بَها والإصلاح والثورة

بَها والإصلاح والثورة
الثلاثاء 4 شتنبر 2012 - 03:08

اخترع عبد الله بها وزير الدولة في حكومة عبد الإله بنكيران (حجة) جديدة لتخفيف الضغط على الجهاز التنفيذي الذي أصبح يتعرض أكثر فأكثر إلى النقد من داخل حزب العدالة والتنمية ومن خارجه ، “بها” رفيق بنكيران المعروف بميولاته المحافظة جداً قال في طنجة أمام شبيبة حزبه هذا الاسبوع. (لا تحاسبونا بمنطق الثورة، ولكن حاسبونا بمنطق الاصلاح).

هذا كلام حق يراد به شيء آخر. أولا لنسأل السيد بها، من هم هؤلاء الذين يحاسبونكم بمنطق الثورة؟ أصحاب منطق الثورة على قلتهم في المغرب لا يحاسبونكم، ولا ينتظرون منكم شيء، لأن كل مناهم أن تفشلوا في مهمتكم لكي يتعزز منطقهم الداعي الى تغيير جذري في المغرب. هؤلاء لا يحاسبونكم، هؤلاء يدعون عليكم بالفشل والاخفاق.

ما تبقى من قوى تحاسب الحكومة من موقع الاصلاح، ومن موقع التطبيق السليم والديمقراطي للدستور، ومن موقع مناخ الربيع العربي الذي فتح إمكانات كبيرة لإعادة الاعتبار للمطالب الديمقراطية التي ظلت معلقة على باب الحكام العرب عشرات السنين.

السيد باها بوعي أذونه يشكل اليوم قلعة محافظة جداً وسط حزب العدالة والتنمية، ونظرا لقوة تأثيره على رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران الذي أصر على إعطائه وزارة دولة دون حقيبة، اليوم يظهر وأنه يحمل أكبر وأخطر حقيبة في الحكومة. وهذه الحقيبة هي القدرة على التأثير في بنكيران، وعلى لجم أي نزعة نحو التأويل الديمقراطي الواسع للدستور، ومبرر السيد بها أن هناك ميزان قوي لم يتحرك رغم كل ما حدث في المغرب، وأن الدستور ليس هو الوثيقة الوحيدة التي تحكم الممارسة السياسية في البلاد. ولهذا فان الثقة أولى من التعاقد، والتوافق أولى من الاحتكام للدستور، والإصلاح التدريجي أولى من التشبث بالسلطة. وان التنازل عن الاختصاصات الموكولة للحكومة والاعتذار عن ما قد يفهم منه أنه تطاول على المقام وخفض الجناح لمراكز النفوذ كلها من مقومات الاصلاح وما دونها من مقتضيات الثورة !!

هل التشبث برسم سياسة عمومية في قطاع الاعلام السمعي البصري من قبل الحكومة المنتخبة جزء من منطق الثورة ؟هل إعداد لائحة جديدة للولاة والعمال خالية من الاسماء التي حامت حولها شبهات عدة، ليس أولها ولا آخرها, دعم حزب السلطة في الانتخابات الجماعية الاخيرة جزء من منطق الثورة ؟ هل احترام جوهر الدستور وتنظيم الانتخابات الجماعية الجديدة خلال هذه السنة من أجل تشكيل الغرفة الثانية وعدم إخضاع الأجندة الانتخابية لمنطق الحسابات السياسوية جزء من منطق الثورة ؟ هل محاربة الفساد والريع والامتيازات والابتعاد عن إضفاء الشرعية السياسية عن الإفلات من العقاب كما يدل على ذلك منطق بنكيران الذي لخصه في مقولة. عفى الله عما سلف. هل هذا منطق ثوري ؟هل احترام حق التظاهر السلمي في الشارع وعدم استعمال الهراوات والمحاكمات الجائرة ضد شباب 20 فبراير جزء من منطق الثورة ؟

منذ السبعينات وإلى اليوم خرجت القوى الاساسية في البلاد من عباءة الثورة الى استراتيجية النضال الديمقراطي واذا كانت هذه الاستراتيجية لم تعط ثمارها الى اليوم فان هذا لا يعني ان منطق هذه الاستراتيجية كان خاطئا ،بالعكس لقد اظهرت الخيارات المغامرة ان نتائجها ليس فقط كارثية على أصحابها بل وأنها تضر بمسار التحول الديمقراطي السلمي.
استراتيجة النضال الديمقراطي فشلت لان النخب التي تبنت هذه الاستراتيجية تعبت في منتصف الطريق، وبعضها باع الجمل بما حمل ووظف النضال من اجل الديمقراطية والحداثة من اجل الوصول الى منافع خاصة مادية أو سياسية. وحتى عندما أتيحت له فرصة إنزال مقومات النضال الديمقراطي من موقع المسؤولية الحكومية ارتكب اخطاء كثيرة لم تسعفه الشجاعة السياسية للاعتراف بها.

اليوم، الربيع العربي يعطي دفعة أكبر للتحول الديمقراطي السلمي والدستور الجديد ورغم كل الملاحظات عليه يفتح امكانات كبيرة لمصالحة المغاربة مع السياسة ولربط المسؤولية بالمحاسبة والسياسات العمومية بنتائج الاقتراع والسلطة بإرادة الشعب. ولهذا على السيد بها ان يواجه الأسئلة المشروعة والمخاوف الحقيقية لمناضلي حزبه بعيدا عن الاختباء خلف الفرق بين الاصلاح والثورة فلا يوجد إصلاح يتعايش مع الفساد والسلطوية والتحكم …

*مدير نشر جريدة أخبار اليوم

‫تعليقات الزوار

3
  • مغربي منطقي
    الثلاثاء 4 شتنبر 2012 - 12:46

    استراتيجية النضال الديمقراطي لم تفشل يا سي بوعشرين بدليل ان المغرب يتمتع بسقوف حرية غير مسبوقة رغم العثرات و الكبوات
    مشكلة النضال الديمقراطي ان ثماره ليست انية و تراكمه بطئ و لكنه مضمون بخلاف الثورة التي يمكن ان تذهب باستبداد لكي تاتي باستبداد العن
    الدول العربية التي تدعي ان بها ثورات عرفت ثورات قبل الان فتاريخ مصر كله ثورات و لكنه لم ينتج دولة ديمقراطية و تاريخ اليمن كله ثورات و لكنه لم ينتج مجتمع ديمقراطي و ايران عرفت ثورتها فاستبدلت استبدادا باستبداد و قتلت الثورة الايرانية الالاف من المعارضين و سجنت الالاف و نفت الالاف الى الخارج و الى الان صوت المعارضة مقموع رغم ان الثورة وعدت بالحرية
    في المغرب لا احد دعى للثورة و لا احد عاقل يمكن ان يحاكم الحكومة بمنطق الثورة دعك من الماركسيين او اتباع الخرافة هؤلاء رفع عليهم القلم منذ زمن
    ذلك ان برنامج الديمقراطية في المغرب تم تحميله بنسبة 80 بالمائة و هذا يعني انه لا يمكن لثورة الا ان ترجعنا الى الصفر مع عدم وجود اي ضمانة لكي تحقق لنا بعد ذلك هذه النسبة بعد 40 سنة اخرى فما بالك بال20 في المائة المتبقية
    الاصلاح و الاستقرار اضمن مائة مرة…

  • مصطفى
    الثلاثاء 4 شتنبر 2012 - 20:51

    يقال رحم الله رجلا اهدى الينا عيوبنا.يجب على حزب البيجيدي الاتعاظ والعبرة واشراك النخب وجميع شرائح الشعب في التغيير ومقارعة الفساد واسقاط فكرة الاصلاح وعدم الاتكال على زيف الخصوصية المغربية .

  • جمال
    الثلاثاء 4 شتنبر 2012 - 21:10

    الكلام يكاد يكون هو هو ومياه النهر يمكن الاستحمام فيها في مغربنا اكثر من مرة على ما يبدو، لكن لا يضر، الذكرى تنفع المؤمنين فذكر.والمفاجآت لا بد منها بعد هذا الربيع العربي المعجزة وبعد اخفاق نظريات توقف التاريخ. المستقبل ولود(أصبح في عداد المؤكد) والأيام ولادة والذي يحكم على الشعب بالموت يحكم على الإنسان والإنسان مخلوق عظيم إذ بمتغير بعد متغيرات غير محسوسة ينهض خلقا جديدا وبطلعة وشخصية ما تخطر على بال. وليس ببعيد عنا زمانا ومكانا وثقافة :ما حصل لمبارك الذي لم يكن واحد من العالمين يتصور سقوطه المدوي والمذل بسرعة وهوان فاعتبروا ياأولي الأبصار.

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة