننا مسلمون)؟
    3- كيف نسبق القاضى ونحكم على المقتول؟
    4- هل ( القاصرات 1+2) هن كن برئيات من واقعه الممارسه وتعلم ما اقصد؟
    5- هل العاور فى القانون (التشريع 18 سنه) ام فى الفطره التى تجعلنا جميعا قبل هذه السن لدينا الشهوه والرغبه فى الاخر؟
    6- ما حكمك على واقعة ممارسه بين طرفين (قاصر وقاصره) دون ال 18 عام هل يعتبر اغتصاب؟ومن هو المغتصب؟
    واخيراً ان الماده 425 بريئه من كل خلل بل هى ماده اجتماعيه من الدرجه الاولى يجب الحفظ عليه.

  • Mohamed Hersi
    الثلاثاء 31 يوليوز 2012 - 14:15

    Malgres mes racines Marocaines , mais je ne savais rien de la cituation sociale de la femme au Maroc , vue que je n'ais jamais vecus au Maroc, jusque il y a quelques annees , un ami m'a donne un livre intituler: L'Amende, qui raconter des histoires de la femme dans quelques regions ( un peu rurales) du Maroc , oh comme je t'aime mon cher Maroc.
    j'etais choque de lire des passages de ce livre, et j'ai contacter mes freres du maroc pour demander a quel point ce qui ce raconte dans ce livre est reel ? ben beaucoup , avec un grand B , m'ont confirmes ces passages qui sont vraiment choquants ,
    je peux dire et entant qu'homme j'aime et je respecte ma mere , et pour ce , j'aime et je respecte toute femme. et j'espere qu'avec la bonne education et les bonnes lois de punition et l'amelioration de la vie socio-economique , ce genre d'acte unhumain , d'acte barbarique,( ca n'a rien a faire avec les berberes) d'acte bestial s'arrete ou au moin diminu.

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 1

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج