جطو وتحدياته الخمس

جطو وتحدياته الخمس
الثلاثاء 28 غشت 2012 - 00:40

بعد ان تبين للجميع رويدا رويدا ان مسار المجلس الاعلى للحسابات قد وصل للطريق المسدود بفعل تراكم عوامل داخلية وخارجية ، أحسنت السلطة العليا صنعا بإنجاز فعل التغيير الذي وان كان متأخرا الا انه نزل بردا وسلاما علي جميع اصحاب الشان داخل المجلس وحوله وحواليه ، فما هي التحديات التي يتعين الان وهنا رفعها من قبل الوافد الجديد على رئاسة المجلس والتي لا مناص من التصدي لها ان كانت هناك فعلا إرادة للتغيير.

نعتقد جازمين انها امام الامتحان حاليا:

التحدي الاول : تصفية الجو الداخلي

ان قوة المجلس هي في قوة موارده البشرية قضاة وموظفين، فيتعين علي السيد جطو تصحيح جميع الخطايا الموروثة عن سلفه في هذا المجال من خلال الكف عن استعمال الترقيات والتعويضات كوسائل للابتزاز او تصفية الحسابات كما يتعين التسريع في اخراج النظام الاساسي لموظفي المحاكم المالية بما فيهم كتاب الضبط للوجود والمساواة والشفافية في توزيع المهام الخارجية وفي التوظيف والتعيين في مناصب المسوولية …

التحدي الثاني : تصحيح وتوضيح هوية المجلس

سبق لي ان صرحت في حوار نشرته هسبريس في التاسع من مايو 2011 ان المجلس يفقد رويدا رويدا هويته ورسالته الاصلية ويتحول تدريجيا الي مفتشية ممتازة همها افتراض وجود مخالفات والذهاب للكشف عنها ثم افراغ اليد منها من خلال رمي الكرة في ملعب وزير العدل والحكومة وهذا ليس هو المقصود من خلق المحاكم المالية بحسبانها اجهزة عليا للرقابة والمحاسبة تروم إشاعة قيم وقواعد الرقابة والمحاسبة والشفافية وسيادة القانون كاسس للوقاية من الفساد وكاليات لاستنبات معايير وادوات الاصلاح البنيوي القمين بمحاصرة البيئة التي يعشش فيها الفساد وليس دوره الاساسي هو مكافحة الفساد والبحث عن الفاسدين فهذا دور هيية النزاهة ومكافحة الفساد، والا فان الخلط بين وظيفة تحسين الحكامة ومكافحة الفساد سيؤدي للفشل في الهدفين وفي ضياع الموارد والاستخدام المزدوج للمؤسسات وانذاك يتعين دفن المجلس وهيئة مكافحة الفساد معا…

التحدي الثالث : اعادة الاعتبار للقانون وحكم الموسسات

هل الغاية تبرر الوسيلة في عمل الجهاز الرقابي ام انه بالعكس يتعين عليه ان يعطي القدوة والمثال في مراعاة القواعد والمساطر القانونية في كل صغيرة وكبيرة وتفعيل العمل المؤسسي الداخلي، وكما سبق ان كتبت فان المجلس لم ينشر حكما قضائيا واحدا مع العلم ان بامكانه ذلك قانونيا والا فأين هي قرارات الاجتهاد القضايي المالي فعوض نشر التقارير مصحوبة بالقرارات اي الرقابة والعقاب معا يكتفي المجلس بنشر التقارير بشكل متصرف فيه ويوحي بالتجريم اكثر من الاصلاح والتقويم ودون اتباعه بقرارات التغريم الفعال ولا سيما إرجاع الاموال المطابقة للخسارة التي تتكبدها المرافق العمومية ، منجهة ثانية لم يسبق للمجلس ان قام بمهمة تقييم واحدة تستهدف دراسة الاثار السوسية اقتصادية للبرامج والسياسات العمومية ؛ كما لم يسبق له ان طبق مساطر التسيير بحكم الواقع بالرغم من ان التسيير العمومي ولا سيما في المجال المحلي يعج بالمئات من الحالات … وهي مساطر تستهدف إرجاع الاموال العمومية دون الحاجة التجريم وإشاعة الرعب في اوساط العاملين في القطاع العمومي والمتعاملين معه.

ثم يتعين تحريك دولاب الحكامة الداخلية المشلول بالمجلس فعمل الموسسات لم يظهر له اثر حتي الان ولاسيما هيية الغرف المجتمعة المختصة في الاجتهاد القضايي والمسطرة ونشر الأحكام وغرفة المشورة المختصة في المناقشة والمصادقة علي التقارير السنوية للمجلس.

التحدي الرابع: تصحيح العلاقة مع المحيط الموسساتي

هل يمكن للمجلس ان يغرد خارج السرب او ان يعلن معركة دونكشوتية مع الفساد دون تنسيق وتفاعل مع مكونات منظومة اللمراقبة والمحاسبة ومكافحة الفساد وهي البرلمان والحكومة ووزير العدل ومعه الجهاز القضايي وهيئة مكافحة الفساد ؟ بالطبع لا يمكن ولا يعقل ذلك وعليه يتعين اعادة ترميم العلاقة المعطوبة مع البرلمان والكف عن التعامل مع نواب الامة ولا بما في ظل الدستور الجديد كطلبة جامعيين ونفس الامر مع وزير العدل وتجسير روابط التعاون المنهجي مع هيية مكافحة الفساد..

ومن دون ذلك فان المجلس سيظل يدور في مكانه او يعاود نفس النغمة القديمة كالاسطوانة المشروحة … وسينتهي به الامر لفقدان الثقة وتلك هي الطامة الكبرى

التحدي الخامس : تصحيح العلاقة مع الصحافة

اذا كان الدستور الجديد قد خطا خطوة جبارة بالمنظومة الرقابية العليا علي المال العام نحو مفهوم المراقبة الديموقراطية للحكامة فان هذه الخطوة لن تكتمل أبدا خارج الانخراط الواعي والمسؤول للصحافة في مجهودات الدولة الرامية لتفعيل الرقابة والمحاسبة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

ولكن يتعين علي المجلس من باب اولي ان يقوم بدوره في الانفتاح علي الصحافيين وتزويدهم بكل ما من شانه تصحيح المفاهيم المغلوطة او الاخبار غير الدقيقة وما اكثر شيوعها حول طبيعة وهوية ووظايف وفلسفة عمل المحاكم المالية فماذا سيضير هذه المحاكم ان لم يكن ينفعها تنظيم ابواب مفتوحة وندوات مشتركة مع الجامعات واصدار مجلات ونشرات تنويرية…

ودعوني اختم بالقول ان جهاز الرقابة والمحاسبة ليس لديه ما يخفيه حول معايير عمله ، وعليه ان يتجنب الوقوع في وصع المشتبه فيه وان يعطي القدوة والمثال في تبني الحكامة الجيدة الرشيدة وفقا لما ورد في توجيهات واضحة للملك سبق ان ابلغها الرييس السابق للقضاة لكنه بقي مع الاسف عند حدود التبليغ ولم يتجاوزه للتنفيذ فهل سينتقل القادم الجديد لرئاسة المجلس من طور التبليغ الي طور التنفيذ ، ذلك ما نتمناه ونتوقعه من السيد ادريس جطو ،فلننتظر ونر.

*خبير دولي في الرقابة والمحاسبة
رئيس مركز الابحاث والدراسات حول الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد
عضو شرفي بنادي القضاة

‫تعليقات الزوار

7
  • صرحان
    الثلاثاء 28 غشت 2012 - 02:19

    أنا اعتقد ان مجلس الحسابات سيعرف نقلة نوعية مع السيد ادريس جطو لان له شخصية ومسار مهني يسمحان له بتغيير طريقة العمل داخل المجلس وخارجه وهكذا من المنتظر ان يتم حل المشاكل الداخلية مع القضاة والمشاكل الخارجية مع البرلمان ووزير العدل كما سيعمل المجلس في اطار القانون وسيتم تفعيل جميع الاختصاصات غير المفعلة
    كما استغل هذه المناسبة لتوجيه التحية للدكتور براو لتحليله الموضوعي ولنقده غير الهدام خلافا لهواة الهدم والنقد من اجل النقد  

  • abdelaziz
    الثلاثاء 28 غشت 2012 - 10:22

    أشيد بهذا التحليل القيم للدكتور محمد براو ويجب من أمثالكم توعية المواطنين بدورهم كأفراد و كمجتمع مدني في المراقبة و المحاسبة

  • mus
    الثلاثاء 28 غشت 2012 - 10:24

    أفاد الاستاذ الخبير القراء لكن رغم ان الخطاب على مستوى عال من التخصص , فالرجاء ان يوضح كيف ان هذه المؤسسة العمومية الحديثة تعيش مشاكل داخلية وهل هي هيئة قضائية وما مكانتها داخل السلطة القضائية المستقلة عن التشريعي والتنفيذي . وما هي نواقص القوانين النظمة لمجلس الحسابات والمحددة لاختصاصاته وكيف يتم تكوين قضاته , وهل السيد جطو قاض وكيف يجمع المجلس بين المراقبة والمحاسبة و توجيه وتصحيح الاختلالات وفي نفس الوقت اصدار الاحكام القضائية والعقوبات
    والتحديات هل هي خمسة فقط وهل محاربة الفساد خارج عن اختصاصه وهل علاقته بالبرلمان والحكومة علاقة تعاون وتكامل وما هي المساطر المعمول بها وهل هناك درجات التقاضي وكيف يطعن في احكامه وقرارته وما هي طبيعة تقاربره السنوية

  • Mountassir
    الثلاثاء 28 غشت 2012 - 11:10

    ان اخطر ما تقع فيه أية مؤسسة هو ان تضرب عرض الحائط بالقانون وتمارس هواية الارتجال والانتقائية في القيام بمهامها ويبدو ان مجلس الحسابات ورغم ضجيج تقاريره قد وقع مسؤوله
    المخلوع في نفس الخطيئة وتعامل مع الرقابة المالية بمنطق نخلي داربوك المعروف عنه
    واكثر ما كان يقزز في عهد الميداوي هو شخصنة الرقابة في شخصه عندما تكون الامور إيجابية ثم رمي المسؤولية للقضاة عندما تكون سلبية
    وكذلك عزم وجود أية معايير لاختيار المؤسسات التي تخضع للرقابة اللهم التعليمات الشفوية فهل بهذه العقلية البوليسية سيتم تجفيف الفساد
     

  • Farid
    الثلاثاء 28 غشت 2012 - 16:59

    اسمحو لي فانا اشك ان تتغير كثيرا الامور بعد تعيين جطو لان المشكلة الاكبر بالنسبة لجميع اجهزة الدولة الدستورية هو غياب اليات ديموقراطية لمراقبة ما يجري بداخلها فنحن لولا ما تكتبه أقلام حرة ومطلعة مثل الدكنور محمد براو لما أمكننا معرفة حقيقة المشاكل الداخلية والمنزلقات المهنية للمجلس الحسابات
    الم نكن امام ما يشبه علبة مغلقة بطلها شخص واحد بينما الحقيقة والواجب يقتضيان الاعتراف بان ما حققه المجلس هو نتاج عمل جماعي وان كانت عليه عدة ملاحظات بدات تظهر للسطح الان لعلها اخطرها ان مجلس الحسابات كان ينصح الاخرين بالشفافية ولقانون وهو يفعل خلاف ذلك !؟

  • أحمد ابن الصديق
    الثلاثاء 28 غشت 2012 - 22:53

    الفصل 147 من الدستور الجديد والخاص بالمجلس الأعلى للحسابات يضمن استقلالية هذه المؤسسة ويعرفها بكونها الهيئة العليا لمراقبة المالية العمومية للمملكة ، ويضيف أنها تتولى ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية. هكذا دون استثناء. و بما أن القصر الملكي يستفيد من المال العام حيث أن ميزانيته البالغة 257 مليار سنتيم سنة 2012 يتضمنها قانون المالية، فهل سيأمر السيد جطو فريقا من المجلس بمراقبة كيفية صرف هذا المال من طرف المسؤولين على صرفه وخاصة السيد منير الماجيدي، ويرصد الاختلالات إن وجدت، ويطلب تفسيرا عنها، وينشر تقريرا مفصلا عن ذلك علما أن له كامل الصلاحية ؟

  • موظف جماعي
    الأربعاء 29 غشت 2012 - 12:15

    بتحليلي المتواضع للأشياء أظن أن قضية مكتب التسويق والتصدير هي السبب في اعفاء الميداوي حيث أنه ضرب في الصميم مصداقية حزب الإستقلال الحليف الأبدي للقصر ..
    مع جطو أظن أن المجلس سيدخل مرحلة سبات ،وسيكتفي بتفتيش الجماعات المحلية فقط ليطهر أنه يعمل شئ ما …
    لأن الجماعات المحلية وموظفيها هم الحلقة الأضعف في السياسة العامة للدولة

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج